اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
البديل
تزوجت وأخذت في تكوين عائلتها، وهي في عز شبابها. كأنها ثمرة أينعت وحان قطافها. وقبل إنهاء دراستها الجامعية، التي كانت حلم مستقبلها. فكانت تنحت في الصخر، وتحرث تربتها بيديها العاريتين حتى تدمى. تنتحب حتى ينزعج من حولها، عندما تنقصها بعض الدرجات. كأنما السماء خرت من فوقها، وقامت قيامتها.
عندما حصلت على شهادتها، انشطرت روحها بين همين، احدهما أكبر من الآخر. وتمزق ذهنها شطرين، بين إيفاء عقد الزواج حقه. بعد أن التزمت به، ووقعته بمحض إرادتها. وبين ممارسة مهنتها، التي كانت أمنيتها وحلمها الثاني، بعد الزواج والإنجاب. ليس من المنطق التوقف الآن، بعد قطع كل ذلك المشوار من عمرها. وإخفاء شهادتها تحت ثيابها، في آخر رف من خزانتها. وإغلاق الأبواب عليها، ليأكلها الغبار والعته.
هكذا أفاقت على أعباء حياة، لم تكن في حساباتها. ويزداد ألمها بعد استلامها لمهام عملها، وزيادة عدد أبنائها - وبلوغهم سن الإدراك. عندها توجب عليها أخذ بعض القرارات المصيرية لحياتها.
كانت ولفترة طويلة تتهرب من تغيير وردية عملها، قدر استطاعتها. هربها من وحش كاسر. ووجدت من يعينها ويقف إلى جانبها، ويقدر موقفها. لتتمكن من القيام بواجباتها، كزوج وأم لعدة أطفال. لقد كانوا بالفعل، ملائكة الرحمة بالنسبة لها.
على النقيض منهم، كان هناك من يقف لها بالمرصاد. يحاول الإيقاع بها، ليجبرها على الأكل من الطبق الذي كانت تهرب منه وتتحاشاه. ويعتبر عدم قيامها بورديات مختلفة، إخلالا بالنظام - ورفضا للأوامر.
استسلمت أخيرا لإرادة أدارتها، استسلام الطريدة لقاتلها. ونفذت ذخيرتها، بعد أن تم التضييق عليها - وإرعاب الأخريات عن التعاون معها. فنجحوا في تركيعها - وكسر شوكتها.
قبلت بالأمر الواقع، فدخلت في طور جديد من النضال والعنت. والخوف من تشتت عائلتها وتفككها. أصبحت تخرج للعمل، دون أن تتمكن من توديع أطفالها، وهم يبدؤون يوم جديد. وتعود وقد انتهى ذلك اليوم، وذهبوا في سبات عميق قبل أن تتمكن من تقبيلهم.
كانوا يعكرون عليها صفاء يوم عطلتها، بكثرة الأسئلة - ويمطرونها بالاستفسارات. لماذا لم تعد تتواجد معهم؟! وهل هي فعلا تحبهم؟! كأنهم قد أحسوا باليتم، وفقدان الأم. لذا قررت ما ليس منه مهرب، والبحث عن البديل.
بقلم: حسين نوح مشامع – القطيف - السعودية