حديث عدد الأئمة
أخبر الرسول أن عدد الأئمة الذين يلون من بعده اثنا عشر، كما روى عنه ذلك أصحاب الصحاح والمسانيد الآتية:
1- روى مسلم عن جابر بن سمرة أنه سمع النبي يقول: (لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش).
وفي رواية: (لا يزال أمر الناس ماضيا...).
وفي حديثين منهما: (إلى اثني عشر خليفة...).
وفي سنن أبي دواد: (حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة).
وفي حديث: (إلى اثني عشر)(1).
وفي البخاري، قال: سمعت النبي (
) يقول: (يكون اثنا عشر أميرا)، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: قال: (كلهم من قريش). وفي رواية: ثم تكلم النبي (
) بكلمة خفيت علي، فسألت أبي: ماذا قال رسول الله (
)؟ فقال: (كلهم من قريش)(2). وفي رواية: (لا تضرهم عداوة من عاداهم)(3).
2- وفي رواية: (لا تزال هذه الأمة مستقيما أمرها، ظاهرة على عدوها، حتى يمضي منهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش، ثم يكون المرج أو الهرج)(4).
3- وفي رواية: (يكون لهذه الأمة اثنا عشر قيما لا يضرهم من خذلهم كلهم من قريش)(5).
4- (لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا)(6).
5- وعن أنس: (لن يزال هذا الدين قائما إلى اثني عشر من قريش، فإذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها)(7).
6- وفي رواية: (لا يزال أمر هذه الأمة ظاهرا حتى يقوم اثنا عشر كلهم من قريش)(8).
7- وروى أحمد والحاكم وغيرهما واللفظ للأول عن مسروق قال: كنا جلوسا ليلة عند عبد الله (ابن مسعود) يقرئنا القرآن، فسأله رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال عبد الله: ما سألني عن هذا أحد منذ قدمت العراق قبلك، قال: سألناه فقال: (اثنا عشر عدة نقباء بني اسرائيل)(9).
8- وفي رواية قال ابن مسعود: قال رسول الله: (يكون بعدي من الخلفاء عدة أصحاب موسى)(10).
قال ابن كثير: وقد روي مثل هذا عن عبد الله بن عمر وحذيفة وابن عباس(11).
ولست أدري هل قصد من رواية ابن عباس ما رواه الحاكم الحسكاني عن ابن عباس أو غيره.
نصت الروايات الآنفة أن عدد الولاة اثنا عشر وأنهم من قريش، وقد بين الإمام علي (
) في كلامه المقصود من قريش وقال: (إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم ولا يصلح الولاة من غيرهم)(12). وقال: (اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا لئلا تبطل حجج الله وبيناته...)(13). الأئمة الاثنا عشر في التوراة
وقال ابن كثير: وفي التوارة التي بأيدي أهل الكتاب ما معناه: أن الله تعالى بشر إبراهيم بإسماعيل، وأنه ينميه ويكثره ويجعل من ذريته اثني عشر عظيما.
وقال: قال ابن تيمية: وهؤلاء المبشر بهم في حديث جابر بن سمرة وقرر أنهم يكونون مفرقين في الأمة ولا تقوم الساعة حتى يوجدوا.
وغلط كثير ممن تشرف بالإسلام من اليهود، فظنوا أنهم الذين تدعو إليهم فرقة الرافضة فاتبعوهم(14).
قال المؤلف: والبشارة المذكورة أعلاه في سفر التكوين، الإصحاح (17/ الرقم 18- 20) من التوراة المتداولة في عصرنا، وقد جاءت هذه البشارة في الأصل العبري كالآتي:
(في ليشماعيل بيرختي أوتوفي هفريتي أوتو
في هربيتي بمئود مئودشنيم عسار نسيئيم يوليد
في نتتيف لكوي كدول)(15).
وتعني حرفيا: (وإسماعيل أباركه، وأثمره، وأكثره جدا جدا، اثنا عشر إماما يلد، وأجعله أمة كبيرة).
أشارت هذه الفقرة إلى أن المباركة، والأثمار، والتكثير إنما يكون في صلب إسماعيل (
) و (سنيم عسار) تعني (إثنا عشر)، ولفظة (عسار) تأتي في (العدد التركيبي إذا كان المعدود مذكرا)(16)، والمعدود هنا (نسيئيم) وهو مذكر وبصيغة الجمع لاضافة ال(يم) في آخر الاسم، والمفرد (ناسي) وتعني: إمام، زعيم، رئيس)(17). وأما قول (الرب) لإبراهيم (
) في الفقرة نفسها أيضا: (في نتتيف كوي كدول) نلاحظ أن (في نتتيف) مكونة من حرف العطف (في)، والفعل (ناتن) بمعنى: (أجعل، أذهب)(18)، والضمير (يف) في آخر الفعل (نتتيف) يعود على إسماعيل (
)، أي (وأجعله)، وأما كلمة (كوي) فتعني: (أمة، شعب)(19)، و(كدول) تعني: (كبير، عظيم)(20)، فتصبح (وأجعله أمة كبيرة). فيتضح من هذه الفقرة أن التكثير والمباركة إنما هما في صلب إسماعيل (
)، مما يجعل القصد واضحا في الرسول محمد (
) وأهل بيته (
) باعتبارهم امتدادا لنسل إسماعيل (
)، ذلك لأن الله تعالى أمر إبراهيم بالخروج من بلاد (نمرود) إلى الشام، فخرج ومعه امرأته (سارة) و(لوط)، مهاجرين إلى حيث أمرهم الله تعالى فنزلوا أرض فلسطين. ووسع الله تعالى على إبراهيم (
) في كثرة المال، فقال: (رب ما أصنع بالمال ولا ولد لي)، فأوحى الله تعالى إليه: (إني مكثر ولدك حتى يكونوا عدد النجوم). وكانت (هاجر) جارية لسارة، فوهبتها لإبراهيم (
)، فحملت منه، وولدت له إسماعيل (
)، وإبراهيم (
) يومئذ ابن (ست وثمانين سنة)(21). والقرآن الكريم يشير إلى هذه الحقيقة من خلال توجه إبراهيم (
) بالدعاء إلى الله تعالى: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)(22). فالآية الكريمة تؤكد أن إبراهيم (
) قد أسكن بعضا من ذريته وهو إسماعيل (
) ومن ولد منه في مكة ودعا الله تعالى أن يجعل في ذريته الرحمة والهداية للبشرية ما بقي الدهر، فاستجاب الله لدعوته بأن جعل في ذريته محمدا (
) واثني عشر إماما من بعده. وقد قال الإمام الباقر (
): (نحن بقية تلك العترة وكانت دعوة إبراهيم لنا)(23). خلاصة الأحاديث الآنفة
نستخلص مما سبق ونستنتج: أن عدد الأئمة في هذه الأمة اثنا عشر على التوالي، وأن بعد الثاني عشر منهم ينتهي عمر هذه الدنيا.
فقد ورد في الحديث الأول: (لايزال هذا الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة...).
فإن هذا الحديث يعين مدة قيام الدين ويحددها بقيام الساعة، ويعين عدد الأئمة في هذه الأمة باثني عشر شخصا.
وفي الحديث الخامس: (لن يزال هذا الدين قائما إلى اثني عشر من قريش فإذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها).
ويدل هذا الحديث على تأييد وجود الدين بامتداد الاثني عشر وأن بعدهم تموج الأرض.
وفي الحديث الثامن: حصر عددهم باثني عشر بقوله: (يكون بعدي من الخلفاء عدة أصحاب موسى).
ويدل هذا الحديث على أنه لا خليفة بعد الرسول عدا الاثني عشر. وأن ألفاظ هذه الروايات المصرحة بحصر عدد الخلفاء بالاثني عشر وأن بعدهم يكون الهرج وتموج الأرض وقيام الساعة تبين ألفاظ الأحاديث الأخرى التي قد لا يفهم من ألفاظها هذا التصريح.
وبناء على هذا لابد أن يكون عمر أحدهم طويلا خارقا للعادة في أعمار البشر كما وقع فعلا في مدة عمر الثاني عشر من الأئمة أوصياء النبي (
). يتبع........