اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
زئبق احمر
باع بيته ومأوى عائلته، واستحوذ على حلي زوجه. طوفان لا يبقي على شئ أتى عليه. مناها وطمعها، بكمية اكبر - ونوعية أفضل. رفعت الراية البيضاء، ولم تستطع مقاومة الحاحه، فهي تعلم ما وراء ذلك. فهو لا يستكين ولا يهدأ له بال - عندما يركبه شيطان الغواية - حتى يصل إلى مراده. ليتمكن من متابعة أحلامه ألا متناهية، والمضي في مغامراته الغير مدروسة.
ابتلي بالعجلة - وقلة الصبر. وتناسى أن في التأني السلامة، وفي العجلة الندامة. فلم يعطى أي من مشاريعه الوقت، ليلقحها الزمن - وتؤتي أكلها. فهو في جري دائم وراء الربح السريع، وفي سباق مرير مع الدنيا، لتحقيق الملايين. تطلعا إلى ما في أيدي الأغنياء، وحسدا لما حصلوا عليه بالجهد والتعب. ولا يستوعب أن الرزق بيد الله، يقسمه كيف يشاء.
لا يتعض ولا يتعلم، من سقطاته المتلاحقة. فيخرج من حفرة، ليقع في أخرى أكبر وأعظم. من حمام زاجل، إلى مزاد أراضي، حتى سوق الأسهم. يتطلع إلى ما يعوض به خسائره المتتالية، دون النظر إلى مصداقيتها - أو ملاحظة مصادرها.
آخر ما تفتقت عنه عقول شياطين الإنس، ضحكا وتلاعبا بالعقول الضعيفة، واستغلالا لتلك النفوس الشرهة. انتشرت رسالة على الشبكة العنكبوتية، يبحث صاحبها - وحسب زعمه - عن مكائن خياطة قديمة، ومن نوعية خاصة. يوجد بها زئبق احمر، يمكن بواسطته إبطال السحر - واستخراج كنوز الأرض.
خسر كل ما يملك، ولم يبقى لديه إلا راتبه - وقوت عياله. مد يديه كالمساكين إلى الناس، يستجدي عطفهم - ويتسول أموالهم. ومن الأقارب إلى الأصدقاء، ولم ينسى الجيران وعامة الناس. لا يستمع إلى النصح، ولا يتقبل التوجيه من احد. ولو كان ذلك من زوجه، فقد تتعرض للإهانة والاستصغار، والاتهام بقلة العقل. هذا إذا لم يتطاول عليها بيده، لعدم موافقتها رأيه.
لم يجد من يقرضه، ولا من يقف إلى جانبه. فأخذ في القذف والشتم، بأفظع العبارات السوقية. والاتهام بعدم أحقيتهم للمساعدة، وحسن الصحبة. مع ما فيه من سوء العشرة، والنفرة من مساعدة الاخرين.
لم يجد من يلجأ إليه، حتى انزلقت قدميه انزلاق الصخور عندما يهاجمها السيل. متوجها إلى أبواب المصارف التجارية، يستجدي مساعدتها. فاستدان بضمان دخله الشهري، الذي لم يعد قادرا على الصمود، وتقطعت أوصاله - وتلاشت قواه. فهو مشتت بين إيجار سكن،
ومصاريف معيشة. ولم يتأثر كأنه صخر أصم لا قلب له، بتشتت عائلته وانتقالها من سكن إلى آخر، لعدم السداد.
دخل هذه السوق، كما دخل غيره من المضاربين. الذين لم يكونوا أفضل حالا منه - ولا ا
أكثر خبرة. اشترى كل ما استطاع الحصول عليه، من أيدي الناس. وضارب في الكمية التي كانت تثور كالبراكين تارة - وتتقلص وتنقبض أخرى - بين يدي التجار. دون بيع وشراء حقيقي ملموس.
خزن كميات كبيرة، وستأجر مستودعات كثيرة. على أمل يأتي ذلك المليْ، الذي يدفع له ما يسدد به ديونه. ويرفعه من قاع الفقر، إلى مصاف الأغنياء والأثرياء. أخذت الأسعار في الارتفاع، كما كانت في الأراضي، وكذا في الأسهم. ففاضت مخازنه، وتناقصت أمواله، وأصبح يتقلب على أبواب الإفلاس.
كثرت ديونه ولم يعد راتبه، يغطي كل التزاماته. تحركت المصارف في تحصيل قروضها، ولكنه لا يملك ما يمكنها الحجز عليه، فؤدع السجن.
بقلم: حسين نوح مشامع – القطيف - السعودية