منتديات موقع الميزان - عرض مشاركة واحدة - أصول العقيدة (7). خاتمة
عرض مشاركة واحدة

زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 189
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 09-May-2013 الساعة : 11:59 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


-[ 438 ]-

مُحَاوَلَة قتْل أمير المؤمنين (عليه السلام)

أمّا أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) فكان موقفهم معه أشدّ، ولعله لعلمهم بأنه صاحب الحق، فإنه لم يدخل معهم في الصراع مِن أجْل الخلافة، بل كان حين صراعهم المذكور في السقيفة مشغولاً بتجهيز رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أنْ تَمّ لهم ما أرادوه من بيعة أبي بكر، غاية الأمر أنه اعتزلهم، وظهر عليه وعلى مَن معه الانكماش والامتعاض ممّا حَصَل، ومع ذلك تعرَّضَ لمختلف الضغوط والتعديات مِن أجْل إرْغامه على البيعة، كما يظهر بالرجوع لِمَا ذكره المؤرخون، وأشرنا إلى شيء منه في جواب السؤال الثالث من الجزء الثاني من كتابنا (في رحاب العقيدة). وأخيراً دخل معهم وجاراهم حِفاظاً على كيان الإسلام العام، كما هو معروف مشهور.
ولكنهم لم يكتفوا منه بذلك، وبقي وجوده الشريف شَبَحاً يَقضّ مضاجعهم، فحاولوا التخلُّص منه والقضاء عليه، حيث روى الشيعة أنّ أبا بكر أَمَر خالد بن الوليد أن يقتل أميرَ المؤمنين (عليه السلام) بعد السلام مِن صلاة الفجر، على أنْ يُصلّي خالدٌ إلى جنب أمير المؤمنين (عليه السلام). لكنّ أبا بكر ندم على ذلك في أثناء الصلاة، وخاف مِن عواقبه، وتَحَيَّر كيف يُفْهِم خالدًا، فسكت ولم يُسَلِّم، حتى إذا طال عليه ذلك قال:
لا يفعل خالد ما أمَرْتُه،
-[ 439 ]-
وإنْ فَعَل قتلتُه، ثم سَلَّم (1).
وفي حديث لمحمد بن الحنفية رواه المؤرخون قال فيه: "إنّ عليّاً يد الله على أعداء الله، وصاعقة مِن أمره، أرسله على الكافرين والجاحدين لحقه، فقتلهم بكفرهم، فشنؤوه وأبغضوه، وأضمروا له الشنف والحسد، وابن عمه (صلى الله عليه وآله وسلم) حيٌّ بعْدُ لم يمت. فلمّا نقله الله إلى جواره، وأحبّ له ما عنده، أظْهَرَت له رجالٌ أحقادها، وشفت أضغانها، فمنهم مَن ابتزَّه حقَّه، ومنهم مَن ائْتَمَر به ليقتله" (2).
وقال السمعاني: "قال أبو حاتم بن حبان: عباد بن يعقوب الرواجني من أهل الكوفة يروي عن شريك... قلت: روى عنه جماعة من مشاهير الأئمة، مثل أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري. لأنه لم يكن داعية إلى هواه.
وروي عنه حديث أبي بكر (رضي الله عنه) أنه قال: لا يفعل خالد ما أمر به. سألت الشريف عمر بن إبراهيم الحسيني بالكوفة عن معنى هذا الأثر. فقال: كان أمر خالد بن الوليد أن يقتل عليًّا، ثم ندم بعد ذلك، فنهى عن ذلك" (3).
وقال ابن أبي الحديد: "سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد (رحمه الله) فقلت له: إني لأعجب مِن علي (عليه السلام) كيف بقى تلك المدة الطويلة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكيف ما اغْتِيل وفُتِك به في جوف منزله، مع تلظِّي الأكباد عليه.
فقال: لولا أنه أرغم أنفه في التراب ووضع خده في حضيض
ـــــــــــــــــــــــ
(1) علل الشرايع باب:151 حديث:1 / الاحتجاج 1: 118.
(2) شرح نهج البلاغة 4: 62، واللفظ له / مروج الذهب 3: 90 ذكر أيام معاوية بن يزيد بن معاوية ومروان بن الحكم والمختار..: بين عبد الله بن عباس (رضي الله عنهم) وعبد الله بن الزبير (رضي الله عنهم).
(3) الأنساب 3: 95.
-[ 440 ]-
الأرض لَقُتِل... فقلت له:
أحَقٌّ ما يقال في حديث خالد؟
فقال: إنّ قوماً مِن العَلَوِيَّة يذكرون ذلك، ثم قال: وقد روى أنّ رجلاً جاء إلى زفر بن الهذيل صاحب أبي حنيفة، فسأله عما يقول أبو حنيفة في جواز الخروج من الصلاة بأمر غير التسليم نحو الكلام والفعل الكثير أو الحدث.
فقال: إنه جائز. قد قال أبو بكر في تشهُّده ما قال.
فقال الرجل: وما الذي قاله أبو بكر؟
قال: لا عليك.
فأعاد عليه السؤال ثانية وثالثة.
فقال: أخرجوه أخرجوه، قد كنت أحدّث أنه من أصحاب أبي الخطاب" (1).
وقال الفضل بن شاذان: "فقيل لسفيان وابن حي ولوكيع:
ما تقولون فيما كان مِن أبي بكر في ذلك؟
فقالوا جميعاً: سيّئة لم تتمّ. وأمّا مَن يَجْسر مِن أهل المدينة فيقولون:
وما بَأْس بقتْلِ رجلٍ في صلاح الأمة، إنه إنما أراد قتْلَه لأنّ عليّاً أراد تفريقَ الأمة وصدَّهم عن بيعة أبي بكر.
فهذه روايتكم على أبي بكر، إلا أنّ منكم مَن يكتم ذلك ويستشنعه فلا يظهره. وقد جعلتم هذا الحديث حجّة في كتاب الصلاة في باب مَن أحدث قبْل أنْ يسلم وقد قضى التشهد أنّ صلاته تامة، وذلك أنّ أبا بكر أَمَر خالد ابن الوليد بأمْرٍ فقال: إذا أنا سلَّمْتُ مِن صلاة الفجر فافعل كذا وكذا.
ثم بدا له في ذلك الأمر فخاف إنْ هو سَلَّم أنْ يفعل خالد ما أمره به فلمَّا قضى التشهد قال:
يا خالد لا تفعل ما أمرتك [به] ثم سَلَّم.
وقد حدث به أبو يوسف القاضي ببغداد فقال له بعض أصحابه: يا
ـــــــــــــــــــــــ
(1) شرح نهج البلاغة 13: 301.
-[ 441 ]-
أبا يوسف وما الذي أمر أبو بكر خالد بن الوليد [به] فانتهره وقال له:
وما أنت وذاك؟" (1).
وربما يشير إلى ذلك معاوية بن أبي سفيان في جوابه على كتاب محمد ابن أبي بكر له، حيث قال فيه: "ذكرتَ ابن أبي طالب وقديمَ سوابقه وقرابته من نبي الله صلى الله عليه... وقد كنا وأبوك معنا في حياةٍ مِن نبينا صلى الله عليه نرى حقَّ ابن أبي طالب لازماً لنا، وفضله مبرزاً علينا، فلما اختار الله لنبيه ما عنده... فكان أبوك وفاروقه أوّلَ مَن ابتزَّه وخالَفَه، على ذلك اتّفقا واتَّسَقا. ثم دَعَوَاه إلى أنفسهما، فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما، فهمّا به الهموم، وأرادا به العظيم..." (2).

تَقْيِيم أمير المؤمنين (عليه السلام) للأوْضاع

وقد قيّم أميرُ المؤمنين (عليه السلام) الأوضاعَ في ذلك الظرف الحرج، فقد قال له قائل: يا أمير المؤمنين، أرأيتَ لو كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تَرَك ولداً ذكراً قد بلغ الحلم وأنس منه الرشد، أكانت العرب تسلم إليه أمرها؟ قال (عليه السلام) :
"لا، بل كانت تقتُله إنْ لم يفعل ما فعلتُ، إنّ العرب كرهت أَمْرَ محمدٍ (صلى الله عليه وآله وسلم) وحسدته على ما آتاه الله من فضله، واستطالت أيامه، حتى قذفت زوجتَه، ونفَّرَت به ناقتَه، مع عظيم إحسانه إليها وجسيم مننه عندها. وأجْمَعَت مُذ كان حَيّاً على صَرْف الأمْر عن أهل بيته بعد موته.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الإيضاح: 155.
(2) تقدمت مصادره في هامش رقم (2) ص: 344.
-[ 442 ]-
ولولا أنّ قريشاً جعَلَت اسْمَه ذَرِيعَةً إلى الرياسة، وسُلَّماً إلى العزّ والإمْرة، لَمَا عَبَدَت اللهَ بعد موته يوماً واحدًا، ولارْتَدَّت في حافرتها، وعاد قارحها جذعاً وبازلها بكرًا.
ثم فتح الله عليها الفتوح، فأثرت بعد الفاقة، وتَمَوَّلَت بعد الجهد والمخمصة، فحَسُن في عيونها مِن الإسلام ما كان سمج، وثبت في قلوب كثير منها مِن الدِّين ما كان مضطرب، وقالت: لولا أنه حقّ لَمّا كان كذا..." (1).
كما أنه (صلوات الله عليه) أَكَّد في كلام له كثيرٍ على أنه إنما صَبَر على أَخْذِهم حقّه، ولم يجالدهم خوْفاً على الإسلام، وقد ذكرنا بعض ذلك في جواب السؤال الثالث من الجزء الثاني من كتابنا (في رحاب العقيدة).
وفي هذا الوضع الحرج لابد مِن كوْن الاحتجاج والإنكار بنحوٍ مِن المرونة وعدم الحِدِّيَّة بحيث لا يعرّضان هذين الأمرين المهمّين للخطر.

خُطورة الاحْتِجاج بالنصوص الصريحة

ويزيد الأمر تعقّداً في بعض النصوص التعبدية الصريحة، كحديث الغدير وأحاديث وَصْف الإمام (عليه السلام) بإمرة المؤمنين ونحوها مما تقدم.
فإنّ مثْل هذه النصوص لو جُوبِهُوا بها وأُحْرِجُوا فإصْرَارُهم على التمسك بموفقهم قد يضطرهم إزاءها لأحد أمرين:
الأول: الاسْتِهوان بنَصِّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والقدْح فيه، فإنّ عِصْمة
ـــــــــــــــــــــــ
(1) شرح نهج البلاغة 20: 298.
-[ 443 ]-
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ووجوب طاعته، والتعبد بالنصوص الشرعية عمومًا، وإنْ كانت مِن صَمِيم الدِّين، وقد تَمَّت الحجّة عليها مِن الله تعالى، إلا أنها لم تَتَرَكَّز في صَدْر الإسلام في نفوس العامة، ومِن ثمّ يَسْهُل على أصحاب السلطة والمُتَنَفِّذِين الاسْتِخْفَافُ بها والجُرْأَةُ على إعْلان مخالفتها بمبرِّراتٍ أهْوَن ما قيل عنها:
إنها اجْتِهَادٌ في مُقَابِل النَّصّ.
ويتضح ذلك بأدنى ملاحظة لمواقفهم المتكررة في مواجهة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حياته، وفي الخروج عن النصوص بعد وفاته.
وقد كتب الكثير عن ذلك، وذكرنا بعضه في جواب السؤال الثاني من الجزء الأول من كتابنا (في رحاب العقيدة). وإنْ حاول أتباعُهم خلْقَ الأعذار والمبررات أو محاولة التأويل أو التكذيب لذلك بعد أن تركَّزَت مفاهيمُ الدين، وفُرِض احترام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والنصوص، بحيث صار الخروج عنها والاستخفاف بها عند المسلمين جريمة لا تُغتفَر.
وفي حديث أبي جعفر الطبري بسنده عن عمران بن سوادة قال: "صلّيْتُ الصبحَ مع عمر فقرأ سبحان وسورة معها، ثم انصرف وقمت معه... قلت:
عابَت أمّتُك منك أربع... قال:
هات.
قلت: ذكروا أنك حرَّمْتَ العمرةَ في أشهر الحج، ولم يفعل ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر رضي الله عنه. وهي حلال.
قال: هي حلال لو أنهم اعتمروا في أشهر الحج رأوها مجزية مِن حجّهم... وقد أصَبْتُ.
قلت: وذكروا أنك حرَّمْتَ متعةَ النساء وقد كانت رُخْصَةً مِن
-[ 444 ]-
الله نستمتع بقبْضَة، ونفارق عن ثلاث.
قال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلّها في زمان ضرورة، ثم رجع الناس إلى السّعة، ثم لم أعلم أحداً مِن المسلمين عمل بها ولا عاد إليها. فالآن مَن شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق. وقد أصبْتُ.
قال: قلت: وأعتقتَ الأمَةَ إذا وضعت ذا بطنها بغير عتاقة سيدها.
قال: ألحَقْتُ حرمة بحرمة، وما أردتُ إلا الخير، وأستغفر الله... ثم قال(عمر):
أنا زميل محمد.
وكان زامَلَه في غزوة قرقرة الكدر..." (1).
فانظر إليه كيف يصرّ على أنه قد أصاب مع تنبيه عمران له إلى مخالفته لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم قوله: "أنا زميل محمد" باسمه الشريف مِن دُون أنْ يصفه بالنبوة والرسالة.
كما أنّ الراوي وإنْ فَسَّره بأنه زامله في غزوة قرقرة الكدر، إلا أنّ التفسير المذكور لا يُنَاسِب سِيَاقَ الحديث، بل المُناسِب له أنْ يُرِيد به أنه زَمِيلُ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونَظِيرُه في أنّ مِن حَقِّه أنْ يحكم في الأمّة بما يراه.
وأظهر من ذلك في الاستهوان بمقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما سبق مِن رَدِّهم عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) ورَمْيِهم له بالهَجْر حينما أراد (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضه أن يكتب لهم كتاباً لا يضلون مِن بعده أبدًا.
وكذا ما رواه عائذ بن ربيعة في حديث وفد بني نمير على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مِن أجْل أنْ يسلموا قال: "ثم دعا شريحاً واستعمله على قومه، ثم أمره أن يصدقهم ويزكيهم... قال: ولم يزل شريح عامل رسول الله صلى
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ الطبري 3: 290، 291 في أحوال عمر بن الخطاب، شيء من سيره مما لم يمض ذكره.
-[ 445 ]-
الله عليه وسلم على قومه وعامل أبي بكر، فلما قام عمر رضي الله عنه أتاه بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذه فوضعه تحت قدمه، وقال:
لا. ما هو إلا ملك. انْصَرِف" (1)... إلى غير ذلك.
فإذا كان هذا موقفهم من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتشريعاته ومواقفه عمومًا، فماذا يُنْتظَر منهم لو أُحْرِجُوا وجُوبهوا بالنصوص الصريحة في أمر السلطة والخلافة مع ما هي عليه مِن الأهمية عندهم، وما هم عليه مِن الإصرار على التمسك بها؟!
ومِن الظاهر أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ومَن معه مِن خاصّة صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصعب عليهم تعريض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحديثه الشريف وجميع نصوص الشريعة للاستهوان والاستخفاف، بحيث يُجْترَأ على إعلان الرد عليها ومخالفتها، بل يهمّهم تركيز احترامها في نفوس عموم المسلمين تدريجاً حتى تأخذ موقعها العقائدي المناسب ولو توقف ذلك على إبعادها عن الاحتكاك والخصام غير المسؤول.
الثاني: القَدْح في الاستدلال بهذه النصوص بوُجُوه مُتَكَلَّفَة أو مُخْتَلَقَة، وحينئذٍ تَحُوم حوْلها الشُّبَه ويصعب الاستدلال بها، أو تَسْقُط عن الاعتبار رَأْسًا، ويتعذر الاستدلال بها ولو في حق أتباعهم الذين يحسنون الظن بهم، ويحاولون توجيه مواقفهم وما يصدر عنهم، فتخسرها دعوة الحق في مقام الاحتجاج له.
فمثلاً لو أجابوا عنها بمثل: إنّ الأمْرَ يَحْدُث بعده الأمْرُ، أو ما رآه
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ المدينة 2: 596.
-[ 446 ]-
المسلمون حسناً فهو حسن، أو بادرنا لهذا الأمْر خوْفَ الفتنة، أو أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عهد إلينا بذلك، أو غير ذلك، لاتّخَذها أتباعُهم حُجَجاً مفسِّرة لروح النص، أو مبرِّرة للخروج عنه.


رد مع اقتباس