الأمراء الثلاث مائة:
ومع غض النظر عن تناقض روايتي المجلسي والبحراني في عدد الذين وُلِدوا، والذين لم يولدوا بعد من أنصاره (

) فإن البحراني قد أشار إلى قرب ظهور الفرج في ذلك الوقت حيث قال: «وبقي اثنان، والفرج قد آن»
(1) مع أنه قد مرت حتى الآن على هذه الحادثة أكثر من سبعة قرون، ولكنه لم يظهر(

).
ونذكر القارىء هنا بأن هناك رواية تتحدث عن هؤلاء الأنصار، وتذكر أسماءهم، وأسماء بلدانهم، وأنهم حين ظهوره (

) سوف يُفقَدُون عن فرشهم، ويَصِلون إليه (

) وهو في مكة.
فهل هي تتحدث عن أشخاص وُلِدوا، أو سيولدون! وإذا كانوا قد ولدوا فهل سوف يُعَمرّون إلى وقت ظهوره (

)، أم أنهم سوف يموتون ثم يبعثهم الله لنصرته!.
وإذا كانوا سيفقدون من فرشهم فهل يكون ذلك من فرشهم التي في بيوتهم في الأصقاع والبلاد المختلفة؟ أم من خصوص «الجزيرة الخضراء»؟!.
وهل هم متزوجون ولهم أولاد، أم لا؟.
ولماذا لم يولد الاثنان الآخران، أو الثلاثة عشر، ليعيشوا مع إخوانهم بانتظار خروجه (

)!.
ولماذا تتأخر ولادات الثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً إلى قرب ظهوره (

)!.
وما هو الدور الذي يقوم به هؤلاء طيلة هذه المدة المتطاولة.
إلى غير ذلك من الأسئلة التي ربما تراود ذهن القارىء بملاحظة ما ذكرته رواية
«الجزيرة الخضراء».
الرقعة التي تحت القبة:
هذا، وقد ذكرت الرواية: أن شمس الدين محمد العالم قد قال لعلي بن فاضل:
«إنه يمضي كل صباح جمعة إلى القبة فوق الجبل، فيجد هناك رقعة مكتوب فيها ما يحتاج إليه من المحاكمة بين المؤمنين، فمهما تضمنته الورقة يعمل به».
وأقول:
لم يذكر لنا السيد شمس الدين من الذي يكتب له هذه الورقة، لكن كلامه يوحي: أنها صادرة من قِبَل الإمام صاحب العصر (

).
وعلى هذا القول:
أولاً: من الذي يستطيع أن يثبت لنا صدق شمس الدين فيما يدعيه!.
ثانياً: ولو سلمنا أنه صادق في ذلك، فهل لم يكن بوسع السيد شمس الدين أن يتعلم قواعد القضاء والمحاكمة بين المؤمنين، ثم يستقل في هذه المحاكمات، من دون أن يحتاج إلى هذه الورقة في كل جمعة!.
ثالثاً: كيف يمكن دفع احتمال أن تكون الورقة يكتبها أحد شياطين الإنس أو الجن، أو أحد الخادمين أو كلاهما، ويضعها هناك فيأتي السيد شمس الدين، ويأخذها بحسن نية، وسلامة طوية، بتخيل أنها من الإمام المعصوم، وهو إنما وقع تحت تأثير ماكر ماهر؟.
هل للإمام (
) أولاد؟!:
هذا هو السؤال الأهم الذي يفرض نفسه، والذي تهرب من الإجابة عليه بعض من راق له أن يدافع عن رواية «الجزيرة الخضراء»، بكل حماس وقوة، وليس هذا هو الأول ولا الأخير من الإيرادات القوية التي تهرب منها، فإن له نظائر أخرى أيضاً.
بل نستطيع أن نقول:
إن هذا المؤلف قد حاول أن يشغل القارىء بأمور جانبية، وخارجة عن الموضوع الأساس ليبعده عن التفكير بهدوء في نفس القصة موضع البحث.
كما أنه قد حاول أن يتمسك بأمور ومؤاخذات وإيرادات صغيرة، استطاع أن يسجلها على باحثين لم يهتموا بالتدقيق في الرواية التي هي موضع البحث.
ثم هو قد ضخم هذه المؤاخذات الصغيرة، وأطال، وأطنب فيها، واستعمل مختلف الألفاظ الخشنة أحياناً، والمعسولة أحياناً أخرى للحط من شأن العلماء، والطعن في أساطين الفكر، وخَدَمةِ الشريعة ليغطي بذلك على هروبه من مواجهة الإشكالات القوية والحقيقية من قبيل الإشكال في أصل ثبوت الأولاد للإمام الحجة (

).
ونحن بالنسبة لهذا الموضوع بالذات أعني موضوع ثبوت الأولاد له (
) نقول:
إن ذلك موضع شك وريب أيضاً فإن بعض الأخبار وإن كان ظاهرها ذلك، ولكن العلماء من أمثال المفيد، والبياضي، والطبرسي، لم يرتضوا ذلك، بالإضافة إلى بعض الروايات المصرحة بعدمه كما سيأتي.
ونحن نذكر أولاً ما يمكن أن يستدل به على وجود أولاد له (
) فنوجز ذلك على النحو التالي:
ـــــــــــــــ
(1) تبصرة الولي ص 249.
يتبع>>>