منتديات موقع الميزان - عرض مشاركة واحدة - عقيدتنا في الأصول
عرض مشاركة واحدة

منتظرة المهدي
عضو
رقم العضوية : 421
الإنتساب : Sep 2007
الدولة : طيبة الطيبة
المشاركات : 5,448
بمعدل : 0.85 يوميا
النقاط : 0
المستوى : منتظرة المهدي is on a distinguished road

منتظرة المهدي غير متواجد حالياً عرض البوم صور منتظرة المهدي



  مشاركة رقم : 10  
كاتب الموضوع : خادمة العباس (ع) المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
Post
قديم بتاريخ : 14-Dec-2007 الساعة : 12:56 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


يا دائم الفضل على البرية
يا باسط اليدين بالعطية
يا صاحب المواهب السنية
صلى على محمد وآل محمد
خير الورى سجية
وغفر لنا ياذا العلى في هذه العشية ....


نتابع السابعا


2 - وأما الصفات السلبية

قال تبارك وتعالى: (تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام). [سورة الرحمن: الآية 78].

قيل الجلال صفاته السلبية وتسمى صفات الجلال أما الإكرام فهي صفاته الثبوتية وصفات الجلال هي التي تنفي النقائص عنه تعالى فهي ممتنعة عن واجب الوجود وغيره لائقة بالكمال المطلق وهذا الكمال المطلق لا يمكن تثبيته إلاَّ بنفي النقص والقبح عنه كما لا يثبت الحق إلا بنفي الباطل ومن أهم هذه الصفات السلبية هي:

أنه لا شريك له وأنه ليس محتاجاً في ذاته وصفاته إلى الغير والمكان والزمان وأنه ليس مركباً من الأجزاء وأنه ليس محلاً للحوادث كالنوم واليقظة وأنه لا يحل ولا يتحد مع أحد وأنه ليس بجسمٍ وأنه لا يُرى بحاسة البصر وأنه لا يفعل قبيحاً وأنه لا يشبه أحداً... فهي منافية تقريباً للصفات الثبوتية أو مضادة لها كالجهل والعجز والفناء والشريك كل ذلك ينافي العلم والقدرة والبقاء والوحدانية - على التوالي - فليس لله ضدّ ولا شكل ولا صورة ولا حيّز لمكان ولا هو جوهر كالجسم والمادة ولا هو عرض كاللذة والشهوة لأن ذلك مفتقر إلى من يؤثر فيها من الوجود لذا حينما سئل الإمام علي (): هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟ فقال (): (أفأعبد لما لا أرى ثم قال: لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان قريب من الأشياء غير ملامس، بعيد منها غير مباين، متكلم لا برويّة، مريد لا بهمة، صانع لا بجارحة، لطيف لا يوصف بالخفاء، كبير لا يوصف بالجفاء، بصير لا يوصف بالحاسة، رحيم لا يوصف بالرقة، تعنو الوجوه لعظمته، وتجب القلوب من مخافته)(16).

وحينما سئل الإمام الصادق () عن حقيقة الله أجاب: (هو شيء بخلاف الأشياء أرجع بقولي إلى إثبات معنى وإنه لشيء بحقيقته الشيئية غير أنه لا جسم ولا صورة ولا يحس ولا يجس ولا يُدرك بالحواس الخمس لا تدركه الأوهام ولا تغيره الأزمان)(17).

وتبرز أمامي علامة استفهام كبيرة أحبذ أن أوردها قبل أن أشرح بعض الصفات السلبية وهذه المسألة قد أخذت منّا وقتاً وجهداً لا بأس به بيننا وبين أستاذ الفلسفة أيام دراستنا في النجف الأشرف وملخصها أننا حينما نصف الله سبحانه وصفاً خارجاً عن أطرنا وحواسنا ولا نستطيع أن نحيطه علماً ولا نتمكن من معرفة كنه ذاته وماهيته وكل ذلك مرّ معنا في الصفحات السابقة مع الروايات الشريفة الداعمة للفكرة، يبرز هذا التساؤل حينما يكون الخالق الكريم بهذه الصورة فمن الذي دلّنا عليه وجعلنا نبحث عنه ونتوصل إلى معرفة ما أمكنا معرفته لنمتثل أوامره.

وما استطعنا أن نصل إلى الجواب الشافي حينذاك حيث المناقشة الحادة بين الأطراف فأحدنا يرفض والآخر يعارض وثالث يوافق وهكذا في الوسط المزدحم بالنقاش خيّم علينا صوت الأستاذ المرحوم ذلك الصوت الرخيم وتلا مقطعاً من دعاء الصباح لمولانا وسيدنا الإمام علي () وبالفعل كان هو الجواب الشافي الذي جعلنا نوقف تلك المناقشة وذلك الضجيج بل ونقتنع... حيث قال الإمام: (... يا من دل على ذاته بذاته وتنزه عن مجانسة مخلوقاته وجلّ عن ملاءمة كيفياته يا من قرب من خطرات الظنون وبَعُدَ عن لحظات العيون وعلم بما كان قبل أن يكون...)(18).

ونقرأ كذلك في دعاء الإمام زين العابدين (): (بك عرفتك وأنت دللتني عليك ودعوتني إليك ولولا أنت لم أدر ما أنت..)(19).

فإذن هو الله سبحانه الذي دلنا على ذاته المقدسة ومما لا ريب فيه نلاحظ في هذا المقطع المبارك ذكر بعض الصفات السلبية الجلالية حيث لا يتجانس سبحانه وتعالى مع مخلوقاته ولا يرى بالعيون المجردة وهكذا.. والآن لنعود إلى معرفة أهم صفات الجلال (الصفات السلبية) فلنوضحها بإيجاز:

1 - إن الله تبارك وتعالى لا شريك له

سبق وأن تحدثنا في الفصل السابق وأشرنا إلى الآيات الكريمة بهذا الصدد في أنه (سبحانه) يمتنع عليه الشريك عقلاً فأما الواحد أقوى من الثاني أو متساويين في القوة والقدم وعلى كل التقادير لرأينا حينذاك الاختلاف في الخلق والرسل والآثار ومرت معنا الآيات والروايات الموضحة لهذه الصفة منها قال سبحانه:

(لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا). [سورة الأنبياء: الآية 22].

2 - إنه سبحانه غير محتاج في ذاته وصفاته

إلى الغير والمكان والزمان والأدوات والكيفية فهو الغني المطلق عن غيره وقد مضى معنا أنه واجب الوجود لذاته وصفاته صفات الأزلي التي منها أنه لا يحتاج إلى غيره وإنه يستغني بذاته عن كل شيء في الوجود بل كل شيءٍ مفتقر إليه. وهنا لابد أن نشير إلى مسألة الظهور الإلهي ومستلزمات الظهور هل أن الخلائق تظهر في الله سبحانه أم أنه الله يظهر فيها من باب (فلست تظهر لولاي لم أكن لولاك) ومما لاشك فيه أن هذه المسألة أخذت أبعاداً مختلفة وآراء متعددة فبعض الصوفيين ذهب إلى أن الله سبحانه يظهر في المخلوقات حتى في الحيوانات لأنهم تشدّدوا في ظهوره فيها وبعض المفكرين وقف متحيّراً متردداً فلو تصفحنا تراثنا الديني المقدس لقرأنا في الحديث القدسي (كنتُ كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف) ومعنى ذلك أن الله خلق الخلق لأنه أراد الناس أن يعرفوا ربهم فعليهم أن ينظروا إلى خلقتهم وعظمة أجهزتهم الداخلية والخارجية حتى يعرفوا الله الخالق لهم وليس المعنى أنه لو لم يخلق الخلق لم يكن معروفاً فخلق الخلق ليكون معروفاً فهو معروف لنفسه وظاهر بنفسه ولا يحتاج إلى شيءٍ ليظهر به.

فليس معنى الحديث أنه سبحانه ظاهر فيهم بل هم ظاهرون به كما كل شيءٍ قائم بالله وليس هو قائم بأيّ شيء بل كل شيءٍ قائم به وهكذا كل شيء ظاهر به وباطن به فلا يكون المخلوق ظرفاً لله تعالى ولا الله تعالى ظرفاً للخلائق حتى تكون الخلائق في الله ظاهرة أو يكون الله في الخلائق ظاهراً بالمعنى الظرفي. وأما ما نقرأ في الكتاب العزيز في الآية الكريمة مثلاً:

(فنفخنا فيه من روحنا). [سورة التحريم: الآية 12].

فمن باب نسبة الشيء إلى الله عز وجل لتقريبه إليه كما في الآية الأخرى:

(يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون). [سورة الزخرف: الآية 68].

وفي آية مباركة أخرى: (وطهر بيتي للطائفتين والقائمين والركع السجود). [سورة الحج: الآية 26].

فالروح والعباد والبيت كل ذلك من مخلوقات الله أما نسبة ذلك إلى الله من باب القربة والمنزلة الرفيعة.

يقول الإمام الصادق في تفسير الآية (ونفخنا فيه من روحنا) قال: (إن الروح متحرك كالريح وإنما سمي روحاً لأنه اشتق اسمه من الريح.. وإنما أضافه إلى نفسه لأنه اصطفاه على سائر الأرواح كما قال لبيت من البيوت (بيتي) ولرسول من الرسل (خليلي) (حبيبي) واشباه ذلك وكل ذلك مخلوق مصنوع محدَث مربوب مدبَّر).

فهو الصمد ليس وعاء يصدر منه شيء ولا يكون ظاهراً في شيء، عن الصادق (): (هو الله الثابت الموجود، تعالى الله عما يصفه الواصفون، فلا تعدو القرآن فتضلوا بعد البيان) فلابد من نفي التشبيه والتعطيل عن الله سبحانه. ونقرأ في دعاء الإمام الحسين () في يوم عرفة قوله: (كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك عميت عين لا تراك عليها رقيباً...) وهذا المقطع واضح لما ذهبنا إليه وقد قال الإمام الصادق: (ليس إلا الله وخلقه لا ثالث بينهما ولا ثالث غيرهما) فكل شيء أراد أن يظهر فلابد أن يظهر بالله سبحانه وليس الله يظهر في الشيء فهو الغني عن كل شيءٍ لقوله تعالى: (ومن كفر فإنّ الله غنيٌ عن العالمين). [سورة آل عمران: الآية 97].

وقوله أيضاً: (قالوا اتخَذَ الله ولداً سبحانه هو الغنيّ..). [سورة يونس: الآية 68].

3 - الله سبحانه ليس مركباً

كذلك أخذنا فيما مضى من صفات الأزلي أن يكون بسيطاً لا مركباً لأن المركب يكون حادثاً والحادث مخلوق ويكون له أول كما يكون له آخر وهذا كله ينافي صفة الأزل ويطابق صفة الممكن المحتاج لغيره وحاشا لله سبحانه من ذلك فالله منزّه عن التركيب الخارجي ومنزّه عن الأجزاء العقلية - كما يسجل ذلك الشيخ الهادي في كتابه (معالم التوحيد) - والمراد من التركيب الخارجي يعني هو أن يكون الشيء ذا أجزاء خارجية كالمعادن والمحاليل الكيمياوية التي تتألف من الأجزاء المختلفة ولكن مثل هذا التركيب يستحيل في شأن الله سبحانه لأن الشيء المركب من مجموعة الأجزاء سيكون محتاجاً في وجوده إلى تلك الأجزاء لا محالة والمحتاج إلى غيره معلول لذلك الغير ولا يصلح للألوهية حينئذ. هذا مضافاً إلى أن الأجزاء المؤلفة للذات الإلهية إما أن تكون واجبة الوجود فحينئذ سنقع في مشكلة (تعدد الآلهة) التي يعبر عنها في علم الكلام بتعدد القدماء وإما أن تكون ممكنة الوجود وفي هذه الصورة ستحتاج هذه الأجزاء إلى الغير ليوجدها فيكون معنى هذا أن ما فرضناه إلهاً يكون معلولاً لأجزاء ذاته التي هي معلولة لموجود أعلى وبالتالي لا يكون إلهاً. وذاته منزهة عن الأجزاء العقلية ويسترسل الشيخ الهادي في توضيح هذا النوع من البساطة ولأهمية توضيحه نورده:

أ - إن الشيء يعرف بجنسه وفصله أو ما يقوم مقامهما التي تسمى بالماهية وليس للماهية أي دور إلاَّ تحديد وجود الأشياء وبيان موقعها في عالم الوجود.

ب - إن كل مولود ممكن مركب من شيئين ماهية ووجود وليس المقصود تركبه من الجزئين الخارجين كالعناصر المتركبة بل المراد هو أن الذهن النقاد يرى الشيء الخارجي الواحد في - مختبر العقل - مكوناً من جزئين:

أحدهما: يحكي عن مرتبته الوجودية وأنه يقع في أي مرتبة من مراتب الوجود من الجماد والنبات والحيوان وغيرها.

والثاني: يحكي عن عينيته الخارجية التي طرد بها العدم عن ساحة الماهية ولكن هذا النوع من التركيب يستحيل في شأن الذات الإلهية لأنها إذا كانت مؤلفة من وجود وماهية انطرح هذا السؤال إن الماهية كانت في حد ذاتها نافذة للوجود والعينية فبماذا طرد هذا العدم وأقيم محله الوجود فإنّ هذا الطرد يحتاج - تبعاً لقانون العلية العام - إلى عامل خارجي عن ذات الشيء ومن المعلوم أن الشيء المحتاج إلى العلة الخارجة عن وجوده ممكن لا يستحق الألوهية؟! ولأجل هذا ذهب العلماء إلى بساطة ذاته وإنها منزهة عن الماهية وهو عين الوجود وصرفه(20).

4 - إنه تعالى ليس محلاً للحوادث

كالنوم واليقظة والحركة والسكون والقيامة والقعود والشباب والهرم والقوة والضعف واللذة والألم والحزن والفرح والرضى والسخط لأن ذلك كله خاص بالممكنات الحوادث المتغيرات والله سبحانه لا يتغير ولا يتبدل ولا يتأثر فهو ليس بجسم كي يرتبط بمتغيرات الزمان والمكان. وهذه العوارض كالنوم والألم والضعف إنها دليل العجز والنقص وهو تعالى منزه عن ذلك فقد قال سبحانه في محكم كتابه الكريم:

(الله لا إله إلا هو الحيُّ القيوم لا تأخذه سِنَةٌ ولا نومٌ له ما في السماوات وما في الأرض). [سورة البقرة: الآية 255].

وهذه الصفة أود أن أتوسع فيها لأنها مورد كلام ونقاش.. فحينما قررنا أن ذات الله ليس فيها رضىً ولا غضب إذن فما هو معنى غضب الله عليهم ورضي الله عنهم فنقرأ ذلك في القرآن والأحاديث والروايات. فإن لم يكن في ذات الله رضى أو غضب فما معنى قيام الناس بالعبادات أو بترك المعاصي لتحقيق رضاه فإن قلنا إن الرضى والسخط موجودان في ذات الله فلازم ذلك متعلق الرضا أفعال العباد عموماً وتشمل أعمالهم بالفكر واللسان والجوارح إذن تارة يرضى الله حيث يكون العمل من قبل العباد موجباً لرضاه تعالى وتارة يغضب ويسخط حيث يكون عملهم موجباً للسخط والغضب. عندئذ يتحقق معنى رضى الله وغضبه قال سبحانه في محكم كتابه:

(رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم). [سورة المائدة: الآية 119].

وقال أيضاً: (والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه). [سورة التوبة: الآية 100].

وقال سبحانه في آية أخرى: (من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير). [سورة المائدة: الآية 60].

وقال عز وجل أيضاً: (وغضب الله عليهم ولعنهم وأعدّ لهم جهنم). [سورة الفتح: الآية 6].

وقد قال الرسول الأعظم (): (يا فاطمة إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك) و (إن الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها)(21).

وبهذا نرى أن الغضب والرضى يتحققان في الله عز وجل نتيجة أعمال العباد فتكون ذاته حينذاك متغيرة من حال إلى حال ومتحولة من حال إلى حال! بمعنى آخر سيرضى الله عنا إذا أطعناه وطبقنا أوامره وأما إذا عصيناه سيغضب علينا فإذن وجودنا بل وجود إنسان واحد يمارس عملاً معيناً يكون سبباً لتغير ذات الله من الغضب إلى الرضا فإذا تغيرت ذات الله نتيجة أعمال العباد وكل شيء متغير مصيره الزوال والتبدل وربما الإبادة - ومن هنا كان لهذه الصفة الأهمية في شرحها وتفصيلها.

والآن كيف يمكن حلّ المسألة:

جاء في (أصول الكافي) عن الإمام الصادق () في شرح الآية الكريمة:

(فلمّا آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين). [سورة الزخرف: الآية 55].

قوله (): (إن الله لا يأسف كأسفنا ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مربوبون فجعل رضاهم رضاء نفسه وسخطهم سخط نفسه لأنه جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه فلذلك صاروا كذلك وليس ذلك يصل إلى الله كما يصل إلى خلقه لكن هذا معنى ما قال من ذلك وقد قال من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها وقال (ومن يطع الرسول فقد أطاع الله) وقال: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم) فكل هذا وشبهه على ما ذكرت لك، وهكذا الرضا والغضب وغيرهما من الأشياء مما يشاكل ذلك ولو كان يصل إلى الله الأسف والضجر وهو الذي خلقهما وأنشأهما لجاز لقائلٍ أن يقول إن الخالق يبيد يوماً لأنه إذا دخله الغضب والضجر دخله التغير وإذا دخله التغيير لم يؤمَن عليه بالإبادة ثم لم يعرف المكوِّن من المكوِّن (بالفتح) ولا القادر من المقدور عليه ولا الخالق من المخلوق، تعالى الله عن هذا القول علواً كبيراً، بل هو الخالق للأشياء لا لحاجة فإذا كان لا لحاجة استحال الحدّ والكيف فيه).

إذن لا نستطيع أن ننسب الصفات التأثرية كالغضب والضجر والأسف والرضى إلى الله سبحانه فهو منزّه عن ذلك كله فهو المؤثِر ولا مؤثِر سواه وهو سبحانه غير متأثر بشيءٍ إطلاقاً وإنما خلق أولياء لنفسه يمتازون بميزتين رئيسيتين كما في الرواية المتقدمة (جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه فصاروا كذلك) فهذا الولي الداعية لله سبحانه والدليل عليه رضاه رضى الله وغضبه غضب الله وسخطه سخط الله فبيعة الرسول هي بيعة الله:

(إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله). [سورة الفتح: الآية 10].

(من يطع الرسول فقد أطاع الله). [سورة النساء: الآية 80].

لذلك حينما نقرأ الروايات التالية وبعض الأحاديث الشريفة تتوضح إلينا هذه المسألة كلياً، فقد جاء في كتاب (من لا يحضره الفقيه) أنه سئل الرسول () كيف يتوفى ملك الموت المؤمن، فقال (): (إن ملك الموت ليقف من المؤمن عند موته موقف العبد الذليل من المولى فيقوم هو وأصحابه لا يدنو منه حتى يبدأ بالتسليم ويبشره بالجنة) وجاء في (أصول الكافي) عن الرسول (): (لو أن مؤمناً أقسم على ربه لا يُميته ما أماته أبداً ولكن إذا كان ذلك إذا حضر أجله بعث الله إليه ريحين ريحاً يُقال لها المنسية وريحاً يُقال لها المسخية فأما المنسية فإنها تنسيه أهله وماله وأما المسخية فإنها تسخي نفسه عن الدنيا حتى يختار ما عند الله).

وعن الإمام الصادق (): (ما يخرج مؤمن عن الدنيا إلاَّ برضىً وذلك أن الله تبارك وتعالى يكشف له الغطاء حتى ينظر مكانه في الجنة وما أعدّ الله له فيها وينصب له الدنيا كأحسن ما كانت ثم يخيّر فيختار ما عند الله عز وجل ويقول ما أصنع بالدنيا وبلائها فلقنوا موتاكم كلمات الفرج).

وعن الإمام الصادق في رواية أخرى: أنه سئل: هل يكره المؤمن على قبض روحه قال: (لا والله إنه إذا أتاه ملك الموت يقبض روحه جزع عند ذلك فيقول له ملك الموت يا وليّ الله لا تجزع فو الذي بعث محمداً () لأنا أبرُّ بك وأشفق عليك من والدٍ رحيم لو حضرك أفتح عينيك فانظر قال: وتمثل له رسول الله () وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريتهم () فقال له هذا رسول الله وأمير المؤمنين و.. والأئمة رفقاؤكم فيفتح عينيه فينظر فينادي روحه منادٍ من قبل رب العزّة فيقول:

يا أيتها النفس المطمئنة إلى محمد وأهل بيته ارجعي إلى ربك راضيةً بالولاء مرضيةً بالثواب فادخلي في عبادي (يعني محمداً وأهل بيته) وادخلي جنتي فما شيء أحب إليّ من استلال روحه واللحوق بالمنادي).

وعن الإمام الباقر () كما جاء في (أصول الكافي): (حضر رسول الله () رجلاً من الأنصار وكانت له حال عند رسول الله فحضره عند موته فنظر إلى ملك الموت عند رأسه فقال له رسول الله () ارفق بصاحبي فإنه مؤمن فقال له ملك الموت يا محمد طِبْ نفساً وقرْ عيناً فإني بكل مؤمن رفيق شفيق واعلم يا محمد أني لأحضر ابنَ آدم عند قبض روحه فإذا قبضته صرخ صارخ من أهله عند ذلك فانتحي في جانب الدار ومعي روحه فأقول لهم والله ما ظلمناه ولا سبقنا به أجلنا ولا استعجلنا به قدره وما كان لنا في قبض روحه من ذنب فإن ترضوا بما صنع الله به وتصبروا تؤجروا وتحمدوا وإن تجزعوا وتسخطوا تأثموا وتؤزروا وما لكم عندنا من عُتبى وإن لكم عندنا أيضاً عودة وبقية فالحذر الحذر..).

من مجمل الروايات المنتخبة في هذا الصدد نلاحظ أن الرضا والسخط هو رضا أولياء الله وعباده المخلصين كما قال الرسول الأكرم (): (يا فاطمة إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك).

وكذلك نرى إن نفس الرضا والغضب هو فعل الله سبحانه فرضى الله الذي هو فعله يعني ما خلق في موضع رضاه أي الجنة وغضبه الذي هو فعله وليس في ذاته أبداً هو مخلوقه أي النار وبموجبهما رضى وليه وغضب وليه فمن رضي عنه الولي يدخل الجنة ومن غضب عنه الولي يدخل النار - فالذي يرضي الولي يكون محله رضى الله وهو الجنة ومن أغضب الولي يكون محله غضب الله الذي هو النار فرضا الله الجنة وغضب الله النار.

فمن مجمل الروايات السابقة وغيرها نستخلص هذه الفكرة التي قلناها فالرضا والغضب مخلوقان وليسا في ذات الله عز وجل وهذان المخلوقان هما عبارة عن الجنة والنار والولي المؤمن هو الشفيع للجنة وكما في الروايات أن الإمام علي () هو قسيم النار والجنة فرضاه رضا الله أي يدخل المؤمن إلى الجنة وأما غضبه فهو غضب الله أي يدخل المنحرف إلى النار كما ورد عن الرسول الأكرم (): (يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق) وفي حديث آخر: (عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب)(22).

5 - أنّه سبحانه لا يحلّ ولا يتحد مع أحد

أي إنه تعالى لا يوجد في محل يضمه ويحويه ولا يفتقر إلى المحل الذي يحل فيه لأن الافتقار والاحتياج للشيء ليس من صفات الأزلي بل من صفات الممكن الحادث المتغير المحتاج فالله سبحانه موجود في كل مكان غير مفتقر لحيّزٍ ليتواجد فيه فيخلو منه الحيز الآخر ولأن الحلول في مكان يستلزم الجسمية والله منزه عن ذلك.

أما الاتحاد وهو أن يصير الشيئان شيئاً واحداً. والآن هل يتحد سبحانه وتعالى مع مخلوقاته القاصرة أو يحل فيها - كما يذهب البعض - وما هو الهدف من ذلك؟ أم يتحد مع قديمٍ آخر ويندمج معه وما الغرض من ذلك أيضاً؟ ويبدو أن غرض الأمرين هو الحاجة لذلك، والحاجة منفية عن واجب الوجود بذاته إضافة إلى أن هذين الأمرين يستلزمان الجسمية والحدوث والله منزّه عن ذلك وساحته المقدسة تطرد هذه الاحتمالات الباطلة.

6 - الله عز وجل ليس بجسم

لأن الجسم يكون مركباً عادةً ويحتاج الجسم إلى مكان وزمان، ويتغير وينمو ويموت وينتهي وكل ذلك من صفات الممكن الحادث المتغير، والجسم بحاجة إلى الإيجاد أيضاً وهو من صفات الممكن كذلك والله سبحانه منزّه عن هذه الصفات فهو واجب الوجود أزلي - كما مر معنا -.

7 - وأنّه لا يُرى بحاسة البصر

وضحنا ذلك في الشبهة الأولى من أحاديثنا الماضية ولا بأس هنا بذكر هذه الرواية عن الأصبغ عن أمير المؤمنين () قال: قام إليه رجل يُقال له ذُغلب فقال يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك؟ قال (): (ويلك يا ذُغلب لم أكن بالذي أعبد رباً لم أره فقال كيف رأيته صفه لنا). قال (): (ويلك لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان) فلأن الرائي بالعين المجردة حينما يرى شيئاً يعني يرى جسماً يشغل حيزاً بالفراغ. ولا يمكنه أن يرى شيئاً ليس بجسم ومن الممكن ألا ترى العين حتى بعض الأجسام المرئية فأنّى لها أن ترى ما ليس بجسم وقد أكدنا أن الله سبحانه وتعالى ليس بجسم لأنه ليس من الممكنات الحوادث وعليه لابُدّ من تأويل ما ورد للتقريب الذهني في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة مما يتوهم القارئ بأنه (سبحانه) جسم. فمثلاً الآية القائلة: (يد الله فوق أيديهم) تعني قدرته وقوته الكبرى فوق القوى الأخرى وهكذا.

8 - أنّه لا يفعل قبيحاً

الكمال المطلق لا يصدر عنه القبيح لأنه حينما يصدر قبيحاً إما أن يكون جاهلاً بقبحه والجهل يخرج الله سبحانه عن دائرة الكمال المطلق وأما أن يكون جاهلاً بقبحه والجهل يخرج الله سبحانه عن دائرة الكمال المطلق وأما أن يكون عالماً بقبحه لكنه عاجز عن الترك والعجز صفة لا تليق بالكمال المطلق وإما أن يكون محتاجاً لفعل القبيح ونفينا حاجته - سبحانه وتعالى - لشيء. وإما أن يكون عابثاً والعبث ليس من صفات الحكيم الكامل فإذن كل ذلك مردود ومحال على الله عز وجل.

9 - أنّه سبحانه لا يشبه أحداً

وقد قررنا سابقاً أن الذي أوجدنا ليس مثلنا كما جاء في قوله تعالى في محكم كتابه المجيد: (ليس كمثله شيء) وقد قال الإمام علي () في خطبته المشهورة: (الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون ولا يحصي نعماءه العادّون ولا يؤدي حقه المجتهدون الذي لا يدركه بُعد الهمم ولا يناله غوصُ الفطن، الذي ليس لصفته حد محدود ولا نعت موجود ولا وقت معدود ولا أجل ممدود فطر الخلائق بقدرته ونشر الرياح برحمته ووتّد الصخور ميدان أرضه أول الدين معرفته وكمال معرفته التصديق به وكمال التصديق به توحيده وكمال توحيده الإخلاص له وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة إنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف إنه غير الصفة فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزأه ومن جزأه فقد جهله ومن جهله فقد أشار إليه ومن أشار إليه فقد حدّه ومن حدّه فقد عدّه ومن قال فيمَ فقد ضمّنه ومن قال علام فقد أخلى منه، كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، وجد مع كل شيءٍ بمقارنه وغيّر كل شيءٍ لا بمزايله فاعل لا بمعنى الحركات والآلة)(23).

هذه الخطبة تحدثت عن كثير من الأمور وتضمنت الصفات السلبية عموماً حيث نفى عن الله سبحانه المشابه في الوجود كما في حديثنا عن الصفة الأخيرة حيث قال: (ولا نعت موجود) ونفى عنه الحدود الزمنية والمكانية والجسمية أيضاً. ولا بأس أن نشير في نهاية هذا البحث إلى حديث الإمام الباقر () في هذا الصدد يقول (): (هل سمي عالماً قادراً إلاَّ لأنه وهب العلم للعُلماء والقدرة للقادرين وكلما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم والبارئ تعالى واهب الحياة ومقدر الموت ولعل النمل الصغار تتوهم أن لله زبانيتين أي قرنين فإنهما كما لها وتتصور أنّ عدمهما نقصان لمن لا يكونان له).

وأما في تعدد الأسماء الحسنى فقد روي عن ثقة الإسلام في (الكافي) بإسنادٍ حَسَنٍ عن هشام بن الحكم أنّه سأل مولانا الصادق () عن أسماء الله واشتقاقها، الله ممّ هو مشتق قال: فقال لي: (يا هشام الله مشتق من إله والإله يقتضي مألوهاً والاسم غير المسمى فمن عبد الله دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئاً ومن عبد الاسم والمعنى فقد كفر وعبد اثنين ومن عبد المعنى دون الاسم فذلك التوحيد أفهمت يا هشام).

قال فقلت زدني، قال: (إن لله تسعة وتسعين اسماً فلو كان الاسم هو المسمى لكان كل اسم منها إلهاً ولكن الله معنى يدلك عليه بهذه الأسماء وكلها غيره يا هشام، الخبز اسم للمأكول والماء للمشروب والثوب اسم للملبوس والنار اسم للمحرِق أفهمت يا هشام فهماً تدفع به وتناضل به أعداءنا والملحدين مع الله تعالى غيره)، قلت: نعم. وهذه الرواية تنفعنا فيما قررناه سابقاً بأن صفات الله عز وجل هي عين ذاته.


3 - صفات أفعاله

تحدثنا عنها في أثناء الحديث عن الصفات الذاتية الثبوتية وعن صفة الإرادة كذلك فهي صفات متداخلة مع صفات الذات فآثرنا أن نذكرهما معاً لتتم المعرفة بشكل سريع ومقارن.


رد مع اقتباس