منتديات موقع الميزان - عرض مشاركة واحدة - أصول العقيدة (7). خاتمة
عرض مشاركة واحدة

زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 189
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي أصول العقيدة (7). خاتمة
قديم بتاريخ : 09-May-2013 الساعة : 10:47 AM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


قال سماحة السيد الحكيم في كتابه(أصول العقيدة) :
-[ 425 ]-

خاتمة

في بعْض الأمور التي كثُر الحديث فيها
وهي خارِجة عن أصول الدين

كان عزْمُنا عند الشُّرُوع في تأليف هذا الكتاب على التعرُّض في هذه الخاتمة لبعض الأمور العقائدية والعلْمية الخارجة عن أصول الدين التي يجب الفَحْص عنها والاعتقاد بها، إلا أنّ الكلام قد كثُر فيها مِن الأولياء والخصوم، حتى كأنّها مِن أصول الدين. وربما كان لبعضها تعلُّقٌ بما سبق، خصوصاً النَّصّ.
إلا أنه قبْل أنْ ننتهي في كتابنا هذا إلى هذه الخاتمة ورَدَتنا مِن بعض المسلمين من أهل المذاهب الأخرى أسئلةٌ تتعلق ببعض الأمور العقائدية والحقائق العلمية عند الشيعة الإمامية (أعزّهم الله تعالى) أجبنا عنها بإسهاب، وكانت المُحصّلة كتابنا (في رحاب العقيدة) بأجزائه الثلاثة، وكان فيه الجواب عن كثير من تلك الأمور:
منها: أنّ وُجُود النَّصّ يَسْتَلْزِم الطَّعْنَ في كثير من الصحابة، مع لُزُوم حُسن الظن بجميع الصحابة، وتَرْك التعرُّض لهم، لأنهم حَمَلَة الإسلام،
-[ 426 ]-
وعليهم قامت دعوته وقد عَدَّلَهم الله تعالى، وليس بعد تعديله لهم شيء.
ويظهر الجواب عنه مما ذكرناه في جواب السؤال الثاني من الجزء الأول، وجواب السؤال الأول من الجزء الثاني، وجواب السؤال الثامن من الجزء الثالث من الكتاب المذكور.
ومنها: أنه لو فُرِض إمْكان خُرُوجِ بعضِ الصحابة عن النصّ، إلا أنه لا يمكن خروجُ جُمْهُورِهم عنه وتَجَاهُلُهم له، وذلك يَكْشِف عن عدم النص، وإلا لَوَقَفُوا مِن الأَوَّلين مَوْقِفَ المُنْكِر عليهم لِتَوَلِّيهم السلطة، ولم يَحْدُث شيءٌ مِن ذلك.
ويظهر الجواب عنه مما ذكرناه في جواب السؤال الرابع من الجزء الثاني من الكتاب المذكور.
ومنها: أنه لو فُرِض ثُبُوت النَّصّ، إلا أنّ إمْضَاءَ الإمامِ أمير المؤمنين (عليه السلام) لِمَا حَصَل كافٍ في شَرْعِيَّته، لأنه صاحِب الحَقّ، وله التنازل عن حقه.
ويظهر الجواب عنه مما ذكرناه في جواب السؤال الثالث من الجزء الثاني من الكتاب المذكور.
ومنها: أنّ ذلك لا يَتَناسَب مع النصوص الكثيرة التي رواها الجمهور في فضائل الصحابة ومناقبهم، خصوصاً بعض مَن تولّى السلطةَ، وسار في ركابهم.
ويظهر الجواب عنه مما ذكرناه في جواب السؤال الأول من الجزء
-[ 427 ]-
الثاني، وجواب السؤال الثامن من الجزء الثالث من الكتاب المذكور.
ومنها: أنّ غَيْبَة الإمام الثاني عشر الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) لا تَتَناسب مع ما عليه الشيعة مِن وُجوب نَصْب الإمام المعصوم، لِيَكون مَرْجِعاً للأمّة في دِينها ورَفْع الخِلاف عنها، لعدم قِيَام الإمام بوظائفه مع غيبته وانقطاعه عن الناس.
ويظهر الجواب عنه مما ذكرناه في جواب السؤال الخامس من الجزء الأول من الكتاب المذكور. وأشرنا إلى شيء من ذلك هنا في أوائل المقصد الثالث عند الكلام في الإمامة في الدين.
ومنها: دَعْوى ذهاب الشيعة لتحريف القرآن المجيد، مِن أجْل التشنيع عليهم بإعْرَاضهم عن القرآن.
ويظهر الجواب عنها مما ذكرناه في جواب السؤال الثالث من الجزء الأول من الكتاب المذكور.
وبذلك نستغني عن الكلام في هذه الأمور هنا. ولاسيما بعد أن طُبِع ذلك الكتاب مرارًا، وانتشر نسبيًّا، وصار في المتناول.
وربما كان هناك أمور أُخَر لا يسعنا الحديث عنها لكثرة المشاكل وضيق الصدر، نعم بقي في المقام أمر لم يسبق التعرض له في الكتاب المذكور ينبغي التعرض له هنا لشدة أهميته..
-[ 428 ]-

لماذا لم يَسْتَدلّ بالنّص المَعْنِيُّون به في الصَّدْر الأوّل؟

وحاصله: أنه إذا كانت الإمامة بالنص، وقد دلت عليها النصوص الكثيرة المتقدمة ونحوها، فلماذا لم يستدل به الإمامُ أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ومَن توَجَّهَ وجهتَه ممّن كان يرى أولويتَه بالخلافة، ويُفترَض فيه أنْ يكون على بصيرةٍ مِن ثُبُوت النص في حقه (عليه السلام)، ويَعْلم بمفردات النصوص، لمعاصرته لصُدُورها وللظروف المحيطة بها؟! مع أنّ الناظر في تاريخ تلك الفترة لا يجد شيئاً مِن ذلك.
والجواب عن ذلك من وجهين:

عدم الاستدلال بالنص لا يَقْتضي التشكيك به
الوجه الأول:

أنّ ذلك لا يَصْلح لرَفْع اليَد عمّا سَبَق مِن أنّ الخلافة لا يمكن أنْ تكون بغيْر النص، وعن النصوص الكثيرة المتقدمة وغيرها، مع وضوح دلالتها، واعتضادها بالقرائن الكثيرة، ومِن جملتها أو أهمّها تَمَسُّك أهل البيت (صلوات الله عليهم) بمَوَاقِفهم واعْتِزَالُهم الجمهورَ القائِلِين بشرعيّة خِلافةِ المُسْتَوْلِين غيْرِ المَنْصُوص عليهم، واعْتِزَالُ الجمهورِ المذكور لهم (عليهم السلام)، واخْتِصَاصُهم (عليهم السلام) بشيعتهم الذين كانوا يُعْلِنُون عن عدم شرعية تلك الخلافة مِن اليوم الأول.
على ما أوضحناه في جواب السؤال الثالث من الجزء الثاني من كتابنا (في رحاب العقيدة).
فإنّ عدم الاستدلال - لو تَمّ - لا يصلح لرفع اليد عن ذلك كله وإهماله
-[ 429 ]-
والبناء على شرعية ما حصل على مفارقاته وسلبياته التي أشرنا إليها في أول الكلام في الإمامة. ولاسيما بملاحظة ما انتهى إليه أمر المسلمين نتيجةَ عدم الانضباط في أمر الإمامة مِن الوضع المأساوي الفجيع.
غاية الأمر أنْ يكون عدم الاستدلال المُدَّعَى مَدْعَاةً للاستغراب والتساؤل، مِن دُون أنْ يرفع به اليد عن هذه الحقيقة الواضحة.
وقد ذكرنا نظير ذلك بإسهاب وتفصيل في أوائل جواب السؤال الرابع من الجزء الثاني من كتابنا المذكور. ويحسن الرجوع إليه لمزيد من التعرف على الحاجة للنص في أمر الخلافة والإمامة.

الوجه الثاني:

أنّ الغرض مِن الاستدلال - في المقام وفي سائر موارد الخلاف والخصام - أَحَدُ أمريْن..

الاستدلال مِن أجْل معرفة الحق والعمل عليه

الأول: تعيين الحق وصاحِبه مِن أجْل أنْ يُعمَل عليه. ومِن الظاهِر أنّ هذا لا مجال له في حادثة السقيفة..
أولاً: لعدم الإشكال في أنّ بيْعة أبي بكر كانت بَغْتَةً مِن دُون مشورة، وابْتَنَت على المُغَالَبَة والإِرْغَام، مِن دُون احترامٍ لرأْي الآخرين وانتظارٍ لحججهم، كما يشهد بذلك أدنى ملاحظة لتاريخ الحادثة وما ورد فيها.
وتعرضنا لبعض ما يناسب ذلك في جواب السؤال الثالث وغيره من كتابنا المذكور.
-[ 430 ]-

الاستدلال ببعض النصوص في الشورى

نعم تيسر ذلك في مناسبة الشورى مِن أجْل تعيين الخليفة الثالث، لأنها ابتنت في ظاهر الحال على إعطاء المهلة، وتداوُل الرأي والنظر في المرجِّحات. وقد احتج أمير المؤمنين (عليه السلام) فيها بحديث الغدير (1) وحديث المنزلة (2) وحديث الثقلين (3)، وغيرها.
لكنه لم يحتج بها بعنوان كوْنها نصوصاً على إمامته تمْنع مِن إمامة غيره، بل في جملة فضائله المُرجِّحة له على غيره.
وذلك لتفرُّع الشورى على أنّ الخلافة ليست بالنصّ، بل بالاخْتيار والبيعة، وعلى شرعية خلافة الشيخين، وكان الرأي العام على ذلك، وعلى تبجيل الشيخين، بل تقديسهم، حتى فرض بالآخرة التزام سيرتهما شَرْطاً على الخليفة زائداً على العمل بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم).
ومِن الظاهر أنه لا مجال لصَدْمَة الناس بعدم شرعية ذلك كله مِن دُون تحقُّق الجَوّ المناسب لقبوله، لأنّ ذلك يُؤَلِّب الناسَ على أمير المؤمنين (عليه السلام)، ويُضْعِف موقفه في الصراع، بل يعطيهم المبرّر لإقصائه.
غاية الأمر أنّ ذِكْر كثيرٍ مِن تلك الفضائل المميّزة له (عليه السلام) يَسْتَبْطن
ـــــــــــــــــــــــ
(1) شرح نهج البلاغة 6: 167ـ168 / المناقب للخوارزمي: 222 من طبعة المكتبة الحيدرية 1965م، الفصل التاسع عشر في فضائل له شتى.
(2) تاريخ دمشق 42: 432 في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه). وقد ذكرت في تاريخ دمشق 39: 201 في ترجمة عثمان بن عفان من غير تصريح أنها في يوم الشورى.
(3) المناقب للخوارزمي: 223 من طبعة المكتبة الحيدرية 1965م، الفصل التاسع عشر في فضائل له شتى.
-[ 431 ]-
دَعْوى ظُلامته مِن اليوم الأول، كما صرح بذلك هو (صلوات الله عليه) وبعض خواصّه في أحداث الشورى عندما اقتضاه المقام.
وقد ذكرنا بعض ذلك في جواب السؤال الثالث من الجزء الثاني من كتابنا المذكور. فراجع.

السقيفة انْقِلابٌ على النَّصّ

وثانياً: لأنه يبدو مما تقدم في الفصل الثالث وُضوح النص وجلائه، وأنّ المسلمين كلهم أو جلّهم كانوا ينتظرون تَوَلِّي أمير المؤمنين (عليه السلام) الأمْرَ بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وقد استعرضنا بعض ما يناسب ذلك في جواب السؤال الرابع من الجزء الثاني من الكتاب المذكور.
وذلك يرجع إلى أنّ حادِثة السقيفة تَبْتَنِي على إهْمَال النص والانقلاب عليه. ولا مَعْنى مع ذلك لذِكْر النص والاستدلال به، لظُهُور أنّ الاستدلال مِن أجْل العمل إنّما يَحْسُن لتنبيه الجاهِل أو الغافِل، أمّا العالِم بالدليل المُعْرِض عنه فالاستدلالُ به عليه عَبَثٌ لا يَحْسُن بمَن يحترم نفْسَه.
ولعلّه لذا نجد أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ومَن توجّهَ وجهتَه قد تجَاوزوا مرحَلةَ الاستدلال إلى ما بعده، وهي مَفْرُوغِيَّتَهم عن ثُبُوت الحق له (عليه السلام) وعن تَجَاوُز القوْم عليه، ثم إنْكَار ذلك عليهم.
قال (عليه السلام) : "وقال قائِل: إنّك على هذا الأمْر يا ابن أبي طالب لحَرِيص، فقلتُ: بل أنتم والله لأحرص وأبْعد، وأنا أخصّ وأقْرَب، وإنما طلبتُ حقًّا
-[ 432 ]-
لي، وأنتم تَحُولُون بيني وبينه وتَضْرِبون وجهي دُونه. فلمّا قَرَعْتُه بالحُجَّة في الملأ الحاضرين هَبَّ لا يدري ما يجيبني به" (1).
وكلامه (صلوات الله عليه) وكلام غيره في ذلك أكثر مِن أنْ يُحصى. وقد ذكرنا الكثير منه في جواب السؤال الثالث والرابع من الجزء الثاني من كتابنا المذكور.

الاستدلال مِن أجْل الاحْتِجَاج والإنكار

الثاني: الاحتجاج والإنكار على مَن خَرَج عن الحق وخالفه، وتَبْكِيته وإحْرَاجه، إمّا بِرَجَاء ارْتِدَاعه ورُجوعه للحق، أو لكَشْف حقيقته وسُوء موْقفه، لئلا يَضِلّ الناس به، أو لبيان المبرِّر لبعض المواقف السلبية منه، أو لنحو ذلك.
وهذا في الحقيقة نحوٌ مِن الاحْتِكاك والمواجهة للطرف المقابل، وقد لا تسمح به الظروف، لإصرار الخصم وعنجهيته وقسوته، فإنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) فيما يبدو كان مُكلَّفاً بأمرين لهما الأولوية على المطالبة بحقه..

أهمية حفْظ كِيان الإسلام العام

الأول: حفظ كيان الإسلام العام وبقاء دعوته الشاملة بين مجموعة كبيرة من الناس ذات قوة وعدد، بحيث تهتم بنشره والدفاع عنه، ولو مِن أجْل مصالحها الشخصية، ليتسنى للأمم البعيدة سماع دعوته والتعرُّف
ـــــــــــــــــــــــ
(1) نهج البلاغة 2: 84ـ85 واللفظ له / والإمامة والسياسة 1: 126ـ127 ما كتب علي لأهل العراق.
-[ 433 ]-
عليها، والنظر فيها والاهتداء بها، بغض النظر عن بعض السلبيات التي تُرَافِق ذلك نتيجةَ انْحِرَاف قِيادتها.
وليكون الدخول في الإسلام مفتاحاً للتعرُّف على المذهب الحق بعد الاطلاع على اختلاف المسلمين، والاستئناس بأدلتهم.
أمّا مع عدم الدخول في الإسلام بإطاره العام فلا يتيسَّر الاطلاع على المذهب الحق وسماع دعوته.

أهمّية حفْظ شَخْص الإمام (عليه السلام) وخوَاصّ شيعته

الثاني: بقاء شخصه الكريم والثُّلَّة الصالحة مِن شيعته، التي آمنت بالإسلام على حقيقته بإخلاص وتفهُّم واستعداد للتضحية، مِن أجْل أنْ يَحْمِل هو (عليه السلام) وهذه الثلة المؤمنة الإسلامَ الحقَّ بعيداً عن التحريف والتشويه، وليتمّ التعريف به بالتدريج وحسب القدرة لذوي الإخلاص والتوفيق من المسلمين البعيدين عن مركز الدعوة والثقافة الدينية، أو ممّن يعتنق الإسلام بعد ذلك، لتبقى دعوة الإسلام الحق البعيد عن التحريف والتشويه مَسْموعةً للأجيال اللاحقة، ولا يُقضَى عليها بالقضاء على حَمَلَتِها الأُوَل في مبْدأ الاختلاف والانشقاق، كي لا ينفرد الخطُّ المنحرف في الساحة.
وقد يتضح ذلك بالنظر لما رواه الشيخ المفيد (قدس سره) بسنده عن معروف ابن خربوذ قال: "سمعت أبا عبيد الله مولى العباس يحدث أبا جعفر محمد ابن علي (عليهم السلام) قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: آخر خطبة خطبنا بها
-[ 434 ]-
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لَخطْبة خطبنا في مرضه الذي توفي فيه.
خرج متوكِّئاً على علي بن أبي طالب (عليه السلام) وميمونة مولاته فجلس على المنبر، ثم قال:
[أيها الناس إني تارِك فيكم الثقلين]، وسكت.
فقام رجل فقال: يا رسول الله ما هذان الثقلان؟
فغضب حتى احمرّ وجهه، ثم سكن، وقال:
[ما ذكرتهما إلا وأنا أريد أن أخبركم بهما، ولكن ربوت فلم أستطع:
سبب طرفه بيد الله وطرف بأيديكم تعملون فيه كذي، ألا وهو القرآن، والثقل الأصغر أهل بيتي].
ثم قال:
[وأَيْم الله إني لأقول لكم هذا ورِجَالٌ في أصْلاب أهْل الشرك أَرْجَى عندي مِن كثيرٍ منكم...]
فقال أبو جعفر (عليه السلام) : إن أبا عبيد الله يأتينا بما يعرف [بما نعرف]" (1).
حيث يبدو مِن هذا الحديث اهتمام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بإيصال الدعوة سليمة عن التحريف للأجيال اللاحقة، وأمَلُه بتلك الأجيال أو ببعضها في أن يتقبّلها ويتبنّاها، لتبقى على مرّ العصور.
بل هو ما وعد به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحديث المشهور، حيث قال: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم خذلان مَن خذلهم" (2)،
ـــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 22: 475ـ476 / وأمالي المفيد: 135ـ136 المجلس السادس عشر.
(2) صحيح مسلم 3: 1523، واللفظ له: 1524 كتاب الإمارة: باب قوله (صلى الله عليه وسلم) : لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم / صحيح البخاري 3: 1331 كتاب المناقب: باب سؤال المشركين أن يريهم النبي (صلى الله عليه وسلم) آية فأراهم انشقاق القمر / صحيح ابن حبان 1: 261 كتاب العلم: ذكر إثبات النصرة لأصحاب الحديث إلى قيام الساعة 15: 248 باب وفاته (صلى الله عليه وسلم) ذكر البيان بأن الفتن إذا وقعت والآيات إذا ظهرت كان في خللها طائفة على الحق أبدًا. وغيرها من المصادر الكثيرة جدًّا.
-[ 435 ]-
على ما سبق التعرض له عند الحديث عن نظام الشورى الذي قد يُدَّعَى في الإسلام.
وإذا أردنا أنْ ننظر في حال المُسْتَوْلِين على السلطة في أعْقاب حادثة السقيفة، ومَن حَفَّ بهم ووَقَف وراءهم، نَجِد اهتمامَهم بأهدافهم وتمسُّكَهم بمواقفهم وإصرارَهم عليها مِن الشدة بحيث يكون الاحتكاك بهم وإحراجهم ومجابهتهم بالمواقف الصلبة سَبَباً للخطر على أحد هذين الأمرين، بل على كليهما.

تمسُّك المستولين على السلطة ولو بالتضحية بالإسلام

فحينما جهّز رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جيشَ أسامة، واستشعروا مِن ذلك أنه يريد إخلاء المدينة مِن المنافس للخليفة المنصوص عليه، تكلموا في ذلك، وطعنوا في إمارة أسامة (1)، وتقاعسوا عن الخروج معه، متجاهلين غضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مِن ذلك، وتأكيده على إنفاذ الجيش (2)، ولعْنه مَن تَخَلَّف عنه (3).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الطبقات الكبرى 2: 249 ذكر ما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في مرضه لأسامة بن زيد (رحمه الله) / السيرة النبوية 6: 65 أمره بإنفاذ بعث أسامة / تفسير القرطبي 14: 238 / المصنف لابن أبي شيبة 6: 392 ما جاء في أسامة وأبيه، 7: 415 ما حفظت في غزوة مؤتة. وغيرها من المصادر.
(2) الطبقات الكبرى 4: 67 الطبقة الثانية من المهاجرين والأنصار في ذكر (إسامة) / كما قد ذكر أمر هذا الجيش بصور متقاربة في صحيح البخاري 3: 1365 كتاب فضائل الصحابة: باب مناقب زيد بن حارثة، 4: 1620 كتاب المغازي: باب بعث النبي (صلى الله عليه وسلم) أسامة بن زيد (رضي الله عنهم) في مرضه الذي توفى فيه، ومصنف ابن أبي شيبة 7: 415 ما حفظت في غزوة مؤتة، والطبقات الكبرى 2: 249 ذكر ما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في مرضه لأسامة بن زيد (رحمه الله)، وغيرها من المصادر.
(3) الملل والنحل للشهرستاني 1: 23 في المقدمة الرابعة: في الخلاف الثاني / شرح نهج البلاغة 6: 52.
-[ 436 ]-
ولَمَّا صَدَمَهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أيّامه الأخيرة بالموقف الأشدّ حِدِّيَّةً، حين أراد أن يكتب للمسلمين كتاباً لن يضلوا بعده أبدًا، واستشعروا أنّ فيه قَضَاءً على مشروعهم في السلطة، صَعَّدوا موْقفَهم معه (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يَتَوَرَّعُوا عن مُجَابَهته بالرَّفْض، بل رَمَوْه بالهَجْر الذي لا يتناسب مع النبوة، وهو مُؤَشِّرٌ على اسْتعدادهم لإسْقَاط حُرْمَتِه والتَّخَلِّي عن دعْوته في سبيل تحقيق أهدافهم، مما اضطره (صلى الله عليه وآله وسلم) للتراجع عن موقفه (1) (*)، حِفَاظاً على كيان الإسلام وبقاء دعوته، لِتَصِل للأمم الأخرى، حتى لو كان الذي يوصلها ضعفاء الإيمان أو المنافقون مِن أجْل مصالحهم المادية والمعنوية.
ويبقى حفْظُها على حقيقتها بعيداً عن التحريف والتشويه، وتبليغ الأجيال بها، على عهدة الثلة المؤمنة بالدين الحق على صفائه والتي أَخَذَتْه مِن الثقلين اللذين خلفهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمته، وجعلهما مرجعاً لها في دينه، وهما الكتاب المجيد والعترة الطاهرة.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) (*) وفي حديث لعمر مع ابن عباس عن أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول ابن عباس: "قال: يا عبد الله عليك دماء البدن إنْ كَتَمْتَنِيها، هل بَقِي في نفسه شيءٌ مِن أمْر الخلافة؟
قلتُ: نعم.
قال: أَيَزْعم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نَصَّ عليه؟
قلت: نعم، وأزيدك سألتُ أبي عمّا يَدّعِيه، فقال: صَدَق.
فقال عمر: لقد كان مِن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمْره ذرو مِن قولٍ لا يُثبت حجَّةً ولا يقطع عذرًا، ولقد كان يربع في أمره وقتاً ما. ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه، فمَنَعْتُ مِن ذلك إشْفاقاً وحيطة على الإسلام. لا ورب هذه البنية لا تجتمع عليه قريش أبدًا. ولو وليها لانتقضت عليه العرب مِن أقطارها، فعلم رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أني علمتُ ما في نفسه فأَمْسَك. وأبى الله إلا إمضاء ما حتم". شرح نهج البلاغة 12: 20، 21.
-[ 437 ]-

اسْتعداد السلطة لِتَصْفِيَة المُعَارَضَة: سعد بن عبادة

وفي السقيفة حينما كان النزاع على الخلافة بين الأنصار - وعلى رأسهم سعد بن عبادة - وقريش على أشدّه، لم يَتَوَرَّع عمرُ بن الخطاب عن إسْقاط حُرْمة سعد بن عبادة، حيث قال: "قتَلَه الله إنه منافق" (1)، بل روى غير واحد أنه قال: "اقتلوه قتله الله" (2)، وانتهى الأمر أخيراً بتغلُّب قريش، واستسلام الأنصار، وسُكوت سعد بن عبادة ومسالمته، غاية الأمر انه امْتَنَع عن بيْعتهم والدخول في أمْرهم، واعَتَزَلهم، وأصرّ على موقفه حتى ترك المدينة المنورة وذهب إلى حوران معتزلاً عنهم، إلا أنه لم يسلم على نفسه، واغْتِيلَ هناك (3). وربما نُسِب اغتياله للجِنّ، لأنه بال قائماً !
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ الطبري 2: 244، في ذكر الخبر عما جرى بين المهاجرين والأنصار في أمر الإمارة في سقيفة بني ساعدة.
(2) مصنف ابن أبي شيبة 7: 432، كتاب المغازي، ما جاء في خلافة أبي بكر وسيرته في الردة / فتح الباري 7: 32 / الرياض النضرة 2: 208 الفصل الثالث عشر بيعة السقيفة وما جرى فيها / تاريخ الطبري 2: 244، في ذكر الخبر عما جرى بين المهاجرين والأنصار في أمر الإمارة في سقيفة بني ساعدة.
(3) العقد الفريد 4: 242ـ243 فرش كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم: سقيفة بني ساعدة / أنساب الأشراف 1: 291 تسمية السبعين الذين بايعوا عند العقبة، 2: 272 أمر السقيفة / شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 17: 223ـ224 / الاستيعاب 2: 599 في ترجمة سعد بن عبادة / وقد اتهم الجن بقتله في كل من المستدرك على الصحيحين 3: 283 كتاب معرفة الصحابة: ذكر مناقب سعد بن عبادة الخزرجي النقيب (رضي الله عنه) / ومجمع الزوائد 1: 206 كتاب الطهارة: باب البول قائماً / والجامع لمعمر بن راشد 11: 434 باب موت الفجاءة / والمعجم الكبير 6: 16 في ترجمة سعد بن عبادة الأنصاري / وسير أعلام النبلاء 1: 277 في ترجمة سعد بن عبادة، وغيرها من المصادر الكثيرة.
وعلق ابن أبي الحديد في الموضع المذكور على اتهام الجن بقتله بقوله: "أمّا أنا فلا أعتقد أنّ الجن قتلت سعدًا، ولا أنّ هذا شِعْر الجن، ولا أرْتاب أنّ البشر قتلوه، وأنّ هذا الشعر شعر البشر. ولكن لم يثبت عندي أنّ أبا بكر أَمَر خالدًا، ولا أستبعد أن يكون فعله مِن تلقاء نفسه، ليُرضي بذلك أبا بكر - وحاشاه - فيكون الإثم على خالد، وأبو بكر برئ مِن إثمه. وما ذلك من أفعال خالد ببعيد".
وقال أيضاً في 10: 111: "وقال بعض المتأخرين:
وما ذنْب سعد أنه بال قائمًا
ولكنّ سعداً لم يبايع أبا بكر
وقد صبرت عن لذة العيش أنفس
وما صبرت عن لذة النهي والأمر"
-[ 438 ]-


رد مع اقتباس