منتديات موقع الميزان - عرض مشاركة واحدة - أصول العقيدة (4) في الإمامة
عرض مشاركة واحدة

زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 189
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 8  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 13-Apr-2013 الساعة : 07:01 AM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


-[ 346 ]-
المقام الثاني
في نصوص إمامة الأئمة بأشخاصهم
وقد تقدم أنه لا يلزم هنا التَّقَيُّد بالنصوص المُلْزِمَة لعموم المسلمين، بل يكفي النصوص التي هي حجة وفْقَ الضوابط الملزمة للقائلين بالنص على أمير المؤمنين (عليه السلام) وأهل البيت (عليهم السلام) عموماً في إمامة الدين والدنيا.
كما أنه سبق أنْ أشرنا للنصوص المستفيضة بل المتواترة التي أطبق على روايتها الفريقان، وهي التي تضمَّنت أنّ الأئمة اثنا عشر، وذكرنا أنها لا تنطبق إلا على مذهب الإمامية في أنّ الإمامة بالنص الإلهي، وفي عدد الأئمة وفي مواصفاتهم.
وقد ظهر مما سبق في المقام الأول أنّ أولهم أمير المؤمنين (صلوات الله عليه).
كما أنّ الإمام مِن بعده هو الإمام الحسن (عليه السلام)، ومِن بعده الإمام الحسين (عليه السلام)، لأنهما الموجودان مع أمير المؤمنين في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مِن أهل البيت، ومِن الذرية الطاهرة، فلا يُحتمَل إرادة غيرهما دُونَهما. ولاسيما مع النص عليهما في بعض النصوص التي تقدمت رواية الجمهور لها، وفي النصوص المستفيضة، بل المتواترة، التي رواها الشيعة، ولا مجال لاستقصائها.
-[ 347 ]-
بل يبدو أنّ إمامتهما ليست مورداً للإشكال عند كل مَن يقول بالنص، أو بأنّ الإمامة في أهل البيت (صلوات الله عليهم)، غاية الأمر أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) هو المُقدَّم، لأنه الأكبر، ولتقديمه في جملة مِن النصوص، ولأنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قد أوصى إليه مِن بعده. بل فَرْض إمامته مُسْتَلْزِمٌ لتقدُّمه على الإمام الحسين (عليه السلام)، لأنه مات قبله.

لابد مِن قَصْر الإمامة على الفاطميين

هذا ولا ينبغي التأمل في أنّ الإمامة مِن بعد الإمام الحسين (عليه السلام) لابد أن تكون في العلويين مِن بني هاشم، وفي خصوص الفاطميين منهم..
أولاً: لأنهم مِن أهل البيت، ولو بلحاظ كوْنهم مِن ذريتهم، بخلاف غيرهم مِن العلويين والهاشميين.
وثانياً: للنصوص المتضمنة أنهم مِن ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمتضمنة أنهم مِن ذرية أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، وهي نصوص كثيرة جدّاً رواها الشيعة، ولا يسعنا استقصاؤها، فلتُطلب مِن المطولات، وقد تقدم نظيرها من رواية الجمهور.

الإمامة بعد الحسين (عليه السلام) في ذرّيته وفي الأَعْقَاب

كما أنه قد استفاضت النصوص، بل تواترت وزادت على التواتر في أنّ الإمامة في ذرية الإمام الحسين (صلوات الله عليه). وقد تقدم في أحاديث الجمهور بعض منها.
كما استفاضت في أنها تكون بعد الحسن والحسين (عليهم السلام) في الأعقاب
-[ 348 ]-
مِن الأب لولده، ولا تكون في أخ ولا عم ولا خال. وكثرة هذه النصوص تمنعنا عن التعرض لها.

آية أُولُو الأرْحام

إلا أنه يحسن التنبيه إلى ما في جملة منها (1) مِن الاستدلال على ذلك بقوله تعالى: ((وَأُولُو الأرحَامِ بَعضُهُم أولَى بِبَعضٍ فِي كِتَابِ اللهِ)) (2) وأنها تَجْرِي في الحسين (عليه السلام) ومَن بعده مِن الأئمة، دُونَ مَن قَبْلَه.
وحاصل الاستدلال المذكور: أنّ الله سبحانه أنزل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الولاية في أمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام)، فبلغ بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهم شركاء فيها، وإنما تقدم بعضهم على بعض لمُرَجِّحات بينهم، فلم يكن لأمير المؤمنين (عليه السلام) أنْ يَصْرِفها عن الحسن والحسين (عليهم السلام) لغيرهما مِن ولده، لأنهما شريكاه في تبليغ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالولاية في حقّهم. كما لم يكن للحسن (عليه السلام) أن يصرفها عن الحسين (عليه السلام) لولده، لأنه شريكه في ذلك. أما الحسين (عليه السلام) فلم يكن له حين وفاته أحد يَشْركُه في الإمامة، ومِن هنا جَرَت في حَقِّه الآية الشريفة، فلم يكن له أنْ يصرفها إلى غير ولده. وكذا حال الأئمة مِن ذرّيته (صلوات الله عليهم)، فهي تجري في الأعقاب مِن الأب لولده.
وبهذا يظهر الوجه في استدلال أمير المؤمنين (عليه السلام) بالآية الشريفة في كتابه إلى معاوية، حيث قال فيه:
"وكتاب الله يجمع لنا ما شذّ عنا، وهو قوله: ((وَأُولُو الأرحَامِ بَعضُهُم
ـــــــــــــــــــــــ
(1) انظر الكافي 1: 286ـ292 / وبحار الأنوار 25: 249ـ261.
(2) سورة الأنفال آية: 75 / سورة الأحزاب آية: 6.
-[ 349 ]-
أولَى بِبَعضٍ فِي كِتَابِ اللهِ))، وقوله تعالى: ((إنَّ أولَى النَّاسِ بِإبرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ المُؤمِنِينَ)). فنحن مَرَّةً أَوْلَى بالقَرَابة، وتارة أولى بالطاعة. ولَمّا احْتَجّ المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فَلَجوا عليهم، فإنْ يكن الفلجُ به فالحقُّ لنا دُونَكم، وإنْ يكن بغيره فالأنصارُ على دَعْوَاهم" (1).
فإنّ الرَّحِم وإنْ كان مُوجِباً لوراثة المَنْصِب وغيره، إلا أنه لا يُنَافِي الترجيحَ بين الأرحام لأمْرٍ خارِجٍ عن الرحمية، كالطاعة والجهاد والسبق للإيمان، كما يشير له استدلاله (عليه السلام) بالآية الأخرى.
وما ورَد مِن أنه (عليه السلام) سُئِل: بِمَ ورثتَ ابنَ عمك دُونَ عمك؟ فذكر حديث الدار المتقدم في جملة من النصوص الواردة في حقه (2)، ونحوه روي عن قثم بن عباس (3).
وما سبق عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد يُناسِب سياق الآية الشريفة في سورة الأحزاب، قال الله عز وجل: ((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ
ـــــــــــــــــــــــ
(1) نهج البلاغة 3: 32، 33.
(2) السنن الكبرى للنسائي 5: 125 كتاب الخصائص: ذكر خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب (رضي الله عنه) : ذكر الأخوة / تاريخ الطبري 1: 543 ذكر الخبر عما كان من أمر نبي الله (صلى الله عليه وسلم) ثم ابتداء الله تعالى ذكره إياه بإكرامه بإرسال جبريل (عليه السلام) إليه بوحيه / شرح نهج البلاغة 13: 212 / كنز العمال 13: 174 رقم الحديث: 36520.
(3) السنن الكبرى للنسائي 5: 139 كتاب الخصائص: ذكر خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : ذكر منزلة علي بن أبي طالب وقربه من النبي (صلى الله عليه وسلم) به وحب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) له / المستدرك على الصحيحين 3: 136 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) مما لم يخرجاه: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه) / المصنف لابن أبي شيبة 7: 266 كتاب الأوائل: باب أول ما فعل ومن فعل / الآحاد والمثاني 1: 294 / المعجم الكبير 19: 40 فيما أسند قثم. وغيرها من المصادر.
-[ 350 ]-
وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الأرحَامِ بَعضُهُم أولَى بِبَعضٍ فِي كِتَابِ الله...)) (1). فإنّ ذِكْرَ أَوْلَوِيَّة أولي الأرحام بعد التعرُّض لأولوية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمسلمين قد يُناسِب عمومَ أولوية أولي الأرحام لأولوية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المذكورة، وأنّ أولويته (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمسلمين تكون مِن بعده لأرحامه.
بل يبدو مِن بعض النصوص التاريخية الواردة فيما يُسمَّى بحروب الردة مع كندة أنّ عامة الناس كانت تفهم مِن الآية الشريفة العموم للإمامة والولاية على الناس.
ففي حديث طويل بين الحارث بن معاوية مِن كندة وزياد بن لبيد عامل أبي بكر: "فقال له الحارث: أخبرني لم نَحَّيْتم عنها أهلَ بيته وهم أحق الناس به، لأن الله عزوجل يقول: ((وَأُولُو الأرحَامِ بَعضُهُم أولَى بِبَعضٍ فِي كِتَابِ الله)) ؟
فقال له زياد بن لبيد: إن المهاجرين والأنصار أنظر لأنفسهم منك.
فقال له الحارث بن معاوية: لا والله ما أزلتموها عن أهلها إلا حسداً منكم لهم..." (2).
وفي حديث عبد الله بن جعفر مع معاوية حين تحدث معه ومع العبادلة عن البيعة بولاية العهد ليزيد، قال عبد الله: "...فإنّ هذه الخلافة إنْ أُخِذ فيها بالقرآن، فأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله، وإنْ أُخِذ فيها بسنة رسول الله، فأولو رسول الله..." (3).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأحزاب آية:6.
(2) الفتوح لابن أعثم المجلد الأول: 49 ـ 57 في ذكر ارتداد أهل حضرموت من كندة ومحاربة المسلمين إياهم، وفي ذكر كتاب أبي بكر إلى الأشعث بن قيس ومن معه من قبائل كندة.
(3) الإمامة والسياسة 1: 149، ما تكلم به عبد الله بن جعفر / جمهرة خطب العرب 2: 234.
-[ 351 ]-

بقي في المقام أمران:

الأمر الأول: أنّ الاستدلال بالآية الشريفة لا يُراد به أنّ الرحمية هي السبب الوحيد لانتقال هذا المنصب العظيم مِن الميت للحي، كما هي السبب لانتقال المال، بل مَرْجِعَ ذلك إلى أنّ هذا المنصب الرفيع وإنْ كان تابعاً للنص مِن الله تعالى على شخص الإمام، لمؤهلاته الذاتية، وبلوغه الدرجة العليا في الكمال النفسي والسلوكي، إلا أنّ الله عز وجل يصطفي بتقديره وسابق عِلْمه مِن أرحام صاحب المنصب السابق مَن هو أهل له نتيجة المؤهلات المذكورة، وينص سبحانه عليه تبعاً لذلك.
فالمنصب المذكور وإنْ كان ينتقل مِن الميت للحي بالنص من الله عز وجل، إلا أنه وفق ضوابط الرحمية المعهودة. وبذلك تكون أولوية الحي بالميت نَسَباً مُلازِمَة للنص الإلهي ودليلاً عليه.
ولعل حكمة مراعاة ضوابط الرحمية في هذا المنصب العظيم مِن وجهين:
أحدهما: أنه أَدْعَى لانشداد الأتباع بآباء المنصوص عليه من الأئمة (صلوات الله عليهم) بما في ذلك صاحب الدعوة ومؤسسها، وهو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأَحْرَى بتعلقهم بهم واحترامهم وتقديسهم لهم، ما بقيت الدعوة فاعلة لها أتباع يحملونها، لأنّ المفروض فيمَن يتسنّم هذا المنصب العظيم أن يكون المثل الأعلى لرعيته في جهات الكمال النفسي والسلوكي، فشعور الرعية بأنه امتداد طبيعي لمَن سبقه - لأنه من عترتهم وذريتهم -
-[ 352 ]-
يزيد مِن تعلقها بهم (صلوات الله عليهم) وتقديسها لهم وتفاعلها بهم وبتعاليمهم السامية.
فهو نظير ما ورد مِن أنّ الأنبياء يكونون أوسط قومهم نسباً (1)، وما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أنه قال في حديث له: "ألا إنّ الله عز وجل خَلَق خلقَه فجعلني مِن خير خلقه، ثم فرقهم فرقتين فجعلني من خير الفرقتين، ثم جعلهم قبائل فجعلني من خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني من خيرهم بيتًا، وأنا خيركم بيتاً وخيركم نفساً" (2).
فإن الله سبحانه وإن كان قادراً على أن يجعل أفضل الأنبياء من أرذل البيوت والقبائل، إلا أن رفعة قبيلته وبيته أَدْعَى لاحترام الناس له وقبولهم دعوته وتفاعلهم به وبتعاليمه.
ثانيهما: أنّ ذلك أَحْرَى بتقبُّل النص على الإمام اللاحق والانصياع له بالنظر لأعراف المجتمع الإنساني، وأبعد للتنافس والتسابق عليه، لأنّ أولوية أولي الأرحام مِن الارتكازيات العامة. وقد أشرنا لما يناسب ذلك في جواب السؤال الرابع من الجزء الثاني من كتابنا (في رحاب العقيدة).
كما أنه أدعى لاحترام الإمام المنصوص عليه والقبول منه والتفاعل
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكامل في التاريخ 2: 212. ذكر مكاتبة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الملوك / بحار الأنوار 20: 379، 385.
(2) مسند أحمد 4: 165 في (ذكر حديث عبدالمطلب بن ربيعة بن الحرث بن عبدالمطلب (رضي الله عنه)) واللفظ له. مصنف ابن أبي شيبة 6: 303 كتاب الفضائل: باب ما أعطى الله تعالى محمداً (صلى الله عليه وسلم). السنة لابن أبي عاصم 2: 632ـ 633 باب في ذكر (فضل قريش ومعرفة حقها وفي ذكر بني هاشم على سائر قريش). المعجم الكبير 20: 286 في (حديث مطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب بن هشام ابن عبد مناف). مجمع الزوائد 8: 215ـ 216 كتاب علامات النبوة: باب في كرامة أصله (صلى الله عليه وسلم).
-[ 353 ]-
معه مهما طالت سلسلة النسب بينه وبين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأن سلسلة النسب الشريف تكتسب من السابق ومن اللاحق احتراماً مضاعفاً وقدسية مؤكدة ((نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء)) (1). ولذا صار لحديث سلسلة الذهب المشهور الشأن العظيم عند المسلمين من غير شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، فضلاً عن شيعتهم.
هذا وقد يحاول بعض الناس نقْدَ ذلك بأنه نحْوٌ مِن الاسْتِئْثار العائلي والاستغلال النسَبي، الذي لا يناسب مقام النبوة الرفيع وخلافتها المباركة.
لكن ذلك إنما يتَّجه إذا ابتنت الإمامة والخلافة على التعالي والتجبر والاستغلال والاستئثار، كما حصل على أرض الواقع في القبائل التي حكمت بالقوة باسم الدين أو غيره.
أما إذا ابتنت على التحلي بمكارم الأخلاق، ومواساة الرعية وخدمتهم، والإحسان للعامة والتواضع لهم والتعايش معهم - كما هو المفروض في الإمام المنصوص عليه - فلا استغلال ولا استئثار، بل هو توفيق من الله تعالى وفضل منه يخص به من يشاء من عباده، يكون سبباً لتعلق الرعية بأئمتها وخلفاء الله تعالى فيها، وتفاعلها بهم وبتعاليمهم الإلهية المقدسة.
غاية الأمر أنّ ذوي النفوس المريضة والحسد القاتل، الذين يصعب عليهم الاعتراف لذي الفضل بفضله، ويريدون أن يتقدموا من دون أن
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة النور آية:35.
-[ 354 ]-
يقدموا شيئًا، هؤلاء هم الذين يضيقون بذلك ذرعًا،
وهي سنّة الله تعالى في خلقه. قال عزّ من قائل: ((أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا)) (1).
وقال جلّ شأنه: ((وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَـؤُلاء مَنَّ اللهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ)) (2).
الأمر الثاني: أن الاستدلال بآية (أولوا الأرحام) لحَصْر الإمامة في ذرية الإمام الحسين (عليه السلام)، وأنها تجري في الأعقاب من الأب لولده إنما يحتاج إليه في حق صنفين من الناس:
الأول: مَن لم تبْلغه النصوص الخاصة بأسماء بقية الأئمة (عليهم السلام)، لعدم كون تلك النصوص من الظهور والانتشار كالنصوص الواردة في حق أمير المؤمنين والحسنين (صلوات الله عليهم). وهو الحال فيما تقدم من استدلال الحارث بن معاوية في حروب كندة، لعدم اطلاعه على النصوص الصريحة الخاصة، لبُعْده عن المدينة المنورة التي هي مركز التشريع والثقافة الدينية.
الثاني: مَن لا يذعن لهذه النصوص، لأنها تنافي دعوته أو انتماءه، بخلاف النصوص الواردة في حق أمير المؤمنين والحسنين (صلوات الله عليهم)، فإنها لا تنافي دعوته وانتماءه، كما هو الحال في مثل الكيسانية
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة النساء آية:54.
(2) سورة الأنعام آية:53.
-[ 355 ]-
والزيدية والفطحية وغيرهم. وهو الحال في استدلال أمير المؤمنين (عليه السلام) بالآية الكريمة في كتابه المتقدم لمعاوية، وغيره ممّن تقدم.

نصوص إمامةِ الأئمة مِن ذرّيّة الحسين (عليه السلام)

وبعد ذلك علينا أن نتعرض للنصوص المتضمنة لتعيين الأئمة التسعة مِن ذرية الإمام الحسين (عليه السلام) بأشخاصهم، سواء كانت تلك النصوص واردة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أم كانت واردة عن أمير المؤمنين أو الإمامين الحسن والحسين (صلوات الله عليهم). إذ بعد ثُبُوت إمامتهم يتعيَّن قبول ما ورد عنهم.
بل يكفي في إثبات إمامة كلّ إمام النصوص الواردة عن الإمام السابق عليه، لأنّ الكلام في إمامة اللاحق إنما يكون بعد ثبوت إمامة السابق والفراغ عنه.
إذا عرفت هذا فنقول: النصوص طائفتان:

الأحاديث المُتضمِّنة ذِكْرَ الأئمة (عليهم السلام)

الطائفة الأولى: ما تضمن ذكْرَ الأئمة الاثني عشر واحداً بعد واحد بأشخاصهم، كنُصُوص اللَّوْح والأنوار وغيرها،
وهي كثيرة جدًّا، وأغلبها طويل. وقد استعرضناها باختصار في الجزء الثالث من كتابنا (في رحاب العقيدة)،
وهي تَقْرُب مِن خمسين حديثاً عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحديث عن
-[ 356 ]-
الإمام الحسين (عليه السلام) مُفَسِّراً لحديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحديث عن الإمام الباقر (عليه السلام) في بيان الأنوار التي رآها إبراهيم (عليه السلام)، ومن المعلوم أنه لا يخبر بذلك إلا عن آبائه (صلوات الله عليهم) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحديث عن الخضر (عليه السلام) مَرْويّ بطرق متعددة عن البرقي الثقة عن الإمام الجواد (عليه السلام) في محاورة للخضر مع أمير المؤمنين والإمام الحسن (عليهم السلام).
كما أنه في تلك النصوص حديثان عن الإمام الباقر (عليه السلام) في تعداد الأئمة، وسبعة أحاديث عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وحديث عن الإمام الكاظم (عليه السلام)، وحديث عن الإمام الرضا (عليه السلام).
وهي إنْ لم تنفع على الإطلاق - بلحاظ العلم بأنهم (عليهم السلام) لا يُخْبِرون في مثل هذا الأمر الغيبي إلا بعد أخذه عن آبائهم عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - فلا أقلّ مِن أن تنفع بعد ثبوت إمامتهم في إثبات إمامة مَن بعدهم مِن الأئمة (عليهم السلام).

النَّصُّ على كلّ إمامٍ مِمَّن قَبْلَه مِن آبائه (عليهم السلام)

الطائفة الثانية: ما تضمَّن نصَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو أحد الأئمة (عليه السلام) على إمامةِ بعضِ مَن بعدهم مِن الأئمة بأشخاصهم.
وهي نصوص كثيرة أيضًا. وقد ذكرناها أيضاً في الجزء الثالث من كتابنا (في رحاب العقيدة). ونحن نقتصر هنا - تجنباً عن التطويل - على ذكر أعدادها، وبعض المؤيدات لها في حق كلٍّ إمام إمام..


رد مع اقتباس