منتديات موقع الميزان - عرض مشاركة واحدة - الأنس بالله .
الموضوع: الأنس بالله .
عرض مشاركة واحدة

صفوان بيضون
أديب وشاعر
رقم العضوية : 6568
الإنتساب : Oct 2009
الدولة : دمشق العقيلة
المشاركات : 964
بمعدل : 0.17 يوميا
النقاط : 226
المستوى : صفوان بيضون is on a distinguished road

صفوان بيضون غير متواجد حالياً عرض البوم صور صفوان بيضون



  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي الأنس بالله .
قديم بتاريخ : 04-Apr-2010 الساعة : 06:31 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


أسرتي أسرة الميزان الغالية ..
هذه مقالة كتبها سماحة السيد عادل العلوي حفظه الله وألقاها في مدينة قم المقدسة بمناسبة مولد الإمام الحسن العسكري صلوات الله عليه ، أنقلها لكم على حلقات أتمنى الإفادة وأسألكم الدعاء .

=======================================

الاُنس بالله
المقدّمة (1) :

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمّد وآله الطاهرين . اللّهم أنطقني بالهدى وألهمني التقوى .
قال مولانا وإمامنا العسكري () :
( من استأنس بالله استوحش من الناس ) .
في رحاب ميلاد مولانا الإمام العسكري () اُقدّم أحرّ التهاني وأزكى التبريكات إلى مولانا وإمامنا الثاني عشر صاحب الزمان الحجّة بن الحسن () وأرواحنا فداه وعجّل الله فرجه الشريف وإلى الاُمّة الإسلامية ، والإخوة الحضور العلماء وأهل العلم الكرام بمناسبة ميلاد العسكري الأغر ، ونستلهم في هذه الليلة المباركة من روحه الزكية ونفسه القدسية بيان ما جاء في كلمته القصيرة ، الموجزة في الألفاظ ، العظيمة في المغزى والمحتوى والمعنى ، فإنّها وإن كانت مختصرة الحروف إلاّ أ نّها تحمل المعاني السامية والمفاهيم القيّمة ، فإنّ كلام الإمام إمام الكلام ، دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق . وكلام الأئمة الأطهار نور ، له بواطن ووجوه كما للقرآن الكريم ، كما ورد هذا المعنى في الأخبار الشريفة .
وأقصد من شرح الرواية التي تلوتها في مطلع الحديث ، فتح آفاق جديدة أمام طلبة العلوم ، ليفكّروا من بعد ويتعمّقوا وينظروا بكل دقّة في روايات أهل البيت () فكلّ كلمة منهم تحمل كتاباً قطوراً ، فإنّها كالبحر المتلاطم الأمواج بالعلم والمعرفة ، فيها الدرر الثمينة واللآلئ القيّمة ، يقف عليها من غاص في بحارها ، وأسبر في أعماقها .


بيان الحديث :

أمّا شرح الرواية الشريفة فعلينا أن نبيّن أوّلا كلماتها ومداليلها ، ثمّ ما تحمل الكلمات من المعاني التي يمكن أن تكون مقصودة ومرادة .
فقوله () : من أنس : ( من ) اسم موصول ويفيد العموم الشمولي وتكون القضية على نحو الموجبة والكلّيّة ، فمن استأنس أي كلّ واحد من الناس سواء كان مسلماً أو غير مسلم من الموحّدين المؤمنين إذا استأنس بالله ، كما أنّ الجملة ، جملة شرطية مرتّبة من فعل الشرط ( من أنس بالله ) وجزاءه ( استوحش من الناس ) .
ومفهوم الشرط المخالف : أنّه من لم يستأنس بالله لم يستوحش من الناس ، وعكسه : من أنس بالناس استوحش من الله ، ويجعلون أصابعهم في آذانهم ، لكي لا يسمعوا ذكر الله وكتاب الله جلّ جلاله ، ويقولون هذا سحرٌ مبين ، فيأنسون بالملاهي ومجالس البطّالين ، ويستوحشون من المساجد ومجالس العلماء ومجالس التوّابين والمؤمنين ، ويتّهمونهم بالرجعيّة والتخلّف والانحطاط ، وأنّه أراذل القوم اتّبعوا الأنبياء .
وأمّا هم فمن الأثرياء ، يحملون الشهادات العليا ، ومن المثقّفين المتحضّرين ، فأنسوا بالناس واستوحشوا من الله ، وأين المفرّ من حكومة الله وسطوته وقدرته وسمعه وبصره ، وهو العليم الخبير . واستأنس : مشتق من الأنس والاُنس غريزة من غرائز الإنسان ، والغرائز حالات روحية ، لها جذور ثابتة في نفس الإنسان وباطنه ، تظهر في ضميره اللاشعوري ، على نحو الحاجة وتطالب إشباعها ، وهي التي تدفع الإنسان نحو حياة أفضل ، ولا تفتقر في تعليمها إلى معلّم ، إنّما هي إدراكات باطنية تختلف ضعفاً وقوّة طيلة مراحل حياة الإنسان ، وتبقى أصالتها مغروزة في وجود الإنسان ، ولا تختصّ بشعب دون شعب ، وبقوم دون قوم ، وبجغرافية وعصر خاص ، إنّما هي مع الإنسان منذ نعومة أظفاره في كلّ عصر ومصر ، تدرك أهدافها التي هي أهداف الحياة ، ولكن لا ندري كيف ترضي حاجتها وتشبع رغبتها ، ولا تدري ما هي مصاديقها إنّما البيئة والمحيط لما فيه من الجاذبيات ، يهديها ويرشدها إلى الخير أو الشرّ ، مثلا غريزة الجوع ، فالإنسان بهذه الغريزة يفهم ويدرك أنّ عليه أن يتغذّى ويأكل ويسدّ جوعه ويقوّي بدنه ، ولكن لا يدري من أيّ غذاء يأكل وكيف يأكل وكم مرّة يأكل ؟ فالمحيط يقدّم له الأكل ويعلّمه كيف يأكل وكم مرّة ، فالإنسان قبل حاجته إلى معلّم يعلّمه العلوم والفنون ويشبع فكره ، فإنّه يحتاج إلى مربٍّ ومعلّم يهدي غرائزه ، فإنّ الغرائز جذور حركة الإنسان من أجل حياة أفضل .
وغريزة الاُنس هي من الغرائز ، وهي جذر الحياة الاجتماعية ، ويقال : الإنسان اشتقّ من الاُنس ، إذ يألف بالآخرين ويأنس بمحيطه ، ويبحث عن مجتمع يحكمه الاُنس الجماعي ، فيطالب بحكومة العدل والعلم والفلاح والصلاح ، يطالب من يحترم شخصيّته ، ولا يقيسه بالقرد والفأرة كما في المذهب الرأسمالي ، ولا بآلة ماكنة كما في المذهب الاشتراكي .
ويقابل الاُنس التوحّش والفرار ، مقابلة الملكة وعدمها ، فمن يأنس بشيء يفرّ من ضدّه ، والضدّان لا يجتمعان .
( من استأنس بالله ) : الله : اسم علم وضع للذات ، واجب الوجود لذاته ، مستجمع جميع الصفات الكمالية ، من الجمال والجلال ، فهو المطلق في العلم والقدرة والحياة وجميع صفات الكمال ، كما ينزّه عن الجسم والحلول والإمكان وجميع القبائح والنقص ، فهو الواحد الأحد الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد ، له الأسماء الحسنى والصفات العليا .
( استوحش ) : تعرف الأشياء بأضدادها فإذا عرفنا معنى الاُنس عرفنا ضدّه ، وهو الوحشة ، فمن يستأنس بشيء يستوحش من غيره ، كما يستوحش من فقده ، فالوحشة عبارة عن الاضطراب الباطني .
( من الناس ) : من بيانية ، والناس جمع محلّى بألف واللام يفيد العموم فمن يستأنس بالله ، فإنّ لازمه الطبيعي أن يستوحش من الناس ، هذا ما قاله الإمام الحسن العسكري () ، وأمّا برهانه وأدلّته ولوازمه . فهذا ما سنذكره .

==============
القي مضمون هذه الرسالة كمحاضرة في مجمع من أهل العلم في منتدى اللبنانيين في مدينة قم المقدسة ، ليلة ذكرى ميلاد الإمام الحسن العسكري () عام 1412 هجرية ( 8 ربيع الثاني ) . وأغلب مصادر الأحاديث عن موسوعة ( ميزان الحكمة ) وبعض الكلام إنّما هو مستلّ من الروايات الشريفة .
... يتبع ...


رد مع اقتباس