منتديات موقع الميزان - عرض مشاركة واحدة - أصول العقيدة (7). خاتمة
عرض مشاركة واحدة

زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 189
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 15-May-2013 الساعة : 08:48 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


الثاني: القَدْح في الاستدلال بهذه النصوص بوُجُوه مُتَكَلَّفَة أو مُخْتَلَقَة، وحينئذٍ تَحُوم حوْلها الشُّبَه ويصعب الاستدلال بها، أو تَسْقُط عن الاعتبار رَأْسًا، ويتعذر الاستدلال بها ولو في حق أتباعهم الذين يحسنون الظن بهم، ويحاولون توجيه مواقفهم وما يصدر عنهم، فتخسرها دعوة الحق في مقام الاحتجاج له.
فمثلاً لو أجابوا عنها بمثل: إنّ الأمْرَ يَحْدُث بعده الأمْرُ، أو ما رآه
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ المدينة 2: 596.
-[ 446 ]-
المسلمون حسناً فهو حسن، أو بادرنا لهذا الأمْر خوْفَ الفتنة، أو أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عهد إلينا بذلك، أو غير ذلك، لاتّخَذها أتباعُهم حُجَجاً مفسِّرة لروح النص، أو مبرِّرة للخروج عنه.

دَعْوى تَخْصِيص أدلة المواريث

كما حدث نظير ذلك حينما صادر أبوبكر فَدَكَ مِن الصديقة فاطمة الزهراء (صلوات الله عليه)، واسْتَوْلَى على مواريث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنها (عليه السلام) لَمّا خَاصَمَتْه واحْتَجَّت عليه فيما احتجّت بعموماتِ المواريث، وأحْرَجَتْه، ادَّعَى أنه سمع النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: "إنّا معاشر الأنبياء لا نورث" (1). وبقيت هذه الدعوى منه مبرِّراً يتشبَّث به الأتباع بإصرار.
مع وضوح أنه لو أمكن أنْ يكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قال ذلك مِن دُون أنْ تَعْلَمَه ابنتُه الصديقة التي هي المعنيّة به بالخصوص، فلا يمكن أن يجهله أميرُ المؤمنين (عليه السلام)، وهو باب مدينة علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعيبة علمه ووارثه، كما تظافرت بذلك النصوص على ما تقدم، ثم لا يمكن أنْ يعْلَمه أميرُ المؤمنين (عليه السلام) ويَدَع الصديقةَ تُطالِب بالميراث.
وإذا كان عموم الميراث غير مهمّ في كيان دعوة الحق، ولا يضرّها إثارة الشُّبَه حوْلها، فنُصوصُ الإمامة هي العَمَد الذي تقوم عليه الدعوة، وليس مِن الحكمة التفريط بها، أو التشويش عليها.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ دمشق 36: 310 في ترجمة عبد العزيز بن عبد الرحيم، واللفظ له / صحيح البخاري 3: 1126 أبواب الخمس: باب فرض الخمس / صحيح مسلم 3: 1378 كتاب الجهاد والسير: باب حكم الفيء. وغيرها من المصادر.
-[ 447 ]-

حديث للنقيب حول موقف عُمر مِن النص

ويناسب ذلك ما ذكره ابن أبي الحديد عن النقيب أبي جعفر يحيى بن محمد بن أبي زيد كلاماً في موقف عُمرَ مِن النص، ومنه: "على أنّ الرجل ما أهْمَل أمْرَ نفسه، بل أعدّ أعذاراً وأجوبة، وذلك لأنه قال لقوم عَرَّضُوا عليه بحديث النص:
إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رجع عن ذلك بإقامته أبا بكر في الصلاة مقامه.
وأوهمهم أنّ ذلك جارٍ مجرى النص عليه بالخلافة... ثم عاب عليّاً بخطبته بنت أبي جهل، فأوهم أنّ رسول الله كرهه لذلك ووجد عليه، وأرضاه عمرو بن العاص، فروى حديثاً افتعله، واختلقه على رسول الله. قال: سمعته يقول: إنّ آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء، إنما وليّي الله وصالح المؤمنين. فجعلوا ذلك كالناسخ لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : مَن كنتُ مولاه فهذا مولاه" (1).
ومِن هنا فربما يكون إبْعَاد مثل هذه النصوص عن جَوّ النقاش غير المسؤول مع المستولين على الحكم ومَن تابعهم ولَزِم جانبَهم ممّن قد يصدَّقون فيما يدّعون، ويعتدّ بكلامهم مَن يحسن الظن بهم، أولى مِن الاحتجاج به احتجاجاً لا يترتب عليه العمل، وإنما يُراد به الإنكار على مَن خرج عن الحق وتبكيته. ولاسيما أنّ الإنكار المذكور يتأتى بوجوه أُخَر.

نَمَاذج مِن مَظَاهِر اسْتِنْكار أهل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم

منها: عدم التجاوب معهم والانكماش ممّا حصل بالنحو الظاهر في عدم شرعيّته، وهو ما حصل بوضوح، كما يظهر بالرجوع لتاريخ تلك
ـــــــــــــــــــــــ
(1) شرح نهج البلاغة 12: 88.
-[ 448 ]-
الفترة. وذكرنا بعض شواهده في جواب السؤالين الثالث والرابع من الجزء الثاني من كتابنا (في رحاب العقيدة).
ومنها: الإنكار عليه والتصريح بعدم شرعيّته وعدوانيّته والتظلُّم منه. وهو ما حصل أيضًا، كما يظهر بالرجوع للتاريخ أيضًا، وذكرنا الكثير منه في جواب السؤالين المذكورين من الكتاب المذكور.
ومنها: بيان النتائج السيئة والمضاعفات السلبية لِمَا قاموا به. وهو ما حصل أيضًا، كما يظهر بمراجعة التاريخ، وذكرنا شيئاً منه في أوائل أجوبة السؤالين المذكور.
ومنها: إبْطال حججهم ومبرِّراتهم لِمَا قاموا به، مثل قول أمير المؤمنين (عليه السلام) :
"احْتَجّوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة" (1).
وقوله (عليه السلام) :
"فإنْ كُنْتَ بالشورى مَلَكْتَ أُمُورَهم *** فكيْف بهذا والمُشِيرُون غُيَّبُ
وإنْ كنتَ بالقربى حَجَجْتَ خَصِيمَهم *** فغيْرُك أَوْلَى بالنبي وأقرب" (2)
وقوله (عليه السلام) :
"واعجباً أتكون الخلافة بالصحابة والقرابة؟!" (3)
وما يأتي من الصديقة فاطمة الزهراء (صلوات الله عليه) مِن اسْتِنْكار
ـــــــــــــــــــــــ
(1) نهج البلاغة 1: 116.
(2) نهج البلاغة 4: 43، 44.
(3) نهج البلاغة 4: 43. كأنه (عليه السلام) يشير بهذا الكلام إلى أن أهمية الخلافة تتناسب مع لزوم النص فيه.
-[ 449 ]-
اعتذارهم عن مبادرتهم بالأمر بخوْف الفتنة.
وقول العباس بن عبد المطلب لأبي بكر: "وأمّا قولك: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منّا ومنكم، فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مِن شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها" (1).
ومنها: بعض الاحتجاجات الارتكازية التي لا يمكن الجواب عنها، كقول الصديقة الزهراء (صلوات الله عليه) في خطبتها الصغيرة:
"وَيْحَهُم ((أفَمَن يَهدِي إلَى الحَقِّ أحَقُّ أن يُتَّبَعَ أمَّن لاَ يَهِدِّي إلاَّ أن يُهدَى فَمَا لَكُم كَيفَ تَحكُمُونَ)) " (2).
أمّا النصوص التَّعَبُّدِيَّة المهمّة فلعلّ الأصلح لدعوة الحق أنْ تَبْقى في مَعْزل عن النقاش غير المسؤول، لتنفع في الاحتجاج في حق الأجيال اللاحقة بعد أن تتركز الدعوة عقائديًّا، ويكون للنصوص موقعها المناسب من الاحترام والتقديس، بحيث لا يسهل تجاهلها ولا تجاوزها، ولا التلاعب بها والتحكُّم فيها، وصرفها عما يراد بها.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) شرح نهج البلاغة 1: 221، واللفظ له / الإمامة والسياسة 1: 18 كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) / تاريخ اليعقوبي 2: 126 خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر.
(2) شرح نهج البلاغة 16: 234.
-[ 450 ]-

رواية الشيعة للاحتجاج بالنص

ومع كل ذلك فقد ورد الاحتجاج في معرض الإنكار بهذه النصوص ونحوها في الصدر الأول من أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ومَن توجه وجهته، وقد روى الشيعة الكثير مِن ذلك بما لا يسعنا استقصاؤه، فليطلَب مِن المطولات (1).
وقد يدعي المدعي: أن ما ترويه الشيعة في هذا المجال حجة عليهم، ولا يكون حجة على غيرهم.
لكنه يندفع بأنّ النص قد ثبت بروايات الفريقين الملزمة لهم، كما تقدم، وليس في المقام إلا استبعاد وجود النص مع عدم الاستدلال به في الصدر الأول، وذلك إنما يَتَّجِه مع اليقين بعدم حصول الاستدلال به، أما مع احتمال حصوله فلا مجال للاستبعاد المذكور. وروايات الشيعة إنْ لم تُوجب اليقينَ بحصول الاستدلال لكثرتها، فلا أقلّ مِن أنْ تُوجب احتمالَ ذلك، وهو كافٍ في مَنْع الاسْتبعاد، وفي دَفْع الإشكال على النص.
ومجردُ عدم ذكْرِ الجمهور للاستدلال بالنص لا يصلح قرينةً على تكذيب الشيعة فيما رووه. ولاسيما مع ما هو المعلوم مِن اهتمام الجمهور بالتعتيم على كلّ ما يَقْدَح في خلافة الأولين وعدالتهم، بل عدالة جميع الصحابة. وشواهد ذلك كثيرة يظهر بعضها بالرجوع لما ذكرناه في جواب السؤال الثامن من الجزء الثالث من كتابنا (في رحاب العقيدة) وغيره.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 28: 175 وما بعده.
-[ 451 ]-

احْتِجَاج الزهراء (عليه السلام)

على أنّ الجمهور قد رووا خطبة الصديقة فاطمة الزهراء (صلوات الله عليه)، ويظهر مِن بعض فقراتها الاحتجاج بالنص. قالت - بعد أن أشادت بمقام أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وجهاده -:
"حتى إذا اختار الله لنبيه دارَ أنبيائه ظَهَرَت خلّةُ النفاق، وسملَ جلبابُ الدِّين، ونطق كاظِمُ الغاوين، ونبغ خامِلُ الآفلين، وهدر فنيقُ المُبْطِلِين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطانُ رأْسَه مِن مغرزه صارِخاً بكم، فوجدكم لدعائه مستجيبين، وللغرة فيه ملاحظين، فاستنهضكم فوجدكم خِفافًا، وأجمشكم فوجدكم غِضابًا، فوسمتم غيْرَ إبلكم، وأوردتموها غيرَ شربكم.
هذا والعهْدُ قريب، والكلم رحيب، والجرْحُ لَمّا يندمل بدار [إنما] زعمتم خوْفَ الفتنة ((ألاَ فِي الفِتنَةِ سَقَطُوا وَإنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكَافِرِينَ)).
فهيهات منكم، وأنّى بكم، وأنّى تؤفكون، وهذا كتاب الله بين أظهركم، وزواجره بيّنة، وشواهده لائحة، وأوامره واضحة، أَرَغْبَةً عنه تدبرون؟ أم بغيره تحكمون؟ ((بِئسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً))، ((وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإسلاَمِ دِيناً فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِن الخَاسِرِينَ))..." (1).
ومِن الظاهِر أنّ مُرادها (عليه السلام) بقولها: "فوسمتم غيْرَ إبلكم وأوردتموها
ـــــــــــــــــــــــ
(1) بلاغات النساء لابن طيفور: 13ـ14 في كلام فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) / جواهر المطالب لابن الدمشقي 1: 159 / شرح نهج البلاغة 16: 251.
-[ 452 ]-
غير شربكم" هو أَخْذهم الخلافةَ بلا حَقّ.
كما أنّ مُرادها (عليه السلام) بقولها: "بدار [إنما] زعمتم خوف الفتنة ((ألاَ فِي الفِتنَةِ سَقَطُوا وَإنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكَافِرِينَ)) " هو الإنكار عليهم في تبريرهم المبادرةَ لذلك بخوْف الفتنة.
أمّا قولها (عليه السلام) : "وهذا كتاب الله بين أظهركم..." فهو صريح في الاحْتجاج عليهم واستنكار عملهم بأنّ ما قاموا به مِن الاسْتِيلاء على الخلافة مُخَالِفٌ لِمَا تضمَّنه كتاب الله تعالى مِن البيانات الواضحة الجلية، بحيث يكون ذلك منهم إعراضاً عن كتاب الله تعالى وعملاً بغيره، وخروجاً عن مقتضى الإسلام، ومورداً للمسؤولية العظمى، وسبباً للخسران الدائم.
وهو المناسب لِمَا مَهَّدَت له به مِن ظُهور النفاق فيهم وضعْف الدين، وسماع دعوة الشيطان... إلى غير ذلك.
ولها كلام آخر في خطبتها المذكورة رواه ابن طيفور تقول فيه:
"ثم أنتم عبادَ الله (تريد أهلَ المجلس) نصب أمر الله ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وأُمناء الله على أنفسكم، وبلغاؤه إلى الأمم، زعمتم حَقّاً - لكم الله - فيكم، عهد قدَّمه إليكم؟!
ونحن بَقِيّةٌ استخلفنا عليكم، ومعنا كتاب الله بيِّنةٌ بصائره، وآي فينا مُنْكَشِفَة سرائره، وبرهان منجلية ظواهره، مديم البرية اسماعه، قائد إلى الرضوان اتّباعه، مؤد إلى النجاة استماعه، فيه بيان حجج الله المنوّرة، وعزائمه المفسّرة، ومحارمه المحذرة، وتبيانه الجالية، وجمله الكافية، وفضائله المندوبة، ورخصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة.
-[ 453 ]-
ففرض الله الإيمانَ تطهيراً لكم مِن الشرك، والصلاةَ تنزيهاً عن الكبر، والصيامَ تثبيتاً للإخلاص، والزكاةَ تزييداً في الرزق، والحجَّ تسلية للدين، والعدلَ تنسكاً للقلوب، وطاعتَنا نِظاماً وإمامتَنا أمْناً مِن الفرقة، وحبَّنا عزّاً للإسلام..." (1)
وذلك يكشف عن أنّ تعيين الخلافة لأمير المؤمنين (عليه السلام) قد تضمَّنَته بعضُ آيات الكتاب العزيز بنحو واضح لا يقبل الشك عند الصحابة المعنيين بهذه الخطبة الشريفة، ولو بضميمة قرائن الأحوال أو تفسير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لها أو غير ذلك.

بعض الآيات التي قد تشير إليها الزهراء (عليه السلام)

ولعلها تشير إلى بعض الآيات التي يذهب الشيعة إلى نزولها في خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) وولايته للأمر، كقوله تعالى: ((إنَّمَا وَلِيُّكُم اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ* وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإنَّ حِزبَ اللهِ هُم الغَالِبُونَ)) (2).
وقوله سبحانه: ((يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغ مَا أُنزِلَ إلَيكَ مِن رَبِّكَ وَإن لَم تَفعَل فَمَا بَلَّغتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعصِمُكَ مِن النَّاسِ)) (3).
وقوله عزّ وجلّ: ((اليَومَ أكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي
ـــــــــــــــــــــــ
(1) بلاغات النساء: 16.
(2) سورة المائدة آية: 55ـ56.
(3) سورة المائدة آية: 67.
-[ 454 ]-
وَرَضِيتُ لَكُم الإسلاَمَ دِينا)) (1).
وقوله تعالى: ((يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللهَ وَأطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمرِ مِنكُم)) (2).
وقوله جلّ شأنه: ((وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ الله جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا)) (3).
وقوله عز وجل: ((وَأنَّ هَذَا صِرَاطِي مُستَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبِيلِهِ)) (4)... إلى غير ذلك.
وإذا كانت الآيات النازلة في ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) وخلافته قد صارت بعد ذلك موْرداً للخصام والجدال بسببِ غِيَابِ ظُروفِ نُزولِها علينا، وإثارة الشبهات حولها، نتيجةَ احْتِدَامِ الخلاف بين المسلمين، وتمسُّك كلِّ فريقٍ بما عنده، واستماتته في الدفاع عنه، فلا ينافي ذلك أن تكون واضحة الدلالة عند الصحابة الذين خاطبتهم الصديقة (صلوات الله عليه) في خطبتها، لأنهم الأخبر بمدلولها اللغوي والسياقي، وبقرائن الأحوال التي تحيط بنزولها، وبتفسير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لها، وغير ذلك.
ولتوضيح ذلك بالنظير نقول: نزول آيات القتال من سورة الأنفال في واقعة بدر، ونزول آيات القتال من سورة آل عمران في واقعة أحد، ونزول آيات أهل الكتاب بعد آيات القتال من سورة الأحزاب في بني
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة المائدة آية: 3.
(2) سورة النساء آية: 59.
(3) سورة آل عمران آية: 103.
(4) سورة الأنعام آية: 153.
-[ 455 ]-
قريظة من اليهود، ونزول آيات من سورة المنافقين في عبد الله بن أبي، كل ذلك مِن المُتسالم عليه - على الظاهر - بين المسلمين الآن، مع أنّا لو رجعنا للآيات المذكورة لم نجد فيها التصريح بشيء مِن ذلك، وإنما استُفيد مِن قرائن الأحوال.
غاية الأمر أنه بقي التسالم على ذلك لعدم تَعَلُّقِ غَرَضٍ لأحدٍ ممّن له تأثير في واقع المسلمين واتجاهاتهم بِصَرْف الآيات المذكورة عمّا يُراد بها وإثارة الشُّبَه حولها. وهذا كثير في القرآن المجيد.
وحينئذٍ مِن الممكن أنْ تكون الآيات التي ذكرناها آنفاً أو غيرها كانت نصوصاً واضحة الدلالة على خلافة أمير المؤمنين أو عموم أهل البيت (صلوات الله عليهم) حين نزولها، بضميمة قرائن الأحوال أو غيرها، وبقيت على وضوحها في ذلك في الصدر الأول حينما خطبت الصديقة في المسلمين، إلا أنّ الشبهات قد أُثِيرَت حولها بعد ذلك بسبَبِ غيابِ ظَرْفِ نزولها، وظهور الخلاف، وتَبَنِّي كلِّ فريقٍ لوجهته وتعصبه لمذهبه، واهتمامه بالاستدلال والاحتجاج له، وإبطال أدلة الخصوم وردّ حججهم.
ويناسب ذلك ما روي عن ابن عباس قال: "كنتُ أسير مع عمر بن الخطاب في ليلة وعمرُ على بغل وأنا على فرس، فقرأ آية فيها ذكْرُ عليِّ بن أبي طالب، فقال:
أما والله يا بني عبد المطلب لقد كان عليٌّ فيكم أَوْلَى بهذا الأمْر مِنّي ومِن أبي بكر" (1).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) محاضرات الأدباء 2: 478.
-[ 456 ]-
ولعل مثله ما روي عن المغيرة بن شعبة في حديث له طويل يتضمن في آخره حديثاً بين أمير المؤمنين (عليه السلام) وعمر. قال: "ثم رأيتهما يضحكان وتفرّقا، وجاءني عمر... فأشار إلى عليّ وقال:
أَمَا والله لولا دعابةٌ فيه ما شككتُ في ولايته وإنْ نَزَلَت على رغم أنف قريش" (1).
وما عن ابن عباس في حديث له مع عمر، حيث قال له فيه:
"وأما قوْلك إنهم كرهوا أنْ تكون لنا النبوة والخلافة، فإنّ الله عز وجل وَصَف قوماً بالكراهية، فقال: ((ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُم)) " (2).
وقد تقدم منّا في المقام الثاني في نصوص إمامة الأئمة بأشخاصهم عند الكلام في أنّ الإمامة في ذرية الحسين (عليه السلام) اسْتِدْلالُ الحارث بن معاوية بآية ((وَأُولُو الأرحَامِ بَعضُهُم أولَى بِبَعضٍ فِي كِتَابِ اللهِ)) على أنّ الخلافة في بني هاشم.
وعلى كلّ حالٍ فكلامُ الصديقة (صلوات الله عليه) صريحٌ في الاحتجاج والإنكار على المخاطَبين بمخالفتهم لتعاليم الكتاب المجيد مخالفةً واضحة، ولابد مِن وضوح ذلك عندهم، وإلا لأنكروا عليها، وبَرَّؤُوا أنفسَهم مما جبهتهم به مِن هذا الأمر الفظيع.
بل أثارت خطبتها كثيراً من الناس، فهتفوا باسم أمير المؤمنين (عليه السلام)، لولا أنْ تداركت السلطة الأمر، على ما ذكرناه في جواب السؤال الرابع من
ـــــــــــــــــــــــ
(1) العقد الفريد 4: 262، فرش كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم: أمر الشورى في خلافة عثمان.
(2) تاريخ الطبري 3: 289 من ندب عمر ورثاه (رضي الله عنه) : ذكر بعض ما رثي به، نشر مؤسسة الأعلمي بيروت، وهناك حذف في تاريخ الطبري في الطبعة الموجودة في برنامج الألفية الإصدار 1،5.
-[ 457 ]-
الجزء الثاني من كتابنا (في رحاب العقيدة).
نعم لم تتضمن خطبتها تحديد مفردات ذلك، لأنّ الاحتجاج المذكور ليس مِن أجل معرفة الحق والعمل عليه، كما سبق، ليهتم بتحديد مواقع الدلالة، بل مِن أجْل استنكار ما وقع، ويكفي فيه الإشارة الإجمالية لِمَا هو المعلوم عند المخاطَبين المعنيّين بالأمر، كما هو صريح ما تقدم مِن كلامها (صلوات الله عليه).

احتجاج الزهراء (عليه السلام) بحديث الغدير وحديث المنزلة

وأيضاً قد روى الجزري الشافعي بسنده عن فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر الكاظم، عن عمتها فاطمة بنت الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، عن عمتها فاطمة بنت الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)، عن عمتها فاطمة بنت الإمام علي بن الحسين السجاد (عليه السلام)، عن عمتها فاطمة بنت الإمام الحسين (عليه السلام)، عن عمتها زينب بنت الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّ أمها الصديقة فاطمة الزهراء (صلوات الله عليه) قالت:
"أنَسِيتم قولَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم: مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، وقوله صلى الله عليه وسلم: أنت مني بمنزلة هارون من موسى (عليهم السلام) ".
قال: "وهكذا أخرجه الحافظ الكبير أبو موسى المديني في كتابه المسلسل بالأسماء" (1).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) أسمى المناقب في تهذيب أسنى المطالب: 33.
-[ 458 ]-
وهو وإنْ لم يتضمن المناسبة التي قالت الصديقة (عليه السلام) فيها ذلك، إلا أنّ مِن المعلوم أنها قد توفيت بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقليل، وفي أوج الصراع في أمر الخلافة، فلابد أنْ يكون ذلك منها (عليه السلام) للاحتجاج في أمر الخلافة، واستنكار ما حصل.
قال الشيخ أبو جعفر الصدوق (رضي الله عنه) : "إنّ يوم غدير خم لم يَدَع لأحدٍ عُذْرًا. هكذا قالت سيدة النسوان فاطمة (عليه السلام) لَمّا مُنِعَت فدك وخاطبت الأنصار فقالوا:
يا بنت محمد لو سمعنا هذا الكلام منك قبل بيعتنا لأبي بكر ما عَدَلنا بعليٍّ أحدًا.
فقالت: وهل ترك أبي يومَ غديرٍ لأحدٍ عذراً؟" (1).
وهذا مِن شواهد التعتيم الذي أشرنا إليه، وإلا فمِن البعيد جدّاً أنْ تذكر سلسلة السند المتقدمة هذا الكلام مِن دون ذكر المناسبة التي قيل فيها.
بل لعله لم يحفظ هذا الحديث إلا سلسلة السند المذكورة، لأنّ الظاهر أنّ كتاب أبي موسى المديني مختصٌّ بالأحاديث ذات السند المسلسل بالمتماثلات، فاهتمامه بجمع الأحاديث المذكورة جعَلَه يذكر هذا الحديث الذي اشتمل سنده على خمس من الفواطم كلّ تروي عن عمتها، وإنْ حاول هو أو مَن سبقه أو مَن لحقه التعتيمَ فيه ببَتْره. ولعله لولا ذلك لضاع هذا الحديث كما ضاع كثير من الأحاديث المخالفة لاتجاه الجمهور.
ولعل مِن ذلك ما راوه ابن عساكر بسنده عن الإمام الرضا (عليه السلام) بسنده عن آبائه (صلوات الله عليهم) عنها (صلوات الله عليه) أنها قالت:
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الخصال للصدوق: 173.
-[ 459 ]-
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي: "مَن كنت وليّه فعلي وليّه" (1).
لظهور أنّ حديث الغدير في عهدها (عليه السلام) القصير كان مِن الظهور بحيث لا تحتاج إلى أن ترويه، فمِن القريب أنْ يكون حديثها وارداً موْردَ الإنكار والاحتجاج، نظير الحديث السابق، ولذا اهتم الإمام الرضا (عليه السلام) برواية ذلك عنها، إلا أنّ الرواة قد صَرَفوا الحديث عن وجهه، وحرَّفوه من أجل التعتيم على الحقيقة وتضييعها.
نعم لم تَضِعْ - بحمد الله تعالى - معالم الحق نتيجةَ الجهود المكثفة مِن أهل البيت (صلوات الله عليهم) وأتباعهم في الانكماش ممّا حصل، والإنكار عليه، والتأكيد على الحق، والتنبيه لأدلته وغير ذلك لئلا تبطل حجج الله تعالى وبيناته ((لِيَهلِكَ مَن هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحيَى مَن حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ)) (2).
والحمد لله على هدايته لدينه والتوفيق لما دعا إليه من سبيله. ونسأله تعالى أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويزيدنا بصيرة في أمرنا، ونعوذ به سبحانه من مضلات الفتن. فإن بيده أسباب الخذلان والتوفيق، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
هذا ما تيسر لنا إيراده في هذه المباحث الشريفة وإن كنّا لم نؤد حقها كاملاً، إلا أن ما لا يدرك كله لا يترك كله. ونسأل الله عزّ وجلّ أن يجعله مورد نفع للمؤمنين، ويوفقنا لخدمتهم في دينهم ودنياهم، مع صلاح الأحوال وقبول الأعمال والتسديد في جميع الأمور وحسن العاقبة فيها.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ دمشق 42: 187 في ترجمة علي بن أبي طالب.
(2) سورة الأنفال آية: 42.
-[ 460 ]-
وأن يعصمنا من الزلل في القول والعمل. إنه أرحم الراحمين وولي المؤمنين وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وكان الفراغ من ذلك في اليوم الثالث عشر من شهر محرم الحرام سنة ألف وأربعمائة وست وعشرين للهجرة النبوية على صاحبها وآله أفضل الصلاة، وأزكى التحية. بقلم العبد الفقير إلى الله تعالى (محمد سعيد) عفي عنه، نجل سماحة آية الله (السيد محمد علي) الطباطبائي الحكيم (دامت بركاته) في النجف الأشرف ببركة الحرم المشرف، على مشرفه أفضل الصلاة والسلام.
والحمد لله رب العالمين. وله الشكر أبداً سرمدًا.


رد مع اقتباس