اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
اللهم ارنا الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة واكحل ناظري بنظرة مني اليه .
الإمام (عج) مع انشغالاته وخلواته مع ربه، فهو كجده المصطفى وسلم، وله عبارة بليغة ومؤثرة حيث يقول: (لي مع الله حالات، لا يحتملها ملكٌ مقرّبٌ، ولا نبيٌّ مرسلٌ).. إن لكل نبي خلوته مع الله، ولكل معصوم كذلك.. وكذلك الإمام (ع) له ساعات خلوة مع رب العالمين، كجده سيد المرسلين.. إذ يناجي ربه في جوف الليل، وإذا أراد أن يلتفت إلى ما سوى الله من البشر، فلا بد من وجود عذرٍ ومبررٍ وقابليةٍ.. إما حب شديد، أو ورطة بليغة، أو استغاثة صادقة، أو يقين به، واعتقاد راسخ بعناياته في زمن الغيبة.
ومنذ أن غاب (ع) إلى يومنا هذا، إن قضايا التشرف بلا سفارة، من القضايا المتواترة في تاريخ علمائنا، وخصوصا المبرّزين منهم: كالسيد بحر العلوم، والأنصاري، والشيخ المفيد، وغيرهم.. وليس من المهم المواجهة، أي أن تقع عيوننا على طلعته البهية، وإن كان هذا مطلب ندعوه في دعاء العهد: (اللهم!.. أرنا الطلعة الرشيدة، والغرّة الحميدة).. ليس لنا فحسب!.. بل للأمة، أي بمعنى الدعاء بالفرج العاجل.. ولكن من المهم جدا أن يناجي الإنسان ربه، ويستغيث بالإمام بطريقته الخاصة.. فلو جعلَنا الإمام ضمن من يدعو لهم في صلاة الليل بالمغفرة -ولو مرة واحدة- لم يبقَ من ذنوبنا شيء.. ولو أن الإمام صار بناؤه أن يتكفّلنا تكفّل الأيتام، فهل نخشى من الضياع؟.. وهل نخشى من الإنصراف؟.. وهل نخشى من إنفلات زمام الأمور في حياتنا؟..
فلننظر إلى عناية الإمام (ع) بهذا الرجل!.. فقد التقى به -على ما هو النقل- ولكن بهدف تربوي، لا لمجرد اللقاء العابر.. (رجلٍ صادق ، كان حلاقا، وله أب كبير السن).. إن الابتلاء بالأب كبير السن والمريض، من التكاليف الصعبة: فمن ناحية هناك حق الأبوة والخدمة إلى اللحظات الأخيرة من الحياة.. ومن ناحية فإن النفس قد تتبرم، خاصة إذا كان الأب مقعدا، ويحتاج إلى خدمة مباشرة.. والإنسان في أفضل التقادير، قد يؤدي هذه الخدمة، ولكن على مضض.. وقد يتمنى في أعماق وجوده أن يتخلص من هذه الخدمة، بذهاب أبيه إلى العالم الآخر.
يقول: ( وهو لا يقصر في خدمته، حتى أنه يحمل له الإبريق إلى الخلاء، ويقف ينتظره حتى يخرج، فيأخذه منه، ولا يفارق خدمته إلا ليلة الأربعاء، فإنه يمضي إلى مسجد السهلة، ثم ترك الرواح إلى المسجد، فسألته عن سبب ذلك، فقال: خرجت أربعين أربعاء، فلما كانت الليلة الأخيرة، لم يتيسر لي أن أخرج إلى قريب المغرب، فمشيت وحدي، وصار الليل، وبقيت أمشي حتى بقي ثلث الطريق، وكانت الليلة مقمرة).. إن إنسانا التزم أربعين ليلة، من الطبيعي أنه يتمنى في الليلة الأخيرة أن يحظى بشيء، فيعز عليه ترك تلك الليلة.. فإن له أبا يحتاج إلى عناية، فدار الأمر بين أن يخدم أباه تلك الليلة -ليلة الأربعاء- وبين أن يكمل عمله.. وطبيعي أن يقدّم إكمال العمل على خدمة أبيه، الذي يحتاج إلى رعاية.
يقول: (رأيت أعرابيا على فرسٍ قصدني، فقلت في نفسي: هذا سيسلبني ثيابي، فلما انتهى إليَّ كلّمني بلسان البدو من العرب، وسألني عن مقصدي.. فقلت: مسجد السهلة.. فقال: معك شيء من المأكول؟.. فقلت: لا.. فقال: أدخل يدك في جيبك -هذا نقل بالمعنى- وأما اللفظ "دورك يدك لجيبك" فقلت: ليس فيه شيء، فكرّر عليَّ القول بزجرٍ، حتى أدخلت يدي في جيبي، فوجدت فيه زبيبا، كنت أشتريته لطفلٍ عندي، ونسيته، فبقي في جيبي).. إن هذه علامة أولى: وهي أنه أخبره بما عنده.. أليس عيسى بن مريم (ع) كان يكلّم الناس بما يدّخرون في بيوتهم؟!.. فهذه صفة من صفات الأولياء.
يقول: (ثم قال لي: أوصيك بالعود!.. أوصيك بالعود!..أوصيك بالعود!.. والعود في لسانهم اسم للأب المسنّ- ثم غاب عن بصري.. فعلمت أنه المهدي (ع) وأنه لا يرضى بمفارقتي لأبي، حتى في ليلة الأربعاء.. فلم أعد).
اللهم عجل لوليك الفرج ..
لا نتسونا من الدعاء