|
مشرف سابق
|
|
|
|
الدولة : دمشق جوار السيدة زينب عليها السلام
|
|
|
|
المستوى :
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
رياض ابو طالب
المنتدى :
ميزان الكتب والمكتبات والأبحاث الدينية والعلمية
بتاريخ : 10-May-2010 الساعة : 01:34 AM

اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
السلام عليكم
القصة السابعة * دجاجة مشوية تبيض *
كان في قديم الزمان على طريق الهند - بغداد - منزل ينزله المسافرون، ليضعوا عنهم عناء السفر فيه ساعات معدودة.. وأيضا يأكلون ويشربون فيه، ليكملو فيما بعد سفرهم.. فكان يأتي صاحب المنزل إلى المسافرين بما يشتهون، ويقدم لهما ما عنده من الطعام والشراب.. وفي ليلة من ليالي الشتاء الطويلة، قصد هذا المنزل مسافر معه بضاعة، جاء بها من الهند ليبيعها في بغداد، وبعد أن أودع المسافر متاعه عند صاحب المنزل، وخلع ملابسه ليستريح، سأله صاحب المنزل : ماذا تشتهي من الطعام؟..
قال : إني جائع جدا، إئتني بما عندك، فإني قاصد بغداد في الغد صباحا.
قال : عندنا دجاجة مشوية، حشوناها بالبيض، لتكون لذيذة ومقوية ؛ فهل تحب أن آتيك بها؟..
قال المسافر : نعم، هاتها سريعا ؛ فإني جائع جدا.
وبعد دقائق حضر الطعام، وأكل المسافر بشهية لا توصف، ثم ذهب إلى المكان المعد لاستراحته، فما وضع رأسه على الوسادة، حتى أخذه ال فنام سريعًا، وأخذ التعب يجر أذياله بهدوء عن بدنه.
ولما استيقظ صباحا مبكرا، توضأ ثم توجه إلى القبلة ليصلي صلاة الصبح، وبعد صلاة الصبح حمد الله - تعالى - على أن رزقه يوما جديدا إلى عمره، ليرى العالم ويتزود إلى آخرته.. ثم ألقى ببصره إلى صاحب المنزل، بحث عنه فلم يجده.. دقق النظر وكرر الطلبب عنه، فلم يعثر عليه.. ثم ذهب إلى محل استراحة صاحب المنزل، فلم يسمع حسيسا، ولم يجد فيه أحدا.. فلم يجد بدّا من مناداته، ناداه بصوت عال.. فإذا بالصدأ يرجع إليه بالخيبة.
إنه لابد من الحركة باتجاه بغداد وبأسرع وقت ممكن ؛ خوفا من مشاكل الطريق التي لم يحسب لها أحد حسبانا.. ومن جهة أخرى يريد أداء ثمن عشاء ه ومنامه إلى صاحب المنزل، ليخرج عن ذمته.. فكم يجب عليه أن يدفع؟.. وهل يمكنه الانتظار أكثر أم لا؟.. لا يعلم أحد ذلك ؛ لأنه لا أحد يجيب نداء ه.
وأخيرا صمم على الرحيل، لكنه كان ينوي أداء ثمن صاحب المنزل عند عودته من بغداد.. ذهب مسافرنا متوجها نحو بغداد، فلما نزلها مكث فيها أشهرا، تمكن خلال المدة التي مكث فيها من بيع متاعه، ثم اشترى بثمنه متاعًا آخر ليتجر به، وكان على أهبة الاستعداد للعودة إلى وطنه.
وذات يوم توجه إلى بلاده، فوصل إلى موضع محط الرحال - أي المنزل الذي نزل فيه قبل سنة - فلما دخل، لم يكن صاحب المنزل يعرفه.. فتعشى تلك الليلة، وذهب إلى فراشه لينام على أمل ان يدفع الدين الذي في ذمته عند الصباح.. فلما أصبح صلى صلاة الصبح، ثم توجه إلى غرفة صاحب المنزل ليدفع له ثمن مبيته ومأكله، لكنه صادفه في الطريق، فقال له : كنت ضيفك في السنة الماضية، حيث كان طريقي من هنا، فنزلت عندك، وكان لك في ذمتي مبلغ، أريد أن أدفعه إليك.
فسأله صاحب المنزل وهو متعجب : وعن ماذا؟..
تبسم المسافر، ثم أخذ يقص عليه خبر مبيته في العام الماضي.. كان صاحب المنزل رجلا محتالا، وفي الوقت نفسه في غاية الجشع والطمع.. وهذه فرصة ثمينة، لم يرد التفريط فيها.. فكر مع نفسه قليلا، فخطر بباله أن هذا المسافر، يمكنه دفع ثمن باهظ إزاء مبيته فطمع فيه، فقال بعد هنيئة : إن عليك أن تؤدي ألف دينار في هذا الوقت.. ثم استأنف كلامه بلين ولطف قائلا : طبعا إني احتطت كثيرا في ذكر هذا المبلغ وضبطه، فإني أخاف أن أكون مدينا للآخرين.
بهت المسافر لما سمع بهذا المبلغ، واذا به صاح بصوت عال : ماذا تقول؟.. ألف دينار!.. هل جننت؟..
قال صاحب المنزل : لا تغضب، فإني حسبت حسابا دقيقا.. فإن أحببت أخبرتك كيف بلغ حسابك ذلك؟..
قال المسافر : قل!.. فإني أذن صاغية لما تقول.
قال صاحب المنزل : هل جئت في العام الماضي إلى هنا، وأكلت دجاجة فيها ستة بيضات، أم لا؟..
قال : نعم.
قال : لو كانت تلك الدجاجة حية، وكنت قد وضعت تلك البيضات الستة تحتها، لخرج من كل بيضة فرخ صغير.. ثم إني لو جعلت تحت تلك الفراخ الست بعد أن يكبرن ستة بيضات أخرى.. وهكذا أكرر ذلك إلى هذا اليوم، لكان عندي عددا من الدجاج، ما يبلغ قيمته ألف دينار.. ثم جدد صاحب المنزل أنفاسه وقال : هل عرفت الآن ما تلطفت به عليك، فإني لم آخذ منك أجرة مبيتك، وطعامك لهذه المرة.
قال المسافر - بعد سكوت طويل - بصوت عال : إنك حقا لمجنون!..
ازداد الشجار والخلاف بين المسافر وصاحب المنزل، ووصل حدًا ارتفعت فيه أصواتهما، واجتمع حولهما جماعة من المسافرين.. وكلما حاول المسافرون حل النزاع بينهما، لم يتمكنوا من ذلك.. وأخيرا اتفقوا على أن يذهبوا إلى سيد قوم ذلك المكان، ويأتوا به ليحل النزاع.
وبعد مدة يسيرة جاء سيد القوم، واستمع دعوى المسافر وصاحبه.. لكنه وعلى خلاف ما كان يتوقع الكثير من الحاضرين، حكم لصاحب المنزل!.. وقال للمسافر : أعطه الألف دينار.
ولمّا علم المسافر أن بعناده لا يتمكن من حل النزاع فقط، بل يمكن أن ينجر أمره إلى ضربه وإهانته.. حينئذ نكس رأسه إلى الأرض، وانصرف مفكرا في عاقبة أمره، وهو يقول : إلهي، أعني!..
كلنا يعلم أن الله - تبارك وتعالى - لا يترك من توسل إليه عند حاجته، بل يدبر أمره حيث شاء.. من هنا اعترض المسافر الذي كان غارقا في التفكير، رجل وقال له : إني أعرف رجلا يمكنه أن يخلصك من ورطتك.. رفع المسافر رأسه وقال : أين هو؟..
قال : إنه في بغداد، قريب من هذا المكان.. فإني عازم على الذهاب إلى بغداد، لأجيء به إلى هنا.
ظل المسافر ينتظر من يأتي ويحل مشكلته، فإنه ليس هناك طريق سوى الصبر. ذهب هذا الرجل، ووعد المسافر بالرجوع في أقرب فرصة ممكنة، ومن ثم ركب فرسه وتوجه نحو بغداد مسرعًا.
ولما وصل بغداد سأل عن بهلول، فقيل له : إنه في المسجد، دخل المسجد وسلم على بهلول، ثم قص عليه خبر المسافر المسكين.
استأجر الرجل لبهلول فرسا، واستصحبه إلى موضع المنزل المذكور.. فسار سيرا حثيثا، حتى وصلا قريبا من المنزل، قال بهلول للرجل : انزل واذهب مسرعًا، ثم قل لهم : بأن قاضي بغداد في الطريق، وقد وعدني بالمجيء عن قريب.
نزل الرجل وفعل ما أوصاه بهلول به، فأخذ الحاضرون ينتظرون قدوم القاضي.. لم يمض وقت طويل على مجيء القاضي، الذي لم يكن سوى بهلول.. وحيث أن أحدا من الحاضرين لم يكن يعرف بهلول، لم يحصل الشك لأحد أنه هو القاضي حقا أم لا!..
ولما دخل بهلول، استقبله سيد القوم، وصاحب المنزل، وادخلوه معززا محترما إلى المنزل.. ولما جلس بهلول في الموضع الذي أعدوه له قال : قصوا الخبر، فإني عازم على العودة إلى بغداد سريعا، لقضاء ما ينتظرني من أعمال.
تكلم صاحب المنزل، وشرح الحال بسرعة، ثم قال : فهل يعطيني حضرة القاضي في الحق في ذلك أم لا؟..
تنفس بهلول نفسا عميقا، ثم قال : إني أعتذر منكم جميعا، خصوصا من سيد القوم، وكذلك من صاحب المنزل.
قال سيد القوم وصاحبه : لماذا يا حضرة القاضي؟..
قال بهلول : أعتذر من التأخير في المجيء، فإني إضافة إلى عمل القضاء، مشتغل بعمل الزراعة، وقبل أن آتيكم بساعة جاء ني عمال مزرعتي، وطلبوا مني بذرا ليزرعوا القمح.. وحيث أني كنت قد سمعت أن بذر القمح، لو فار بالماء الحار يزرع ثم يعطي ثمرا كثيرا، فاشتغلت بوضع القمح بالماء الحار، ولذلك فاني أعتذر من التأخير.
ضحك سيد القوم مما سمعه من بهلول، وقال في نفسه : إنه لقاض مجنون، إذ هل يمكن وضع بذر القمح في الماء الحار وتفويره!..
وضع صاحب المنزل - الذي أصابه الدوار في رأسه - يده على شاربه وقال : إن هذا لشيء عجاب!..
قال بهلول : كلا!.. كلا!.. لا عجب في مثل بلد تحتضن دجاجة مشوية البيض، ثم يخرج بعد ذلك منها الفراخ.. فلا عجب إذن من بذر القمح، الذي يفور بالماء الحار، أن يعطي ثمرا!..
فلما سمع الحاضرون جواب بهلول، أعطوا الحق للمسافر، وخاف سيد القوم أن ينكشف أمره بتآمره مع صاحب المنزل، وحاول أن يدفع عن نفسه الشبهة، فقال : الحق مع القاضي، إذ كيف يمكن للدجاجة المشوية، أن تحتضن البيض، ويخرج منها فراخًا؟!..
نكس صاحب المنزل رأسه إلى الأرض من دون أن يتفوه بشيء، وبذلك تخلص المسافر المسكين من هذه الورطة، ودفع ثمنا يسيرا إزاء مبيته وعشائه.
ثم توجه بهلول إلى بغداد راجعًا.. وكان في ذلك عبرة ودرس، لكل من وسوست له نفسه بخداع الآخرين من المغفلين.
|
|
|
|
|