منتديات موقع الميزان - عرض مشاركة واحدة - وفاة الصادق عليه السلام
عرض مشاركة واحدة

منتظرة المهدي
عضو
رقم العضوية : 421
الإنتساب : Sep 2007
الدولة : طيبة الطيبة
المشاركات : 5,448
بمعدل : 0.85 يوميا
النقاط : 0
المستوى : منتظرة المهدي is on a distinguished road

منتظرة المهدي غير متواجد حالياً عرض البوم صور منتظرة المهدي



  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : منتظرة المهدي المنتدى : ميزان المناسبات والإعلانات
افتراضي
قديم بتاريخ : 13-Oct-2009 الساعة : 01:06 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


اللهم صلي على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واللعن عدوهم .

ثورة محمد بن عبد الله ( ذي النفس الزكية )

إن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي الملقّب بذي النفس الزكية قد رشّح باتّفاق الهاشميين للخلافة، وكان المنصور يسير بخدمته ويسوّي عليه ثيابه ويمسك له دابته تقرّباً إليه، وقد بايعه مع أخيه السفّاح مرّتين. وبعد اختلاس العبّاسيين للحكم واستبدادهم وشياع ظلمهم تألّم محمد فأخذ يدعو الناس إلى نفسه فاستجاب له الناس وظلّ مختفياً مع أخيه إبراهيم، وقد انتشرت دعاتهم في البلاد الإسلامية داعية المسلمين إلى بيعة محمد هذا.
ولمّا انتهت الأنباء بشهادة عبد الله وسائر السادة الذين كانوا معه الى محمد ; أعلن محمّد ثورته في المدينة وبايعه الناس وحتى الفقهاء منهم وقد استبشروا ببيعته، وحينما انتشر الأمر سارع أهالي اليمن ومكة إلى بيعته وقام خطيباً فيهم فقال :
اما بعد : أيها الناس فإنه كان من أمر هذا الطاغية عدوّ الله أبي جعفر مالم يخف عليكم من بنائه القبّة الخضراء التي بناها معانداً لله في ملكه تصغيراً للكعبة الحرام ، وإنما اُخذ فرعون حين قال : أنا ربكم الأعلى ، وإن أحق الناس بالقيام بهذا الدين أبناء المهاجرين والأنصار المواسين .
اللّهم إنهم قد أحلّوا حرامك وحرّموا حلالك وآمنوا من أخفت وأخافوا من آمنت ، اللّهم فاحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً .
و لمّا علم المنصور بالثورة وجّه جيشاً يقدّر بأربعة آلاف فارس بقيادة عيسى بن موسى، وبعد أن اندلعت الحرب بين الفريقين ـ خارج المدينة ـ رغبة من محمد وحفاظاً على سكّانها من عبث جيش المنصور واُصيب محمد بن عبد الله بجراح خطيرة بسبب تفرّق جنده، وبرك إلى الأرض، فبادر الأثيم حميد بن قحطبة فاحتزّ رأسه الشريف .


موقف الإمام (()) من الثورة :


لقد حذّر الإمام الصادق (()) عبد الله بن الحسن من الترويج لابنه محمّد على أساس أنه المهدي لهذه الاُمة، وأخبر (()) بمستقبل الأحداث ونبّه على أنّها ستنتهي باستشهاد محمد وأخيه إبراهيم، وأنّ الخلافة بعد أبي العباس السفّاح ستكون للمنصور العباسي.
وحينما سئل (()) عن محمد بن عبد الله ودعوته قبل أن يعلن محمد ثورته أجاب (()) : « إن عندي كتابين فيها اسم كل نبي وكل ملك يملك، لا والله ما محمد بن عبد الله في أحدهما ».
ولما ثار محمد بن عبد الله ( ذي النفس الزكية ) ترك الإمام الصادق (()) المدينة، وذهب إلى أرض له بالفُرع، فلم يزل هناك مقيماً حتى قتل محمّد فلما قتل واطمأنّ الناس وأمنوا رجع إلى المدينة .


الإمام الصادق يهيّء الخط الشيعي للمواصلة


لقد كانت الفترة الأخيرة من حياة الإمام الصادق (()) مع حكومة المنصور فترة تشدّد ومراقبة لحركة الإمام، تخللتها محاولات اغتيال عديدة، لكن الإمام(()) علم أن المنصور قد صمّم على قتله، ولهذا مارس جملة من الانشطة ليهيّء فيها الخط الشيعي لمواصلة الطريق من بعده.


النشاط الأول : حاول الإمام الصادق (()) أن يجعل من الصف الشيعي صفّاً متماسكاً في عمله و نشاطه ، وركّز على قيادة الإمام الكاظم (()) من بعده فيما لو تعرّض لعملية قتل من قبل المنصور. وقد قطع الطريق أمام المنتفعين والادعياء الذين كانوا يتربّصون الفرص ; لأن اسماعيل ابن الإمام الصادق(()) الذي كان قد توفّي في هذه الفترة كان يصلح كفكرة لتفتيت الصفّ الشيعي باعتباره الابن التقي الأكبر للإمام (()) .
والغريب أنا نجد ـ رغم التأكيدات المتكرّرة ـ والحزن الذي أبداه الإمام(()) والتصريح الذي أبداه أمام حشد كبير من أعيان الشيعة بأن اسماعيل قد توفّي ودفن استغلال بعضهم لقضية إسماعيل وزعمهم بأن الإمامة تقع في إسماعيل وأنّه حيّ وقد خرج في البصرة وشاهده بعض الناس .
وهنا يقوم الإمام الصادق(()) بجملة من الخطوات لمعالجة هذه المشكلة التي سوف تُفتّت الصفّ الشيعي من بعده.
1 ـ قال زرارة بن أعين: دعا الإمام الصادق (()) داود بن كثير الرقي وحمران بن أعين ، وأبا بصير ، ودخل عليه المفضّل بن عمر وأتى بجماعة حتى صاروا ثلاثين رجلا فقال: « يا داود اكشف عن وجه اسماعيل »، فكشف عن وجهه ، فقال : «تأمّله يا داود ، فانظره أحيّ هو أم ميّت ؟» فقال: بل هو ميّت . فجعل يعرّضه على رجل رجل حتى أتى على أخرهم فقال : «اللّهم اشهد» . ثم أمر بغسله وتجهيزه .

ثم قال : «يا مفضّل احسر عن وجهه، فحسر عن وجهه»، فقال: «أحيّ هو أم ميت؟» انظروه أجمعكم» فقال : بل هو يا سيدنا ميّت .
فقال : «شهدتم بذلك وتحققتموه»؟ قالوا : نعم، وقد تعجبوا من فعله .
فقال : «اللّهم أشهد عليهم». ثم حمل إلى قبره ، فلمّا وضع في لحده ، قال :
«يا مفضل ، اكشف عن وجهه» فكشف ، فقال للجماعة: «انظروا أحيّ هو أم ميتّ ؟» فقالوا : بل ميّت، يا وليّ الله .
فقال: «اللّهم اشهد فإنه سيرتاب المبطلون (يريدون أن يطفئوا نور الله) » ـ ثم أومى إلى موسى (()) وقال: (والله مُتم نوره ولو كره الكافرون) .
ثم حثّوا عليه التراب ، ثم اعاد علينا القول فقال: «الميّت المكفّن المدفون في هذا اللحد من هو ؟» قلنا : اسماعيل ولدك .
فقال: «اللّهم أشهد». ثم أخذ بيد موسى فقال : «هو حق ، والحق معه ومنه ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها » .
2 ـ قال عنبسة العابد : لما مات اسماعيل بن جعفر بن محمد ((عليهما السلام)) وفرغنا من جنازته ، جلس الصادق (()) وجلسنا حوله وهو مطرق ، ثم رفع رأسه فقال :
«أيها الناس : إن هذه الدنيا دار فراق ، ودار التواء لا دار استواء ، على أن فراق المألوف حرقة لا تدفع ، ولوعة لا تردّ، وإنما يتفاضل الناس بحسن العزاء وصحة الفكر ، فمن لم يشكل أخاه شكله أخوه ، ومن لم يقدم ولداً هو المقدم دون الولد» ، ثم تمثّل بقول أبي خراش الهذلي يرثي أخاه .


ولا تحسبي أني تناسيت عهده***ولكن صبري يا أميم جميل


3 ـ قال اسحاق بن عمار: وصف إسماعيل أخي لأبي عبد الله (()) دينه واعتقاده فقال : إني أشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله وانكم ـ ووصفهم يعني الأئمة ـ واحداً واحداً حتى انتهى إلى أبي عبد الله .ثم قال : واسماعيل من بعدك ! قال : «أما اسماعيل فلا» .



النشاط الثاني : رغم الحرب الباردة التي كانت بين المنصور والإمام الصادق(()) نلاحظ أن الإمام قد مارس بعض الأدوار مع السلطة لغرض الحفاظ على الاُمة وسلامة مسيرتها وابقاء روح الرفض قائمة في نفوسها ، مخافة أن تسبب ممارسات المنصور حالة من الانكسار للشيعة حين الاستجابة لمخططاته .
1 ـ قال أبو جعفر المنصور للإمام الصادق (()) : إني قد عزمت على أن أخرب المدينة ولا أدع فيها نافخ ضرمة.
فقال: «يا أمير المؤمنين ! لا أجد بداً من النصاحة لك ، فاقبلها إن شئت أولا» .
ثم قال (()): «إنه قد مضى لك ثلاثة أسلاف : أيوب (()) ابتلي فصبر ، وسليمان(()) اُعطي فشكر، ويوسف (()) قدر فغفر . فاقتد بأيهم شئت». قال:قد عفوت .
2 ـ قال عبد الله بن سليمان التميمي: لما قتل محمد وإبراهيم ابنا عبد الله ابن الحسن صار إلى المدينة رجل يقال له شبّة عقال، ولاّه المنصور على أهلها، فلمّا قدمها وحضرت الجمعة صار الى المسجد فرقى المنبر وحمد الله وأثنى عليه ثم قالأما بعد فإن علي بن أبي طالب شقّ عصا المسلمين ، وحارب المؤمنين ، وأراد الأمر لنفسه، ومنعه أهله فحرّمه الله عليه وأماته بغصّته . وهؤلاء ولده يتبعون أثره في الفساد وطلب الأمر بغير استحقاق له ، فهم في نواحي الارض مقتولون ، وبالدماء مضرّجون.
قال: فعظم هذا الكلام منه على الناس ، ولم يجسر أحد منهم أن ينطق بحرف . فقام إليه رجل عليه إزار قومسي سخين فقال : ونحن نحمد الله ونصلي على محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين وعلى رسل الله وأنبيائه أجمعين. أمّا ما قلت من خير فنحن أهله ، وما قلت من سوء فأنت وصاحبك به أولى وأحرى. يا من ركب غير راحلته وأكل غير زاده ، ارجع مأزوراً .
ثم أقبل على الناس ، فقال : ألا آتينّكم بأخفّ الناس ميزاناً يوم القيامة ، وأبينهم خسراناً ؟ : من باع آخرته بدنيا غيره ، وهو هذا الفاسق .


فأسكت الناس ، وخرج الوالي من المسجد ولم ينطق بحرف.


فسألت عن الرجل: فقيل لي : هذا جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب (())(1) .
النشاط الثالث : وهو نشاط الإمام الصادق (()) الخاص مع الشيعة في هذا الظرف العصيب وأساليب الاتّصال معهم.
وقد ذكرنا في البحوث السابقة أن الإمام قد ركّز على مبادئ اسلامية وممارسات إصلاحية في نفوس شيعته ، مثل التقيّة ، وكتمان السر ، والعلاقة بالثورة الحسينية لتحافظ هذه المبادئ والممارسات على الوجود الشيعي وتقيه من الضربات والمخططات الخارجية
والرواية التالية تصوّر لنا نشاط الإمام السري مع صحبه في هذهِ الفترة .
روي أن الوليد بن صبيح قال : كنا عند أبي عبد الله (()) في ليلة إذ طرق الباب طارق ، فقال للجارية : انظري من هذا ؟
فخرجت ثم دخلت فقالت : هذا عمّك عبد الله بن علي (()) فقال : أدخليه . وقال لنا : ادخلوا البيت فدخلنا بيتاً ، فسمعنا منه حسّاً ، ظننّا أن الداخل بعض نسائه ، فلصق بعضنا ببعض ، فلما دخل أقبل على أبي عبدالله(()) فلم يدع شيئاً من القبيح إلا قاله في أبي عبد الله (()) ثم خرج وخرجنا ، فأقبل يحدّثنا من الموضع الذي قطع كلامه .
فقال بعضنا : لقد استقبلك هذا بشيء ما ظننّا أنّ أحداً يستقبل به أحداً، حتى لقد همّ بعضنا أن يخرج إليه فيوقع به .


فقال (()) مه ، لا تدخلوا فيما بيننا .


فلمّا مضى من الليل ما مضى ، طرق الباب طارق فقال للجارية : انظري من هذا ؟ فخرجت ، ثم عادت ، فقالت : هذا عمّك عبد الله بن علي (()) فقال لنا : عودوا إلى مواضعكم، ثم اذن له.
فدخل بشهيق ونحيب وبكاء وهو يقول : يابن أخي ، اغفر لي غفر الله لك ، اصفح عني صفح الله عنك .


فقال : غفر الله لك يا عم ، ما الّذي أحوجك إلى هذا ؟


قال : إني لما أويت إلى فراشي أتاني رجلان أسودان فشدّا وثاقي ، ثم قال أحدهما للآخر : انطلق به إلى النار : فانطلق بي ، فمررت برسول الله فقلت : يا رسول الله ، لا أعود . فأمره فخلّى عنّي ، وأني لأجد ألم الوثاق .

فقال أبو عبد الله (()): أوص .


قال : بم أوصي ؟ ما لي مال ، وإن لي عيالاً كثيرة وعليّ دين .
فقال أبو عبد الله (()) : دينك عليّ ، وعيالك عيالي، فأوص.
فما خرجنا من المدينة حتى مات ، وضمّ أبو عبد الله (()) عياله إليه ، وقضى دينه ، وزوّج ابنه ابنته(1) .
وأغلب الظن أن نشاط الإمام الصادق (()) من هذا النوع قد تركّز أيام المنصور لكثرة الجواسيس والعيون التي كانت ترصد حركة الإمام(()) ممّا دفع بالامام الى أن يلجأ إلى عقد الاجتماعات في بيته سرّاً لغرض مواصلة دوره الالهي مع الاُمة عن طريق توجيه النخبة الصالحة التي وفقت لهذا الدور.

محاصرة الإمام(()) قبيل استشهاده


صعّد المنصور من تضييقه على الإمام الصادق(())، ومهّد لقتله.
فقد روى الفضل بن الربيع عن أبيه ، فقال : دعاني المنصور ، فقال : إن جعفر بن محمد يلحد في سلطاني ، قتلني الله إن لم أقتله . فأتيته ، فقلت : أجب أمير المؤمنين . فتطهّر ولبس ثياباً جدداً .
فأقبلت به ، فاستأذنت له فقال : أدخله ، قتلني الله إن لم أقتله .
فلما نظر إليه مقبلا ، قام من مجلسه فتلقّاه وقال : مرحباً بالتقيّ الساحة البريء من الدغل والخيانة ، أخي وابن عمي .
فأقعده على سريره ، وأقبل عليه بوجهه ، وسأله عن حاله ، ثم قال :سلني حاجتك ، فقال(()): أهل مكّة والمدينة قد تأخّر عطاؤهم، فتأمرلهم به .
قال : أفعل ، ثم قال : يا جارية ! ائتني بالتحفة فأتته بمدهن زجاج، فيه غالية ، فغلّفه بيده وانصرف فأتبعته ، فقلت:
يابن رسول الله ! أتيت بك ولا أشك أنه قاتلك ، فكان منه ما رأيت، وقد رأيتك تحرك شفتيك بشيء عند الدخول ، فما هو ؟
قال : قلت : «اللّهم احرسني بعينك التي لاتنام ، واكنفني بركنك الذي لا يرام ، واحفظني بقدرتك عليّ ، ولا تهلكني وانت رجائي ...» .
ولم يكن هذا الاستدعاء للإمام من قبل المنصور هو الاستدعاء الأول من نوعه بل إنّه قد أرسل عليه عدّة مرات وفي كل منها أراد قتل.
لقد صور لنا الإمام الصادق (()) عمق المأساة التي كان يعانيها في هذا الظرف بالذات والاذى الّذي كان المنصور يصبه عليه، حتى قال (()) ـ كما ينقله لنا عنبسة ـ قال : سمعت أبا عبد الله (()) يقول: «أشكو إلى الله وحدتي وتقلقلي من أهل المدينة حتى تقدموا وأراكم أسرّ بكم، فليت هذا الطاغية أذن لي فاتّخذت قصراً في الطائف فسكنته ، وأسكنتكم معي ، وأضمن له أن لا يجيء من ناحيتنا مكروه أبداً»


الإمام الصادق(()) في ذمّة الخلود


وتتابعت المحن على سليل النبوّة وعملاق الفكر الإسلامي ـ الإمام الصادق(()) ـ في عهد المنصور الدوانيقي ـ فقد رأى ما قاساه العلويون وشيعتهم من ضروب المحن والبلاء، وما كابده هو بالذات من صنوف الإرهاق والتنكيل، فقد كان الطاغية يستدعيه بين فترة وأخرى ، ويقابله بالشتم والتهديد ولم يحترم مركزه العلمي، وشيخوخته، وانصرافه عن الدنيا الى العبادة، وإشاعة العلم، ولم يحفل الطاغيه بذلك كلّه، فقد كان الإمام شبحاً مخيفاً له... ونعرض ـ بإيجاز ـ للشؤون الأخيرة من حياة الإمام ووفاته.
وأعلن الإمام الصادق(()) للناس بدنوّ الأجل المحتوم منه، وان لقاءه بربّه لقريب، وإليك بعض ما أخبر به:
أـ قال شهاب بن عبد ربّه : قال لي أبو عبدالله(()): كيف بك إذا نعاني إليك محمد بن سليمان؟ قال: فلا والله ما عرفت محمد بن سليمان من هو. فكنت يوماً بالبصرة عند محمد بن سليمان، وهو والي البصرة إذ ألقى إليّ كتاباً، وقال لي: يا شهاب، عظّم الله أجرك وأجرنا في إمامك جعفر بن محمد. قال: فذكرت الكلام فخنقتني العبرة.
ب ـ أخبر الإمام(()) المنصور بدنوّ أجله لمّا أراد الطاغية أن يقتله فقد قال له: ارفق فوالله لقلّ ما أصحبك. ثم انصرف عنه، فقال المنصور لعيسى بن علي: قم اسأله، أبي أم به؟ ـ وكان يعني الوفاة ـ .
فلحقه عيسى ، وأخبره بمقالة المنصور، فقال(()): لا بل بيوتحقّق ما تنبّأ به الإمام(()) فلم تمضِ فترة يسيرة من الزمن حتى وافته المنية.
كان الإمام الصادق(()) شجي يعترض في حلق الطاغية الدوانيقي، فقد ضاق ذرعاً منه، وقد حكى ذلك لصديقه وصاحب سرّه محمد بن عبدالله الاسكندري.
يقول محمد: دخلت على المنصور فرأيته مغتمّاً، فقلت له: ما هذه الفكرة؟
فقال: يا محمد لقد هلك من أولاد فاطمة(()) مقدار مائة ويزيدون ـ وهؤلاء كلهم كانوا قد قتلهم المنصور ـ وبقي سيّدهم وإمامهم.


فقلت: من ذلك؟


فقال: جعفر بن محمد الصادق.


وحاول محمد أن يصرفه عنه، فقال له: إنه رجل أنحلته العبادة، واشتغل بالله عن طلب الملاك والخلافة.
ولم يرتض المنصور مقالته فردّ عليه: يا محمد قد علمتُ أنك تقول به، وبإمامته ولكن الملك عقيم.
وأخذ الطاغية يضيّق على الإمام، وأحاط داره بالعيون وهم يسجّلون كل بادرة تصدر من الإمام، ويرفعونها له، وقد حكى الإمام(()) ما كان يعانيه من الضيق، حتى قال: «عزّت السلامة، حتى لقد خفي مطلبها، فإن تكن في شيء فيوشك أن تكون في الخمول، فإن طلبت في الخمول فلم توجد فيوشك أن تكون في الصمت، والسعيد من وجد في نفسه خلوة يشتغل بها»
لقد صمّم على اغتياله غير حافل بالعار والنار، فدسّ اليه سمّاً فاتكاً على يد عامله فسقاه به، ولمّا تناوله الإمام(()) تقطّعت أمعاؤه وأخذ يعاني الآلام القاسية، وأيقن بأن النهاية الأخيرة من حياته قد دنت منه.
ولمّا شعر الإمام(()) بدنوّ الأجل المحتوم منه أوصى بعدّة وصايا كان من بينها ما يلي:
أ ـ إنه أوصى للحسن بن علي المعروف بالأفطس بسبعين ديناراً، فقال له شخص: أتعطي رجلاً حمل عليك بالشفرة؟ فقال() له: ويحك ما تقرأ القرآن؟! (والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل، ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب).
لقد أخلص الإمام(()) كأعظم ما يكون الإخلاص للدين العظيم، وآمن بجميع قيمه وأهدافه، وابتعد عن العواطف والأهواء، فقد أوصى بالبرّ لهذا الرجل الذي رام قتله لأن في الإحسان اليه صلة للرحم التي أوصى الله بها.
ب ـ إنه أوصى بوصاياه الخاصّة، وعهد بأمره أمام الناس الى خمسة أشخاص: وهم المنصور الدوانيقي، ومحمد بن سليمان، وعبدالله، وولده الإمام موسى، وحميدة زوجته.
وإنما أوصى بذلك خوفاً على ولده الإمام الكاظم(()) من السلطة الجائرة، وقد تبيّن ذلك بوضوح بعد وفاته، فقد كتب المنصور الى عامله على يثرب، بقتل وصي الإمام ، فكتب إليه: إنه أوصى الى خمسة، وهو أحدهم ، فأجابه المنصور: ليس الى قتل هؤلاء من سبيل
ج ـ إنه أوصى بجميع وصاياه الى ولده الإمام الكاظم(()) وأوصاه بتجهيزه وغسله وتكفينه، والصلاة عليه، كما نصبه إماماً من بعده، ووجّه خواصّ شيعته إليه وأمرهم بلزوم طاعته.
د ـ إنه دعا السيّدة حميدة زوجته، وأمرها باحضار جماعة من جيرانه، ومواليه، فلمّا حضروا عنده قال لهم: «إن شفاعتنا لا تنال مستخفاً بالصلاة...».
وأخذ الموت يدنو سريعاً من سليل النبوة، ورائد النهضة الفكرية في الإسلام، وفي اللحظات الأخيرة من حياته أخذ يوصي أهل بيته بمكارم الأخلاق ومحاسن الصفات، ويحذّرهم من مخالفة أوامر الله وأحكامه، كما أخذ يقرأ سوراً وآيات من القرآن الكريم، ثم ألقى النظرة الأخيرة على ولده الإمام موسى الكاظم(()) ، وفاضت روحه الزكية الى بارئها.
لقد كان استشهاد الإمام من الأحداث الخطيرة التي مُني بها العالم الاسلامي في ذلك العصر، فقد اهتزّت لهوله جميع ارجائه، وارتفعت الصيحة من بيوت الهاشميين وغيرهم وهرعت الناس نحو دار الإمام وهم ما بين واجم ونائح على فقد الراحل العظيم الذي كان ملاذاً ومفزعاً لجميع المسلمين.
وقام الإمام موسى الكاظم(())، وهو مكلوم القلب، فأخذ في تجهيز جثمان أبيه، فغسل الجسد الطاهر، وكفّنه بثوبين شطويين كان يحرم فيهما، وفي قميص وعمامة كانت لجدّه الإمام زين العابدين(())، ولفّه ببرد اشتراه الإمام موسى(()) بأربعين ديناراً وبعد الفراغ من تجهيزه صلّى عليه الإمام موسى الكاظم(()) وقد إأتمَّ به مئات المسلمين.


وحمل الجثمان المقدّس على أطراف الأنامل تحت هالة من التكبير، وقد غرق الناس بالبكاء وهم يذكرون فضل الإمام وعائدته على هذه الاُمة بما بثّه من الطاقات العلمية التي شملت جميع أنواع العلم. وجيء بالجثمان العظيم الى البقيع المقدّس، فدفن في مقرّه الأخير بجوار جدّه الإمام زين العابدين وأبيه الإمام محمد الباقر((عليهما السلام)) وقد واروا معه العلم والحلم، وكل ما يسمّو به هذا الكائن الحيّ من بني الإنسان(1).
ويناسب أن نختم الكلام عن الإمام الصادق(()) برثائه على لسان أحد أصحابه وهو أبي هريرة العجلي بقوله:


أقول وقد راحوا به يحملونه***على كاهل من حامليه وعاتق


أتدرون ماذا تحملون الى الثرى***ثبيراً ثوى من رأس علياء شاهق


غداة حثى الحاثون فوق ضريحه***تراباً، وأول كان فوق المفارق




و إمــــامــه و سيـــداه


عظم الله لك الأجر يا صاحب الزمان
عظم الله لكم الأجر ياشيعة أمير المؤمنين


رد مع اقتباس