بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها صلاة لا يقوى على عدها وإحصائها أحد غيرك يااااالله
*التفكر*
قال أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عيه السلام :
" أفكِر تستبصِر "
ومن جملة آداب قراءة القرءان الكريم : التفكر ، والمقصود منه هو : أن يتجسَّس القارئ من الآيات الشريفة : المَقصِد والمقصود.
وحيث أن مقصد القرءان كما تقوله نفس الصحيفة النورانية هو :
"الهداية إلى سبل السلام ، والخروج من جميع مراتب الظلمات إلى عالم النّور ، والهداية إلى طريق مستقيم "
فلا بد أن يحصِّل الإنسان بالتفكر في الآيات الشريفة :
مراتب السلامة ، من المرتبة الدانية والراجعة إلى القِوى الملكيًّة إلى منتهى النهاية فيها ، وهي حقيقة القلب السليم على ما ورد تفسيره عن أهل البيت

، وهو :
أن يلاقي الحق وليس فيه غيره.
وتكون القوى الملكية والملكوتية ضالّة قارئ القرءان ، فهي موجودة في هذا الكتاب السماوي ولا بد أن يستخرجها بالتفكر.
وإذا صارت القوى الإنسانية سالمة عن التصرف الشيطاني ، وحصَّل طرق السلامة ، وعمل بها ، فمع كل مرتبة يحصِّلها من السلامة ، ينجو من ظلمة ويتجلى فيه النّور السّاطع الإلهي قهرا ، حتى إذا خلص عن جميع أنواع الظلمات التي أوّلها عالم الطبيعة بجميع شؤونها ، وآخرها ظلمة التوجّه إلى الكثرة بتمام شؤونها ، يتجلى النّور المطلق في قلبه ويهديه إلى طريق الإنسانية المستقيم ، وهو في هذا المقام طريق الربّ : "...إنّ ربّي على صِراط مستقيم ..."*1
وقد كثرت الدعوة إلى التفكر وتمجيده وتحسينه ، في القرآن الشريف قال تعالى :
"...وأنزلنا إليك الذكر لتبيِّن للنّاس ما نزِّل إليهم ولعلهم يتفكَّرون..." *2
وفي هذه الآية مدح عظيم للتفكّر ، لأنّ غاية إنزال الكتاب العظيم السماوي ، والصحيفة العظيمة النّورانية قد جعلت لاحتمال التفكر، وهذا من شدة الإعتناء به ، حيث أن مجرد احتماله ، صار موجبا لهذه الكرامة العظيمة، وقال تعالى في الآية الكريمة :
"...فاقصصِ القصصَ لعلهم يتفكّرون ..."*3
والآيات من هذا القبيل كثيرة ، والروايات أيضا في التفكر كثيرة ، فقد نقل عن رسول الله

أنّه لما نزلت الآية الشريفة :
"...إنّ في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات ..." *4 قال
"ويل لمن قرأها ولم يتفكّر فيها "
والعمدة هنا ، أن يفهم الإنسان ما هو التفكّر الممدوح ، وإلا لا شك في أنّ التّفكر ممدوح في القرآن والحديث ، فأحسن التعبير فيه ، ما عبَّر به الخواجة عبد الله الأنصاري قال :
"اعلم أنّ التّفكر تَلَمّس البصيرة لاِستدراك البغية"
يعني أنّ التفكّر هو تجسس البصيرة ، وهي بصر القلب ، للوصول إلى المقصود ، والمقصود هو : السعادة المطلقة التي تحصل بالكمال العلمي ، أو العملي.
فلا بد للإنسان أن يتحصَّل على المقصود والنّتيجة الإنسانية ، وهي السعادة في الآيات الشريفة للكتاب الإلهي وفي قصصه وحكاياته.
وحيث أنّ السّعادة هي الوصول إلى السّلامة المطلقة ، وعالم النّور ، والطريق المستقيم ، فلا بد للإنسان أن يطلب من القرآن المجيد الشريف : سبل السلامة ومعدن النّور المطلق ، والطريق المستقيمة ، كما أشير إليها في الآية الشريفة السابقة.
فإذا وجد القارئ المقصِد ، وتبصَّر في تحصيله ،وانفتح له طريق الإستفادة من القرآن الشريف ، وفتِحت له أبواب رحمة الحق ، فإنّه يصرف عمره القصير العزيز ورأس مال تحصيل سعادته عن أمور ليست مقصودة لرسالة الرسول

، ويكفّ عن فضول البحث وفضول الكلام في مثل هذا الأمر المهم.
فإذا أشخص بصيرته مدّة إلى هذا المقصود وصرف نظره عن سائر الأمور ، تتبصّر عين قلبه ، ويكون بصره حديدا ، ويكون التفكّر في القرآن للنفس أمرا عاديا ، وتنفتح طرق الإستفادة ، وتفتح له أبواب ليست مفتوحة له إلى الآن بوجه.
فحين ذاك ، يفهم كون القرآن شفاء للأمراض القلبية ، ويدرك مفاد الآية الشريفة
:"...وننزِّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلاّ خسارا..."*5
ومعنى قول أمير المؤمنين صلوات الله تعالى عليه : "وتعلّموا القرآن فإنّه ربيع القلوب واستشفوا بنوره فإنّه شفاء الصدور".
ولا يطلب من القرآن شفاء الأمراض الجسمانية فقط ، بل يجعل عمدة المقصد : شفاء الأمراض الروحانية الذي هو مقصد القرآن ، بل القرآن ما نزل لشفاء الأمراض الجسمانية وإن كان يحصل به ، كما أنّ الأنبياء

لم يبعثوا للشفاء الجسماني وإن كانوا يشفون فهم أطبّاء النّفوس والشّافين للقلوب والأرواح.
وصلى الله على محمد وآل محمد