منتديات موقع الميزان - عرض مشاركة واحدة - إستراتيجية الصلح عند الإمام الحسن صلوات الله عليه
عرض مشاركة واحدة

عاشقة حيدر
الصورة الرمزية عاشقة حيدر
عضو مميز
رقم العضوية : 5572
الإنتساب : Jul 2009
الدولة : جنوب لبنان
المشاركات : 55
بمعدل : 0.01 يوميا
النقاط : 194
المستوى : عاشقة حيدر is on a distinguished road

عاشقة حيدر غير متواجد حالياً عرض البوم صور عاشقة حيدر



  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي إستراتيجية الصلح عند الإمام الحسن صلوات الله عليه
قديم بتاريخ : 07-Sep-2010 الساعة : 12:55 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم و إلعن أعداءهم أجمعين


استراتيجية الصلح عند الامام الحسن صلوات الله عليه

قبل التحدث عن مبرّرات صُلح الإمام الحسن ( ) لا بد من توضيح معنى الاستراتيجية ، وقد شاع تعريفها على أنها : ( فن توظيف عناصر القوة للأمّة أو الأمّم ، لتحقيق أهداف الأمّة ، أو التحالف في السلم والحرب ، وهو أيضاً فن القيادة العسكرية في ساحة المعركة ) .

لماذا الصلح ؟

قَبِل الإمام الحسن ( ) الصلح مع معاوية للأسباب التالية :

السبب الأول :

إن نظرة أهل البيت ( ) إلى الحكم كانت تنبع من أنه وسيلةً لتحقيق قيم الرسالة .

فإذا مالَ الناس عن الدين الحق ، وغلبَت المجتمع الطبقات الفاسدة ، وأرادت تحويل الدين إلى مطية لمصالحهم اللاَّمشروعة .

فليذهب الحكم إلى الجحيم ، لتبقى شعلة الرسالة متّقدة ، ولتصب كلُّ الجهود في سبيل إصلاح المجتمع أولاً ، وبشتى الوسائل المُتاحة .

وقد أشار الإمام علي ( ) عن أسلوب الحكم قائلاً : ( والله ما معاوية بأدهى منِّي ، ولكنه يغدر ويفجر ، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس .

ولكن كلّ غُدرة فُجرة وكلّ فُجرة كُفرة ، ولكلِّ غادرٍ لواءٌ يُعرف به يوم القيامة ، والله ما استُغفِل بالمكيدة ، ولا استُغمِز بالشديدة ) .

أما عن نظرته ( ) إلى الحكم ذاته ، فقد رُوي عن عبد الله بن العباس أنه قال : دخلت على أمير المؤمنين ( ) وهو يخصف نعله ، فقال ( ) لي : ( مَا قِيمَة هذا النعل ) ؟

فقلت : لا قِيمَة لها .

فقال ( ) : ( والله لَهِيَ أحبُّ إليَّ من إمرتكم ، إلاَّ أن أُقيم حقّاً أو أدفع باطلاً ) .

السبب الثاني :

لقد عاش الإمام الحسن ( ) مَرحلة هبوط الروح الإيمانية عند الناس ، وبالذات في القبائل العربية التي خرجت من جَوِّ الحجاز ، وانتشرت في أراضي الخير والبركات ، فنسيت رسالتها أو كادت .

فهذه كوفة الجند التي تأسست لتكون حامية الجيش ، ومنطلقاً لفتوحات المسلمين الشرقية ، أصبحت اليوم مركزاً لصراع القبائل ، وتسيس العسكر ، وأخذ يُتبَع من يُعطِي أكثر .

فبالرغم من وجود قبائل عربية حافظت على ولائها للإسلام والحق ، ولخط أهل البيت ( ) الرسالي ، إلاَّ أنَّ مُعظم القبائل التي استوطَنَت أرض السواد حيث الخصب والرفاه بدأت تبحث عن العطاء .

حتى أنَّهم تفرّقوا عن القيادة الشرعية ، وبدأوا يراسلون المتمردين في الشام حينما عرفوا أنَّ معاوية يبذل أموال المسلمين بلا حساب .

بل إنَّك تجد ابن عمِّ الإمام الحسن ( ) عبيد الله بن العباس قائد قوَّات الطليعة في جيشه ( ) يلتحق بمعاوية طَمَعاً في دراهمه ، البالغة مليون درهمٍ .

ونجد الكوفة تَخون مرة أخرى الإمام الحسين ( ) ، حينما يبعث إليهم ابن عَمِّه مسلم بن عقيل ، فيأتيهم ابن زياد ويمنِّيهم بأن يزيد في عطائهم عشرة .

فإذا بهم يميلون إليه ، ويُقاتلون سِبط رسول الله وأهل بيته ( صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ) بِأبْشَع صورة .

ودون أن يسألوا ابن زياد عمَّا يعنيه بكلمة ( عشرة ) ، فإذا به يزيد في عطائهم عشرة تُميرات فقط ، ولعلَّهم كانوا يمنون أنفسهم بعشرة دنانير .

لقد تعبت الكوفة من الحروب ، وبدأت تفكر في العيش الرغيد ، وغاب عنهم أهل البصائر الذين كانوا يحومون حول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( ) ، ويذكِّرون الناس باليوم الآخر ، ويبيِّنون للناس فضائل إمامهم الحق .

لقد غاب عنهم اليوم عمَّار بن ياسر الذي كان ينادي بين الصفيْن في معركة صِفِّين : الرواحَ إلى الجنة .

ومالك الأشتر الذي كان لعليٍ ( ) مثلما كان عليٌّ لرسول الله ( ) بطلاً مقداماً ، وقائداً ميدانيّاً مُحنَّكاً .

وغاب ابن التيهان الذي يعتبره الإمام علي ( ) أخاً له ، ويتأوَّه لغيابه .

بلى ، لقد غاب أهل البصائر من أصحاب الرسول ( ) وأنصار علي ( ) ، الذين كان أمير المؤمنين ( ) يعتمد عليهم في إدارته للحروب .

وغاب القائد المقدام ، البطل الهمام ، الإمام علي ( ) أيضاً ، بعد أن أنهى سيف الغدر حياته الحافلة بالأسى .

فإنه ( ) كان قد صعد المنبر قبيل استشهاده ، وقد نشر المصحف فوق رأسه ، وهو يدعو ربّه ويقول : ( مَا يُحبَس أَشقاكم أن يَجيء فيقتلني ، اللَّهُمَّ إني قد سئِمتُهم وسئِمُوني ، فأَرِحْهم منِّي ، وأَرِحْني مِنهم ) .

وبالرغم من أن الإمام عليّاً كان قد جهَّز جيشاً لمقارعة معاوية قبيل استشهاده ، وهو ذلك الجيش الذي قاده من بعده الإمام الحسن ( ) .

إلاَّ أنَّ خَور عزائم الجيش ، واختلاف مذاهبه ، وخيانة قُوَّاده ، كان كفيلاً بهزيمته ، حتى ولو كان الإمام علي ( ) هو الذي يقوده بنفسه .

إلاَّ أن التقدير كان في استشهاد البطل ، وأن يتمَّ الصلح على يد نَجلِه العظيم الذي أخبر الرسول ( ) ، أنَّ الله سوف يُصلح به بين طَائِفَتين من أُمَّته .

ويشهد على ذلك ما جاء في حديث مأثور عن الحارث الهمداني ، قال : لما مات علي ( ) جاء الناس إلى الحسن ( ) وقالوا : أنت خليفة أبيك ووصيِّه ، ونحن السامعون المطيعون لك ، فمرنا بأمرك .

فقال ( ) : ( كَذبتُم ، والله ما وفيتُم لِمَن كان خيراً منِّي ، فكيف تَفُون لي ؟ ، وكيف أطمئنُّ إليكم ولا أثق بكم ؟ إن كنتُم صادقين فموعدٌ ما بيني وبينكم مُعَسكر المدائن ، فَوافوا هناك ) .

وماذا كان يمكن للإمام الحسن ( ) أن يصنعه في مثل هذه الظروف المعاكسة ؟ فهل يسير في جيشه بسيرة معاوية ، ويوزع عليهم أموال المسلمين ، فمن رغب عنه عالجه بالعسل المسموم ؟

أم يسير ( ) بسيرة أبيه حتى ولو كلَّفه ذلك سُلطته .

لقد ترك ( ) السلطة حين علم بأنها لم تعد الوسيلة النظيفة لأداء الرسالة ، وأن هناك وسيلة أفضل وهي الإنسحاب إلى صفوف المعارضة ، وبَثِّ الروح الرسالية في الأمّة من جديد ، عبر تربية القيادات ، ونشر الأفكار ، وقيادة المؤمنين الصادقين ، المعارضين للسلطة ، وتوسيع نطاق المعارضة ، وهكذا فعل ( ) .

السبب الثالث :

إن شروط الصُلح التي أملاها الإمام ( ) على معاوية ، وجعلها مقياساً لسلامة الحكم ، تشهد على أنه ( ) كان يخطط لمقاومة الوضع الفاسد ، ولكن عبر وسائل أخرى .

لقد جاء في بعض بنود الصُلح ما يلي :

1 - أن يعمل معاوية بكتاب الله وسُنَّة رسوله ، وسيرة الخلفاء الصالحين .

2 - ليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهداً بل يكون الأمر من بعده له ( ) ثم لأخيه الحسين ( ) .

3 - الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله ، في شَامِهِم ، وعِرَاقِهم ، وحِجَازهم ، ويَمَنِهم .

4 - أنَّ أصحاب عليٍّ وشيعته آمنون على أنفسهم ، وأموالهم ، ونسائهم ، وأولادهم .

5 - أن لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت رسول الله ( صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ) غائلة ، لا سِرّاً ولا جهراً ، ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق .

فإن نظرة خاطفة لهذه الشروط تهدينا إلى أنها اشتملت على أهم قواعد النظام الإسلامي من دستورية الحكم على هدى الكتاب والسُّنَّة .

وأنه مسؤول عن توفير الأمن للجميع ، وبالذات لقيادة المعارضة ، وهم أهل بيت الرسول ( ) .

وقد قبل معاوية بهذه الشروط ، مما جعلها أساساً للنظام عند الناس ، وقد وجد الإمام ( ) بذلك أفضل طريقة لتبصير الناس بحقيقته ، وتأليب أصحاب الضمائر والدين عليه ، حين كان يخالف بعض تلك الشروط .

وقد تحمَّل الإمام الحسن ( ) عناءً كبيراً في إقناع المسلمين بالصلح مع معاوية ، حيث أنَّ النفوس التي كانت تلتهب حماساً ، والتي كانت معبأة نفسيّاً ضد معاوية ، كانت تأبى البيعة معه .

على أنَّ القشريين من طائفة الخوارج كانت ترى كفر من أسلم الأمر إلى معاوية ، وقد قالوا للإمام الحسن ( ) : كَفَرَ والله الرَّجُلُ .

مُعارضة الصحابة :

خطب الإمام الحسن ( ) بعد صلحه مع معاوية في الناس قائلاً : ( أيُّها الناس ، إنكم لو طلبتم ما بين جابلقا وجابرسا رَجُلاً جَدُّه رسول اللـه ( ) ما وجدتم غيري وغير أخي .

وإنَّ معاوية نازعني حقّاً هو لي ، فتركتُه لصلاح الأمّة ، وحقن دمائها .

وقد بايعتموني على أن تسالموا من سَالَمتُ ، وقد رأيت أن أُسالمه ، وأن يكون ما صنعتُ حجةً على من كان يتمنَّى هذا الأمر ، وإنْ أَدري لعلَّه فتنة لكم ، ومتاع إلى حين ) .

ومع ذلك فقد عارضه بعض أفضل أصحابه في ذلك ، فقال حجر بن عدي له : أما والله لَوَددتُ أنك مُتَّ في ذلك اليوم ، ومتنا معك ولم نَرَ هذا اليوم ، فإنا رجعنا راغمين بما كرهنا ، ورجعوا مسرورين بما أحبُّوا .

ويبدو أن الإمام ( ) كره أن يجيبه في الملأ ، إلاَّ أنه حينما خلا به قال ( ) : ( يا حجر ، قد سمعتُ كلامك في مجلس معاوية ، وليس كلُّ إنسان يُحب ما تُحب ، ولا رأيه كرأيك ، وإنِّي لم أفعل ما فعلتُ إلاَّ إبقاءً عليكم ، والله تعالى كلَّ يوم هو في شأن ) .

وكان سفيان من شيعة أمير المؤمنين والحسن ( عليهما السلام ) ، ولكنَّه دخل على الإمام ( ) وعنده رهط من الناس فقال له : السلام عليك يا مُذِلَّ المؤمنين .

فقال ( ) له : ( وعليكَ السَّلام يا سفيان ) .

يقول سفيان : فنزلتُ فعقلت راحلتي ، ثم أتيته فجلست إليه ، فقال ( ) : ( كيفَ قُلتَ يا سفيان ؟ ) .

قال : قلتُ : السلام عليك يا مُذِلَّ المؤمنين .

والله بأبي أنت وأمِّي أذلَلْتَ رقابنا حين أعطيت هذا الطاغية البيعة ، وسَلَّمت الأمر إلى اللَّعين ابن آكلة الأكباد ، ومعك مئة ألف كلُّهم يموت دونك ، وقد جمع الله عليك أمر الناس .

فقال ( ) : ( يا سفيان ، إنَّا أهل بيت إذا علمنا الحقَّ تمسَّكنا به ، وإنّي سمعت عليّاً ( ) يقول : سمعت رسول الله ( ) يقول :

لا تذهب الأيَّام واللَّيالي حتَّى يجتمع أمر هذه الأمة على رجل واسع السرم ، ضخم البلعوم ، يأكل ولا يشبع ، لا ينظر الله إليه .

ولا يموت حتى لا يكون له في السماء عاذر ، ولا في الأرض ناصر ، وإنَّه لمعاوية ، وإنّي عرفتُ أنَّ الله بالغ أمره ) .

ثم أذَّن المؤذِّن ، فقمنا إلى حالبٍ يحلبُ ناقته ، فتناول الإناء فشرب قائماً ، ثمَّ سقاني ، وخرجنا نمشي إلى المسجد ، فقال ( ) لي : ( ما جاء بك يا سفيان ؟ ) .

قلت : حُبُّكم والذي بعث محمدّاً بالهدى ودين الحق .

فقال ( ) : ( فأبشِرْ يا سفيان ، فإنِّي سمعت عليّاً ( ) يقول : سمعت رسول الله ( ) يقول :

يرد عليَّ الحوض أهل بيتي ومَن أحبَّهم من أُمَّتي كهاتين - يعني السبّابتين - ، أو كهاتين - يعني السبابة والوسطى - ، إحداهما تفضل على الأخرى .

أبشِرْ يا سفيان ، فإنَّ الدنيا تسع البرَّ والفاجر ، حتَّى يبعث الله إمام الحقِّ من آل محمَّد ( ) .

وفي بعض الأحيان كان الإمام الحسن ( ) يصد على أصحابه ببيعة معاوية .

فحين دخل قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري - صاحب شرطة الخميس الذي أسَّسَه الإمام علي ( ) - على معاوية ، قال له معاوية : بايع .

فنظر قيس إلى الحسن ( ) ، فقال : يا أبا محمَّد ، بايعت ؟

فقال له معاوية : أما تنتهي ؟ أما والله إنِّي ... .

فقال له قيس : ما شئت ، أَمَا والله لَئِن شئت لتناقضت به .

فقام إليه الحسن ( ) ، وقال له : ( بَايِعْ يا قيس ) ، فبايَعَ .

ما أكرم أبا محمَّدٍ الحسن المجتبى ( ) ، وأسخى تضحيته حين أقدم على الصلح الذي اعتبره بعض حواريِّه ذُلاًّ ، وزعَمَهُ أعداؤه جبناً واستسلاماً ، ولم يكن إلاَّ أروع صور النصر على الذات ، ومقاومة نزوة الهوى ، والمحافظة على دماء المسلمين ، وتحقيقاً لكلمة الرسول الصادق المصدَّق ( ) حين قال : ( إنَّ ابني هذا سيِّد ، ولعلَّ الله عزَّ وجلَّ يصلح به بين فئتين من المسلمين ) .

فلولا أن الحسن كان قدوة الصلاح ، وأسوة التضحيات ، وجماع المكرمات ، وكان بالتالي الإمام المؤيَّد بالغيب ، لتمزَّقت نفسه الشريفة بصعود معاوية أريكة الحكم ، وهو الذي قال فيه الرسول ( ) : ( إذا رأيتُم معاوية هذا على منبري فاقتلوه ، ولن تفعلوا ) .

ولولا اتِّصال قلبه الكبير بروح الربِّ إذاً لمات كمداً ، حيث كان يرى تقهقر المسلمين ، وصعود نجم الجاهلية الجديدة .
ولولا حلمه ( ) العظيم ، النابع من قوة إيمانه بالله ، وتسليمه لقضائه ، إذاً ما صبر على معاوية ، وهو يرقى منبر جَدِّه ، ويمزِّقَ منشور الرسالة ، ويسبُّ أعظم الناس بعد الرسول ( ) .
بلى ، ولكنَّ الحسن ( ) آثر الآخرة على الدنيا ، لأنها - الآخرة - دارٌ جعلها الله للذين لا يريدون الفساد والعُلوَّ في الأرض.
اللهم صلِّ على صاحب الدعوة المحمدية، والمظلومية الفاطمية، والشجاعة الحيدرية ، والصلابة الحسنية ، والاستقامة الحسينية ، والعبادة السجادية ، والمآثر الباقرية ، والآثار الجعفرية ، والعلوم الكاظمية ، والحجج الرضوية ، والفضائل الجوادية ،والأنوار الهادية ، والهيبة العسكرية ، والحجة الإلهية


المصدر : بريدي الخاص



رد مع اقتباس