اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
ان علامة الزاهدين في الدنيا ، الراغبين في الاخرة ، تركهم كل خليط ، ورفضهم كل صاحب ، لا يريد ما يريدون ، ألا
وان العامل لثواب الآخرة هو الزاهد في عاجل زهرة الدنيا ، الآخذ للموت أهبته الحاث على العمل قبل فناء الأجل ، ونزول ما لا بد من لقائه ، وتقديم الحذر قبل الحين ، فان الله عز وجل يقول : ( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب أرجعوني لعلي أعمل صالحاً فيما تركت) فلينزلن أحدكم اليوم نفسه كمنزلة المكدور الى الدنيا في هذه الدنيا النادم على ما فرط فيها من العمل الصالح ليوم فاقته ، وأعلموا عباد الله أنه من خاف البيات(1) تجافى عن الوساد ، وامتنع عن الرقاد ، وامسك عن بعض الطعام والشراب من خوف سلطان أهل الدنيا ، فكيف ويحك يا ابن آدم من خوف بيات سلطان رب العزة واخذه الاليم ، وبياته لاهل المعاصي والذنوب ، مع طوارق المنايا بالليل والنهار ، فذلك البيات الذي ليس له منجي ولا من دونه ملتجأ ، ولا منه مهرب ، فخافوا الله أيها المؤمنون من البيات خوف أهل اليقين ، وأهل التقوى ، فان الله يقول(2) : (لمن خاف مقامي وخاف وعيد) فاحذروا زهرة الحياة الدنيا وغرورها وسرورها ، وتذكروا ضررعاقبة الميل اليها ، فان زينتها فتنة ، وحبها خطيئة ، واعلم ويحك يا ابن آدم إن
قسوة القلوب البطنة ، وفطرة الميلة ، وسكرة الشبع ، وغرة الملك مما يثبط ويبطي عن العمل ، وينسي الذكر ، ويلهي عن اقتراب الأجل حتى كان المبتلى بحب الدنيا به خبل من سكر الشراب ، وان العامل عن الله الخائف منه ، العامل له ، ليمرن نفسه ، ويعودها الجوع ، حتى ما تشتاق الى الشبع ، وكذلك تضمر الخيل لسبق الرهان ، فاتقوا عباد الله تقوى مؤمل ثوابه وخائف عقابه ، فوالله انتم اعذر وأنذر ، وشوق وخوف ، فلا أنتم إلى ما شوقكم اليه من كريم ثوابه تشتاقون فتعملون ، ولا أنتم مما خوفكم به من شديد عقابه ، وأليم عذابه ترهبون فتنكلون وقد نباكم الله في كتابه (1) ( انه من يعمل الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وانا له كاتبون) ثم ضرب لكم الأمثال في كتابه ، وصرف الآيات لتحذروا عاجل زهرة الحياة الدنيا فقال(2) (انما اموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم) فاتقوا الله ما استطعتم ، وأسمعوا وأطيعوا ، فاتقوا الله واتعظوا بمواعظ الله ، وما أعلم إلا كثيراً منكم قد هلكته(3) عواقب المعاصي فما
حذرها ، واضرت بدينه فما مقتها ، أما تسمعون النداء من الله بعيبها وتصغيرها حيث قال(1) : (أعلموا إن الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الاموال والاولاد كمثل غيث اعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً وفي الاخرة عذاب شديد ، ومفغرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور، سارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماوات والارض اعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) وقال(2) (يا أيها الذين امنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون ، ولا تكونوا كالذين نسوا الله فانساهم انفسهم اولئك هم الفاسقون ) فاتقوا عباد الله ، وتفكروا واعملوا لما خلقتم له فان الله لم يخلقكم عبثاً ، ولم يترككم سدى ، قد عرفكم نفسه ، وبعث اليكم رسوله ، وأنزل عليكم كتابه فيه حلاله وحرامه وحجه وامثاله ، فاتقوا الله ما استطعتم ، فانه لا قوة إلا بالله ، ولا تكلان إلا عليه .