منتديات موقع الميزان - عرض مشاركة واحدة - وقف لوجه الله
الموضوع: وقف لوجه الله
عرض مشاركة واحدة

حسين نوح مشامع
عضو
رقم العضوية : 768
الإنتساب : Feb 2008
المشاركات : 459
بمعدل : 0.07 يوميا
النقاط : 0
المستوى : حسين نوح مشامع is on a distinguished road

حسين نوح مشامع غير متواجد حالياً عرض البوم صور حسين نوح مشامع



  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : ميزان الكتب والمكتبات والأبحاث الدينية والعلمية
افتراضي وقف لوجه الله
قديم بتاريخ : 14-Jan-2011 الساعة : 11:40 AM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


وقف لوجه الله
يحتفظ النمل بجزء من قوت أفراد مستعمرته, ادخارا ليوم عاصف أو لفصل برد قارص، حين لا يستطيع مقاومة الظروف المحيطة به، أو المجازفة بنفسه.

وهذا يقسم دخله الضعيف البسيط أثلاثا، بعد تلك المعاناة النفسية، والجهد العضلي المضني، والقسوة الإدارية الظالمة، وساعات العمل الطويلة. فهو يعمل ليلا نهارا، كما يدور ثور في ساقية، لا يتوقف إلا ليخلد للنوم والراحة.

يصرف ثلثا في طاعة الله، ورجاء ثوابه. وثلثا ينفقه في معاشه ومعاش عياله، ليكفيهم مد يد الحاجة والعوز، و العالة على المجتمع.

الثلث الأخير يدخره لمشروع مستقبلي، خطط له في شبابه، وبقي هكذا سرا داخل قلبه، لا يعلم به إلا ربه. وكما تظهر أول تباشير الصباح، مع ما ترسله الشمس من أشعتها، تراءت أول خيوط مشروعه عندما توفرت لديه القليل من المادة، وبدء بدخول السوق يسأل ويستفسر.

عندها لفت أنظار الناس إليه، وأخذت الأفواه تلوكه مع طعامها، حتى أصبح من فاكهة المجالس. لا يخلو أي منها من سيرته، أو خبرا عنه. وتوجهت إليه الألسن كأجواف الحيتان، والعيون كوكالات البحث الجنائي. فهذا يصمه بالجنون، لاستثماره في منطقة نائية ليس لها مردود اقتصادي على المدى القريب ولا البعيد، وقد يموت قبل رؤية مشروعه النور. وذلك يتهمه بالسرقة والاحتيال، إذ كيف يتمكن ذوي الدخل المحدود المقطوع، الإقدام على ما لا يقدم عليه التجار والأثرياء؟!

مضى لا يلتفت لكلام العامة، حتى تم له الحصول على ما عزم عليه. فتبدلت الدنيا وتغيرت بمرور الأيام، كما تتبدل الأجسام وتبلى, وكما تنقلب الممالك والحضارات، فتتقدم هذه وتزدهر ، وتسقط تلك وتندثر.

تغيرت قريته من قرية صغيرة منزوية نائية, إلى مدينة مهمة عظيمة وكبيرة. وتحولت المنطقة التي اشترى فيها نواة مشروعه، إلى حي حديث في وسط تلك المدينة.

اضطربت الدنيا عندها واهتزت، وامتلأت السماء بالغيوم الداكنة، وأخذت ترعد وتبرق غضبا، والأمطار الغزيرة تنهمر احتجاجا. فتوجهت أنظار رؤوس الأموال، وذوي الكروش الكبيرة والعيون الواسعة، على أمل التهام تلك اللقمة من فمه ومن بين يديه، في سبيل مشروع تجاري ضخم يدر عليهم الملايين.

تذكر عندها جواب ذلك الثري عندما طلب منه المساعدة المادية، فقال وهو ينظر للقائمين بعين ملأها الغرابة والاستهجان: الأفضل لكم عمل ملهى ليلي، فذلك أكثر فائدة. فاخذ يردهم ردا جميلا، دون إلهاب نفوسهم المتعطشة، قائلا: ليست للبيع.
إعادة صياغة: حسين نوح مشامع – القطيف، السعودية.

رد مع اقتباس