اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
كربلاء دروس وعبر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد واله الطاهرين المعصومين , واللعن الدائم على أعدائهم اجمعن الى قيام يوم الدين
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اهل بيت الحسين وعلى حامل لواء الحسين وعلى انصار الحسين
كربلاء دروس وعبر
إنّ الله( سبحانه وتعالى) أمر عباده بالتأمّل في التاريخ وأخذ العبر منه، قال عزّ وجل ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) (111 سورة يوسف)، نعم لا شك ولا ريب أن قصّة النبي يوسف () وإخوته التي نزلت فيها سورة في القرآن الكريم لم يقصها ربنا( سبحانه وتعالى) لأجل التسلية والترويح عن النفس، بل سيقت للبشرية جمعاء لكي يأخذوا منها العبر والمواعظ.
إنّ قصّة يوسف() لها فوائد كثيرة منها عواقب الحسد، تعلمنا العفة والطهارة....إلخ وهكذا فإنّ القصص التاريخية ينبغي لنا أن نتدبر فيها لنأخذ منها دروساً تنعكس على حياتنا وتؤثر في سلوكنا، كما ورد إنّ ( السعيد من وعظ بغيره))، فالعقلاء يرون من غير اللائق أن لا يستفيد الإنسان من ما جرى على من سبقه.
من تلك الأحداث الكبيرة في تاريخ الأمة الإسلامية فاجعة كربلاء، هذه الملحمة الأليمة زاخرة بالقصص والمواقف التي يمكن لنا أن نستفيد منها دروساً تنفعنا وتؤثر أثراً إيجابياً في حياتنا، الصبر والتسليم لأمر الله، في كربلاء المقدسة تتجلى فضيلة الصبر والتسليم لأمر الله سبحانه وتعالى، وقد مدح القران الكريم الصبر والصابرين في مواطن عدة قال عز وجل: ( وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) (46 سورة الأنفال) وفي آية أخرى ( وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (146 سورة آل عمران).
ها هو سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه في يوم عاشوراء كالجبل الشامخ، لا تحرّكه العواصف فرغم ما حلّ به من المصائب العظام التي لو وضعت على الجبال لذابت من شدتها لم يصدر من الإمام الحسين () إلا التسليم لأمر الله في جميع المواطن حين قتل ولده علي الأكبر() وأخوه أبو الفضل العباس() وطفله الرضيع عبد الله() وأهل بيته وأصحابه جميعاً، لم تصدر منه كلمة واحدة أو موقف واحد يدل على عدم الصبر، بل الرضى التام بقضاء الله وقدره، حتى أعداؤه قالوا فيه أنهم ما وجدوا رجلاً قتل أصحابه وأهل بيته أربط جأشاً منه، وهذه الصدّيقة زينب الكبرى() بعد مقتل أخيها سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين() تضع يدها على جسده الشريف وتقول(مضمونه) ((اللهم تقبل منا هذا القربان)).
أين نحن من ذلك؟ تجد أحدنا بمجرد أن تصيبه أتفه المصائب وأبسطها يقيم الدنيا ويقعدها! فترى البعض يقول ما الذي صنعت أنا يا رب حتى ينزل بي ما نزل؟، فنقول له هل المصائب لا تحل إلا بالعاصين والمذنبين؟ هل فعل الإمام المعصوم () ذنباً؟ كلا، وهل أنت خالي من الذنوب فعلاً؟ تأمل قليلاً وستجد أن ما يصيبك لو كان بسبب الذنوب فقط فقد تكون مستحقاً لصاعقة من السماء تنزل وتحرقك.
علينا جميعاً أن نستلهم الصبر من يوم عاشوراء ونتأسى بإمامنا الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام.
الرأفة والرحمة وحفظ حقوق الإنسان:
من الدروس العظيمة التي تفيضها كربلاء، الرأفة والرحمة وحفظ حقوق الإنسان كإنسان بغض النظر عن موقفنا منه، فعندما وصل جيش الحر الرياحي وكانوا جميعاً قد كظهم الظمأ فما كان من سيد الشهداء() إلا أن أمر بسقيهم الماء وخيولهم.
إنّه رحمة الله الواسعة فقد كان بإمكان الإمام () وهم في هذه الحالة أن يتخلص منهم جميعاً ولا ملامة عليه، فهم أعداؤه وجاءوا لقتاله، لم يتعامل معهم بالمقاييس السياسية والعسكرية المجردة عن القيم الربانية التي لا تعطي للإنسان قيمة.
أين منظمات حقوق الإنسان التي تكيل بمكيالين، هي اليوم مدعوة لأن تعيد مبادئها وتستفيد من ما جسّده الإمام الحسين () لحفظ حقوق الإنسان، بل وحقوق الحيوان، حيث سقى خيولهم مع حاجته إلى الماء، وعلى العكس تماماً ما فعله أتباع بني أمية يوم عاشوراء بالإمام الحسين () وأهل بيته وأصحابه ونسائه وأطفاله، لا تفعله حتى الوحوش الضواري، إنهم مسخت قلوبهم فلا تجد فيها إلا العمى والحقد والكراهية، فمع إدعائهم للإسلام يقتلون ابن نبي الإسلام().
الارتباط الدائم بالله:
لو تأملنا في ملحمة كربلاء، نجد أن الإمام الحسين() ما برح يذكر الله سبحانه وتعالى في جميع الأحوال وفي أحلك الظروف، لقد طلب الإمام الحسين() من أعدائه أن يمهلوه سواد ليلة عاشوراء لكي يتوجه إلى الله بالصلاة والدعاء وتلاوة القران، ولقد بات الإمام الحسين() وأصحابه تلك الليلة ولهم دوي كدويّ النحل، فلم يمنعهم ملاقاة العدو الذي لا يرحم من التوجه إلى الله(تعالى).
يوم عاشوراء عند القتال يلتفت أحد أصحاب الإمام الحسين() فيقول إني أحب أن لا أموت إلا وقد صليت معك هذه الصلاة التي دنا وقتها، فيقول له(): (مضمونه) ((ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين))، وهنا نشير إلى أمر مهم هو أنه عندما تسير مواكب العزاء ينبغي عدم تعارض وقتها مع الصلاة.
نعم إن الإمام الحسين كان دائم التوجه إلى الله (سبحانه وتعالى) في جميع الحالات، حتى عند استشهاده () لم يشغله شيء عن ذكر الله والدعاء، وعلينا أن نستفيد درساً منه في التوجه الدائم إلى الله تبارك وتعالى في جميع الأحوال.
نسأل الله عزّ وجلّ أن يجعلنا مع الحسين() وأن يحشرنا في زمرته ويرزقنا في الدنيا زيارته وفي الآخرة شفاعته وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.