اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
الفتنة بين الحاضر والماضي
كثرة الفتن والمحن، التي أخذت تعصف بالأمة الإسلامية. بحيث صارت سمة تلازمها، وصفة توصم بها. وقل أن ترى بلداً، إلا وهو مصاب بها في عقر داره. وأجلها وأعظمها، تلك التي تحيط بديار المعصومين، وأرض الأنبياء (ع) (العراق) وتطحنها.
وأهم تلك الفتن وأكبرها، الفتنة المذهبية. التي يحاول أعداء البشرية بمختلف مشاربهم - ومطامعهم، ترويجها في ذلك البلد الكريم المعطاء. حتى صار أخوة ألامس أعداء اليوم, وأعداء الماضي أخوة الحاضر. لانقلاب الموازين، وتخلخل الحسابات. وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ الله عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ. وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ.
لذا ترى مراجعنا الكرام - العظام يتدخلون لمواجهتها، محاولين الوقوف في وجهها. اتقاء لنزف الدماء، قبل أن يشتعل ويستفحل في الناس. لأن لا يتناحر المسلمين، وتقع الفرقة والنزاع بينهم. وعملهم ذلك ليس لوجاهة دنيوية، أو غرض مادي. ولكنه من منطلق واجبهم الديني، ولتحملهم مسئولية الحفاظ على مصالح العباد - وأعراضهم - وأموالهم. انهم يقومون بذلك، لكونهم نواب الإمام المهدي في غيبته. تلك النيابة التي استحقوها، لعظيم قدرهم - واجتهادهم - وعلمهم. الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِِ.
وهذا ليس غريبا عليهم، فهم تلامذة الإمام الحسن العسكري ، إذا لم يكونوا من أحفاده. ذلك الإمام التقي - النقي، الذي تهل علينا هذه الأيام، ذكرى ولادته الميمونة. لذا نراهم يقتفون أثره، ويقتدون به. فما من ملمة تحيط بالمسلمين، إلا وعند أهل البيت حلها، ولديهم مدخلها ومخرجها. فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ.
ففي عهد الإمام حدثت فتنة أحاطت بالمسلمين، حتى نكص بعضهم على أعقابهم، وارتدوا بعد إيمانهم. عندما توقف هطول الأمطار، وعم القحط البلاد، توقف نبع عيون المياه، وجف الزرع والضرع. وأخذ المسلمين بالصلاة والضراعة، ولكنها لم تقبل منهم، ولم تشفع لهم عند الباري المتعال. وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ الله عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ.
فخرج مجموعة من النصارى مع قساوستهم فاستسقوا، فهطل المطر انهارا، وسالت الأودية بمياهها. فعلوا ذلك لعدة أياما، حتى أثر ذلك على المسلمين وصبا بعضهم إلى النصرانية. فلجأ المعتمد (الخليفة العباسي) آنا ذاك، إلى الإمام العسكري (ع)، للاستعانة به في إنقاذ أمة جده. رغم كراهيته لآل رسول الله (ص)، وقيامه بالكثير من المؤامرات والتصفيات لإبادتهم والقضاء عليهم. لما يتحلون به من الصلاح والإيمان، المناقض لسياسة دولته وسيرتها.
وخرج الرهبان بعد ذلك، وخرج الإمام (ع) في نفر من أصحابه. فلما بصر بالراهب وقد مد يده، أمر بعض مماليكه بالقبض عليها، وأخذ ما بين أصابعه، فإذا هو عظماً أسود. فاستسقوا وكانت السماء غائمة فانكشفت، وطلعت الشمس بيضاء ناصعة، فقال الخليفة: ما هذا العظم يا أبا محمد؟ فقال: هذا رجل مر بقبر نبي من أنبياء الله، فوقع في يده هذا العظم، وما كشف عن عظم نبي إلا هطلت السماء بالمطر. وبذلك أنقذ الإمام الموقف، وأنقذ الأمة من خطر عظيم يحيط، وخطب جسيم تمر به.
بقلم: حسين نوح مشامع – القطيف - السعودية