منتديات موقع الميزان - عرض مشاركة واحدة - بين الغلو والاستخفاف والتفريط !
عرض مشاركة واحدة

صفوان بيضون
أديب وشاعر
رقم العضوية : 6568
الإنتساب : Oct 2009
الدولة : دمشق العقيلة
المشاركات : 964
بمعدل : 0.17 يوميا
النقاط : 227
المستوى : صفوان بيضون is on a distinguished road

صفوان بيضون غير متواجد حالياً عرض البوم صور صفوان بيضون



  مشاركة رقم : 4  
كاتب الموضوع : صفوان بيضون المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي بين الغلو والاستخفاف والتفريط (2)
قديم بتاريخ : 26-Nov-2009 الساعة : 10:25 AM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين

بين الغلو والاستخفاف والتفريط

الحلقة الثانية ..

تمر علينا هذه الأيام دعواتٌ ترفع كلمةَ غلوٍ سيفاً يقارع كلَّ فضيلةٍ أو منقبةٍ لأهل البيت والأئمةِ الطاهرين (ع) ، أو سهماً يُسدد دائماً في وجه المتمسكين بخط الولاية ، وللأسف فإن بعض السهام يوجهها أناسٌ وُلِدوا ودرجوا في البيت الشيعي ، ولقد استخدموا في دعواتِهم الاستخفافيةِ آلياتٍ تستند في أساسها إلى منطق واحد : فأنت إذا قلت أو نسبت شيئاً للرسول وآلِه أو لأي بشر كان ، وكان هذا الانتسابُ غيرُ موافق لأذهانهم القاصرةِ والمتباينةِ يدعونه غلواً .
وهذه الدعوات – على أحسن حالها – لا تعتمد تعريفاً ثابتاً ومحدداً للغلو ، يجعله بين قوسين ، وفي حال تجاوز القوسين يصبح الإنسانُ إما مغالياً أو مستخفاً ومُفَرِّطاً في اعتقاده .
وأساس سوء الفهم لفكرة الغلو هو سوء فهم أو إحاطة بجوهر الغلو وهو الذات القدسية لله تعالى ، بمعنى أن مشكلة هذه التيارات هي مع مفهوم التوحيد وليس مع الروايات أو أصحابِها ورجالِها وكلماتِها وأدلتِها العقليةِ والنقليةِ ( طبعاً إذا اقتنعنا أن الاعتراضاتِ المطروحةَ اعتراضاتٌ علميةٌ لا تعنتيةٌ أو جاحدةٌ أو مغرضةٌ ) ...
فمحور الإشكالية العقيدية من غلو أو إلحاد أو إشراك هو مفهوم التوحيد ، الأصل الأول من أصول الدين الخمسة ، والتي لا يقبل عمل أو عبادة دون أن يكون منضوياً تحت الإيمان العقلي بها ...
ما الذي يجعلنا نختزل الحالةَ ونعلِقُها بالتوحيد حصراً ؟ إنَّ تكامل الدين بكلِّ تفاصيله ينطلق من جوهرٍ واحدٍ هو توحيدُ الله ، يقول الإمام علي (ع) : " أول الدين معرفته ، وكمالُ معرفته التصديقُ به ، وكمال التصديق به توحيدُه " ، وكلُّ انتقاصٍ أو قصور عن فهم التوحيد يُعرض هذا الكمالَ إلى الشبهة والضلالة ، وعقيدةُ التوحيد تقوم على أن الله واحدٌ لا يتجزأ ولا يتعدد ، وأنَّ له صفاتٍ وأسماء ، وأن علينا أن لا نغوصَ في معرفة ذاتِ الله فهذا محال ، ولكن أن نستشفَ آلائَه ، ونتدبر آياتِه ، وهذا المبحث مبحث طويل وعميق وقد كتب عنه أهله ما يجلي الصورة ويقربها إلى الأذهان .
وتوحيدُ الله يُختصر في وصف الله لنفسِه الجليلةِ في قوله في سورة الشورى (11) : " ليس كمثله شيء " ، فكل شيء مهما علا شأنُه أو نُسبت إليه المعجزاتُ ، أو اختصته الآياتُ والأحاديثُ بصفاتٍ وقدراتٍ فائقةٍ ، لا يدركها العقلُ القاصر ، أو كلُّ ما يغيبُ كنهُه عن إدراكِ الحواس فهو غيرُ الله ، لأن الله ليس كمثله شيء ، وهذا هو الحدُّ الفاصل بين كل ما هو غلو أو عدمه ، وهذا هو التوحيدُ بأبسط أشكاله ، فالله في جانب وباقي الموجوداتِ والمخلوقاتِ والأشياء في جانب آخر ، حتى ولو كانت تُحيي وتُميت ، وتشفي المرضى ، وتنقل القصورَ بطرفة عين ، وترفعُ الجبال فوق الرؤوس ، وتقطعُ يدَ فلان وتصلُها ، وتقسمُ الشجرةَ وتُحركها ، أو كان صاحبُها حبيبَ الله أو كليمَه أو خليلَه أو روحَه أو يدَه أو وجهَه أو نورَه أو ولِّيَه ، أو أنه صار قاب قوسين أو أدنى ، أو أن حسابَ الناس بيده ، وإيابَهم إليه ، أو سُيِّرت له الرياحُ والجبال ، أو تعلقَ إيمانُ الناس بالإيمان به ، أو أنَّ علمَه لدنيٌ ، أو أنه تعلمَ علومَ الغيب .
وإن عدم فهمنا لكنه الملائكة والوحي والجن والشياطين ولآلية عذاب القبر وعوالم البرزخ أو استيعابنا لعالم الآخرة من جنة ونار وثواب وعقاب وكل ما يدخل في عالم الغيب _ مع وجوب الإيمان التام به _ لا يجعلنا نخلط بين هذه العوالم غير المحسوسة ، وغير المدرَكة بأفهامنا المحدودة وبين عالم الذات المقدسة الجليلة ، بحيث نُتَّهَم بأننا نغالي إذا آمنا بها وبما نسب إليها مما يفوق قدراتنا التصورية .
فكلُّ هذه المظاهرِ والصفاتِ والأشكالِ هي في ساحة الممكنات ، والتي هي ليست ساحةَ الله ، ساحةَ الواجب الوجود .
يقول أحد الشعراء ( والشعر مترجم عن الفارسية ) : " الفرق بين أحمدَ وأحد هو هذه الميم ، ولكن كلَّ العالم قد غرق في هذه الميم ، وهذه الميمُ هي ميمُ الممكنات " .
إننا وقبل مناقشة أية فكرة تختص بعالم الغيب أو عالم المعجزات أو عالم القدرات الفائقة لبعض البشر ، أو عالم الإمكانات والطاقات التكوينية لهم ، ولسائر الروايات المتحدثة عن مكانتهم وفضائلهم ، لابد وأن نكون قد أنهينا الخوض في مفهوم التوحيد ومتعلقاته ، ووضعنا تحته خطاً أحمر واضح الجلاء ، وبعده ننتقل إلى مناقشة أية فكرة أو رواية تندرج تحت تلك العناوين مناقشة العالم لا الجاهل ، المبنية على أسس علم الحديث المعروفة ، بعيداً عن الجحود والإنكار .
إنَّ كلَّ الذين يرفضون تلك العناوين والروايات بحجج مختلفة يجمعها مفهوم الغلوِّ بنظرهم ، قد وضعوا وفق تصوراتِهم تعريفاً ضيقاً ومحدوداً للذاتِ المقدسة ، الأمرُ الذي يجعلُهم يقفون أمام تلك الرواياتِ مشدوهي الفكر ، متحيري العقل ، فكيف نطابق بين فكرةٍ كبيرة وتعريفٍ صغير ، هذا الثوبُ لا ينسجم مع هذا البدن ، وهنا يُحيلون الأمرَ إلى إشكاليةِ الغلو ، هروباً من تخاذلِ أذهانهم أمام ضخامة الروايةِ أو المعتقد ...
لكن لو اتسع تعريفُهم إلى اللانهايات غيرِ الحسية ، ولو تجاوزَ المفاهيمَ اللغويةَ التعبيريةَ لوجدوا أن لا تضادَّ بين أن نؤمنَ بالله الذي ليس كمثله شيء ، ونُسَلِم بكلَّ ما هو غيرِ ذلك مما لا يدخل في حيز الإدراك ...
ولتقريب الفكرة سأطرح عدةَ أمورٍ نتقبلُها في حياتنا ولو أتانا شخصٌ لم يسمعْ بالإسلام ولا بالنبوةِ ولا بالقرآن ( طبعاً أصحابنا عندما يتحدث القرآن يسكتون صاغرين والهمهمات تعتلج صدورهم دون أن يستطيعوا تعليقاً ) ولا بأيةِ روايةٍ وتُطرحُ عليه نفسُ الأمورِ التي سأطرحها عليكم ويُحلِّلُها بنفس منهجِ أصحابنا فسيُفاجأ تماماً مثلما يتفَاجَأ أصحابُ ذلك المنهج ، ومن تلك الأمور : .........
يتبع ...


رد مع اقتباس