منتديات موقع الميزان - عرض مشاركة واحدة - ردا على قناة المستقلة(مظلومية الزهراء في كتب البكرية)
عرض مشاركة واحدة

أبي طالب
عضو
رقم العضوية : 2483
الإنتساب : Aug 2008
المشاركات : 30
بمعدل : 0.00 يوميا
النقاط : 0
المستوى : أبي طالب is on a distinguished road

أبي طالب غير متواجد حالياً عرض البوم صور أبي طالب



  مشاركة رقم : 4  
كاتب الموضوع : أبي طالب المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 09-Aug-2008 الساعة : 02:27 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


الملاحظة الأولى:
إنَّ كلَّ عِلمٍ مِنَ العلوم له منهجٌ معيَّنٌ..، وأهمُّ شيء في كلِّ عِلمٍ هِي المنهجية المستخدمة فيه. فالقضايا العقلية -مثلاً- لها منهج مُعيَّن، وقد يكفي لبحث وتحليل قضية عقلية أن تجلس في غرفتك المغلقة وتقوم بذلك..، ومِنَ الخطأ أن يقوم الباحث بتطبيق منهج عِلم على منهجِ عِلْمٍ آخر، وهذا خطأ وقع فيه بعض الفلاسفة الأقدمين حين حاولـوا أن يُحلِّلوا القضايا الطبيعيـة وفق المنهج العقلي والطريقـة التي يتبعونها للوصول إلى الحقائق.
إنَّ القضايا الطبيعية لها منهج آخر، ولا يُمكن أن تُحلَّل بالتحليل العقلي. فمهما كان الفيلسوف كبيراً وعظيماً في علمهِ ولكن بالمنهج العقلي والتفكير المجرد لا يمكنه معرفة الأكوان والمادَّة التي تألَّفت منها..، يقول الإمام أمير المؤمنين علي (ع): (فِي التَّجَارُبِ عِلْمٌ مُسْتَحْدَثٌ)[1]، وهذا هو منهج بحث القضايا الطبيعية.
أمَّا أن تجلس في غرفتك أو في بُرجِك وتُفكِّر:ما هي المادة التي تتألف منها الكواكب والشمس والقمر؟ فهذا المنهج خاطئ لا يؤدِّي إلى نتائج صحيحة ولو كانَ صاحبه مفكِّراً عظيماً، ومن ثم ينتهي -كما انتهوا بالفعل- إلى قاعدة « الخرق والالتيام »، وأنَّ هذه الأفلاك مكوَّنة من ذرَّات غير قابلة للخرق والالتيام، فتحيَّروا في تفسير قضية المعراج عندما بلغتهم، إذ كيف عرج النبي (ص) إلى السماوات؟ فالمفروض في المعراج أن السماوات تنشقُّ، ثم يلزم أن تلتئم بعد ذلك، فكيف هذا والخرق والالتيام مُحالان من الناحية العقلية -كمازعموا-!
نقول: هذا خطأ في المنهج، ومن يُخطئ في المنهج ينتهي إلى نتائج خاطئة ولو كان فيلسوفاً عظيماً؛ بينما نرى عالماً بسيطاً قد لا يُقارَن بذلك الفيلسوف وربما لا يُمثِّل واحداً بالألف بالقياس إليه، يتوصَّل إلى نتائج صحيحة؛ لاتِّباعهِ المنهج الصحيح في الطبيعيات.
فها هي الطائرات اليوم تخرق هذه الأجواء وَتَسْخَر بنظرية الخرق والالتيام التي اختلقتها عقول فلاسفة كبار، اتبعوا منهج عِلمٍ في مجالِ عِلمٍ آخر.
من الموارد الأخرى التي أتذكَّرها في تطبيق الفلاسفة المنهج العقلي في البحوث الطبيعية وتحليل ظاهرة طبيعية بمنهج عقلي -كما جاء في كتاب شرح حكمة الإشراق- معرفة حقيقة هذه الصور التي نشاهدها في المرآة، حيث كان الفيلسوف يختلي بنفسه ويفكِّر ثمَّ يذكر عدَّة احتمالات: الاحتمال الأول، الاحتمال الثاني، و.. لينتهي بعد ذلك إلى أنَّ هناك عالَماً يُقال له عالم المثال، فيه توجد الحقائق، وأنَّ حقيقتنا موجودة فيه، وأننا عندما نشاهد المرآة إنما نرى الحقائق الموجودة في عالم المثال ذاك!
أيضاً: يُنقل أنَّ الحاج السبزواري عندما قيل له إن الغربيين اخترعوا آلة للتصوير عجِب وقال: لقد تحوَّلَ علمُنا جهلاً لأنَّنا بنينا -من الناحية العقلية- على استحالة انفصال العكس عن العاكس والظلِّ عن ذي الظل، فكيف فصلوا العكس عن العاكس بأن تكون صورة الشخص موجودة هنا وهو في مكان آخر، أو أنَّ صاحب الصورة تحوَّل إلى تراب وصورته موجودة؟
لقد تحوَّلَ علمهم جهلاً لأنهم طبَّقوا المنهج العقلي على العلوم الطبيعية، وهذا خطأ؛ فالقضايا الطبيعية لا تُحلَّل وفق المنهج العقلي، بل إنَّ منهجهم في القضايا العقلية والإلهيات لم يخلُ -هو الآخر- من خطأ في كثير من موارده، ولقد انتهوا فيها إلى نتائج عجيبة..، وذلك بحث آخر لا شأن لنا به الآن.
إذاً يجب أن نبحث -في كل علم- عن المنهج الصحيح أولاً؛ والبحث في الحقائق التأريخية له منهجية مُعيَّنة، أمَّا إذا حاول فرد أن يطبِّق منهجَّية عِلم آخر على عِلم التأريخ فقد أخطأ الطريق.
ولكن هذا شيء متداول الآن مع الأسف، حتى أنك ترى بعض الشباب المبتدئين الذين لا باع لهم ولا إلمام سِوى قليل من الثقافة ولا يعرفون منهج تحليل القضايا التأريخية يريدون أن يحللوا قضية تأريخية مهمَّة!
مِنَ القضايا التأريخية المهمَّة التي نريد بحثها هي ظُلامة الزهراء (ع) والعدوان الذي وقع عليها، فلننظر كيف وبأيِّ منهجٍ حلَّلوا هذا القضية التاريخية؟
قالوا -في الإطار السُّـنِّي-: هل يوجد في صحيح البخاري دليل على ذلك؟
كما قالوا -في الإطار الشيعي-: هل هناك رواية كل رواتها عدول إماميُّون ضُبَّاط تُثبت هذا المطلب؟
وهذا برأيي خطأ منهجي؛ لأنهم تصوَّروا أنَّ التحليل التأريخي يعتمد على منهج علم الفقه، فإذا كُـنَّا نبحث في علم الفقه -عادةً- عن روايةٍ ما هل هي صحيحة؟ فلماذا نأتي ونُطبِّق في التأريخ هذا المنهج أيضاً ونقول: هل هناك رواية في صحيح البخاري أو صحيح مسلم تدلُّ على هذا المطلب الذي تزعمونه وهو قضية الهجوم على بيت فاطمة (ع(؟
أقول: هذا المنهج خطأ في الأصل، فإن المُهاجم أخطأ حين طَرَحَ السؤال بهذهِ الطريقة، وكذلك أخطأ المُدافِع أو بعض المُدافعين أيضاً حِينَ وَقَعُوا في شَرَكِ هذا السؤال والبحث عن رواية بهذا الخصوص؟
إننا نسأل هؤلاء: كم رواية توجد في البخاري؟
وهل احتوى البخاري كل الروايات الصحيحة؟
يحتوي البخاري على زهاء سبعة آلاف وخمسمائة رواية..، هذا كُل ما في البخاري، أي أقلَّ من ثمانية آلاف رواية.
أمَّا صحيح مسلم فيحتوي على ثلاثة آلاف وثلاثٍ وثلاثين رواية، فالمجموع عشرة آلاف رواية تقريباً.. وهذا شيء قليل.
فهل الدين كلُّه بُنِي على عشرة آلاف رواية ونيِّف؟
إنَّ البخاري نفسه -كما كتبوا في كتبهم- كان يقول: إني أحفظ مائة ألف حديث صحيح [2]..! فأين ذهبت هذه الروايات؟
ولِمَ ينبغي أن يتلخَّص الدين في الروايات التي رواها هو -أي البخاري- ومسلم فقط؟
إنَّ للتأريخ منهجاً آخر، يعتمد تجميع القرائن الذي يقوم به المحلِّلون الجنائيون حين تقع جريمة في مكانٍ ما.
ما الذي يفعل المحقق القانوني لو وقعت جريمة قتل؟
إنه يجمع القرائن؛ ينظر مثلاً: مَن كان يُعادي هذا المقتول؟
ومع من احتدَّ في الكلام في الأيام الماضية؟
من المستفيد من قتله؟
من هو آخر شخص التقى به الضحية؟[3]
وهكذا يجمع القرائن..، وليس كلُّ قرينة لها قيمة قطعية، إنَّما القرينة الواحدة تُمثِّل قيمة احتمالية وقد تكون قيمتها الاحتمالية متواضعة في منطق حساب الاحتمالات، ولكن هذه القرينة الأولى لها قيمة احتمالية على أيِّ حال، مهما ضَؤُلَت، ولو كانت واحداً بالألف، وبضمِّ القرينة الثانية والثالثة، والرابعة و.. ينتهي المحقق الجنائي إلى اليقين العلمي أو اليقين الرياضي.
اليقين العلمي هو اليقين الذي بُنيت عليه العلوم المتداولة، حيث الاحتمال يصل إلى مرحلة لا يُعتنَى بخلافها، أي أنَّ الاحتمال المضادَّ تقـل نسبتـه إلى حـدٍّ لا يَعتنِـي به العُقـلاء،ولا يعتني به العلـم، كالواحد بالمليون -مثلاً-.
فنحن عندما نركب الطائرة ألا نحتمل سقوطها؟
بلى يوجد احتمال، لكن كم قيمة هذا الاحتمال؟
إنه احتمال لا يَعتنِي به العُقلاء لأنَّ نِسبتهُ الاحتمالية ضئيلة.
فبعد تجميع القرائن نصل إلى اليقين العلمي أو اليقين الرياضي الذي لا يمكن أن يتطرَّق إليه الشك ولا يوجد احتمال مضادٌّ له، ولا بنسبة واحد إلى عشرة ملايين -مثلاً-..، هذا هو المنهج.
إذاً نحن عندما نريد أن نبحث في ظُلامة الزهراء (ع) وقصة الهجـوم على دارهـا، لا ينبغي أن نسأل عـن وجود رواية صحيحة في البخاري، فإنَّ هذا الكلام غلط من الناحية المنهجية، بل علينا أن نقوم بعملية تجميع القرائن، فمثلاً: ندرس أولاً شخصية المُهاجم ونفسيَّته؛ أي نفسية هذا الشخص الذي هاجم الدار وانتهك حرمة رسـول الله (ص)،[4] فإذا اكتشفنـا عبـر تجميع القـرائن مـن خـلال الحقـائق التأريخية أنَّ هذا الرجل المُهاجم رجل فضٌّ غليظ؛ فلا نستبعد أنَّ المرأة الحامل عندما تراه تسقط حملها[5].
ونحن لا نكتشف هذا من موقف واحد بالطبع، بل من الأشباه والنظائر أيضاً أي ننظر في المواقف المماثلة مع مَن اعتبرهم خصوماً له، ونرى كيف تعامل معهم؟
لست الآن في صدد البحث التفصيلي،ولكن كمجرَّد نموذج، أُشير إلى ما ذكره أحد علماء العامَّة وهو ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة، فهو ينقل قضايا عجيبة حول شخصية هذا الرجل وتصرُّفاته في المواقف المشابهة؛ يقول: «إن أخت عُمر وبعلها أسلما سِرّاً من عمر، فدخلَ إليهما خباب بن الأرت يُعلِّمهما الدين خفية، فوشى بهم واشٍ إلى عُمر، فجاء دار أخته، فتوارى خباب منه داخل البيت، فقال عمر: ما هذه الهينمة عندكم؟ قالت أخته: ما عدا حديثاً تحدَّثناه بيننا. قال: أراكما قد صبوتما. قال ختنه: أرأيت إن كـان هـو الحقّ! فـوثبَ عليه عمـر فوطئهُ وطئاً شـديداً، فجـاءت أختـه فدفعته عنه، فنفحها بيده، فدمي وجهها..»[6].
وهذا يعني أنَّ منطق الوطء والدوس بالأرجل والإدماء كان موجوداً عنده من البداية ومستمرّاً لديه إلى النهاية.
يقول ابن أبي الحديد أيضاً: «لما مات رسول الله (ص)، وشاع بين الناس موته، طاف عُمر على الناس قائلاً: إنه لم يمت، ولكنه غاب عنَّا كما غاب موسى عن قومه، ولَيَرجَعنَّ فليُقطِّعنَّ أيدي رجال وأرجلهم، يزعمون أنه مات، فجعل لا يمر بأحد يقول إنه مات إلا ويخبطه [أي يضربه] ويتوعَّده»[7].
وهذا موقف يثير الشكوك،وهو الآخر بحاجة إلى تحليل،لأنه يخالف صريح القرآن: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُم..}[8].
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
[1]) وفي لفظٍ آخر: (وَفِي التَّجَارُبِ عِلْمٌ مُسْتَأنَفٌ)، راجع (الكافي)، (مَن لا يحضره الفقيه)، (تُحف العقول)، (وسائل الشيعة)، (مصباح البلاغة)، (بحار الأنوار)، (جامع أحاديث الشيعة)، (موسوعة أحاديث أهل البيت)، (نهج السعادة)، (الدر النظيم)، (غاية المرام)، (كنز الفوائد)، (شرح النهج) لابن أبي الحديد المُعتزلي، (نظم درر السمطين) للزرندي الحنفي، وغير ذلك.
[2]) كما جاء في (سبل السلام) للكحلاني، (مُقدمة فتح الباري) لابن حجر، (تغليق التعليق) لابن حجر، (عمدة القاري) للعيني، (مقدمة ابن صلاح) لعثمان عبد الرحمن، (الكامل) لابن عدي، (تأريخ بغداد) للخطيب البغدادي، (تأريخ دمشق الكبير) لابن عساكر، (الإمام البخاري) للندوي، (تذكرة الحفاظ) للذهبي، (تأريخ الإسلام) للذهبي أيضاً، (فيض القدير) للمناوي، وكانَ البخاري يحفظ في أيَّام الصبا سبعين ألف حديث كما زعم الكثير من مؤلفيهم مثل شيخهم المباركفوري في (سيرة الإمام البخاري) والندوي في (الإمام البخاري) وغيرهما، ومما جاء في كتاب (فيض القدير) أنَّ أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألف حديث، ومُسندهُ ليس فيه إلا ما يُقارب سبعة وعشرين ألف ومائة حديث، وأيضاً جاء في نفس الكتاب أن مُسلم -صاحب الصحيح- يقول: صنَّفتُ الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث! والموجود بيننا لا تتجاوز أحاديثه الأربعة آلاف، فأين ذهبت البقيَّة؟! ربما أكلها الذئب! أو أكلها الجِن الذينَ قتلوا سعد بن عُبادة! ألا يشعر هؤلاء بالخجل؟ نعم.. قالَ بعضهم: بأنَّ قصد مُسلم أنه استخرجَ واستخلصَ أحاديث الصحيح من مجموع أحاديث يبلغ عددها ثلاثمائة ألف حديث، وهذا زعمُ الأغبياء، لأنَّ الدكتور رجاء الزحيلي -وهو من علمائهم- يقول في كتابه(أعلام المُسلمين) -بعد التحقيق- ما نصه: ( إن ما قاله مُسلم يُشير إلى الحذف الذي تعرَّض له كتاب الصحيح، وهذا مما يُثير الدهشة والاستغراب..) . ولسنا بصدد التحقيق في هذا الميدان، وسنأتي لاحقاً لذكر بعض الأمثلة على التحريف الفوضوي في كتبهم.
[3]) للتفصيل حولَ هذا الموضوع راجع الكتب: (التحقيق الجنائي) للدكتور الجناحي، (الجريمة وأساليب التحقيق) للعقيد محمد البيومي، (تأريخ الجريمة في العالم) للدكتور جوزيف صموئيل، (المُخابرات الدولية.. حقائق ووثائق) وغير ذلك.
[4]) سنأتي لبيان وحشيَّة عُمر بن الخطاب في الصفحات الآتية، مع مُلاحظة أننا نختصر التهميش لأنَّ المجال لا يسمح بالتفصيل والبحث الدقيق.
[5]) ففي كتاب ابن تيمية (منهاج السنة)، جاء الكلام حولَ قضية الحامل التي أسقطت حملها خوفاً من عُمر عندما استدعاها، ولم ينفِ ابن تيمية القضية، وإنما علَّق على موضوع الدِّية وماذا يترتب على عُمر شرعاً -كما يزعم طبعاً-، عِلماً أنَّ الدكتور عبد الباقي قطب قالَ في كتابهِ (تأريخ الدولة الأموية) ما نصه: (وهذه القصة ثابتة في حياة الخليفة رضي الله عنه، ولكنها تُشير إلى التفريط في الغلظة والشدة مما يُنافي الدين).
[6]) راجع (شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد، (المستدرك على الصحيحين) للحاكم النيسابوري، (الطبقات الكبرى) لابن سعد، (تأريخ المدينة) لابن شبه النميري، (تأريخ الإسلام) للذهبي، (تأريخ دمشق الكبير) لابن عساكر، (الدر المنثور) للسيوطي، وعشرات الكتب الأخرى. إذاً فقد ثبت بأنَّ له سوابق، ولم يكن ما فعلهُ مع الزهراء (ع) شيئاً جديداً، ومَن قالَ أنه فعلَ ذلك في أيَّام الجاهلية ولم يسلم بعد. نقول: كفاكَ جهلاً -هذا أولاً-. ثانياً: إننا بصدد أنَّ له سوابق أم لا، لكي يُحتمل منه وقوع ذلك. ثالثاً: حتى بعدما أسلم بل عندما كانَ خليفة -كما تزعمون- فإنه ما زالت سوابقه وإنجازاته الوحشيَّة مُمتدَّة، ويكفيك -إن كنت عاقلاً- ما جاء في (تأريخ دمشق الكبير) لابن عساكر و(سنن الدارمي) و(كنز العمال) للمتقي الهندي و(الدر المنثور) للسيوطي و(تفسير الآلوسي) وغيرهم مِن أنَّ سائلاً جاء إليه يسأل عن بعض الآيات فأمرَ بضربه [وفي بعض الأخبار أنه هو الذي ضربه بنفسه]، ثم تركهُ في غرفة حتى برئ، ثم دعاه وأمرَ بضربه، ثم تركه في غرفة حتى برئ، ثم دعاه وأمرَ بضربه، وفعل ذلك ثلاثاً، فقالَ السائل، إن كنت تُريد لي الشفاء من الضرب فقد شُفيت، وإن كنت تُريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً، فأمرَ عُمر بنفيهِ وتسفيرهِ خارج المدينة. فهل يتمكن أتباع هذا الخليفة أن يعرضوا هذه القصة على العالَم، ليرى الناس كيف يتعامل خليفة المُسلمين مع السائل -وإن كانَ مُستهزءاً-؟! أليس هذا هو الإرهاب الفكري؟! أم أننا نحنُ الإرهابيون المُشركون لأننا رفضنا أمثال هذه الأفعال الوحشية؟! ومع الأسف تقرأ في كتاب (تفسير الآلوسي) تبريراً بارِداً لا يرقى إلى مُستوى العُقلاء، فيقول: (ويدل هذا أن الرجل -أي السائل- لم يكن سليم القلب، وأنَّ سؤاله لم يكن طلباً للعلم، وإلا لم يصنع به عُمر ما صنع)! هل هذا التبرير مقبول؟! ولو سلَّمنا أنه كذلك، فهل هذا أُسلوب الجواب، وعلى أي أساس يُقام عليه الحد؟! وهل هذا التبرير يُلغي التأريخ الوحشي من حياة خليفتهم؟ وإليك أيها القارئ بعض الشواهد الأخرى على وحشيَّته، الشاهدالأول: جاء في كتاب (الإمامة والسياسة) لابن قتيبة و(فلك النجاة) لفتح الدين الحنفي، ما نصه: (فدخلَ عليه -أي على أبي بكر- المُهاجرون والأنصار حينَ بلغهم أنَّه استخلفَ عُمر، فقالوا: نراكَ استخلفتَ علينا عُمر، وقد عرفتهُ وعلمْتَ بوائقهُ فينا، وأنت بينَ أظهرنا، فكيف إذا ولَّيت عنَّا وأنتَ لاقٍ الله فسائلُك، فما أنتَ قائل؟ فقال أبو بكر: لئن سألني الله لأقولنَّ: استخلفتُ عليهم خيرهم في نفسي)، ومعنى كلمة (بوائقه) أي: غوائلهُ وشرورهُ، أو ظُلمه وغشمه، كما جاء في (لسان العرب) لابن منظور و(تاج العروس) للزبيدي و(النهاية في غريب الحديث) لابن الأثير وغيرهم، وكلمة (في نفسي) لها دلائل كثيرة يفهمها العاقل، ولا مجال للتفصيل. الشاهدالثاني: جاء في (تأريخ الخلفاء) للسيوطي و(كنز العمال) للمتقي الهندي و(الطبقات الكُبرى) لابن سعد و(تأريخ دمشق الكبير) لابن عساكر و(أُسد الغابة) لابن الأثير و(تأريخ المدينة) للنميري وغيرهم ما نصه: (دَخَلَ عليه -أي على أبي بكر- بعض الصحابة، فقالَ له قائل منهم: ما أنتَ قائل لربِّكَ إذا سألكَ عن استخلافك عُمر علينا وقد ترى غلظته؟ فقالَ أبو بكر: أباللهِ تخوِّفني؟ أقول:اللهم إني استخلفتُ عليهم خيرَ أهلك، أبلغ عنِّي ما قلت مَنْ وراءَكَ)، إنَّ كلمة (فقالَ له قائل منهم) تُشير إلى أنَّهم يتنكَّرون ويتلاعبون بالألفاظ كي لا يقولوا بأنه (طلحة)، وقد صرَّح غيرهم باسمه كما سيأتي، فلماذا يتنكَّرون له؟! هل لأنه صحابي؟! ولكن يكفينا أنَّهم قالوا (دخلَ عليه بعض الصحابة) أي أنَّ المُتكلم صحابي؟!، وكلمة (ما أنتَ قائل لربك إذا سألك؟) تُشير إلى أنَّ الصحابة يرونَ أنَّ استخلاف أبي بكر لِعُمر فيهِ إشكال شرعي يُحاسب عليه، وكلمة (أبلغ ما قلت مَنْ وراءَكَ) تُشير إلى أنَّ طلحة مرسول من أُناسٍ لا يقبلون باستخلاف عُمر، وتُشير إلى أنَّ طلحة جاسوس، وتُشير إلى أنَّ أبا بكر يعلم الغيب، وإلا كيف عرف أنهُ مرسولٌ ووراءهُ جماعة لا تقبل بِعُمر، إذاً فلماذا يقولون عنَّا كُفار ومُغالون إذا قُلنا بأنَّ أئمتنا (ع) يعلمون الغيب بفضل الله تعالى، ثُمَّ أين بقيَّة الحديث يا مَن تدَّعون الأمانة العلمية؟!وسنأتي لذكر بقية الحديث في الشاهد الآتي. الشاهدالثالث: جاء في (شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد المُعتزلي ما نصه: (دخَلَ طلحة بن عبيد الله على أبي بكر فقالَ له: بَلغني أنكَ ياخليفة رسول الله استخلفتَ على الناس عُمر وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه فكيفَ بهِ إذا خلا بهم، وأنتَ غداً لاقٍ ربك فيسألك عن رعيَّتك؟ فقال أبو بكر: أجلسوني، ثم قال: أباللهِ تخوفني! إذا لقيت ربي فسألني قلت استخلفت عليهم خير أهلك. فقال طلحة: أعُمر خير الناس يا خليفة رسول الله؟! فاشتدَّ غضبه وقال: أي واللهِ هو خيرهم وأنتَ شرهم، أمَا واللهِ لو وَلَّيتُكَ لجعلتَ أنفكَ في قفاك..)، ولا تحتاج هذه السطور إلى تعليق . الشاهدالرابع: في (شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد أيضاً، وبلفظٍ آخر في (المعيار والمُوازنة) للإسكافي ما نصه: (دخَلَ عليه -أي على أبي بكر- قوم من الصحابة منهم طلحة، فقال له: ما أنت قائل لربك غداً وقد ولَّيت علينا فظّاً غليظاً تفرق منه النفوس، وتنفض عنه القلوب. فقال أبو بكر: أسندوني -وكانَ مُستلقياً- فأسندوه فقال لطلحة: أباللهِ تخوفني!..). الشاهد الخامس: جاء في (شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد و(تأريخ الطبري) و(الكامل في التأريخ) لابن الأثير ما نصه: (دَخَلَ طلحة على أبي بكر فقال: استخلفتَ على الناس عُمر! وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه، فكيفَ إذا خلا بهم وأنتَ مُلاقٍ ربَّك؟!). الشاهدالسادس: جاء في (المُصنَّف) لابن أبي شيبة و(تأريخ دمشق) لابن عساكر و(تأريخ المدينة) للنميري و(فلك النجاة) لفتح الدين الحنفي ما نصه: (لما حضرت أبا بكر الوفاة أرسَلَ إلى عُمر ليستخلفهُ، فقالَ الناس: أتستخلف علينا فظّاً غليظاً، فلو مَلَكَنَا [وفي رواية "وَلِيَنَا"] كانَ أفظ وأغلظ، ماذا تقول لربك إذا أتيته وقد استخلفته علينا، فقال: تُخوفوني بربي![وفي رواية "أبربي تخوفونني"]..). الشاهد السابع: وجاء في ( تأريخ دمشق ) لابن عساكر ما نصه: ( أنَّ رجُلاً من المُهاجرين دخلَ على أبي بكر..، فقال:يا أبا بكر أُذكِّركَ الله واليوم الآخر، فإنَّك قد استخلفتَ على الناس رجُلاً فظّاً غليظاً أعتى الناس، ولا سُلطانَ له وإنَّ الله يُسائلك..). الشاهد الثامن: وجاء في (تأريخ الخميس) للدياربكري ما نصه: (فقالَ طلحة والزبير: ما كُنتَ قائلاً لربك إذا ولَّيتهُ مع غلظته. وفي رواية قالَ طلحة: أتولِّي علينا فظاً غليظاً، ما تقول لربك إذا لقيته؟! فقالَ أبو بكر:.. أباللهِ تُخوِّفني..). وعشرات الشواهد الأخرى التي لا يسع المجال لذكرها، ولكن نكتفي بآخر شاهد. الشاهد التاسع وفيه النتيجة: قالَ رسول الله: (لا يدخل الجنة الجَوَّاظُ. قيلَ يارسول الله وما الجواظ؟ قال: الفظُّ الغليظ)!! فَافْهَم إن كُنتَ تَفْهَم يا مَن تدَّعي الإسلام..، وقد وردَ هذا الحديث في (مُسند أحمد)، (مُسند أبي يعلى)، (سنن أبي داوود)، (مجمع الزوائد) لابن حجر وقالَ: إسنادهُ حسن، (عون المعبود) للعظيم آبادي، (المُصنَّف) لابن أبي شيبة، (القول السديد) لابن حجر، (الفايق في غريب الحديث) للزمخشري، (مُنتخب مُسند عبد بن حميد) لابن نصر، (كنز العمال) للمتقي الهندي، (تفسير الثعلبي)، (تفسير القرطبي)، (تفسير ابن كثير) وغيرهم، وربما يقول قائل: ليس المعنى لكلمة (الجواظ) هو هذا. فنقول: راجع (تفسير القرطبي)، (لسان العرب) لابن منظور، (مُسند أبي يعلى)، (سُنن أبي داوود)، (عون المعبود)، (المُصنَّف) لابن أبي شيبة، (مُنتخب مُسند عبد بن حميد)، (الفايق في غريب الحديث)، (القول السديد) وغيرها من المصادر، فإنهم ذكروا المعنى بعد ذِكر الحديث، عِلماً أننا التزمنا الاختصار، ولسنا بصدد التفصيل والتحقيق في هذا الميدان، وإلا فالشواهد كثيرة جداً.
[7]) وقد وَرَدَ إلى قوله: (يزعمون أنه مات) في (المُصنَّف) لابن أبي شيبة، (صحيح ابن حبَّان)، (كنز العمال) للمُتقي الهندي، (الطبقات الكبرى) لابن سعد، (عُمر بن الخطاب) للدكتور الصَّلاَّبي، (سيرة عمر بن الخطاب) لابن الجوزي، (عُمر بن الخطاب) للدكتور محمد النابلسي، (قبسات من حياة الخليفة الثاني) للشيخ كمال الأسيوطي، (تأريخ الخلفاء) للدكتور الدمياطي، وغيرهم.
[8]) سورة آل عمران.


رد مع اقتباس