منتديات موقع الميزان - عرض مشاركة واحدة - أصول العقيدة(3)في النبوة والرسالة
عرض مشاركة واحدة

زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 189
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 13  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 06-Mar-2013 الساعة : 05:40 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


-[ 198 ]-

تتميم: في عصمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

بقي الكلام في العصمة التي أجمع المسلمون على تَحَلِّي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بها في الجملة.
ولابد لنا من الكلام..
أولاً: في حقيقة العصمة ومنشئها.
وثانياً: في دليل تحلي نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) بل جميع الأنبياء (صلوات الله عليهم) بها، وحصولها فيهم.
فيقع الكلام في مقامين..
-[ 199 ]-

المقام الأول
في حقيقة العصمة ومنشئها

معنى العصمة لغة

من الظاهر أن معنى العصمة لغة المَنْع. ومنه قوله تعالى: ((وَاللهُ يَعصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)) (1)، وقوله سبحانه: ((وَنَادَى نُوحٌ ابنَهُ وَكَانَ فِي مَعزِلٍ يَا بُنَيَّ اركَب مَعَنَا وَلاَ تَكُن مَعَ الكَافِرِينَ* قَالَ سَآوِي إلَى جَبَلٍ يَعصِمُنِي مِن المَاءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ اليَومَ مِن أمرِ اللهِ إلاَّ مَن رَحِمَ)) (2).

مَنْشأ العصمة في الجهل والخطأ

والعصمة بالإضافة إلى الجهل والخطأ والنسيان لابد أن تبتني على منع الله سبحانه وتعالى للعبد منه، ولو بما يَخْرُج عن اختياره من مميزاته التكوينية الجسدية، أو المنبهات الخارجية، ولو بمثل الوحي والتسديد بروح القدس ونحوهما. ولا محذور في ذلك.

مَنْشأ العصمة بالإضافة إلى المعاصي

أما العصمة بالإضافة إلى المعاصي - في التبليغ أو غيره - فقد يُتَوَهَّم فيه
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة المائدة آية: 67.
(2) سورة هود آية: 42ـ43.
-[ 200 ]-
ذلك أيضاً قياساً على العصمة في بقية الأمور، وربما ينسب ذلك للشيعة، جهلاً بمرادهم، أو تشنيعاً عليهم، مع أنه غريب عليهم.
بل لا يتناسب مع مَبْناهم العام في أفعال العباد، إذ مِن المعلوم أنّ الاتجاهات فيها ثلاثة..

مذهب الجَبْريّين والمُفَوِّضة في أفعال العباد

الأول: اتجاه الجبريين القائلين بِسَلْب اختيار الإنسان، وانفراد الإرادة الإلهية بأفعاله، من دون أن يكون له دخل فيها.
فأفعال الإنسان عندهم كحركة دمه في عروقه، ودقات قلبه، وبقية الأمور التكوينية الخارجة عنه، كهيجان الهواء ونزول المطر.
الثاني: اتجاه المفوضة القائلين بانفراد إرادة الإنسان واختياره بأفعاله، من دون أن يكون للإرادة الإلهية دخل فيها أصلاً.
فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وفوض إليه أفعاله، ولم يُعمِل جلّ شأنه سلطانه فيه، بل اعتزل عنه.

مذهب الشيعة في أفعال العباد

الثالث: اتجاه الشيعة الإمامية التابع لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) والمتمثل في قولتهم (عليهم السلام) المشهورة:
"لا جَبْرَ ولا تَفْوِيض، بل أَمْرٌ بيْن أمْريْن" (1).
ومرْجعُه إلى أن أفعال الإنسان خاضعة لاختياره في طُول خضوعها لتقدير الله تعالى وتدبيره، فهو جلّ شأنه قد مَلَّكَ الإنسانَ وأقْدَره على ما
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 1: 160 / عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 114.
-[ 201 ]-
هو أملك له وأقدر عليه، فقدَّر له أن يفعل ما يفعل ويترك ما يترك مختاراً في ذلك غير مجبور.
وعلى ذلك يكون فعل الإنسان خاضعاً لإرادته واختياره بالمباشرة، ولإرادة الله تعالى وتقديره مِن وراء ذلك.
ولا يخرج فعْلُه عن سلطان الله تعالى - كما يقوله المفوضة - ولا عن اختيار الإنسان نفسه- كما يقوله الجبريون- ومِن ثمّ أمْكَن خطاب الله تعالى به وتكليفه فعْلاً أو ترْكًا، واستحق الإنسان به المدح أو الذم والثواب أو العقاب. على ما يأتي توضيحه في الفصل الرابع عند الكلام في العدل الإلهي.

اخْتيَار المعصوم في فعْل الطاعة وترْك المعصية

إذا عرفت ذلك فكما يكون عادِيُّ الناسِ مختاراً في فعل ما يفعل وترك ما يترك من الطاعات والمعاصي، وإن كانت بتقدير الله تعالى من ورائه، فكذلك حال المعصوم في فعل جميع الواجبات والطاعات، وترك جميع المحرمات والمعاصي.
فهو يفعل جميع الواجبات والطاعات باختياره، ويترك جميع المحرمات والمعاصي باختياره. وليست العصمة إلا بشمولية الطاعة وعموميتها، مِن دون فرق بين المعصوم وغيره في حقيقتها ومنشئها.
وربما أوْهم خِلافَ ذلك أمران:
-[ 202 ]-

التعبير بالعصمة لا يعني الإجبار

الأول: التعبير بالعصمة، التي هي بمعنى المنع لغة، كما سبق. بل قد تنسب لله تعالى، فيقال: عصمه الله تعالى من المعاصي. وفي الزيارة الجامعة الكبيرة: "عصمكم الله من الزلل، وآمنكم من الفتن...".
لكن ليس المراد بها هنا المنع القسري، بل تهيئة أسباب التوفيق لاختيار الطاعة واجتناب المعصية، على طول الخطّ، وفي جميع الأوقات والأحوال، مثل كمال عقل الشخص، وقوة شخصيته وصفاء نفسه، وأعماله الصالحة التي تكون مدعاة للتوفيق، وتذكير الله تعالى له وتسديده إياه، ونحو ذلك مما ينتهي بالآخرة لحسن اختيار الإنسان نفسه.
نظير تهيئة الأسباب المذكورة لاختيار الطاعة واجتناب المعصية لعادِيِّ الناس في بعض الأوقات والحالات وإن لم يستمر على ذلك.
ولذا كان المعصوم أفضل من غيره، بل في أعلى مراتب الفضل والقرب من الله تعالى، لاستقامته على الطاعة وترك المعصية، والتزامه بذلك، بنحْوٍ يكشف عن ارتفاع مستواه وشدة علاقته بالله تعالى وفنائه فيه.
ولو كان مقهوراً في ذلك مجبوراً عليه من دون إرادة ولا اختيار لما كان له في ذلك فضل ولا كرامة عند الله تعالى، بل لا طاعة ولا معصية في حقه، كالآلات الصامتة إذا حركت من أجل تحقيق ما يراد منها.
-[ 203 ]-

وجوب العصمة لا يعني حصولها قسْرًا

الثاني: أنه كثيراً ما يُعبَّر عن النبي أو الإمام بأنه واجب العصمة، حيث قد يتوهم أن وجوب العصمة بمعنى لزومها بنحو لا يمكن التخلص منها، المناسب لكونها قسرية غير اختيارية.
لكن ليس المراد بالوجوب ذلك، بل كون ثبوت العصمة للشخص معلوماً بالضرورة العقلية، بسبب تحقق لازمها - وهو النبوة أو الإمامة - بحيث لا مجال لاحتمال عدمها فيه.
وتوضيح ذلك: أنه بعد أن ثبت - كما يأتي إن شاء الله تعالى - بحكم العقل أنه يقبح على الله تعالى أن يجعل النبوة والإمامة في غير المعصوم، فإذا جعل شخصاً نبيّاً أو إماماً فلابد بالضرورة أن يكون الشخص المذكور قد علم الله تعالى منه أنه لا يقارف ذنباً وأنه معصوم بالمعنى المتقدم، لامتناع صدور القبيح منه تعالى شأنه، ومع علمه سبحانه بذلك فلابد أن يتحقق، لاستحالة الخطأ عليه جلّ شأنه.
وهذا لا ينافي كون العصمة من الذنوب فيه بسبب اختيار الشخص نفسه للطاعة ومجانبة المعصية. بل لا تكون العصمة إلا بذلك، إذ مع الإجبار لا طاعة ولا معصية، كما سبق.
فالمقام نظير ما لو رَشَّح الثقةُ العارف شخصاً لأن يكون إماماً في الصلاة جماعة، فإنه يُعلَم بذلك أن الشخص المرشَّح للإمامة عادِلٌ بنظر الثقة العارف الذي رشحه، من دون أن ينافي ذلك كون عدالة ذلك الشخص
-[ 204 ]-
بسبب اختياره للطاعة ومجانبته للمعصية من دون أن يكون مجبوراً عليهما.
غاية الأمر أن الخطأ على الثقة العارف الذي رشح الشخص للإمامة في الصلاة ممكن عقلاً، والخطأ على الله تعالى في اختيار مَن هو أهل للنبوة أو الإمامة محال ممتنع عقلاً، فتكون عصمة النبي والإمام معلومة بالضرورة العقلية بسبب ذلك، وهو معنى وجوبه.
-[ 205 ]-


رد مع اقتباس