اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
فما للمكذبين بيوم الدين، لفضل علي ينكرون، ولحكمه يوم القيامة يجحدون، وعما نالته أذهانهم يصدقون، ولما صعب عليهم فهمه يرفضون، فويل لهم يوم يبعثون، وعلى صاحب الحوض يعرضون، وكيف يرجون؟ إنهم للعذاب ينهلون وهم للعذاب يتعرضون، ألم يسمعهم الذكر المبين؟ الذين يكذبون بيوم الدين (1) يعني ينكرون يوم القيامة وإن صدقوا به ينكرون، إن عليا واليه وحاكمه ثم قال: (وما يكذب به إلا كل معتد أثيم) (2)، أي ما يكذب بأن حكم يوم الدين مسلم إلى علي إلا كل معتد أثيم، معتد بقوله أثيم في اعتقاده، فيا ويله من حيث الزاد ليوم المعاد، ألم يعلم أن الخلائق يوم القيامة يحتاجون إلى محمد وآل محمد من وجوه؟ الأول أنهم لولاهم لما خلقوا فلهم عليهم حق (3).
الثاني أن علة الوجود أب للموجود فلهم على الناس حق الأبوة، وإليه الإشارة بقوله: أنا وعلي أبوا هذه الأمة (4)، فمحمد وعلي أبوا سائر الخلائق ولولا وجود الأبوين لما كان ولد قط.
الثالث أنهم الوسيلة (5) إلى الله لكل مخلوق من الأزل وإلى الأبد لهم الولاء وبهم الدعاء وإن كل علم ظهر إلى الخلائق فمنهم وعنهم.
الرابع أن الأنبياء ينتظرونهم يوم القيامة إذا كذبتهم الأمم حتى يشهدوا لهم بالتبليغ.
الخامس أن الخلائق يوم القيامة محتاجون إلى الحوض ليردوه والحوض لهم (6).
السادس أن الخلائق يوم الفزع الأكبر تزول عقولهم من هول المطلع إلا من أحبهم فإنه آمن من أهوال يوم القيامة، وإليه الإشارة بقوله: (لا يحزنهم الفزع الأكبر) (7) وهذا خاص لشيعتهم.
السابع أن مفاتيح الجنة والنار يوم القيامة في أيديهم (1).
الثامن أنهم غدا رجال الأعراف فلا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه، وإليه الإشارة بقوله: وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم (2) والمراد هنا آل محمد (3).
التاسع أن لواء الحمد بأيديهم والأنبياء يستظلون بظله (4).
العاشر أنه لا يدخل الجنة إلا من كان معه براءة بحبهم.
الحادي عشر أن الصراط عليه ملائكة غلاظ شداد عدتهم تسعة عشر، كما قال الله عز اسمه: عليها تسعة عشر (5) فلا يجوز أحد منهم إلا من عرف الخمسة الأشباح وذريتهم (6)، وأن حروف أسمائهم بعدد ملائكة الصراط.
الثاني عشر أن الجنة محرمة على الأنبياء (7) والخلائق حتى يدخلها النبي والأوصياء من عترته وشيعتهم من خلافهم، ومن خلاف شيعتهم الأنبياء، فهم سادة الأولين والآخرين، فالكل لهم وإليهم وعنهم وبهم، فلذا لا يبقى يوم القيامة ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا وهو محتاج إليهم، ولم يشرك معهم أحد إلا شيعتهم، فالداران ملكهم والوجودان ملكهم، والعبد في نعمة سيده يتقلب وآل محمد هم النعمة الظاهرة والباطنة، دليله قوله سبحانه: وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة (8) فمن سكن هذه المملكة ولم يشكر لآل محمد لم يشكر الله، ومن لم يشكر الله كفر، فمن لم يشكر لآل محمد عليهم السلام فقد أكفر، وإليه الإشارة بقوله: (أن اشكر لي ولوالديك) (9) وإذا وجب شكر أبوي الولادة والشهوة والطبع وجب بطريق الأولى شكر أبوي الإيجاد والهداية والعقل والشرع، فويل للمنكرين لفضلهم، الجاحدين لنعمتهم، المكذبين بعلو درجتهم إذا جاؤوا إلى حوضهم غدا ليردوه,
وكيف يردوه وقد أنكروا أمرهم وردوه؟ وإلى هذه المقامة أشار ابن طاوس فقال: اشكر لمن لولاهم لما خلقت، فهم (صلى الله عليهم) مشكاة الأنوار الإلهية، وحجاب أسرار الربوبية ولسان الله الناطق في البرية، والكلمة التي ظهرت عنها المشية وصفات الذات المنزهة عن الأينية والكيفية، فمن صلى عليهم فقد سبح الله وقدسه، لأن في ذكر الصفات تنزيه الذات، وهم جمال الصفات المنزهة التي تجلى فيها جلال الذات المقدسة، وإليه الإشارة بقوله: بالكلمة تجلى الصانع للعقول، وبها احتجب عن العيون:
سلام على جيران ليلى فإنها * أعز على العشاق من أن تسلما
فإن ضياء الشمس نور جبينها * نعم وجهها الوضاح يشرق حيثما