منتديات موقع الميزان - عرض مشاركة واحدة - الأنس بالله .
الموضوع: الأنس بالله .
عرض مشاركة واحدة

صفوان بيضون
أديب وشاعر
رقم العضوية : 6568
الإنتساب : Oct 2009
الدولة : دمشق العقيلة
المشاركات : 964
بمعدل : 0.17 يوميا
النقاط : 226
المستوى : صفوان بيضون is on a distinguished road

صفوان بيضون غير متواجد حالياً عرض البوم صور صفوان بيضون



  مشاركة رقم : 4  
كاتب الموضوع : صفوان بيضون المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي الأنس بالله (4) .
قديم بتاريخ : 07-Apr-2010 الساعة : 04:29 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


الاُنس بالله
الحلقة (4)

متابعة لوازم الاُنس الإلهي :

6ـ الأهلية :

المستأنس بالله يكون من أهل الله ومن حزب الله ، فإنّ لازم الاُنس الأهليّة ويقابلها التوحّش ، كما يقال : حيوان أهلي وحيوان وحشي .
فمن أنس بالله وكان من أهل الله ، إنّما يستأنس كلّ ما عليه اسم الله ، إذ حينما يأنس بالله في سرّه وباطنه ، ويتجلّى هذا الاُنس الباطني على سلوكه وأفعاله وحركاته وسكناته ، فإنّه يأنس بمجالس الله ، ويأنس بمحبّي الله وعشّاقه ، يأنس بالمؤمنين ، ويستوحش في باطنه من الناس ، كما يفرّ من معاشيقهم ، فإنّهم إذا أحبّوا الدنيا والمال والبنون ، ونسوا الله فأنساهم أنفسهم ، فغفلوا عن ذكر الله ، والمستأنس بالله يخاف على نفسه أن يغفل بغفلتهم ، فيفرّ ويستوحش منهم ، يستوحش من مجالس البطّالين ، وإذا زال قدمه في سيره إلى الله ، واذا اُحيل بينه وبين خدمته لله يعاتب نفسه ، ويذكر نقاط الضعف في حياته ، ويناجي ربّه في ظلم الليل ودياجي الأسحار والدموع تسيل على وجنتيه ، رافعاً يده وناصباً وجهه إلى الله ، صارخاً ناحباً :
ما لي كلّما أقول قد صلحت سريرتي وقرب من مجالس التوّابين مجلسي ، عرضت لي بلية أزالت قدمي وحالت بيني وبين خدمتك ؟
سيدي لعلّك عن بابك طردتني ، وعن خدمتك نحّيتني ، أو لعلّك رأيتني مستخفّاً بحقّك فأقصيتني ـ أي أبعدتني عنك ـ أو لعلّك رأيتني معرضاً عنك فقليتني ـ أي أنكرتني ورفضتني ـ أو لعلّك وجدتني في مقام الكاذبين فرفضتني ، أو لعلّك رأيتني غير شاكر لنعمائك فحرمتني ، أو لعلّك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني ـ فمن لم يحضر مجالس العلم ليتعلّم وليعمل بعلمه ، فإنّه يصاب بخذلان الله ، وكيف للمخذول أن يسير إلى الله وأن يخدم ربّه ؟ ـ أو لعلّك رأيتني في الغافلين فمن رحمتك آيستني ، أو لعلّك رأيتني آلف مجالس البطّالين ـ فإنّ الإنسان لما يحمل من النفس الأمّارة وعدم تهذيبها وتزكيتها فإنّه يألف ويأنس بمجالس البطّالين أي الباطل العاطل ، ومن ثمّ يستوحش من مجالس العلم والذكر ومجالس المؤمنين المتّقين ، فلعلّك يا إلهي وجدتني ورأيتني آلف مجالس البطّالين ـ فبيني وبينهم خلّيتني ـ وجعلت بيني وبينهم الصداقة والخلّة والاُنس بهم ـ وأمثالها توجب عروض البلايا والمصائب التي تحول بين الإنسان وبين ربّه ، وتزيل القدم عن السير والسلوك ، ويطرد عن باب الله ، وينحّى عن الخدمة الإلهية .
فكيف لمن أنس بالله لم يستوحش من الناس ؟
المؤمن بالله يأنس ويألف بكل ما فيه اسم الله سبحانه ، وذكر عليه اسم الله ، وتصبّغ بصبغة الله ، وتقوّل بقول الله ، إذ من أصدق من الله قيلا ، ومن أحسن من الله صبغةً ، فيأنس بمجالس العلماء والمحبّين وعشّاق الله ، يأنس بكتاب الله وتلاوته ، يأنس بسنن وآداب أنبياء الله وأوصيائهم ، ويستوحش ممّـا في أيدي الناس ، فإنّ من أنس بالله ، استوحش من الناس ، كما قالها الإمام العسكري () .

7ـ التكامل :

الإنسان منذ نعومة أظفاره يسعى وراء كماله ، وكما يتكامل في طبيعته من عالم النطفة إلى العلقة وإلى المضغة ، وحتّى الولادة ثمّ الصبا ثمّ المراهقة والشباب والكهولة ، كذلك يتكامل في روحه ونفسه الناطقة وعقله ومعنوياته ، والعالم كلّه في السير التكاملي ، وفي حركة العشق الجوهري والحبّ إلى المبدأ الأوّل ، والإنسان الذي انطوى فيه العالم الأكبر ، في حركته الجوهرية يتكامل حتّى يصل إلى قاب قوسين أو أدنى ، وإلى الله المنتهى ، وإلى ربّك يومئذ المساق .
فمن أنس بالله فإنّه يتكامل في جميع أبعاد حياته ، إذ ربّه وأنيسه هو الكمال المطلق ، وهو مطلق الكمال ، ولا يعلم ما هو إلاّ هو جلّ جلاله ، والمستأنس والمحبّ يحاول أن يتشبّه بمحبوبه في صفاته وأسمائه ، ومن ثمّ يكون مرآة تتجلّى فيه صفات المحبوب والمعشوق ، ويكون الإنسان مظهراً لأسماء الله وصفاته الحسنى ، فيصل إلى غاية خلقته من طريق العبادة والإخلاص ، فما خلق الله الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون ، أي ليعرفون ، فيحبّون ويأنسون بالله ، وما عليه اسم الله ـ فإنّ ما عليه اسم الله يكون فيه الحياة ويوجب الحياة ، وما لم يذكر عليه اسم الله يكون ميّتاً ويوجب الموت كما في الذبائح ـ ويستوحشون من الكفر ويكرهون المعاصي ويفرّون ممّـا في أيدي الناس من معاشيق الجهل ومصاديق الظلم ومعنويات الفسق .
وفلسفة الحياة وسرّ الخلقة هو التكامل من طريق العبادة المتبلورة بالمعرفة والعلم والرحمة ، وإنّما يكون تكامل الإنسان في حركات ثلاثة : التفقّه في الدين ( الحركة العلمية ) والصبر على النائبة ( الحركة الأخلاقية ) والتقدير في المعيشة ( الحركة الاقتصادية ) كما ورد ذلك في كثير من الروايات الشريفة(6) .
فالمستأنس بالله تراه في نهاره وليله يطلب كماله ، وهو في حركات دؤوبة ومتواصلة ، فيستوحش عن السكون حتّى لا يكون كالماء الراكد ، فإنّه وإن كان عذباً وحلواً في بدايته ، ولكن بعد ركوده يسنّ وينتن ويتبدّل إلى ماء عفن ، فلا بدّ من الجريان حتّى الوصول إلى البحر الموّاج .
فالمؤمن المستأنس بحبّ الله في شغل مستمرّ بذكر الله وتكميل أبعاده الإنسانية ، والوصول إلى ما هو المقصود من خلقته ، ومثل هذا كيف لا يستوحش ممّن انهمك في الملاذّ والشهوات ، وغرّته الحياة الدنيا ، ونسي الله فنسي نفسه ، ولا يدري لماذا خلق ؟ وما المقصود من خلقته ؟ وهو كحمار الطاحونة معصّب العين ، ومن الصباح إلى الليل يدور حول نفسه ، وما أن يفتح عينيه حتّى يرى نفسه ، لا زال في موقفه الأوّل ، فيقع كالخشبة الهامدة يغطّ في نومه حتّى اليوم الثاني ، وهكذا تنقضي أيامه ولا زال حماراً لا يعقل .
وكثير من الناس كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا في عبادتهم الأصنام والحيوانات والأهواء والدنيا وانغمارهم في مظاهرها الدنيّة ، والتكالب على جيفتها القذرة ، فكيف المستأنس بالله الكمال المطلق ، لا يستوحش من الناس مظاهر النقص والانحطاط والابتذال والاضمحلال الخلقي والإنساني ؟ ! !
ثمّ رددناهم في أسفل السافلين ، لهم قلوبٌ كالحجارة أو أشدّ قسوة فلا يعقلون بها ، ولهم آذان لا يسمعون بها ، خسروا الدنيا والآخرة ، وذلك هو الخسران المبين .

8ـ التقرّب والوصال :

من أنس بالله فإنّه يحسّ في كلّ وجوده إنّه يتقرّب إلى خالقه وأنيسه ، ويدرك لذّة الوصال في حياته وبعد مماته ، ويخاف على نفسه أن ينقطع منه حبل الوصال ، فيستوحش من اُولئك الذين يحجبونه عن مؤنسه ، فيعاشر من يذكّره الله رؤيته ، ويزيد في علمه منطقه ، ويرغّب في الآخرة عمله ، ويقطع مع الجاهل ومع من لم يحمل هذه الصفات ، إذ قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل ، كما ورد في الخبر الشريف ، فمن أنس بالله تعالى استوحش عن مثل هؤلاء الناس الغافلين الساهين الناسين .
إنّ موسى بن عمران () لمّـا ناجى ربّه عزّ وجلّ ، قال : يا ربّ أبعيد أنت منّي فأُناديك ، أم قريب فاُناجيك ؟ فأوحى الله جلّ جلاله : أنا جليس من ذكرني .
قال موسى : يا ربّ أقريب أنت فاُناجيك ؟ أم بعيد فاُناديك فإنّي اُحسّ صوتك ولا أراك ، فأين أنت ؟ فقال الله : أنا خلفك وأمامك وعن يمينك وعن شمالك ، يا موسى أنا جليس عبدي حين يذكرني ، وأنا معه إذا دعاني ، ذاكر الله مجالسه .
فالمستأنس همّه أن يتقرّب إلى ربّه ويصل إلى معبوده ، فلا تراه إلاّ مشتغلا بذكره وعبادته ، حتّى ينبهر بجماله ، وينصهر في كماله ، ويفنى في أسمائه ، ويذوب في صفاته ، وينزعج ويتألّم من كلّ ما يشغله عن ذكره واُنسه بالله ، فكيف لا يستوحش من الناس .
دخل تلميذ على شيخه العارف بالله فقال له : أراك وحيداً ؟ فقال العارف : بدخولك أصبحت وحيداً ، إذ كنت اُناجي ربّي فقطعت مناجاتي ...

(6) ذكرت تفصيل ذلك ومصدر الرواية في رسالة ( سرّ الخليقة وفلسفة الحياة ) ، فراجع .
... يتبع ...

رد مع اقتباس