منتديات موقع الميزان - عرض مشاركة واحدة - أصول العقيدة(3)في النبوة والرسالة
عرض مشاركة واحدة

زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 189
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 8  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 23-Feb-2013 الساعة : 02:45 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


-[ 141 ]-

الفصل الثاني
في بشارات الأنبياء (عليهم السلام) به

مِن شواهد صدق النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعوى النبوة: ما صدر مِن البشارة به مِن الله تعالى على لسان أنبيائه السابقين (صلوات الله عليهم)، وفي كتبه المنزلة عليهم، وذكر زمان بعثته ومحل ظهوره وهجرته، وما يحيط بذلك من دلائل وعلامات بلغ بها الأنبياء أممهم، وحملها علماء أهل الكتاب عنهم.
وقد ذكر أهل الحديث والمؤرخون كثيراً منها، مثل حديث تبّع مع الأوس والخزرج حين أوصاهم بالبقاء في المدينة إلى حين ظهور النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (1)، وقصة سيف بن ذي يزن حين بشر جده عبد المطلب به، وذكر له ما يؤول إليه أمره (2)، وقصة بحيرا الراهب حين حدث عمه أبا طالب بشأنه حين سافر به وهو صبي إلى الشام (3)، وحديث يوسف اليهودي بمكة المكرمة حين رأى النجوم تقذف، وسأل قريشاً عن مولود جديد فيهم، فأخبروه بولادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فطلب رؤيته، ولما رآه أعلمهم
ـــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 15: 183.
(2) إعلام الورى بأعلام الهدى 1: 62ـ65، وبحار الأنوار 5: 186.
(3) إعلام الورى بأعلام الهدى 1: 62ـ65، وبحار الأنوار 5: 193.
-[ 142 ]-
بأنه هو النبي الموعود به (1).
ويؤيدها ما ذكروه من تأكيد جدّه عبد المطلب وعمه أبي طالب في مناسبات مختلفة على أهمية هذا الإنسان الكريم، وعلى أن له شأناً سوف يظهر، وحرصهما عليه وعلى رعايته وسلامته، كما يظهر بمراجعة كتب التاريخ والسيرة.
وكذا الحال في قصة سلمان الفارسي حين ضرب في الأرض يطلب الدين الحق، حتى انتهى إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فآمن به بعد أن رأى ما يعرفه من علامات نبوته (2).
وكذا إسلام جماعة من اليهود والنصارى بعد أن عرفوا أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) النبي الموعود به، كعبد الله بن سلام، والنجاشي، والجارود بن المنذر العبدي، والراهب الذي رأى أمير المؤمنين في طريقه إلى صفين وقد كشف عين الماء في الصحراء، فأسلم والتحق به (3) وأمثالهم... إلى غير ذلك مما هو كثير جدًّا، وقد روي بطرق مختلفة.
كما أكد القرآن المجيد على وجود هذه البشائر والعلامات، وأن أهل الكتاب يعرفون الحق ويكتمونه، وشدد عليهم في ذلك، حتى قال تعالى: ((وَمَن أظلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِن اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعمَلُونَ)) (4).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) إعلام الورى بأعلام الهدى 1: 58
(2) بحار الأنوار 22: 355.
(3) بحار الأنوار 15: 236.
(4) سورة البقرة آية: 140.
-[ 143 ]-
وقال سبحانه: ((إنَّ الَّذِينَ يَكتُمُونَ مَا أنزَلنَا مِن البَيِّنَاتِ وَالهُدَى مِن بَعدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُم اللهُ وَيَلعَنُهُم اللاَّعِنُونَ* إلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأصلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أتُوبُ عَلَيهِم وَأنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)) (1).
وقال عزّ من قائل: ((إنَّ الَّذِينَ يَكتُمُونَ مَا أنزَلَ اللهُ مِن الكِتَابِ وَيَشتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأكُلُونَ فِي بُطُونِهِم إلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُم اللهُ يَومَ القِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِم وَلَهُم عَذَابٌ ألِيمٌ* أُولَئِكَ الَّذِينَ اشتَرَوا الضَّلاَلَةَ بِالهُدَى وَالعَذَابَ بِالمَغفِرَةِ فَمَا أصبَرَهُم عَلَى النَّارِ)) (2)... إلى غير ذلك.
وقد أكد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك في حديثه، خصوصاً مع اليهود الذين ابتلي بهم بالمدينة، حتى ورد أنهم جاؤوه لما هاجر فقالوا: يا محمد إلى ما تدعو؟
قال: "إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، الذي تجدونني مكتوباً في التوراة، والذي أخبركم به علماؤكم أن مخرجي بمكة ومهاجري بهذه الحرة. وأخبركم عالم منكم جاءكم من الشام، فقال: تركت الخمر والخمير، وجئت إلى البؤس والتمور، لنبي يبعث في هذه الحرة، مخرجه مكة ومهاجره ههنا، وهو آخر الأنبياء وأفضلهم، يركب الحمار، ويلبس الشملة، ويجتزئ بالكسرة، في عينيه حمرة، وبين كتفيه خاتم النبوة، ويضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى، وهو الضحوك القتال، يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر".
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة البقرة آية: 159ـ160.
(2) سورة البقرة آية: 174ـ175.
-[ 144 ]-
فقالوا: قد سمعنا ما تقول، وقد جئناك لنطلب منك الهدنة (1).
وكذلك أكده أئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم) في مناظراتهم واحتجاجاتهم على أهل الأديان، وأخذوا اعترافهم به. وأكده علماء المسلمين عنهم أو عن كتبهم (2).
وقد بلغ ذلك بمجموعه حدّ التواتر، بل يزيد عليه. مع غضّ النظر عن صدق القرآن المجيد.

شواهد صدْق دعوى وجود البشارات

غير أن بناء أهل الكتاب على تجاهل ذلك كله، والتصامّ عنه، بحدّ قد يوهم أن الأمر لا يزيد على كونه دعوى من المسلمين لدعم دينهم، لا تبلغ حدّ الحجة والبرهان.
ومن هنا يحسن بنا أن نلفت النظر إلى أمور تؤكد ذلك وتوضحه..

القرآن يسجل اعتراف أهل الكتاب

أحدها: قوله تعالى: ((وَلَمَّا جَاءَهُم كِتَابٌ مِن عِندِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُم وَكَانُوا مِن قَبلُ يَستَفتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعنَةُ اللهِ عَلَى الكَافِرِينَ)) (3). فإنه لم يقتصر على دعوى معرفتهم بصدق
ـــــــــــــــــــــــ
(1) إعلام الورى بأعلام الهدى 1: 157.
(2) كمال الدين وتمام النعمة: 157 / وإعلام الورى بأعلام الهدى 1: 58 / وكشف الغمة 1: 21 / وسعد السعود: 57، 62، 63.
(3) سورة البقرة آية: 89.
-[ 145 ]-
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). بل زاد عليه أنهم كانوا قبل مبعثه يستفتحون على الذين كفروا، بأن يقولوا لهم سوف يبعث نبي - ويذكرون صفته - فنؤمن به، ونتغلب عليكم بذلك.
ومن الظاهر أن هذا الحوار لو لم يكن له واقع لم يتعرض له القرآن الشريف، لا لما نعتقده من صدق القرآن الكريم، بل لأن تعرضه له حينئذٍ يكون مثاراً للاستنكار من الكفار واليهود والمنافقين على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والتشنيع عليه وإحراجه، كما أنه قد يوجب زعزعة إيمان المؤمنين وتراجعهم، وهو في غنى عن ذلك كله.

قصة المباهلة

ثانيها: قصة المباهلة، المشهورة. فإن القرآن الشريف تحدى علماء النصارى ومن لهم علم بالكتاب منهم، وطلب من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يدعوهم للمباهلة على صدق ما جاءهم من العلم، ولكنهم امتنعوا من ذلك ورضوا بالحلّ المهين، وهو دفع الجزية.
والمفروض بعلماء أهل الكتاب أن لا يخفى عليهم صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو كذبه، ولاسيما مع إصراره على البشارة به من الأنبياء السابقين (عليهم السلام) ووجود صفته وعلاماته في كتبهم، ولا مبرر لرضاهم بالحلّ المهين مع علمهم بكذبه وافترائه، فلابد من إدراكهم صدقه، ولذا امتنعوا من مباهلته خوفاً من معاجلتهم بالعذاب، كما امتنعوا من الإقرار له والتصديق به خوفاً على مناصبهم ودنياهم، فاضطروا للرضا بالحل الوسط، وإن كان مهينًا.
-[ 146 ]-

ما بقي في العهدين من إشارات لنبوته (صلى الله عليه وآله وسلم)

ثالثها: ما بقي في العهدين القديم والجديد اللذين تتبناهما الديانتان اليهودية والمسيحية المعاصرتان من تصريحات وإشارات تفتح الطريق للباحث عن الحقيقة والذي يريد الوصول لها.
وقد ذكرنا شيئاً من ذلك يتعلق بالنبي والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) في جواب السؤال التاسع من الجزء الثالث من كتابنا (في رحاب العقيدة).
وتعرض آخرون لبعض التلويحات والإشارات لا يسعنا إطالة الكلام فيها بعد عدم توقف الاستدلال عليها.
كما سمعنا مشافهة من بعض المستبصرين ممن هداهم الله تعالى للإسلام حقائق مذهلة لا يحسن بنا إثباتها بعد أن لم تكن موثقة، ولا تحمل صفة رسمية.
-[ 147 ]-

الفصل الثالث
في المعاجز والكرامات

من شواهد صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعوى نبوته: ما ظهر على يديه من الكرامات الباهرة والمعاجز الخارقة للعادة، كانشقاق القمر، وردّ الشمس بأمره، وتظليل الغمام عليه، وقطع المسافة الطويلة بزمن قصير، ومجيء الشجرة له لما دعاها، وخروج الماء من بين أصابعه، وعندما غرز سهمه في بئر قد نضب ماؤها، وتكثير الطعام القليل، وحنين الجذع الذي كان يخطب عنده لما فارقه ورقى المنبر، ودرّ اللبن من ضرع شاة أم معبد بعد أن أضرّ بها الجهد، واخضرار شجرتها بعد أن يبست عندما توضأ في أصولها، وشهادة الذئب بنبوته، وحديث البعير والظبية معه، وشفاء المرضى ببركته واستجابة دعائه وإخباراته الغيبية الكثيرة... إلى غير ذلك مما لا يتيسر إحصاؤه.

الكرامات الصادرة من أهل بيته (عليهم السلام)

ويلحق بذلك ما ظهر من أهل بيته (صلوات الله عليهم) من الكرامات والمعاجز، لأنهم ينظرون بمشكاته، ويحملون تعاليمه، وينطقون
-[ 148 ]-
عنه، فما يصدر عنهم صادر عنه ومن فيض بركته، فهو شاهد لنبوته ومؤكد لصدق دعوته. كما أنه يكون شاهداً على أنهم (صلوات الله عليهم) ورثته وحملة علمه.
وتلك الكرامات قد بلغت من الكثرة وشيوع النقل حدّاً يزيد على التواتر الإجمالي بمراتب، بل ربما تواتر كثير منها تفصيلاً، كما يظهر بمراجعة ما ذكره المسلمون عموماً في تاريخ حياته وشرح سيرته (صلى الله عليه وآله وسلم)، وما ذكروه - خصوصاً الشيعة منهم - في حق الأئمة من أهل بيته (صلوات الله عليهم).

شواهد صدْق نِسْبة هذه الكرامات

وربما يخفى ذلك على كثيرين، لإعراضهم عن الفحص والنظر، فيستحكم في نفوسهم احتمال افتراء المسلمين ذلك كله من أجل تكثير الحجج على صحة الإسلام، لأنّ نقْل ذلك إنما تمّ من طريق المسلمين دون غيرهم.ولذا يحسن بنا التنبيه على أمور حقيقة بالتأمل، تزيد هذا الأمر وضوحاً وجلاءً، ولا يبقى معها مجال لهذا الاحتمال..

كثير منها لم تسجل من أجل الاحتجاج

الأمر الأول: أن كثيراً من هذه الأمور لم يسجل تاريخيّاً من أجل الاحتجاج به، ليتوهم أنه أمر متكلف قد اخترع من أجل تكثير الحجج للمسلمين على دينهم، بل كثير منه قد ذكر عابراً في ضمن سرد تاريخي من دون تركيز عليه، حيث يناسب ذلك كون ذكره عفويًّا، كسائر
-[ 149 ]-
الحقائق التاريخية، التي يوثق بوقوعها تفصيلاً أو إجمالاً نتيجةَ تكرُّرِ نقلِها وشيوعها.

استعراض القرآن المجيد لبعضها

الأمر الثاني: أن القرآن الشريف قد تضمن نقل بعض هذه الأمور في جملة من آياته.
منها: قوله تعالى: ((اقتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ القَمَرُ* وَإن يَرَوا آيَةً يُعرِضُوا وَيَقُولُوا سِحرٌ مُستَمِرٌّ)) (1).
ومنها: قوله عزّ وجلّ: ((سُبحَانَ الَّذِي أسرَى بِعَبدِهِ لَيلاً مِن المَسجِدِ الحَرَامِ إلَى المَسجِدِ الأقصَى الَّذِي بَارَكنَا حَولَهُ لِنُرِيَهُ مِن آيَاتِنَا إنَّه هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) (2).
وقد تضمنت هاتان الآيتان الإخبار عن حادثتين معجزتين خارقتين للعادة، خصوصاً الأولى منهما.
ومنها: قوله سبحانه: ((وَإذ يَعِدُكُم اللهُ إحدَى الطَّائِفَتَينِ أنَّهَا لَكُم وَتَوَدُّونَ أنَّ غَيرَ ذَاتِ الشَّوكَةِ تَكُونُ لَكُم وَيُرِيدُ اللهُ أن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقطَعَ دَابِرَ الكَافِرِينَ)) (3).
وقد تضمنت هذه الآية الكريمة الإشارة إلى خبر غيبي من الله
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة القمر آية: 1ـ2.
(2) سورة الإسراء آية: 1.
(3) سورة الأنفال آية: 7.
-[ 150 ]-
تعالى ووعد للمسلمين بلغهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) به، وكان ذلك حين بلغ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قرب مرور عير قريش، فإنه خرج وأخبر المسلمين بأن الله تعالى وعدهم إما العير يغنمونها، وإما النفير من قريش يظفرهم بهم، وكانوا يودون العير يغنمونها من دون قتال، وقد قدر الله تعالى ظفرهم بالنفير، فكانت واقعة بدر، وانتصارهم العظيم فيها، تصديقاً لذلك الوعد.
ومنها: قوله عزّ من قائل: ((وَلَقَد صَدَقَكُم اللهُ وَعدَهُ إذ تَحُسُّونَهُم بِإذنِهِ حَتَّى إذَا فَشِلتُم وَتَنَازَعتُم فِي الأمرِ وَعَصَيتُم مِن بَعدِ مَا أرَاكُم مَا تُحِبُّونَ مِنكُم مَن يُرِيدُ الدُّنيَا وَمِنكُم مَن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُم عَنهُم)) (1).
وهذه الآية الشريفة كسابقتها أشارت إلى وعد الله تعالى للمسلمين على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بنصرهم إن أطاعوه وتبعوا تعاليمه في حرب أحد، وقد صدق هذا الوعد فانتصروا في أول الأمر نصراً عظيمًا، لولا أنهم اختلفوا بعد ذلك، وخالف أكثر الرماة أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفارقوا مكانهم، فخذلوا وانهزموا.
ومنها: قوله جلّ شأنه عن موقف المؤمنين في غزوة الأحزاب: ((وَلَـمَّا رَأى المُؤمِنُونَ الأحزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُم إلاَّ إيمَاناً وَتَسلِيما)) (2).
حيث أشار عز وجل بذلك إلى وعد الله تعالى على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للمؤمنين بمحنة تصيبهم، وكان حصول تلك المحنة في الغزوة المذكورة
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة آل عمران آية: 152.
(2) سورة الأحزاب آية: 22.
-[ 151 ]-
وتصديق الوعد سبباً في قوة بصيرة المؤمنين في دينهم، وتسليمهم لله سبحانه.
ومنها: قوله سبحانه: ((لَقَد صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤيَا بِالحَقِّ لَتَدخُلُنَّ المَسجِدَ الحَرَامَ إن شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُم وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَم تَعلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتحاً قَرِيبا)) (1).
حيث تضمنت هذه الآية الكريمة وعداً للمؤمنين على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بدخول المسجد الحرام.
وقد تحقق أخيراً في فتح مكة المكرمة، وأشارت في ذيلها إلى ما أحدثه تأخيره من بلبلة بين المسلمين، لأنهم توقعوا تصديقه في غزوة الحديبية، ولما لم يتحقق ردوا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ورفضوا صلحه مع قريش، جهلاً منهم بما تؤول إليه عاقبته، كما ذكر ذلك أهل الحديث والمؤرخون بتفصيل. وتعرضنا له في جواب السؤال الثاني من الجزء الأول من كتابنا (في رحاب العقيدة).
والمهم في المقام أن ذكر القرآن الشريف لهذه الأمور يزيدها توثقًا، لا لأن القرآن المجيد صادق- فإنّ ذلك أمر يختص بالاعتقاد به المسلمون- بل لأن القرآن كان ينزل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو في مواجهة مع المشركين والمنافقين، فلو تضمن الإخبار عن مثل هذه الأمور الظاهرة من دون أن تقع وتظهر لهم، لأوجبت التشنيع والتهريج من قبلهم، وصارت حجة لهم في تكذيبه.
كما قد تكون سبباً في تزلزل إيمان المؤمنين وحيرتهم. وهو (صلى الله عليه وآله وسلم) في
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الفتح آية: 27.
-[ 152 ]-
غنى عن ذلك. نظير ما سبق عند الكلام في بشارة الأنبياء وكتبهم به (صلى الله عليه وآله وسلم).
بل حيث لم يظهر من أحد الإنكار والتشنيع عليه (صلى الله عليه وآله وسلم)، كشف ذلك عن وقوع هذه الأمور وظهورها لهم بحيث لا يستطيعون ردّها أو طلب الشواهد عليها.

توجيه عدم تعرُّض القرآن الكريم للمعراج

ولعله لذا لم تتضمن آية الإسراء عروج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى السماء، وإن كان قد حصل أيضًا.
وذلك لأنه أمر خارق للعادة، ولا يتيسر إثباته للخصم، فكان الأولى تجنُّب طرحه على الصعيد العام في القرآن الشريف، لئلا يكون سبباً لتكذيبه والتشنيع عليه، واقتصر على بيانه من قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أحاديثه الخاصة مع المسلمين الذين هم مهيؤون لتصديقه (صلى الله عليه وآله وسلم) والتعبد بأقواله، من دون أن يسبب حرجاً له مع الكفار.


رد مع اقتباس