منتديات موقع الميزان - عرض مشاركة واحدة - أصول العقيدة (4) في الإمامة
عرض مشاركة واحدة

زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 189
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-Mar-2013 الساعة : 11:42 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


-[ 229 ]-
المدخل
شمولية إمامة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للدين والدنيا
من الظاهر أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إماماً للمسلمين ومرجعاً لهم. وإمامته ذات جانبين:
الأول: الإمامة في الدين، فعنه يأخذون معالم دينهم وشرائعه وأحكامه، وهو الحافظ له من الضياع والتحريف والبدع والضلالات.
وإلى ذلك يشير مثل قوله تعالى: ((وَأنزَلنَا إلَيكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيهِم)) (1).
الثاني: الإمامة في شؤون الدنيا، وهي الإمامة السياسية، التي هي عبارة عن كونه السلطان الحاكم عليهم، الذي يتولى شؤونهم، ويدير أمورهم، وينظر في صلاحهم، وينطق عنهم، ويجبي خراجهم، ويقسم فيئهم، ويطبق الإسلام فيهم عمليّاً بإقامة فرائضه، وإجراء حدوده، وفصل الخصومات على ضوء أحكامه، والدعوة له، والجهاد في سبيله، والدفاع عنه... إلى غير ذلك.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة النحل آية: 44.

-[ 230 ]-
كما هو مقتضى الآيات الكثيرة المتضمنة للأمر بطاعته والنهي عن مخالفته، مثل قوله تعالى: ((وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ وَلاَ مُؤمِنَةٍ إذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أمراً أن يَكُونَ لَهُم الخِيَرَةُ مِن أمرِهِم)) (1)، وقوله سبحانه: ((النَّبِيُّ أولَى بِالمُؤمِنِينَ مِن أنفُسِهِم)) (2)... إلى غير ذلك.
الإمامة عند الشيعة امتداد لإمامة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
أما بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فالإمامة عند الشيعة امتداد لإمامة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الجانبين معًا.
أما عند الجمهور فهي تختص بالجانب الثاني، دون الأول.
وإن كان الظاهر أنها عند الأوَّلين تعمّ الجانب الأول أيضًا، حيث كان عامة المسلمين يرجعون لهم في دينهم، وكانوا هم يحكمون فيه بما يرون ويريدون.
نعم ربما استعانوا بغيرهم فسألوهم واسترشدوهم، لكن الحكم الفصل لهم، فهم يقبلون ما أعجبهم، ويردون ما لا يعجبهم، وعمل العامة بالآخرة على ما يحكمون به ويختارونه.
إلا أن تسافل الحكّام تدريجًا، وظهور إجرامهم، وجهلهم بالدين أسقط حرمتهم في نفوس عامة المسلمين، فلم يقرّوا بشرعية قراراتهم وأحكامهم، ولم يرجعوا لهم في دينهم، بل رجعوا فيه إلى فقهائهم من غير الحكام، فاضطر الحكام أن ينصرفوا عن هذا الجانب ويستعينوا فيه بالفقهاء
ـــــــــــــــــــــــ
(1)، (2) سورة الأحزاب آية: 36، 6.

-[ 231 ]-
الذين يعجبونهم، ويتبنوا منهم من شاؤوا ويعرضوا عمن شاؤوا.
وتشبَّثوا مِن الإمامة بالجانب الثاني، لأنّ فيه إشباع رغبتهم في التسلط على الناس والاستعلاء عليهم والتحكم فيهم، ولأنهم يستطيعون دعمه والحفاظ عليه بالقهر والقوة، بخلاف الجانب الأول. وبالآخرة اقتصرت الإمامة عند الجمهور على السلطة ورئاسة الدولة.
وكيف كان فيقع الكلام في إمامة أهل البيت (صلوات الله عليهم) بكلا شِقَّيْه، وذلك في فصلين:

-[ 233 ]-
الفصل الأول
في الإمامة الدينية

المبحث الأول
في لزوم جَعْل الإمامة الدينية
لا ينبغي التأمل في أن الغرض الداعي للنبوة - سواء قلنا بوجوبها أم لم نقل - لا يتم إلا بتشريع الإمامة في الدين بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
وذلك لأن الغرض من النبوة ليس هو تعريف الأمة بالدين في خصوص عصر صاحب الشريعة وحامل رسالتها، كنبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في دين الإسلام، بل هو تعريف جميع الأمة به في جميع العصور المتعاقبة مادام هناك مَن يجب عليه أن يعتنق ذلك الدين ويحمل دعوته.
وحيث كان الإسلام خاتم الأديان، وشريعته خاتمة الشرائع، ويجب على الناس اعتناقه إلى يوم القيامة، فلابد من تمامية طرق التعريف به وبيان حقيقته في شؤون العقيدة والعمل مادام في الأرض إنسان صالح للتكليف،

-[ 234 ]-
وإلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.
وعلى ذلك فمن الظاهر أن القرآن المجيد وسنّة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يكفيان في التعريف بالدين في جميع العصور، لِمَا هو المعلوم من عدم وفاء القرآن المجيد ببيان جميع الأحكام ولا بتفاصيلها، خصوصاً بلحاظ تجدد الوقائع نتيجة تطور المجتمع وتلاقح الحضارات. مع أن القرآن الكريم صالح للتأويل على أكثر من وجه واحد، ولا سيما بعد غياب ظروف نزوله عنا.
كما أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يتصدّ لضبط أحكام الدين في مدوّنة مستوعبة له، يتيسر لعامة المسلمين الرجوع إليها في جميع العصور وفي جميع الوقائع حتى المستجدة منها، بنحْوٍ تتجنب معه الأمة الجهلَ بالأحكام والخلافَ فيها في جميع العصور وعلى امتداد الزمن.
وإنما بيّن (صلى الله عليه وآله وسلم) الأحكام لعامة المسلمين بصورة تدريجية، وفي وقائع متفرقة، وكثير منها بُيِّن بصورة شخصية لا عموم فيها.
مع عدم الاهتمام بضبط ذلك وحفظه وتدوينه بحيث يرجع إليه عموم المسلمين. وبذلك كان معرضاً للضياع.
تعرُّض سنّة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للضياع
ثم تعرضت السنّة الشريفة بعد ذلك للإخفاء المُتعمَّد بسبب الحَجْر عليها مِن قِبَل الأولين - على ما أشرنا إليه في جواب السؤال السابع من الجزء الأول من كتابنا (في رحاب العقيدة) - ولِتَعمُّد الإخفاء والتحريف والكذب تبعاً للأهواء نتيجة الفتن التي تعرضت لها الأمة في العصور

-[ 235 ]-
اللاحقة، وللتعارض والإجمال بسبب اشتباه الناسخ بالمنسوخ، وخفاء كثير من القرائن المحيطة بالكلام.
وقد تعرضنا لكثير من ذلك في جواب السؤال الثامن من الجزء الثالث من الكتاب المذكور.
كما تعرض الكتاب المجيد والسنة الشريفة للتأويل حسب اختلاف الاجتهادات والتخرصات والأهواء، تبعاً لتطور المجتمع الإسلامي وتفاعله مع المستجدات، ومحاولة توجيه الوظيفة الدينية فيها بما يناسب ذلك.
ويتضح ذلك بأدنى نظرة في حال المجتمع الإسلامي في جميع عصوره، حيث الاختلاف في الدين والجهل به وسوء تطبيقه والشقاق والتناحر والتنافر، حتى انتهى حال الإسلام والمسلمين نتيجة ذلك إلى ما هما عليه اليوم من الوهن والهوان والتعقيدات غير القابلة للحل مادام المسلمون لا يتفقون على مرجع في الدين يجب على الكل القبول منه، ولا يجوز لأحد الخروج عن قوله، لتميزه عنهم بالنص من الله تعالى غير القابل للتشكيك والتأويل.
ومن ثم كان المتعين لحفظ الدين مِن التحريف والضياع أن يجعل الله سبحانه بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مَن يحمله ويبلغ به، بنحوٍ يؤمن عليه، ويقطع عذر الجاهل به، ويسدّ الطريق على المُحرِّف له.

-[ 236 ]-
ثبوت الإمامة في الأديان السابقة
وقد جرت على ذلك جميع الأديان السابقة على الإسلام، فكان لأنبيائها الذين جاؤوا بها أوصياء يحملون الدين ويحفظونه، ويبلغون به مَن بعدهم.
وقد روى الفريقان كثيراً من مفردات ذلك (1).
بل ورد في بعض روايات الجمهور أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى آدم (عليه السلام) : "إني قد استكملتُ نبوّتَك وأيامَك، فانظر الاسم الأكبر وميزان علم النبوة فادفعه إلى ابنك شيث، فإني لم أكن لأترك الأرض إلا وفيها عالِمٌ يدل على طاعتي وينهى عن معصيتي" (2).
وذلك يتفق مع ما أجمع عليه شيعة أهل البيت (صلوات الله عليهم) - تَبَعاً لِمَا استفاض، بل تواتر، عن النبي والأئمة من آله (صلوات الله عليهم
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مجمع الزوائد 9: 113، كتاب المناقب: باب مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : باب فيما أوصى به (رضي الله عنه) / فضائل الصحابة لابن حنبل 2 615 ومن فضائل علي (رضي الله عنه) من حديث أبي بكر بن مالك عن شيوخه غير عبد الله / تاريخ دمشق 23: 271في ترجمة شيث ويقال شيث بن آدم واسمه هبة الله، ج50: 9 في ترجمة كالب بن يوقنا بن بارص... ج61: 175 في ترجمة موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث... ج62: 241 في ترجمة نوح بن لمك بن متوشلخ... / تهذيب الأسماء 1: 236 / مسائل الإمام أحمد 1: 12 ذكر ترتيب كبار الأنبياء / العظمة 5: 1602، 1604 / المعجم الكبير 6: 221 فيما رواه أبو سعيد عن سلمان (رضي الله عنه) / تفسير القرطبي 6: 140، ج15: 115 / تفسير البغوي 2: 31 / تفسير الطبري 2: 596 / الطبقات الكبرى 1: 37، 38، 40 ذكر من ولد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من الأنبياء / تاريخ الطبري 1: 96، 100 ذكر ولادة حواء مثبت، ج1: 101، 102 ذكر وفاة آدم (عليه السلام)، ج1: 109 ثم رجعنا إلى ذكر اخنوخ وهو إدريس (عليه السلام)، ج1: 271، 272 أمر بني إسرائيل والقوم الذين كانوا بأمرهم...ج1: 518 ذكر نسب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وذكر بعض أخبار آبائه وأجداده / الكامل في التاريخ 1: 47 ذكر شيث بن آدم (عليه السلام)، ذكر عقب شيث / شذرات الذهب 2: 180 نقلاً عن السيوطي في حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة. وغيرها من المصادر.
(2) العظمة 5: 1602.

-[ 237 ]-
أجمعين) - مِن أنّ الأرض لا تخلو عن إمام وحجة (1). وإنْ كان مرادهم به الإمام العام في الدين والدنيا معًا.
حاجة الإسلام للإمامة
بل من الظاهر أن دين الإسلام أولى بالرعاية والحماية من تلك الأديان، لأنه خاتم الأديان، ونبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) خاتم الأنبياء، فلا ينتظر بعده نبي جديد، ولا وحي من الله يوضحه على حقيقته، وينفي عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
فلابد أن يستكمل بتشريعاته مقومات حفظه وبقائه وقيام الحجة به، نقيّاً من الشوائب، وفي مأمن من التحريف والتشويه، بنحوٍ يجنب الأمة الخلاف والشقاق.
مناظرة هشام بن الحكم بمَحْضَر الإمام الصادق (عليه السلام)
وقد جرى على ذلك هشام بن الحكم في مناظرته مع الشامي بمحضر الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) التي رواها ثقة الإسلام الكليني (قدس سره) في
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تذكرة الحفاظ 1: 11 في ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، واللفظ له / حلية الأولياء 1: 80 في ترجمة علي بن أبي طالب / تهذيب الكمال 24: 221 في ترجمة كميل بن زياد بن نهيك / كنز العمال 10: 263ـ264 حديث: 29390 / المناقب للخوارزمي: 366 / ينابيع المودة 1: 89، 3: 454 / تاريخ دمشق 14: 18 في ترجمة الحسين بن أحمد بن سلمة، ج50: 254 في ترجمة كميل بن زياد بن نهيك / وأخرج بعضه في صفوة الصفوة 1: 331 في ترجمة أبي الحسن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، ذكر جمل من مناقبه (رضي الله عنه).
وأما مصادر الشيعة فقد رويت في نهج البلاغة 4: 37ـ38 / والمحاسن 1: 38 / وبصائر الدرجات: 57 / والإمامة والتبصرة: 26 / والكافي 1: 178، 179 / والخصال للصدوق: 479 / وكمال الدين وتمام النعمة: 222، 319، 409، 445، 511 / وكفاية الأثر: 164، 296. وغيرها من المصادر الكثيرة.

-[ 238 ]-
حديث طويل، وفيه: "فقال [يعني: الإمام الصادق (عليه السلام) ] للشامي: كلِّم هذا الغلام - يعني: هشام بن الحكم - فقال: نعم.
فقال لهشام: يا غلام سَلْنِي في إمامة هذا، فغضب هشام حتى ارتعد، ثم قال للشامي:
يا هذا أَرَبُّك أَنْظَرُ لخلقه أم خلقه لأنفسهم؟
فقال الشامي: بل ربي أنظر لخلقه.
قال: ففعل بنظره لهم ماذا؟
قال: أقام لهم حجة ودليلاً كيلا يتشتتوا أو يختلفوا، يتألفهم ويقيم أودهم، ويخبرهم بفرض ربهم.
قال: فمَن هو؟
قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
قال هشام: فبعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
قال: الكتاب والسنّة.
قال هشام: فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنّة في رفع الاختلاف عنّا؟
قال الشامي: نعم.
قال: فلِمَ اختلفنا أنا وأنت، وصرْتَ إلينا مِن الشام في مخالفتنا إيّاك؟
قال: فسكت الشامي.
فقال أبو عبد الله للشامي: ما لكَ لا تتكلم؟
قال الشامي: إنْ قلتُ: لم نختلف، كذبتُ، وإنْ قلتُ: إنّ الكتاب والسنّة يرفعان الخلاف عنّا أبطلت، لأنهما يحتملان الوجوه، وإنْ قلتُ: قد اختلفنا، وكلّ واحد منّا يدعي الحق، فلم ينفعنا إذاً الكتاب والسنّة.
إلا أنّ لي عليه هذه الحجة.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : سَلْه تجِدْه مَليًّا.
فقال الشامي: يا هذا مَن أنظر للخلق أربهم أو أنفسهم؟ فقال هشام:

-[ 239 ]-
ربهم أنظر لهم منهم لأنفسهم.
فقال الشامي: فهل أقام لهم مَن يجمع كلمتهم ويقيم أودهم، ويخبرهم بحقهم من باطلهم؟
قال هشام: في وقت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الساعة؟
قال الشامي: في وقت رسولِ الله رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والساعة مَن؟
قال هشام: هذا القاعد الذي تُشَدّ إليه الرحال، ويخبرنا بأخبار السماء [والأرض] وِرَاثَةً عن أبٍ عن جَدٍّ.
قال الشامي: فكيف لي أن أعلم ذلك؟
قال هشام: سله عما بدا لك.
قال الشامي: قطعت عذري فعليّ السؤال..." (1).
ويأتي في صحيح منصور بن حازم وحديث ابن أذينة ما يناسب ذلك.
دعوى: أنّ المَرْجِعية لا تكفي في رفْع الاختلاف
هذا وقد يقال: من المعلوم من واقع الدين الإسلامي وغيره من الأديان السماوية أنها لم تكن بمعزل عن الخلاف وما ينتج عنهما من ضياع معالم الدين وتعرضه للتحريف والتشويه،حيث يكشف ذلك عن أن وجود المرجع في الدين المنصوص عليه - لو تم - لا يكفي في تحقق الغرض المذكور.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 1: 172 كتاب الحجة باب الاضطرار إلى الحجة حديث: 4.

-[ 240 ]-
دَفْع الدعوى المذكورة
لكنه يندفع بأن الخلاف والشقاق مع وجود المرجع المنصوص عليه لا يكون مُسَبَّباً عن نقص في الدين وقصور في تشريعاته، بل عن تقصير الناس أنفسهم بعد قيام الحجة عليهم في عدم الرجوع للمرجع المذكور، والقيام بالوظيفة التي يعينها لهم، ولا يجب على الله سبحانه وتعالى أن يمنعهم من ذلك، ويجبرهم أو يوفقهم للعمل بالوظيفة التي عيَّنها لهم.
نظير ما هو المعلوم من أنه لا يجب على الله تعالى أن يجبرهم أو يوفقهم للطاعة، بل له أنْ يَكِلَهم في ذلك إلى أنفسهم بعد أن يقيم الحجة عليهم، كما قال عزّ وجل: ((إنَّا هَدَينَاهُ السَّبِيلَ إمَّا شَاكِراً وَإمَّا كَفُورا)) (1).
وهذا بخلاف ما إذا كان الخلاف والشقاق نتيجة عدم جعل الله عزّوجلّ المرجع في الدين، وتركه عرْضةً للتحريف والخطأ، فإنه مستلزم لنقص الدين، وقصوره تشريعاً عن قيام الحجة الحافظة له، وهو ما ينزه عنه تعالى.
بل هو خلاف قوله تعالى: ((اليَومَ أكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُم الإسلاَمَ دِينا)) (2).
وقوله سبحانه: ((وَمَا كَانَ الله لِيُضِلَّ قَوماً بَعدَ إذ هَدَاهُم حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَا يَتَّقُونَ)) (3).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الإنسان آية: 3.
(2) سورة المائدة آية: 3.
(3) سورة التوبة آية: 115.

-[ 241 ]-
دعوى: أنّ المرجعية لا تتناسب مع الغَيْبَة
ومثل ذلك ما قد يقال: إن ذلك لا يتناسب مع ما عليه الإمامية من غيبة الإمام الثاني عشر (عجّل الله فرجه)، لظهور أن الغرض من نصب الإمام إذا كان هو منع الخلاف في الدين، وحفظه من الخطأ والتحريف، فهو لا يتأتى إلا بظهور الإمام وإمكان الوصول إليه لرفع الخلاف وبيان الحق في مورد الجهل، أما مع غيبته فلا يتأتى الغرض المذكور، بل وجوده من هذه الجهة كعدمه.
دَفْع الدعوى المذكورة
فإنه يندفع: بأن غيبة الإمام الثاني عشر (عجّل الله فرجه) لم تؤخذ في إمامته، بل شُرعت إمامته (عليه السلام) ليظهر ويؤدي وظيفته في بيان الدين ورفع الخلاف فيه على أكمل وجه، وإنما اضطر (عليه السلام) للغيبة بسبب التداعيات والمضاعفات التي جرّ إليها تقصير الناس في القيام بوظيفتهم إزاء الإمامة التي شرعها الله تعالى من أجل الغرض المذكور.
فغيبته (صلوات الله عليه) في ذلك نظير تَقِيَّة آبائه (صلوات الله عليهم) من الظالمين، أو سجن بعضهم، بحيث تعذر عليهم أداء وظيفتهم كاملاً في حفظ الدين من الضياع والخلاف. ولا محذور في ذلك كله بعد أن لم يكن ناشئاً من قصور في التشريع، بل من تقصير الناس أنفسهم ومنعهم من تطبيقه على واقع المسلمين.
وقد أفضنا الكلام في ذلك في جواب السؤال الخامس من الجزء

-[ 242 ]-
الأول من كتابنا (في رحاب العقيدة). فراجع.
والحاصل: أنه لا مخرج عما ذكرنا من أن الغرض من النبوة لَمَّا كان هو تعريف الناس بالدين في جميع العصور، وحفظه من الضياع والتحريف والخلاف، فلابد مِن نَصْب الإمام في الدين والمرجع فيه بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في جميع العصور، ليتولى ذلك ويقوم به.

-[ 243 ]-


رد مع اقتباس