اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
يا دائم الفضل على البرية
يا باسط اليدين بالعطية
يا صاحب المواهب السنية
صلى على محمد وآل محمد
خير الورى سجية
وغفر لنا يا ذا العلى في هذه العشية
عظم الله لكم الأجر في مصاب سيد الساجدين
قال في إحدى مناجاته التي ترتعد منها الفرائص:
(يا نفس حتى م إلى الدنيا سكونك، وإلى عمارتها ركونك أما اعتبرت بمن مضى من أسلافك، ومن رواته الأرض من ألاّفك؟ ومن فجعت به من إخوانك؟!!.
خلت دورهم منهم وأقوت عراصهم***وساقتهــــم نحــــو المنــــايا المقابر
فهم في بطون الأرض بعد ظهورهـا***محــــاسنهم فيــــها بــــوال دوائــــر
وخــــلوا عــن الدنيا وما جمعوا لها***وضمتهم تحــــت التــــراب الحـفائر
فكم خرمت أيدي المنون من قرون، وكم غيرت الأرض ببلائها وغيبت في ترابها ممن عاشرت من البشر وشيعتهم إلى البور ثم رجعت عنهم إلى عمل أهل الإفلاس.
ثم يتابع في نصحه لأهل الدنيا:
وأن على الدنيا مكب منافــــسٍ***لخــــطابها فيــها حريص مكائر
على خطر تمسي وتصبح لاهياً***أتـــــدري بماذا لو عقلت تخاطر
وإن امرءاً يسعى لدنياه جاهداً***ويذهل عـن أخراه لا شك خاسر
فحتى م على الدنيا إقبالك؟ وبمغرياتها اشتغالك؟ وقد أسرع إلى قذالك الشيب البشير، وأنذرك النذير، وأنت ساه عما يراد بك ولاه عن غدك وقد رأيت بأم عينك انقلاب أهل الشهوات، وعاينت ما حل بهم من المصائب والنكبات.
وفي ذكر هول الموت والقبر والبلى***عــــن اللهــــو واللــــذات زاجـــــــر
كأنــــك معــــني بمــــا هــــو صــائر***لنفســــك عــمداً أو عن الرشد حائرفحول نظرك إلى الأمم الماضية والقرون الخالية كيف اختطفتهم عوادي الأيام فأفناهم الحمام، فامحت من الدنيا آثارهم وأصبحوا رمماً تحت التراب إلى يوم الحشر والحساب.
وأضحوا رميماً في التراب وأقفرت***مجــــالس منــــهم عـطلت ومقاصر
وحــــــلوا بــــــدار لا تـــزاور بينهم***وأنــــــى لســــــكان القبور التزاور
فــــــما أن تــرى إلا قبوراً ثووا بها***مسطحــــــة تسفي عليها الأعاصر
ثم يحذر () المتكبرين ويعظ الملوك الجبارين الذين نزل بهم ما لا يصد فتعالى العزيز القهار، مبيد المتكبرين وقاصم الجبارين الذي ذل لعزه كل سلطان، وباد بقوته كل ديان:
مليــــــك عــــــزيز لا يـــرد قضاؤه***حــــــكيم عــــليم نافذ الأمر قاهر
عــــــنا كــــــل ذي عز لعزة وجهه***فكـــــم من عزيز للمهيمن صاغر
لقد خضعت واستسلمت وتضاءلت***لعـــزة ذي العرش الملوك الجبابر
ويتابع () تحذيره للناس عامة من الدنيا ومكائدها، وما نصبت للناس من مصائبها، وتحلت لهم من زينتها وأظهرت لهم من بهجتها ومن شهواتها وأخفت عنهم من مكائدها وقواتلها:
وفي دون ما عينت من فجعاتها***إلى دفعــــــها داع وبالـزهد آمر
فجــــــد ولا تغــــفل وكن متيقظاً***فعــــــما قليل يتـرك الدار عامر
فشمّر ولا تفتر فعــــــمـرك زائل***وأنت إلى دار الإقــــــامة صائر
ولا تطلب الدنيا فإن نعيــــــمهــا***وإن نلت منها غبه لـــــك ضائر
وما دام اللبيب على ثقة من زوال الدنيا وفنائها، فلماذا يحرص عليها ويطمع في بقائها، وكيف تنام عينه وتسكن نفسه وهو يتوقع الممات في جميع أموره!!.
إلا لــــــه ولكنــــــا نغـر نفوسنا***وتشغــــــلنا اللـذات عما نحـاذر
وكيف يلذ العيش من هو موقن***بموقــف عدل يوم تبلى السرائر
كأنـــــا نرى أن لا نشور، وإنما***سدى ما لنا بعد الممات مصادر
وبعد الوقوع في الخطايا وانغماسه في الرزايا يبكي على ما سلف ويتحسر على ما فاته من الدنيا، فيشرع بالاستغفار حين لا ينجيه لا استغفار ولا اعتذار من هول المنية ونزول البلية:
أحاطــــــت به أحـزانه وهمومه***وأبلــــــس لما أعجـزته المقادر
فليس له من كربة الموت فارج***وليــــــس لـــه مما يحاذر ناصر
فيـــــا عـــــامر الدنيا ويا ساعياً لها***ويـــــا آمنـــــاً مــن أن تدور الدوائر
ولم تـــــتزود للـــــرحيل وقـــــد دنــا***وأنـــــت عـــــلـى حال وشيك مسافر
فيـــــا لهف نفـسي كم أسوف توبتي***وعمري فـــــان والـــــردى لي ناظر
وكل الذي أسلفت في الصحف مثبت***يجـــــازي عـــــليه عادل الحكم قادر
تخـــــرب ما يبـــــقى وتعـــــمر فانياً***فـــــلا ذاك مـــــوفور ولا ذاك عامر
وهـــــل لـــــك إن وافاك حتفك بغـتة***ولـــــم تكتــسب خيراً لدى الله عاذر
أتـــــرضى بأن تفنى الحياة وتنقضي***وديـــــنك منقـــــوص ومــــالك وافر
روى الزهري قال: كان علي بن الحسين () يناجي ربه تعالى ويقول: (قل لمن قل عزاؤه، وطال بكاؤه، ودام عناؤه، وبان صبره، وتقسم فكره، والتبس عليه أمره، من فقد الأولاد، ومفارقة الآباء والأجداد، ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد؟.
تعـــــز فـــــكل للمنـــــية ذائــق***وكـــــل ابن أنثى للحياة مفارق
إذا كـــــان هـــــذا نهــج من كان قبلنا***فـــــإنا عـــــلى آثـــــارهم نـــتـــلاحق
فكن عالما أن سوف تدرك من مضى***ولو عــــصمتك الـــراسيات الشواهق
فمـــــا هـــــذه دار المقــــامة فاعلمن***ولـــــو عـــــمر الإنسان ما ذر شارق
فتأمل وتبصر واسأل أين من بنى القصور وهزم الجيوش وجمع الأموال، أين ملك الفراعنة والأكاسرة والغساسنة؟
كأن لم يكونا أهل عز ومنـــــــــع***ولا رفعـــــت أعـلامهم والمناجق
ولا سكنوا تلك القصور التي بنـوا***ولا أخـــــذت منهـــم بعهد مواثق
وروى طاووس الفقيه قال: رأيت زين العابدين () يطوف بالبيت من العشاء إلى السحر ويتعبد ثم قال: (.. إذا قيل للمخفين جوزوا وللمثقلين حطوا أمع المخفين أجوز أم مع المثقلين أحط؟ ويلي كلما طال عمري كثرت خطاياي ولم أتب أما آن لي أن أستحي من ربي؟ ثم أنشأ يقول:
أتحرقـــــني بالــنار يا غاية المنى***فـــــأين رجــــائي ثـــــم أين محبتي
أتيـــــت بأعـــــمال قـــــباح رديـــة***وما في الورى خلق جنى كجنايتي
وحدث عبد الله بن المبارك أنه كان في بعض السنين يساير الحاج إذ رأى صبياً سباعياً أو ثمانياً يسير في ناحية الحاج بلا زاد ولا راحلة فقال له: مع من قطعت البر؟ فقال: مع الباري جل شأنه، فسأله عن راحلته وزاده فأجابه: بأن زاده تقواه وراحلته رجلاه وقصده إلى مولاه سبحانه وتعالى، فكبر في عينه وازداد تعجبه فتشوق إلى استكشاف نسبه فقال: هاشمي علوي فاطمي. وكان هذا يفسر مواهبه الأدبية فسأله عن معرفته بالشعر فاستنشده من شعره فقال:
ومـــــا فـــاز من فاز إلا بنا***وما خـــــاب من حبنا زاده
ومن سرنا نال منا السرور***ومـــــن ساءنا ساء ميلاده
ومن كـــــان غــاصبنا حقنا***فيـــــوم القيـــــامة ميعــاده
ثم فارقه ولم يشاهده إلا بالأبطح، فرآه جالساً وحوله جماعة يسألونه عما أبهم عليهم من الحلال والحرام وما أشكل عليه فإذا هو زين العابدين () ومما يروى له صلوات الله عليه قوله:
نحن بنو المصطفى ذوو غصص***يجـــــرعها فــــي الأنــام كاظمنا
والنـاس في الأمن والسرور وما***يأمـــــن طـــــول الـزمان خائفنا
ومـــــا خــصنا به من الشرف الـ***ـطائـــــل بـــــين الأنـــــام آفــتنا
يحـــــكم فيـــــنا والحـــــكم فيه لنا***جـــــاحدنا حقـــنا وغاصبنا
ذكر الألوسي في روح المعاني عند قوله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين). علم الأسرار والحقيقة ثم قال أشار إلى هذا رئيس العارفين علي زين العابدين حيث قال:
إنــي لأكتم من علمي جواهره***كـــــيلا يرى الحق ذو جهل فيفتننا
وقـــــــد تقدم في هذا أبو حسن***إلى الحسين وأوصى قبله الحسنا
فـــــرب جوهر علم لو أبوح به***لقيـــــل لـــي أنت ممن يعبد الوثنا
ولاستحال رجال مسلمون دمي***يـــــرون أقبح ما يأتونه حسنا
وذكر ابن شهر آشوب في المناقب أن الأصمعي قال: كنت أطوف ليلة بالبيت الحرام فإذا شاب ظريف عليه ذؤابتان وهو متعلق بأستار الكعبة ويقول نامت العيون إلى أن قال:
يا من يجيب دعاء المضطر في الظلم***يا كـــاشف الضر والبلوى مع السقم
قد نــــــــام وفــدك حول البيت قاطبة***وأنـــــــت وحـــــــدك يــا قيوم لم تنم
أدعـــــــوك ربي دعـــاء قد أمرت بـه***فــــــــارحم بكائي بحق البيت والحرم
إن كـــــان عفوك لا يرجوه ذو سرف***فمن يجـــود على العاصين بالنعموقال () مخاطباً الحكام الظالمين:
لكــــم مـــــا تدعون بغير حق***إذ ميــز الصحاح من المراض
عــــرفتم حـــــــقنا فجحدتمونا***كما عرف السواد من البياض
كتـــــاب الله شـــــاهدنا عليكم***وقــــاضياً الإله فنعم قاض
وقال () ليزيد بن معاوية:
لا تطمعوا أن تهينونا فنكرمكم***وأن نكف الأذى عنكم وتؤذونا
والله يعـــــلم إنا لا نحــــــبـــكم***ولا نلـــــومكم أن لا تحـــــبونا
قال: صدقت يا غلام، ولكن أراد أبوك وجدك أن يكونا أميرين، والحمد لله الذي قتلهما وسفك دماهما.
فقال (): لم تزل النبوة والأمرة لآبائي وأجدادي من قبل أن تولد.
ومن الأشعار المنسوبة إلى الإمام زين العابدين مقطوعتين من المناجاة المنظومة ذكر أنهما وجدتا بخط بعض العلماء.
الأولى:
ألـــــم نســـــمع بفــضلك يا منايا***دعــاءً من ضعيف مبتلاء
غـــــريقاً في بحـــــار الغـم حزناً***أسيـــــراً بالـــــذنوب والخطاء
وأيقظـــــني الــرجاء فقلت ربي***رجـــــائي أن تحقـق لي رجائي
تفـــــضل سيـــــدي بالعـفو عني***فإنـــــي فـــــي بـــلاء من بلاء
والثانية:
إليك يـــــا رب قـــد وجهت حاجاتي***وجئـــــت بابـــــك يا ربــي بحاجاتي
أنـــت العليم بما يحوي الضمير به***يا عـــــالم الســـــر عــلام الخفيات
اقض الحوائج لي ربي فلست أرى***ســـواك يا رب من قــاض لحاجاتي
وهكذا كما ترى اختلال الوزن والركة في المعنى والنظم ظاهرة بوضوح، والذي أراه أن كلا المقطوعتين وما يشبههما من الشعر الركيك من الموضوعات على الإمام ()، إذ كيف تنسب للإمام مثل هذه الأبيات المفككة الركيكة التي تخلو من أية مسحة أدبية أو بلاغية، وهو صاحب الشأن الأدبي الرفيع يكفيه فخراً أنه صاحب الصحيفة السجادية التي لم يؤثر في الكلام العربي مثل فصاحتها وبلاغتها.
كما نسب إلى الإمام زين العابدين ديوان شعر حافل بالنصائح والمواعظ وتوجد منه نسخة مخطوطة في مكتبة الإمام أمير المؤمنين بخط السيد أحمد بن الحسين الجزائري، وقع الفراغ من كتابتها سنة 1358هـ وقد استنسخها عن نسخة بخط السيد محمد بن السيد عبد الله الشوشتري المتوفى سنة (1283هـ).
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
اللهم صل على محمد وآل محمد
نزر الله قلوبكم يا أختي كما نورتم قلوبنا
وفقكم الله في وزادكم محبة ومعرفة وثباتا
على ولاية محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.
شعاع المقامات.
توقيع شعاع المقامات
قال رسول الله :
(لا يُعذِّبُ الله الخلق إلا بذنوبِ العلماء الذين يكتمون الحقَّ من فضل عليٍّ وعترته. ألا وإنّه لم يَمشِ فوق الأرض بعد النبيين والمرسلين أفضل من شيعةِ عليٍّ ومحبيه الذين يُظهرون أمره وينشرون فضله، أولئك تغشاهم الرحمة وتستغفر لهم الملائكة. والويلُ كلّ الويل لمن يكتم فضائله وينكر أمره، فما أصبرهم على النار). كتاب (الدمعة الساكبة) ص82.