منتديات موقع الميزان - عرض مشاركة واحدة - عقيدتنا في الأصول
عرض مشاركة واحدة

خادمة العباس (ع)
الصورة الرمزية خادمة العباس (ع)
عضو دائم

رقم العضوية : 516
الإنتساب : Oct 2007
الدولة : مدينة الرسول الأعظم عليه السلام
المشاركات : 1,304
بمعدل : 0.21 يوميا
النقاط : 264
المستوى : خادمة العباس (ع) is on a distinguished road

خادمة العباس (ع) غير متواجد حالياً عرض البوم صور خادمة العباس (ع)



  مشاركة رقم : 9  
كاتب الموضوع : خادمة العباس (ع) المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
Post
قديم بتاريخ : 13-Dec-2007 الساعة : 01:04 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين ولا حول ولا قوة بالله العلي العظيم

اللهم صلى على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم





سابعاً: صفات الله (عز وجل)


والكلام في هذا البحث يتضمن:

1 - الصفات الذاتية الثبوتية.

2 - الصفات السلبية.

3 - صفات أفعاله.

وكما مرّ معنا إنه يستحيل على العقل الرشيد أن يدرك كنه الله سبحانه وماهيته لأن المحدود يستحيل عليه إحاطة اللامحدود والإنسان الحادث يستحيل عليه أن يحيط الله الأزلي الأبدي وقد قال أمير المؤمنين علي (): (فكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذات الله). وبالفعل إننا لا نستطيع أن نحيط إحاطةً كليةً حتى بالمحسوسات المادية فترانا نعجز عن إدراكها بشكلٍ معين فكيف نستطيع أن نحيط اللامحدود واللامحسوس.. وهكذا حينما تقصُرُ عقولنا المحدودة عن إدراك كنه وماهية الله سبحانه فهي - أيضاً - تقصر عن إدراك ماهية صفاته وواقعها. إنما كيف نَعْرفُه سبحانه ونعْرفُ صفاته فذلك من خلال آثاره فيتبين من آثاره إنه الخالق المبدع القادر العالم المدرك الحي الباقي الصادق العادل.. ويقسم المفكرون الإسلاميون صفات الله إلى الأقسام الثلاثة أعلاه.

فالصفات الذاتية الثبوتية هي عين ذاته فهو قادر بالذات وعالم بالذات وحيّ بالذات أي إنه ذاته وصفته شيء واحد لأنه لو قلنا بأن صفاته ليست عين ذاته لوقعنا في خطأٍ لا يغتفر والنتيجة تكون إما أنها طارئة على ذاته المقدسة زيدت عليه فإذن صارت ذاته مركبة وهذا خلاف ما اتفقنا عليه بأنه سبحانه أزلي بسيط حيث أن المركب حادث والحادث مخلوق وإلى آخر ما مر سلفاً.

وإما أن تكون صفاته قديمة بقدمه سبحانه فإذن سيكون هذا القديم (الصفات) شريكاً للقديم الأول (عين الذات) وهذا مما يخالف أصل الفرض والاتفاق الماضيين، ولا بأس أن نوضح الفكرتين قليلاً ممّا يلائم هذه الرسالة العقائدية فلو سلّمنا جدلاً إلى أن صفاته طارئة على الذات فستكون حادثة حيث طرأت على الذات فلذا يستلزم وجود المحدث فإن كان الله هو المحدث لزم أن تكون صفاته مكتسبة فيما بعد أي أنه لم يكن عالماً فصار عالماً بعد أن أحدث العلم أليس كذلك؟ وإن كان المحدث غير الله فإما هو مساوٍ له فيكون شريكاً لله وإما أن يكون أقوى منه فهو الله الحقيقي والمبدع الحقيقي لا هذا الإله الوهمي الضعيف الذي يتبين ضعفه وكنا مخدوعين به حيث وضعناه في موضع الخالق المبدع القدير.

وأما لو تماشينا مع الفرض الثاني في أن صفاته قديمة بقدم ذاته المقدسة فسنصل إلى نتيجة مشابهة لما سبق حيث ننتهي إلى الإيمان بتعدد القدماء بتعدد الأزليين أي بتعدد الآلهة وبمعنى آخر سنكتشف شركاء لله سبحانه وهاهنا يقول الإمام علي () في خطبته الرائعة: (أوّلُ الدين معرفته، وكمالُ معرفته التصديق به، وكمالُ التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة إنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف إنه غير الصفة فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه (أي جعل له قريناً شريكاً) ومن قرنه فقد ثنّاه ومن ثنّاه فقد جزّأه ومن جزّأه فقد جهله ومن جهله فقد أشار إليه ومن أشار إليه فقد حدّه ومن حدّه فقد عدّه، ومن قال فيم فقد ضمّنه ومن قال علام فقد أخلى منه، كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم...)(1).

فإذن في مسألة صفات الذات نخرج بإيمان تام بأنها عين ذاته المقدسة فهو عالم من حيث إنه حيّ وهو حيّ من حيث إنه عالم.. وهو قدير من حيث إنه حكيم وهو حكيم من حيث إنه قدير وهكذا بقية صفاته.

أما لو أدركنا أن مفهوم علمه يغاير مفهوم حياته مثلاً فهذا الحي يصير مخلوقاً آخر وليس عين ذاته وبالنتيجة ستكون ذاته مركبة من عدة صفات وذلك لأن مفهوم العلم محدود ومؤطر ومستقل عن مفهوم القدرة والحياة وهكذا فسنقف على عدة محاور تشكل دوائر مستقلة بعضها عن بعض كل محور بمثابة الصفة المستقلة عن أختها. بينما كل هذه الصفات مجتمعة تجسد صفات الله الثبوتية والله سبحانه منزّه عن الحدود والأطر كما أسلفنا في صفات الأزلي.

إذن فالعلم ذاته ولا معلوم والقدرة ذاته ولا مقدور فلا يكون العلم والقدرة ذاتاً لله تعالى مع تمايز مفهوميهما بحدود معينة والمفروض أن يكون ذلك العلم وتلك القدرة كلاهما حقيقة واحدة لا غير وهكذا بقية الصفات الثبوتية وإنها تعبير عن حقيقة واحدة. وهكذا نقرأ فيما ورد بالسنة الشريفة (وأسماؤه تعبير) فالذات المقدسة حقيقة واحدة نسميها بأسماء مختلفة فأسماؤه تعبير فلا تمايز ولا اختلاف ولا حدود بينها وإنما تعابير.. فهو القادر والعالم والحي والقيوم والمختار ولا ندّ له ولا حدّ له أي بمعنى لا أول له ولا آخر له بما يدل على أنه قبل كل شيء كان ومع كل شيء يكون مع كل شيءٍ كائن وهنا يكمن السر في رفع الفارق بين الاسم والصفة فقد سئل الإمام الصادق () عن الاسم قال: (صفة لموصوف). إذن لا فرق بين الأسماء والصفات لأن الاسم نفس الصفة بالنسبة للذات المقدسة والاسم عندنا غير المسمى ونعرف ذلك بالوجدان فالاسم شيء والمسمى شيء آخر أما في حديثنا عن الله عز وجل وصفاته وأسمائه لا نميّز بين هذه الأمور كلها إطلاقاً فالأسماء والصفات تعبيران عن الذات المقدسة لا غير لأنه في الاحتمال الآخر (أياً كانت سعتهُ أو ضيقه) فستكون المفاهيم مخلوقة طارئة عليه أو شريكة معه تعالى الله عن ذلك وعلى هذا قال الإمام الصادق (): (من عبد الاسم فقد كفر ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك فمن عبد المعنى بإيقاع الأسماء التي وصف الله سبحانه وتعالى نفسه فهو شيعة آل البيت () وجاء في (الأنوار النعمانية) عن الصادق (): (كل ما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم ولعلّ النمل الصغار تتوهم أن لله تعالى زبانيتين فإن ذلك كما لها وتتوهم أن عدمها نقصان لمن لا يتصف بهما وهكذا حال العقلاء فيما يصفون الله تعالى به)(2).

وقبل أن نعود إلى حديث الصفات التي يقسمها المفكرون الإسلاميون وعلماء الكلام كما ذكرنا ذلك في أول الحديث عن الصفات لابد من تسجيل الملاحظة التالية:

في الحقيقة إن هذه التقسيمات ما هي إلاَّ تقسيمات استيضاحية أراد المفكرون أن يوضحوا كمال الله عز وجل بطريقة مستساغة وملائمة للعقل الإنساني وبما أن اللغة هي الأخرى قاصرة عن التصوير المتكامل لصفاته تعالى فلابد أن نضع فوارق ذهنية بين هذه الصفات التي نطلقها على الذات المقدسة والتي قد تطلق على الإنسان نفسه فنقول محمد عالم ونفس كلمة عالم نطلقها على الله العظيم فنقول الله عالم ولكن هل نقصد نفس المعنى من اللفظ المشترك؟ بالتأكيد لا، فهي صفة واحدة ظاهراً ولكنها مختلفة واقعاً من حيث الحجم والاستيعاب ولكن اللوم يقع على اللغة التي تعجز أحياناً عن بيان هذه الدقة.

ومن هنا نكرر ما قلناه سابقاً (إن الذي خلقنا ليس مثلنا) ففي الواقع إن الأنبياء والأوصياء ورسالات السماء ما استطاعت أن تبين أكثر من هذا فقد جاء في القرآن الكريم:

(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). [سورة الشورى: الآية 11].

إذن فإذا أردنا أن نعرِفه كمال المعرفة يجب أن نعرف أنفسنا تمام المعرفة وإذا عرفنا أنفسنا وصفاتنا وقابلياتنا سنعرف ذات الله وصفاته لأن ذات الله هي غير ذواتنا وصفاته غير صفاتنا حتى لو كانت الألفاظ مشتركة في اللغة. وبيان الفروق بين المعنَيْين شيء نعتقده ونؤمن به، فعلى هذا لو عرفنا أنفسنا تماماً فكل ما كان فينا ليس في الله لأنه ليس مثلنا وقد جاء في الأثر الشريف عن الإمام علي (): (من عرف نفسه فقد عرف ربه)(3).

وهكذا فنحن محدودون بزمان ومكان وبقابليات محدودة بينما الله سبحانه ليس له حد وهذا التعبير أدق وابلغ من قولنا (لا نهاية لله) لأن اللانهاية مفهوم يختلف عن مفهوم ليس له حد فاللانهاية لأمرٍ يمكن أن يكون له بداية كالعدد له بداية وليس له نهاية بينما اللاّحد ليس له بداية ولا نهاية.

ونحن لنا بداية أولى بينما سبحانه ليس له بداية ولنا آخِر وليس له آخِر ولنا ظاهر فليس له ظاهر ولنا باطن فليس له باطن...

وحينما نصفه سبحانه بالأول نعني قبل كل شيء لا بمعنى البداية وهو الظاهر يعني فوق كل شيء وقد قال الإمام علي () - كما مر في الصفحات السابقة - : (ظاهر في غيب وغائب في ظهور... قَرُبَ فنأى وعلا فَدَنا وظهر فبطن وبطن فعلن...) فاللغة لابدّ أن تخضع بشكل من الأشكال لما يدور في أذهاننا من المعاني المجردة والدقيقة فلا نقول أن الله واحد ونقصد بذلك الواحد الذي يليه رقم الاثنين ورقم الثلاثة وإنما نقصد إنه أحد فرد صمد فالله سبحانه لا يعد فهو ليس واحداً بذلك المعنى بل إنه واحد لا نظير له ولا ضد له ولا ندّ له ولا مثيل له ولا شبيه له والآن لماذا كل هذا التوضيح الذي لابد منه؟ ولما كانت المسألة لغَوية فأين وجه المسألة من المعرفة الحقيقية. والجواب لأننا عادة نقيس الأمور على أنفسنا - هذه حدود معرفتنا - فنحن لنا ضد وند ومثيل وأول وآخر وحدود معينة أخرى ونقول: واحد واثنين وثلاثة.

وحينما نريد أن نعرف الله ونصفه بصفاتٍ ألفاظها مجردة لا توصلنا إلى عمق المعرفة وغاية التوحيد إلا بالتوضيح والفهم وهنا تطل علينا سورة التوحيد لتجسد المعتقد الحق فقد قال سبحانه: (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد) فهذه غاية التوحيد، وصفاته سبحانه ليست كصفاتنا التي تعوّدناها أو عرفنا مضمونها لذا يقول الإمام علي () - كما ذكرنا آنفاً -: (وتمام توحيده نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ومن قرنه فقد ثنّاه ومن ثناه فقد جزّأه ومن جزأه فقد جهله ومن جهله فقد أشار إليه ومن أشار إليه فقد حدّه ومن حدّه فقد عدّه ومن قال فيم فقد ضمنه ومن قال علام فقد أخلى منه، كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شيء لا بمقارنة وغير كل شيء لا بمزايله، فاعل لا بمعنى الحركات والآله، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه..)(4).

وهنا نتساءل بحريّة تامة ونقول إن الإمام علي () يحصر غاية التوحيد في نفي الصفات عنه ونحن نقرأ في القرآن الكريم وهو كلام الله سبحانه عن صفات الله فهو سميع وبصير وعليم وحي وقيوم.. وفي الأحاديث الشريفة وروايات الأئمة () نقرأ هذه الصفات الكريمة المنسوبة إلى الله عز وجل فكيف نفسر ذلك؟ يمكن رفع هذا الإشكال من الأساس حينما نعود إلى الصفات التي قسمها علماء الكلام لندرسها بإمعان فيرتفع هذا الإشكال.


1 - الصفات الذاتية الثبوتية

وهي صفات الكمال والجمال اللازمة لواجب الوجود وعدّها علماء الكلام ثمانية: القدرة، العلم، الحياة، الإرادة، الإدراك، الكلام، الصدق، والسرمدية كما عن المحقق الطوسي في (تجريده)(5).

وهكذا تقسم صفاته تعالى إلى نوعين.

أ - صفات الذات.

ب - وصفات الفعل.

والفرق بينهما يتضح في أن الصفات التي لا نستطيع أن نسلبها عن ذات الله يُقال لها صفات الذات فهي الصفات الكمالية لواجب الوجود ونفيها عنه يستوجب نقصاً وهي كما قلنا سابقاً عين ذاته كالقدرة والعلم فعندما نقول: الله قادر وعالم لا نستطيع سلب العلم والقدرة عنه.

وأما الصفات التي نستطيع أن ننسبها إليه ونسلبها عنه يُقال لها (صفات الفعل) فهي ليست ذاتية وإنما حادثة وليست من صفات الكمال ونفيها لا يوجب النقص كما نقول هو الذي خلق ولم يخلق ورزق ولم يرزق وهو الذي يهدي ويضل فهذه الصفات تسمى بصفات الفعل بينما لا نستطيع القول أن الله يعلم ولا يعلم ويقدر ولا يقدر أو يعلم ويجهل، يقدر ويعجز. وفي مسألة صفات الذات أيضاً إذا قلنا أن الله عالم وقادر وحيّ واستفدنا من العالم مفهوماً غير ما نستفيده من القدرة وغيرما نستفيده من الحياة هذا العلم كذلك سيكون مخلوقاً وليس هو عين ذاته بل لابد أن يكون مفهوماً واحداً - كما مرّ آنفاً - لأن مفهوم القدرة محدود بأُطرٍ معينة أي إنها تخلو من كلّ شيءٍ ما سوى العلم وهكذا مفهوم القدرة محدود ومعين ومفهوم الحياة أيضاً... وكل محدود مخلوق والله سبحانه منزه عن الحدود، وإذا قرأنا هذا الحديث القائل (والعلم ذاته ولا معلوم والقدرة ذاته ولا مقدور) لا يكون العلم والقدرة ذاتاً لله مع بقاء تمايز بين مفهوميهما، فإذن ذلك العلم وتلك القدرة كلاهما حقيقة واحدة أو كلاهما تعبير عن حقيقة واحدة وكما ذكرنا سابقاً (وأسماؤه تعبير) فالفرق بين الاسم والصفة يتضح من جواب الإمام الصادق حينما سئل عن الاسم فقال: (صفة لموصوف). إذن لا فرق بين الاسم والصفة لأن الاسم نفس الصفة والصفة عين الذات.

والآن لنعرف شيئاً عن هذه الصفات التي ذكرناها عن المحقق الطوسي فالصفات الثمانية التي تعتبر هي الصفات الثبوتية - ولا يفوتني أن أشير إلى الخلاف البسيط بين العلماء في تحديد هذه الصفات الثمانية فمنهم من يفككها إلى أعداد أخرى كالعلامة الحلي (قدس سره) في كتبه الكلامية يعدّها هكذا - القدرة والعلم والحياة والإرادة والكراهية والإدراك وإنه قديم أزلي باق أبدي وأنه متكلم وأنه صادق فزاد اعتبار الكراهية ومنهم من اكتفى بذكر الإرادة فرأى أن الكراهة هي إرادة الترك وأما اعتباره القدم والأزلية والأبدية لأنها تفصيل معنى السرمدية(6) - المهم هذه الصفات الثمانية هي الصفات الثبوتية الذاتية الحقيقية لنقف عليها وقفة سريعة:

1 - القدرة:

قال سبحانه: (وكان الله على كل شيءٍ قديراً). [سورة الأحزاب: الآية 27].

لما وصفنا الله سبحانه بالكمال المطلق فإنه قادر على كل شيءٍ وجوداً وعدماً حدوثاً وبقاءً أي مستولٍ على كل شيءٍ فلا يعجزه شيء لأن العجز نقص لا يمكن مع فرض الكمال المطلق له ومثال قدرته ما نرى من الكائنات ونظمها الدقيقة قال الله تعالى:

(وما كان الله ليعجزه من شيءٍ في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليماً قديراً). [سورة فاطر: الآية 44].

فالله قادر على كل شيء ولا نؤيد قول المعتزلة أنه لا يقدر على القبيح والشر لاستلزمه الظلم بل نقول أنه قادر لكنه منزّه عن فعل القبيح وعن الإمام الصادق (): قيل لأمير المؤمنين هل يقدر ربك أن يُدخل الدنيا في بيضةٍ من غير أن تصغر الدنيا وتكبر البيضة؟ قال: (إن الله تعالى لا ينسب إلى العجز والذي سألتني لا يكون)(7).

والآن بعد أن عرفنا أنّ ذات الله علة العلل في الإبداع والإيجاد والإدامة فهو القادر الخالق المهيمن يردنا سؤال وهو هل إنه تعالى علة تامة أم علة ناقصة؟ - وقد أشرنا إشارة سريعة لهذا المعنى فيما مضى - فإذا قلنا إنه علة ناقصة فالمفروض وجود علل أخرى غير الله سبحانه ليتحقق الإيجاد فمجموع العلة الناقصة مع العلل الناقصة الأخرى تتكون العلة التامة. أما إذا قلنا إنه علة تامة فلازم ذلك أن نؤمن بقدم كل المخلوقات والموجودات لأن المعلول لا يفارق العلة التامة أبداً ولا لحظة زمنية واحدة ولازم ذلك أن يكون كل الخلائق قديمة كقدم العلة التامة لأنهما لن يفترقا أبداً. والحال نحن أثبتنا علمياً ويقينياً أننا لم نكن موجودين في القرون الماضية والآن نحن موجودون في هذا القرن من الزمن ونحن لم نوجد أنفسنا - كما قلنا سابقاً - فإذن ليس الله علة ناقصة يلزم اشتراك علل أخرى معه لتحقيق العلة التامة لإيجاد الخلائق ومن جهة أخرى ليس الله علة تامة على هذا المفهوم حيث أننا نعلم حالياً بوجودنا عقلاً ويقيناً وستنتهي حياتنا في المستقبل كما لم نكن شيئاً فيما مضى ثم وجدنا، فإذن مسألة القدم للخلائق بقدم العلة التامة تنتفي.

فالقول بعلية الله سلبٌ للقدرة عنه وتحقيق المعلول دون اختيار العلة التامة لإيجاد الخلائق ومن جهة أخرى ليس الله علة تامة على هذا المفهوم حيث إننا نعلم حالياً بوجودنا عقلاً ويقيناً وستنتهي حياتنا في المستقبل كما لم نكن شيئاً فيما مضى ثم وجدنا، فإذن مسألة القدم للخلائق بقدم العلة التامة تنتفي.

فالقول بعلية الله سلبٌ للقدرة عنه وتحقيق المعلول دون اختيار العلة التامة هذا هو سلب القدرة عنه وكل ذلك مردود فالله قادر مريد مختار ليس علة تامة لا ناقصة بل يفعل ما يريد (وكان الله ولم يكن معه شيء ثم خلق الأشياء) كما ورد في الأثر.

2 - العلم:

فالله عز وجل محيط بكل الأمور ولا يخفى عنه شيء ففي قوله تعالى:

(وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلاَّ هو ويعلم ما في البر والبحر). [سورة الأنعام: الآية 59].

وقال في آية أخرى: (يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور). [سورة غافر: الآية 19].

فالله سبحانه محيط بكل الأمور من أسرار وخفايا ونوايا فهو العالم بالأشياء بذواتها وصفاتها وأفعالها ووجودها وأسباب زوالها وحياتها فقد قال في محكم كتابه:

(ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيءٍ قدير). [سورة آل عمران: الآية 29].

وقال عز وجل في آيات أخرى: (والله عليم حكيم). [سورة النساء: الآية 26].

(والله بكل شيء عليم). [سورة النساء: الآية 176].

(تعلمُ ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسِك إنك أنت علاّمُ الغيوب). [سورة المائدة: الآية 116].

(وتوكّل على الله إنه هو السميعُ العليم). [سورة الأنفال: الآية 61].

فهو يعلم بالأشياء قبل وجودها كعلمه بها بعد وجودها لا تخفى عليه خافية وإنه حكيم في أفعاله وخلقه ومنزّه عن الظلم والقبح والجهل. فقد قال الإمام الرضا () في دعائه: (سبحان من خلق الخلق بقدرته واتقن ما خلق بحكمته ووضع كل شيءٍ منه موضعه بعلمه سبحان من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وليس كمثله شيء وهو السميع البصير) فهذه عين حكمته حيث جعل للحيوان البرّي أدوات الاهتداء وللحيوان البحري غيرها مما يناسب الوسط المائي والنملة تختلف عن البقرة والطيور تختلف عن الزواجف والأشجار تختلف عن الحيوانات وهكذا وبالفعل (وضع كل شيء منه موضعه بعلمه) فلا ترى جهازاً أو آلة أو جزءاً من أجزاء الحيوان والنبات والإنسان والوجود كله إلاَّ وتتجلى فيه الحكمة الربانية فبعضه يمكن أن نعرفه وبعض لازال العلم يجهل أثره. وهنا يبرز سؤال بعد مراجعة بعض النصوص الشرعية مثلاً قوله تعالى: (وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً) (وقل ربِّ زدني علماً) إن صفة العلم محدودة قابلة للزيادة والنقيصة كيف نطلقها على الله سبحانه وقد ردّدنا فيما مضى أن الذي خلقنا ليس مثلنا.. فللإجابة على هذه المسألة نشير إلى أن علم الله ليس كعلمنا محدوداً ومؤطراً فقد جاء في (أصول الكافي) عن الإمام الصادق () (لم يزل الله تعالى ربنا والعلم ذاته ولا معلوم والسمع ذاته ولا مسموع والبصر ذاته ولا مبصر والقدرة ذاته ولا مقدور فلما أحدث الأشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم والسمع على المسموع والبصر على المبصر والقدرة على المقدور قيل فلمْ يزل الله متحركاً قال: تعالى الله، إن الحركة صفة محدثة بالفعل قيل فلمْ يزل الله متكلماً قال: إن الكلام صفة محدثة ليست بأزلية).

ويقول الإمام الحسين () في دعاء عرفه (... يا من لا يخفى عليه اغماض الجفون ولا لحظ العيون ولا ما استقر في المكنون ولا ما انطوت عليه مضمرات القلوب ألا كلّ ذلك قد أحصاه علمك ووسعه حلمك وتعاليت عما يقول الظالمون علوّاً كبيراً..)(8).

3 - الحياة:

فهو الحي القيوم القديم الأزلي والباقي إلى الأبد فهو واجب الوجود بذاته وعلته ذاتية فهو حيّ دائم بمعنى أنه عالم قادر حيّ لا يموت فهو الذي أوجد الكائنات وأبدع الوجود ونظامه وبمرور الزمن نرى هذه الوجودات منها ما يتجدد ويتولد ومنها ما يموت وينقرص فهذه الاستمرارية في الإبداع والعطاء هي التي توصلنا إلى العلم والقدرة الإلهية أي إنه حي قيوم على الوجود. وجاء في (عقائد الإمامية الاثنى عشرية): (وبعد فرض كون الذات هو الكمال المطلق فمن جزئيات كماله استناد ما سواه إليه تعالى حدوثاً وبقاءً فهو تعالى حي)(9).

وسئل الإمام الباقر () عن الله متى كان فقال (): (متى لم يكن حتى أخبرك متى كان).

4 - الإرادة:

إنه سبحانه مريد لأفعاله أي تصدر منه أفعاله بالإرادة والاختيار فبإرادته التامة تتخصص أوقات وأمكنة وظروف خلق الأشياء من دون خضوع لأيّةِ اعتبارات خاصة أو تأثيرات معينة. وكذلك بإرادته أمرنا بطاعته لكن لا على سبيل القسر والحتم وإنما باختيار عبيده:

(وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). [سورة الكهف: الآية 29].

فأمرنا بالطاعة التامة لأوامره ونهانا عن المعاصي فيكون مريداً للطاعة وكارهاً للمعصية فأمرنا بما يريد، ونهانا عمّا يكره، وترك لنا الخيار:

(ولكن الله يفعل ما يريد). [سورة البقرة: الآية 253].

(وأنّ الله يهدي من يريد). [سورة الحج: الآية 16].

فأمْرُهُ بإرادته للمصلحة ونهيُهُ عمّا يكره لعلمِه بالمفسدة فقد قال سبحانه:

(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). [سورة البقرة: الآية 185].

فإذن ترك الله سبحانه الخيار لنا بإرادته: (إن ربّكَ فعالٌ لما يُريد). [سورة هود: الآية 107].

(ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظاً). [سورة الأنعام: الآية 107].

أي لو أراد الله بمشيئته جبراً ألاّ يَشرك به أحد لفعل ولكنه ما أراد ذلك وجاء في (الاحتجاج) عن الرضا (): (إرادة الله تعالى ومشيئته في المعاصي النهي عنها والسخط لها والخذلان عليها قال السائل: فلله فيه قضاء. قال: نعم، ما من فعل يفعله العباد من خير أو شر إلاَّ ولله فيه قضاء وقال السائل: ما معنى هذا القضاء قال: الحكم عليهم بما يستحقونه من الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة)(10).

فالإرادة علة الإيجاد وهي فعل ذات الله سبحانه لذلك نقرأ في القرآن الكريم:

(إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون). [سورة يس: الآية 82].

وقيل للإمام الصادق () لم يزل الله تعالى مريداً فقال: إن المريد لا يكون إلا المراد معه (قديم مثله) لم يزل عالماً قادراً ثم أراد...).

5 - الإدراك:

هو علم الله تعالى الخاص والمحيط بجميع المعلومات فهو السميع وهو البصير (يسمع ويبصر) طبعاً دون جوارح للسمع والبصر لأن ذلك يخرجه عن صفات الأزل فإذن لا تخفى عليه خافية بل يسمعها ويراها أي يدركها بدقة فقد قال سبحانه:

(وما تسقط من ورقة إلاَّ يعلمُها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين). [سورة الأنعام: الآية 59].

(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). [سورة الشورى: الآية 11].

وقد قال الإمام الحسين () في دعائه يوم عرفة: (... عُميت عينٌ لا تراك عليها رقيباً وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيباً)(11).

6 - الكلام:

إنه تعالى متكلم - وكما قلنا سابقاً - من دون أن نعكس صفة لجارحة اللسان عليه لأنه يستحيل عليه ذلك. فقد قال سبحانه في محكم كتابه المجيد:

(وكلّم الله موسى تكليماً). [سورة النساء: الآية 164].

فصفة الكلام بالنسبة إليه عز وجل نقصد بها قدرته على إيجاد الكلام فهو على كل شيءٍ قدير ولهذا يخلق الحروف والأصوات فيما يشاء من الأجسام لإيصال رسالته كما في خلق الكلام في شجرة طور لتكليم موسى ().

7 - الصدق:

حينما وصفنا الخالق الكريم بالكمال المطلق فلا تجوز عليه صفة الكذب لأنها من صفات النقص ويستحيل عليه ذلك وحينما يذهب البعض بجواز القبح عليه سبحانه فيجوّزوا عليه الكذب والظلم إنهم لا يخرجون الأمر من الدوائر التالية فإما أن يكون سبحانه جاهلاً بهذا القبح والظلم أو أن يكون عالماً به ولكنه مجبور على فعله وعاجز عن تركه أو أن يكون عالماً به وغير مجبور عليه ولا يحتاج إليه فينحصر في أن يكون فعله تشهياً وعبثاً ولهواً!!. هذه الصور تستحيل على الله تعالى لأنها تستلزم النقص فيه والله سبحانه محض الكمال فيجب أن نحكم بأنه منزّه عن الظلم وفعل ما هو قبيح(12) وسيأتي الحديث عن العدل الإلهي ونفصل في المسألة أكثر - إن شاء الله -.

8 - السرمدية:

فالله سبحانه قديم أزلي لم يُسبق بعلة فقد قال تعالى:

(وما نحن بمسبوقين). [سورة المعارج: الآية 41].

وأنه سبحانه باقٍ أبدي لا يعتريه العدم فهو الأول بلا أول يكون قبله والآخر بلا آخر يكون بعده ألم يكن سبحانه وتعالى واجب الوجود فهو القائم بذاته، الغني عن غيره ومن صفات الواجب الوجود لذاته أن لا يسبقه عدم ولا يلحقه عدم أيضاً وإلا لصار ممكن الوجود والعلة توجده والعلة تعدمه أي يكون محتاجاً لعلة الإيجاد في وجوده ولعلة العدم في زواله بينما واجب الوجود لذاته مستحيل العلة للإيجاد ومستحيل العلة للعدم.

فهو الغني بذاته عمّا سواه، فهو دائم قيوم أزلي أبدي لا يحدد بزمن البداية ولا يمكن تحديد نهايته فعن أمير المؤمنين (): (إنما يقال متى كان لما لم يكن فأما ما كان فلا يقال متى كان، كان قبل القبل بلا قبل وبعد البعد بلا بعد) وهكذا مر معنا حديث الإمام الباقر () حينما سئل عن الإمام سبحانه متى كان فقال (): (متى لم يكن حتى أخبرك متى كان)(13).

والإمام الحسين () في دعاء عرفة يقول في مقطع منه: (... متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدلّ عليك ومتى بعُدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك...).

إذن فنحن نعتقد أن من صفاته تعالى الثبوتية الحقيقية الكمالية التي تسمى بصفات الجمال والكمال كالعلم والقدرة والإرادة والحياة.. هي عين ذاته ليست هي صفات زائدة عليها وليس وجودها إلا وجود الذات فقدرته من حيث الوجود حياته وحياته قدرته بل هو قادر من حيث هو حي وحي من حيث هو قادر لا اثنينية في صفاته ووجودها وهكذا الحال في سائر صفاته الكمالية(14).

فهي عين ذاته وجوداً وعيناً وفعلاً وتأثيراً فهو تعالى ليس كمثله شيء ولا يشبه خلقه فصفاته عين ذاته غير زائدة عليها بينما صفاتنا زائدة على ذواتنا فكنا معدومين فوجدنا وكنا جاهلين فتعلمنا.. أما لو كانت صفاته تعالى كصفاتنا زائدة علينا أو كانت غير ذاته لكان تعالى محتاجاً إليها والمحتاج ممكن الحدوث ومركب فلا يكون واجب الوجود كما فرضناه وتأتي افتراضات متشعبة على هذا الفرض مثلاً لو كانت صفاته غير ذاته من سيكون الأقدم وإن كانا معاً في القدم فيلزم تعدد القدماء وهكذا يجرنا البحث إلى سلسلة البطلان التي عالجناها في حديثنا عن صفات الأزلي الأبدي الذي مرّ معنا.

وهنا يقول أمير المؤمنين: (... وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة فمن وصفه فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزأه ومن جزأه (جعله مركباً) فقد جهله...).

وروى الصدوق في (التوحيد) عن عروة قال: قلت للرضا (): خلق الله الأشياء بقدرة أم بغير قدرة، فقال: (لا يجوز أن يكون خلق الأشياء بالقدرة لأنك إذا قلت خلق الأشياء بالقدرة فكأنك قد جعلت القدرة شيئاً غيره وجعلتها آلة له بها خلق الأشياء وهذا شرك وإذا قلت خلق الأشياء بقدرة فإنما تصفه أنه جعلها باقتدار عليها وقدرة ولكن ليس هو بضعيف ولا عاجز ولا محتاج إلى غيره).

وعن الباقر () أنه قال: (سميع بصير يسمع بما يبصر ويبصر بما يسمع).

وأما الصفات الثبوتية الإضافية كالخالقية والرازقية والتقدم والعلية فهي ترجع في حقيقتها إلى صفة واحدة حقيقية وهي القيوّمية لمخلوقاته وهي صفة واحدة تنتزع منها عدة صفات باعتبار اختلاف الآثار والملاحظات(15).

فهذه الصفات التي سميناها فيما سبق بصفات الفعل وقلنا إنها حادثة وليست ذاتية فيه كصفات الذات فنستطيع أن ننسب الفعل إليه تعالى ونسلبها كذلك فهو المحيي وهو المميت وهو يخلق ولم يُخلق ويرزق ولم يُرزق - ومرّ معنا الحديث عن صفات الفعل قبل صفات الذات وأشرنا إلى الإرادة وأثبتنا أنها من صفات الفعل -.


توقيع خادمة العباس (ع)


خــ العباس(ع) ــــــادمة



رد مع اقتباس