اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
وكالة الوهم
توقفت البطارية فجأة، ولم تعد تعمل. ولم يكن لدي الاستعداد للانتظار في طابور الزبائن، حتى يحين دوري. ولا لأضع رأسي تحت رحمته، يعمل به ما يشاء. مع قلة خبرته، وسوء مظهره. كما إنني في حاجة إلى مشوار طويل خاص، لأتمكن من إيصالها إلى وكالتها. فقررت طرحها جانبا، والبحث عن أخرى ذات مميزات أفضل.
استوقفني بعد فترة من البحث الدءوب، ملصق على الواجهة الزجاجية، لأحد المحال التجارية. يعدد مزايا ماكينة حلاقة ذات علامة عالمية، ومواصفات مميزة. وكانت نظافة الزجاج، تضفي مزيدا من الجاذبية على ذلك الإعلان.
فدخلت متسائلا، ليقابلني بائعا متشوقا لرؤيتي. كأنه صياد ينتظر فريسته، أو كأنني سمكة حطت في شبكته. فأخذ يصف مادحا، ويبجل مميزا. كأنه نخاس يعرض سبية، في سوق العبيد. ولم ينس ذكر استعداهم لصيانتها، عند أول عطل يصيبها.
أغراني العرض - وأعجبتني البضاعة، فقررت الشراء رغم غلاء الثمن. فأخذتها فرحا مستبشرا، كأني أزف إلى عروسي البكر. فمضى جل تلك السنة، دون مشاكل تذكر. ودخلت سنة جديدة، بخروج أنوار فجرها إلى العيان. فأخذ يهاجمها الخراب، ويغزو أوصالها العطب. كأنه السوس ينخر، في جسم شجرة يانعة. فرفضت العمل دون شحن بطاريتها، مع انه كان الهدف من شرائها. مما جعلني اشعر بالغبن، ويساورني إحساس بالغش.
حملتها إلى من باعني إياها، حسب الضمان الذي أعطاه على نفسه. ولكن بدل من أخذها للصيانة، تنصل من وعده وحمل المسئولية وكالتها. كأنما مواعيد عرقوب، قد ضربت. وأكثر ما تفضل به علي عنوانها.
انتقلت إلى مرحلة جديدة، بدأت بوصولي إليها. بعد العثور على مكتبها بجهد جهيد، والذي لم يكن يتناسب مع شهرتها العالمية. فهو متواريا على استحياء، لا يكاد يميز بين من حوله من الحوانيت. لولا تلك العلامة الجانبية، المعلقة على حرف منه، ولا ترى إلا بصعوبة.
دخلت شاكيا - وتكلمت صارخا - وتفوهت مؤنبا. فوجدته اقرب إلى دكان بقال، منه إلى ورشة شركة دولية، تقف بصدق خلف منتجاتها. وبعد الشرح المطول، والتفصيل الممل. اخذ مسئول المعرض جاهدا في إقناعي، إن تلك الميزة التي أنا في أثرها، ليست متوفرة في جميع آلات الشركة المصنعة. متصنعا العجب من كلامي، محاولا إدخال الشك في نفسي. كأنه شيطان رجيم، مضيفا: مع خبرتي الطويلة في عملي لا يمكنني تذكر مثل هذا لأمر.
مما جعلني اشد شعري محتجا في عصبية، رادا عليه أن وجود تلك الصفة، هو ما شجعني على اقتنائها. وبعد شعوره بشدة إصراري، وتفاديا للصدام معي، طلب إبقائها عنده لعرضها على المهندس المختص.
تنازلت مرغما، مع اعتقادي بعدم صدقه، وعدم وجود البديل. فانتظرت بضعة أيام لأقوم بعدها بمخابرته، فاعتذر بعدم تمكنهم من إصلاحها، طالبا الإمهال لأيام أخر. وبعد تمام السبعة أيام كاملة، أفاجأ بأن ما كنت أقوله كان صحيحا، وطلب حضوري لاستلامها.
ذهبت فرحا مستبشرا معتقدا حل أزمتها - وانفراج مصيبتها. ولكني اصدم بوضعه أمامي منشورا، يحاول الإثبات من خلاله أن استعمالي للآلة كان خاطئ. ولكن مصيبته برزت إلى العيان، عندما طلبت منه إثبات ذلك عمليا. فاسقط في يده، وحار لم يدري ما يعمل، كأنما وقع في واد سحيق. لا يستطيع أن يقف، ولم يتمكن من العودة إلى حيث كان. فنزل باللائمة على الآلة، لعدم إمكانه إفراغها من الطاقة.
طلبت مراجعة مديره، لأقدم إليه شكايتي. فأحتج بوجوده في مدينة أخرى، لا يمكن الوصول إليه بسهولة. فسحبت الجهاز من يده، خارجا من المعرض، متوعدا بتقديم مظلمتي إلى الوزارة إذا لم تعمل.
بقلم: حسين نوح مشامع – القطيف – السعودية