|
عضو مجتهد
|
|
|
|
|
|
|
المستوى :
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
زائر الأربعين
المنتدى :
ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
بتاريخ : 19-Apr-2013 الساعة : 05:07 AM

اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام)
8ـ الإمام أبو محمد الحسن العسكري (صلوات الله عليه). وقد ورد النص على إمامته في أربعة وعشرين حديثًا. وإذا أضيف إليها نصوص الطائفة الأولى تقارب نصوص إمامته التسعين حديثًا. (ولا ننسى أحاديث سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وأنه لا يكون إلا عند الإمام) ويضاف إليها نصوص جريان الإمامة في الأعقاب، حيث لم يُنْقَل عن أحد دعوى الإمامة عند مُضِيّ الإمام الهادي (عليه السلام) لغير الإمام العسكري (عليه السلام)، بل ادُّعِيَت له (عليه السلام) لا غيْر، وادّعاها هو وزاوَل نشاطها.
نعم ادّعاها أخوه جعفر وادُّعِيَت له بعد وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، لدعوى: أنّ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) لم يُعَقِّب، لتكون الإمامة في عقِبِه.
وافترق القائلون بإمامته فرقتين:
-[ 377 ]- الفرقة الأولى: تدَّعي أنه الإمام الثاني عشر بعد أخيه الإمام العسكري (عليه السلام) مِن دُون أن تمْنع مِن إمامة الإمام العسكري (عليه السلام). وهي لا تختلف مع الإمامية في إمامته (عليه السلام).
مع أنه يُبْطِل قَوْلَها..
أولاً: نصوص جريان الإمامة في الأعقاب، وعدم انتقالها إلى أخ أو عم أو خال.
وثانياً: ما تضمَّن مِن النصوص الكثيرة جدّاً أنّ الإمام الثاني عشر هو المهدي، وأنّ اسمه اسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنه هو الذي يُظهِر الله على يديه الحق، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجورًا، ومِن الظاهِر عدم انطباق ذلك على جعفر.
الفرقة الثانية: تدَّعي أنّ جعفر هو الإمام الحادي عشر بدلاً عن الإمام العسكري (عليه السلام)، لانْكِشَاف بطلان إمامة الإمام العسكري (عليه السلام) بمَوْته مِن دُون عقب، لجريان الإمامة في الأعقاب.
ويُبْطِل قَوْلَها أنّ جعفراً لم يُنازِع أخاه الإمامَ الحسن العسكري (عليه السلام) الإمامةَ، إمّا عن جَهْلٍ بإمامته أو عن تَفْرِيطٍ بها، وكلاهما مُبْطِلٌ لإمامته.
مضافاً إلى أنه يُبْطِل دعْوى الفرقتين أمورٌ:
الأول: الأدلة القاطعة بوجود الخلف للإمام العسكري (عليه السلام)، كما سيأتي.
الثاني: ما ثبَتَ مِن عدم أهليّة شخص جعفر للإمامة، لِسُلُوكه المشين إلى حين وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).
-[ 378 ]- الثالث: ما ورد مِن توبته بعد ذلك، وتراجُعه عن دعوى الإمامة. وفي التوقيع الشريف عن الإمام الحجة (عجّل الله فرجه) : "وأمّا سَبِيلُ عمّي جعفر وولده فسبيلُ إخوةِ يوسف على نبينا وآله وعليه السلام" (1).
الرابع: النصوص الكثيرة جدّاً المتضمنة أنّ الإمام الثاني عشر هو الإمام المهدي وأنّ اسمه اسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنّ له غيبة يظهر بعدها، ويظهر الحق على يديه، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجورًا، وهو لا ينطبق على جعفر، ولا على أحد مِن ولده.
الخامس: أنّ القائلين بإمامته قد انقرضوا، ولم يبق لهذه الدعوة مَن يحملها ويدعو لها، وقد سبق أنّ ذلك دليلُ بطلانِها وضلالها. ومِن هنا لا مخرج عن أدلة إمامة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).
خاتم الأئمة الحجة بن الحسن (عليه السلام) المنتظر
9ـ خاتم الأئمة الإمام المنتظر قائم آل محمد الحجة بن الحسن المهدي صاحب الزمان، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وصلى عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين، وسلّم تسليماً كثيرًا.
وقد ورد في النص عليه ما يقرب مِن ثلاثين حديثًا. وإذا أضيف إليها أحاديث الطائفة الأولى زادت النصوص عليه على تسعين حديثًا.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الغيبة للشيخ الطوسي: 290.
-[ 379 ]-
طوائِف النصوص الشاهِدة بإمامته (عليه السلام)
مضافاً إلى النصوص الكثيرة التي سبق التعرض لها المُتَضمِّنة أنّ الإمامة بعد الحسين (عليه السلام) تجري في الأعقاب من الأب لولده، ولا تكون في أخ ولا عمّ ولا خال، فإنه بملاحظتها يتجه الاستدلال على إمامته بطوائف مِن النصوص:
الأولى: الأحاديث المستفيضة بل المتواترة التي رواها الفريقان المتضمنة أنّ الأئمة اثنا عشر. ضَرُورَةَ أنه إذا كان الإمام العسكري (عليه السلام) هو الإمام الحادي عشر - بمقتضى النصوص المتقدمة - فلابد أنْ يكون الإمام الثاني عشر هو ولده القائم (عجّل الله فرجه).
الثانية: الأحاديث المستفيضة المتضمنة أنّ مِن ذرّيّة الإمام الحسين (عليه السلام) تسعة مِن الأئمة، فإنه إذا كان الإمام العسكري (عليه السلام) هو الثامن منهم تعيَّنَ كوْن الإمام التاسع هو ابنه الحجة (عجّل الله فرجه).
الثالثة: الأحاديث المستفيضة بل المتواترة التي رواها الفريقان المتضمنة أنّ الإمام المهدي مِن ذرية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو مِن ذرية أمير المؤمنين (عليه السلام) أو مِن ذرية الحسين (عليه السلام) أو مِن ذرية بقية الأئمة المتقدمين (عليهم السلام). لِوُضُوح أنه ليس في الأئمة الأحد عشر مَن هو المهدي، فلابد أنْ يكون المهدي هو ابن الإمام العسكري (عليه السلام).
الرابعة: الأحاديث المستفيضة التي رواها الفريقان المتضمنة أنّ الإمام المهدي (عليه السلام) آخر الأئمة الاثني عشر، أو آخر الأئمة مِن ذرية الحسين (عليه السلام)،
-[ 380 ]- أو التاسع منهم (صلوات الله عليهم). لِظُهُور أنه إذا كان الإمام العسكري (عليه السلام) بمقتضى النصوص المتقدمة هو الحادي عشر مِن الأئمة والثامن مِن ذرية الحسين (عليه السلام)، تعيَّنَ كوْنُ ابنه الحجة المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) هو الثاني عشر مِن الأئمة والتاسع مِن الأئمة الذين هم مِن ذرية الحسين (عليه السلام).
الخامسة: ما تضمَّن تحديدَ طَبَقَة الإمام المهدي (عليه السلام) في النَّسَب..
1ـ كحديث أبي حمزة الثمالي قال: "كنتُ عند أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) ذات يوم، فلمّا تفرّق مَن كان عنده قال لي:
يا أبا حمزة مِن المحتوم الذي لا تبديل له عند الله قيام قائمِنا... ثم قال: بأبي وأمي المسمّى باسمي المُكنّى بكنيتي السابع مِن ولدي. بأبي مَن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلئت جوراً وظلمًا..." (1).
2ـ وحديث صفوان بن مهران عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وفيه أنه قيل له:
فمَن المهدي مِن ولدك؟
فقال: "الخامس مِن ولد السابع، يغيب عنكم شخصه..." (2).
والمراد بالسابع هو سابع الأئمة (عليهم السلام) الإمام موسى بن جعفر الكاظم، وليس الخامس مِن ولده في أعقاب الأئمة (عليهم السلام) إلا الإمام المهدي الحجة بن الحسن (عجّل الله فرجه الشريف).
3ـ ونحوه حديث عبد الله بن أبي يعفور (3).
4ـ وحديث علي بن جعفر عن أخيه الإمام الكاظم (عليه السلام) أنه قال: "إذا
ـــــــــــــــــــــــ
(1) إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات 7: 64 واللفظ له / وبحار الأنوار 24: 241، و36: 393، 394.
(2) كمال الدين وتمام النعمة: 333 / وبحار الأنوار 51: 32.
(3) كمال الدين وتمام النعمة: 338 / وبحار الأنوار 51: 32.
-[ 381 ]- فُقِد الخامس مِن ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلنّكم عنها أحدٌ" (1).
5ـ وحديث يونس بن عبد الرحمن: "دخلت على الإمام موسى بن جعفر (عليهم السلام) فقلت له: يا ابن رسول الله، أنت القائم بالحق؟
قال: أنا القائم بالحق، ولكن القائم الذي يطهر الأرض... هو الخامس مِن ولدي. له غيبة يطول أمدها" (2).
6ـ وحديث السيد الحميري الشاعر عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وفيه: "فقلت له: يا ابن رسول الله قد روي لنا أخبار عن آبائك في الغيبة وصحة كونها، فأخبرني بمَن تقع؟
فقال (عليه السلام) : ستقع بالسادس مِن ولدي، وهو الثاني عشر مِن الأئمة الهداة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)..." (3).
7ـ وحديث سليمان الديلمي في قصة واقعة القادسية، وأن يزدجرد خرج هارباً في أهل بيته، فوقف بباب الإيوان، فقال: "السلام عليك أيها الإيوان. ها أنا ذا منصرف عنك، وراجع إليك أنا أو رجل مِن ولدي لم يدن زمانه ولا آن أوانه".
قال سليمان: "فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فسألته عن ذلك، وقلت له: ما قوله: رجل مِن ولدي؟ فقال: ذاك صاحبكم القائم بأمر الله عزّ وجلّ السادس من ولدي، قد ولده يزدجرد، فهو ولده" (4).
8ـ وحديث أبي الهيثم بن أبي حبة عنه (عليه السلام) أنه قال: "إذا اجتمعت
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 1: 336 / وكمال الدين وتمام النعمة: 359، 360.
(2) كمال الدين وتمام النعمة: 361 / وبحار الأنوار 51: 151.
(3) كمال الدين وتمام النعمة: 342 / وبحار الأنوار 47: 317.
(4) إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات 7: 218 / وبحار الأنوار 51: 163، 164.
-[ 382 ]- ثلاثة أسماء متوالية: محمد وعلي والحسن، فالرابع القائم" (1).
وقريب منه أو عَيْنه حديث أبي الهيثم التميمي (2).
9ـ وحديث الحسين بن خالد عن الإمام الرضا (عليه السلام)، وفيه: "فقيل له: يا ابن رسول الله، ومَن القائم منكم أهل البيت؟
قال: الرابع مِن ولدي..." (3).
10ـ وحديث الريان بن الصلت عنه (عليه السلام) في وصف القائم (عليه السلام)، وفيه:
"ذاك الرابع مِن ولدي يغيبه الله في ستره ما شاء الله" (4).
11ـ وحديث عبد العظيم الحسني عن الإمام الجواد (عليه السلام)، وفيه: "إنّ القائم منّا هو المهدي، الذي يجب أن ينتظر في غيبته، ويطاع في ظهوره، وهو الثالث مِن ولدي..." (5).
12ـ وأوضحها في ذلك ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وفيه: "أنه كان إذا أقبل إليه الحسن قال: مرحباً يا ابن رسول الله، وإذا أقبل الحسين يقول:
بأبي أنت وأمي يا أبا ابن خير الإماء.
فقيل له: يا أمير المؤمنين وما بالك تقول هذا للحسن وتقول هذا للحسين؟ ومَن ابن خيرة الإماء؟
فقال: ذاك الفقيد الطريد الشريد محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين هذا. ووضع يده على
ـــــــــــــــــــــــ
(1) كمال الدين وتمام النعمة: 333، 334.
(2) كمال الدين وتمام النعمة: 334 / وبحار الأنوار 51: 143.
(3) كمال الدين وتمام النعمة: 371 / وبحار الأنوار 52: 321، 322.
(4) كمال الدين وتمام النعمة: 376 / وبحار الأنوار 52: 322.
(5) كمال الدين وتمام النعمة: 377 / وبحار الأنوار 51: 156.
-[ 383 ]- رأس الحسين (عليه السلام) (1) ".
السادسة: ما تضمَّن أنّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يظهر في آخر الزمان، أو بعد غيبة طويلة ويأس، وهرج ومرج، وامتلاء الأرض جوراً وظلمًا، ونحو ذلك مما استفاض في نصوص الفريقين.
لِظُهُور أنه بعد فَرْض جريان الإمامة في الأعقاب، مِن الوالد لولده، فلابد مِن اتصال نسبه الشريف بالأئمة الذين مِن قبْله (صلوات الله عليهم)، بأنْ يكون ولداً للإمام الحسن العسكري (عليه السلام) الذي هو آخرهم بمقتضى نصوص إمامتهم المتقدمة.
السابعة: النصوص المستفيضة المتضمنة أنّ الأرض لا تخلو عن إمام وحجة، ومنها ما رواه الفريقان مِن أنّ مَن مات ولم يعرف إمام زمانه، أو ليس عليه إمام، أو نحو ذلك، مات ميتة جاهلية، على ما تقدم في الوجه الثاني للاستدلال على أنّ الإمامة بالنص. فراجع.
وإليه يرجع قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "إنّ في كل خلف من أمتي عدلاً من أهل بيتي، ينفي عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، وإنّ أئمتكم قادتكم إلى الله عزّ وجلّ، فانظروا بمَن تقتدون في دينكم وصلاتكم" (2). ورواه الجمهور بالنحو الذي تقدم في نصوص
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مقتضب الأثر: 31 / وبحار الأنوار 51: 110، 111.
(2) كمال الدين وتمام النعمة: 221، واللفظ له / قرب الإسناد: 77 / الكافي 1: 32 / مقتضب الأثر: 16 / الفصول المختارة: 325.
وروي عند الجمهور بألفاظ مقاربة في كل من ينابيع المودة 2: 114، ص: 366، ص: 439 / الصواعق المحرقة 2: 441، 442، 676 / ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: 17 ذكر إخباره أنهم سيلقون بعده أثرة والحث على نصرتهم وموالاتهم / جواهر العقدين في فضل الشرفين: القسم الثاني 1: 91 الرابع: ذكر حثه (صلى الله عليه وآله وسلم) الأمة على التمسك بعده بكتاب ربهم وأهل بيت نبيهم.
-[ 384 ]- مرجعية أهل البيت (عليهم السلام) في الدِّين.
فإنه إذا كانت الإمامة تجري في الأعقاب، وكان أبو محمد الحسن العسكري (عليه السلام) بمقتضى النصوص السابقة إمامًا، ومِن المعلوم أنه قد توفي، تعيَّنَ أنْ يكون قد أعْقَب ولداً مِن بعده هو إمام العصر وصاحب الزمان.
وبعد ذلك كله لا يُظن بالمنصف الشك في إمامة الإمام الثاني عشر الحجة بن الحسن المنتظر، صلى الله عليه، وعلى آبائه مِن قبْل وعجّل فرجه الشريف.
ولذا يظهر مِن بعض النصوص أنه يكفي في ثبوت إمامته (عجّل الله فرجه) عند السائل العلْم بولادته (عليه السلام) ووجوده، بسبب التكتُّم في ذلك، حذراً من إحراجات السلطة ومضايقاتها. ولذا اقتصر في كثير من الأحاديث والنصوص التاريخية على بيان ولادته ووجوده، وعلى إخبار جماعة برؤيتهم له (صلوات الله عليه).
بل النصوص السابقة وحدها - على اختلاف مضامينها - كما تنهض بإثبات إمامته تنهض بإثبات وجوده وولادته، وهي كافية في قيام الحجة على ذلك.
ولعل ذلك هو السبب في تشديد السلطة والرقابة على دار الإمام العسكري (عليه السلام)، والفحص بعد وفاته عن وجود ولد له، إذْ مِن القريب جدّاً تسرُّب كثيرٍ مِن هذه الأحاديث لها، أو تسرب مضامينها، بسبب تسالُم الشيعة عليها، مع قناعة السلطة بأنهم قد أخذوها مِن عَيْن صافية، لعلمها
-[ 385 ]- بواقع الأئمة (صلوات الله عليهم)، وبحقيقة علمهم، وبأنّ شيعتهم يأخذون منهم وينطقون عنهم.
حَيْرَة الشيعة بعد الإمام العسكري (عليه السلام)
وأما حيرة الشيعة بعد الإمام العسكري (صلوات الله عليه)، واختلاف كلمتهم، فهو طبيعي جدًّا، لعدم سهولة الإذعان بالأمور الغيبية عند الاصطدام بها لأول وهلة.
ولاسيما مع كون المفاجآت والتحولات المستجدة، مرتعاً خصباً للشبهات التي يثيرها الجهلة والمنتفعون، ومع أنّ النصوص بالمضامين المتقدمة وإنْ كانت كثيرة جدّاً - كما سبق، بل نكاد نقطع بأنها أكثر بكثير ممّا وصل إلينا، لعدم تسجيل بعضها، ولتلف أو ضياع كثير من مصادر الشيعة وكتبهم - إلا أنها لم تكن بمتناول عامة الناس وكثير مِن خاصّتهم، لأنّ التثقيف والنشر والإعلام كانت محدودة في تلك العصور، وخصوصاً بالإضافة للثقافة الشيعية، وبالأخص ما يتعلق بالإمامة التي هي الوتر الحساس عند الجمهور والسلطة.
وقد استقرت الأمور بعد ذلك تدريجًا، واتضحت معالم مدرسة أهل البيت (صلوات الله عليهم) نتيجة وجود القاعدة البرهانية الصلبة والثقافة السليمة المكثفة، ووجود الحَمَلة الواعين المخلصين الحافظين لها والمدافعين عنها والمثقِّفين بها.
وكيف كان، فقد يكون العلْم بمُلازمة ولادته (عليه السلام) لإمامته أحد
-[ 386 ]- أسباب ما سبق مِن كثرة الحديث في تلك الفترة عن وجود الخلف للإمام العسكري (عليه السلام)، وعدم الاكتفاء بالنصوص المتقدمة القاضية بوجوده (عليه السلام).
كما قد يكون السبب لها طلب المزيد من الأدلة، تأكيداً للحجة ودفْعاً للشبهة، أو لأنّ الطرق الحسّية أوقع في النفس من الحسابات العقلية والقضايا الغيبية.
قال عبد الله بن جعفر الحميري الذي هو من مشايخ الطائفة ووجوهها: "اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو رحمه الله عند أحمد بن إسحاق، فغمزني أحمد بن إسحاق أنْ أسأله عن الخلف، فقلتُ له:
يا أبا عمرو إني أريد أنْ أسألك عن شيء، وما أنا بشاكّ فيما أريد أن أسألك عنه، فإنّ اعتقادي وديني أنّ الأرض لا تخلو مِن حجة، إلا إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يومًا، فإذا كان ذلك رفعت الحجة وأغلق باب التوبة، فلم يك ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا، فأولئك أشرار خلق الله عزّ وجلّ الذين تقوم عليهم القيامة.
ولكني أحببتُ أنْ أزداد يقينًا، وإنّ إبراهيم (عليه السلام) سأل ربه عزّ وجلّ أن يريه كيف يحيي الموتى ((قَالَ أوَلَم تُؤمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِيَطمَئِنَّ قَلبِي)).
وقد أخبرني أبو علي أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته وقلت: مَن أُعامِل، أو عمَّن آخُذ وقوْلَ مَن أَقْبَل؟
فقال له: العمري ثقتي، فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطع، فإنه الثقة المأمون.
-[ 387 ]- وأخبرني أبو علي أنه سأل أبا محمد (عليه السلام) عن مثل ذلك، فقال له: العمري وابنه ثقتان، فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان، وما قالا لك فعني يقولان، فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان.
فهذا قول إمامين قد مضيا فيك.
قال: فخرّ أبو عمرو ساجداً وبكى، ثم قال: سَل حاجتك.
فقلت له: أنتَ رأيتَ الخَلَفَ مِن بعد أبي محمد؟ فقال: إي والله، ورقبته مثل ذا، وأومأ بيده.
فقلت له: فبقِيَت واحدة.
فقال لي: هات.
قلت: فالاسم؟
قال: محرم عليكم أن تسألوا عن ذلك.ولا أقول هذا من عندي، فليس لي أن أحلل وأحرم، ولكن عنه (عليه السلام) فإنّ الأمْرَ عند السلطان أنّ أبا محمد مضى ولم يُخَلّف ولدًا، وقُسِّم ميراثه، وأخذه مَن لا حقَّ له فيه. وهو ذا عياله يجولون ليس أحد يجسر أن يتعرف إليهم أو ينيلهم شيئًا، وإذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتقوا الله وأمسكوا عن ذلك" (1).
وأبو عمرو هذا هو الشيخ الجليل عثمان بن سعيد، السفير الأول للإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، كما كان وكيلاً عن جده وأبيه الإمامين العسكريين (صلوات الله عليهم).
هذا ما تيسر لنا العثور عليه من النصوص الدالة على إمامة الأئمة الاثني عشر (صلوات الله عليهم). وهي بنفسها تكفي في إثبات إمامتهم وخلافتهم للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في شؤون الدين والدنيا، فضلاً عما إذا انضم
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 1: 329ـ330 / والغيبة للطوسي: 243ـ244 / وبحار الأنوار 51: 347ـ348.
-[ 388 ]- إليها الوجوه الثلاثة التي ذكرناها في أول المبحث الثاني في إثبات النص على إمامة الأئمة الاثني عشر السياسية، وما سبق في الفصل الأول من الدليل على إمامتهم في الدين.
|
|
|
|
|