اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
[ المجلس التاسع ]
سار الحسين
حتى صار على مرحلتين من الكوفة ، فإذا بالحر بن يزيد في ألف فارس ، فقال له الحسين
: ألنا أم علينا ؟ فقال : بل عليك يا أبا عبد الله .
فقال
: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
ثم تردد الكلام بينهما حتى قال الحسين
: فإن كنتم على خلاف ما أتتني به كتبكم وقدمت به علي رسلكم ، فإني راجع إلى الموضع الذي أتيت منه ، فمنعه الحر وأصحابه ، وقال : بل خذ يا بن رسول الله طريقا لا يدخلك الكوفة ، ولا يصلك إلى المدينة لأعتذر إلى ابن زياد بأنك خالفتني في الطريق .
فتياسر الحسين
حتى إذا وصل إلى عذيب الهجانات ، فورد كتاب عبيد الله بن زياد لعنه الله إلى الحر يلومه في أمر الحسين ، ويأمره بالتضييق عليه ، فعرض له الحر وأصحابه ومنعوه من السير .
فقال له الحسين
: ألم تأمرنا بالعدول عن الطريق ؟ فقال له الحر : بلى ، ولكن كتاب الأمير قد وصل يأمرني فيه بالتضييق عليك ، وقد جعل علي عينا يطالبني بذلك .
فقام الحسين
خطيبا في أصحابه ، فحمد الله وأثنى عليه وذكر جده فصلى عليه ، ثم قال : إنه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون ، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها واستمرت هذاء ، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الأناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون إلى الحق لا يعمل به ، وإلى الباطل لا يتناهى عنه ، فليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا ، فإني لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما .
فقام زهير بن القين فقال : سمعنا يا بن رسول الله مقالتك ، ولو كانت الدنيا لنا باقية ، وكنا فيها مخلدين ، لآثرنا النهوض معك على الإقامة .
وقام هلال بن نافع البجلي فقال : والله ما كرهنا لقاء ربنا ، وإنا على نياتنا وبصائرنا نوالي من والاك ونعادي من عاداك .
وقام برير بن خضير فقال : والله يا بن رسول الله لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك ، وتقطع فيك أعضاؤنا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة .
ثم إن الحسين
ركب وسار - وكلما أراد المسير يمنعونه تارة ، ويسايرونه أخرى - وقد عظم رعب النساء ووجل الأطفال حينئذ بما لا مزيد عليه - حتى بلغوا كربلاء في اليوم الثاني من المحرم فسأل الحسين
عن اسم الأرض .
فقيل : كربلاء . فقال : اللهم إني أعوذ بك من الكرب والبلاء ، ثم قال : هذا موضع كرب وبلاء ، انزلوا ، هاهنا محط ركابنا ، وسفك دمائنا ، وهنا محل قبورنا بهذا حدثني جدي رسول الله
، فنزلوا جميعا ، ونزل الحر وأصحابه ناحية .
وجلس الحسين
يصلح سيفه ويقول :
يا دهر أف لك من خليل * كم لك بالأشراق والأصيل
من طالب وصاحب قتيل * والدهر لا يقنع بالبديل
وكل حي سالك سبيل ما * أقرب الوعد من الرحيل
إنما الأمر إلى الجليل
فسمعت أخته زينب فقالت : يا أخي هذا كلام من أيقن بالقتل .
فقال : نعم يا أختاه . فقالت زينب : واثكلاه ينعى الحسين إلي نفسه ، وبكى النسوة ولطمن الخدود ، وشققن الجيوب ، وجعلت أم كلثوم تنادي : وا محمداه وا علياه وا أماه وا أخاه وا حسناه وا ضيعتنا بعدك يا أبا عبد الله .
فعزاها الحسين
وقال لها : يا أختاه تعزي بعزاء الله فإن سكان السماوات يفنون ، وأهل الأرض كلهم يموتون ، وجميع البرية يهلكون .
وروي من طريق آخر أنها
لما سمعت مضمون الأبيات ، وكانت في موضع منفردة مع النساء والبنات خرجت حاسرة تجر ثوبها حتى وقفت عليه فقالت : واثكلاه ، ليت الموت أعدمني الحياة ، اليوم ماتت أمي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن ، يا خليفة الماضين وثمال الباقين .
فنظر إليها الحسين
وقال : يا أختاه ، لا يذهبن بحلمك الشيطان . فقالت : بأبي أنت وأمي أتستقتل نفسي لك الفداء .
فرددت عليه غصته ، وتغرغرت عيناه بالدموع ، ثم قال : ولو ترك القطا ليلا لنامة .
فقالت : يا ويلتاه ، أفتغتصب نفسك اغتصابا ، فذلك أقرح لقلبي ، وأشد على نفسي ، ثم أهوت إلى جيبها فشقته ، وخرت مغشيا عليها .
فقام
فصب عليها الماء حتى أفاقت .
نادت فقطعت القلوب بشجوها * لكنما انتظم البيان فريدا
إنسان عيني يا حسين أخي يا * أملي وعقد جماني المنضودا
إن تنع أعطت كل قلب حسرة * أو تدع صدعت الجبال الميدا
عبراتها تحيي الثرى لو لم تكن * زفراتها تدع الرياض همودا
نسألكم الدعاء
اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة