اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
بسمه تعالى
طفولة ما بعد البلوغ
{ إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد }
خلق الله تعالى الانسان ليكون الخليفة له وحامل الأسماء كلها وميّزه عن الملائكة والحيوان بجامعيته للشهوة والعقل المودعين في البدن والروح
وأنبته أولا نباتا يتغذى وينمو ثم حيوانا يحس ويتحرك ثم طفلا لاعبا فولدا لاهيا ففتى مراهقا إلى أن يهبه الله تعالى نعمة العقل والبلوغ ويشرفه بشرف عبادته وكرامة طاعته
فبالعقل يبلغ الانسان حدّ الإنسانية وبه يتميز وينفصل عن الحيوانية وبكماله يصل إلى مقام يعلو مقام الملائكية
والعقل ليس بلوغ سن أو زيادة علم أو إدراك محدود أو تمييز وتحليل وحسب بل هو كما حدّه العقل الأول " ما عبد به به الرحمن واكتسب به الجنان "
فكم ممن ناهز الثمانين وهو بعد أجن المجانين
وكم من عالم عظيم وهو في الجهل مقيم
وكثير من الناس اطفال غير عاقلين وإن كانوا في السن بالغين
فالطفل لا يؤمن إلا بالمحسوس: المشهود أو المسموع، المشموم أو الملموس... فإن غابت أمه عنه ولو خلف جدار قريب بدأ بالصراخ والعويل وظن أنها فارقته إلى مكان بعيد ولا يرى غير ذلك رأيا سديد
وهكذا الأطفال البالغون فهم لعالم الغيب منكرون وبالآخرة جاحدون فهم غرقى عالم الشهادة وأسرى حدود المادة
والطفل همه اللعب فلا هم له غيره وألعابه صغيرة لصغر حجمه وبساطة فكره والطفل البالغ همه لعب وإن علا مستواه وعظم شأنه فمن لاعب بالمال والمال لاعب به إلى لاعب بالجاه والجاه قاتله...
وطفل السن يحتاج إلى من يهتم به ويرعاه ويرشده إلى ما فيه هداه لئلا يقع في المحظور ويؤذي نفسه بغير شعور
والطفل البالغ أحوج منه للرعاية والاهتمام لكثرة وقوعه في المشاكل والآلام وهو في أشد الافتقار إلى المرشد الهادي لكثرة طرق الضلال ووفرة مسالك الأخطار
والبالغ سنا وعقلا يؤمن بالغيب كما الشهادة ويوقن بالآخرة كما الأولى ويرى بعين عقله الملكوت ويبصر بقلبه الجبروت فيفرق بذاك الفرقان الحقائق ويخرق بذاك النور الرقائق لا يختلط لديه حق مع باطل ولا تخدعه زينة الدنيا ولا يغره غرورها
ولأنه موفق لذلك الشهود فهو منزه عن سفائف الوجود مشرّف بعبادة الرب المعبود فهو أصدق مصاديق الرجال لا تلهيهم تجارة ولا مال { رجال لا تلهيهم تجارة أو بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار }
لا يكترث باللعب صغيره وكبيره ولا يهتم بالمال قليله أو كثيره ولا يعنيه الجاه وليس أقصى أمله الباه، يصرف عمره فيما يغنيه ويزهد في ما لا يعنيه، ليس كل علم له هدف بل علمه طريقه إليه وهو متكل في كل شيء عليه.
علمه يدعوه للعمل الدؤوب وعمله يكشف له كل محجوب وبذلك صار عابد الرحمن ولذاك استحق اكتساب الجنان
فهو بين الثلاثة الأطهر والأنقى يتلوه الطفل الصغير لصفاء وطهارة فيه لقربه من الموطن الأول ولأن جهله بسيط لا كجهل الكبير المركب يظن نفسه عاقلا والجهل عنوان له ويحسب نفسه سليما وهو دون أن يدري العليل السقيم.
فيا أيها الطفل صغيرا كنت أو كبيرا نجاتك أن تعلم جهلك وأن تعرف عجزك فإن عرفت حدك فلا تقف عنده وابذل جهدك كي تكون من أولي الألباب وإلا فاعترف بقصورك عن ولوج هذا الباب واطلب العون من صاحب البيت بكل استكانة واضطرار لعله يشفق عليك ويرحمك فيحملك كما يحمل الطفل أبوه وينقلك بعطف وحنان ويوصلك إلى شاطى البر ومنزل الأمان .
فإذا فهمت سر المد والبسط في الرحمـــــــــــــــــــــــــن فأنت بإذن الله من أهل الجنان والسلام