اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
مفكرة مبتعث -9
أصر المبتعث على التنقل من شقة لأخرى، بحثا عن ما يوفر له راحة البال وأمان النفس. كما ينتقل البدو الرحل من مرج لآخر، بحثا عن موقع جديد، يوفر لهم مقومات الحياة من ماء وكلأ.
هذه المرة لم يكن انتقاله لموقع جديد، بعد أن دارت عليه السنة، وجود عجوز تتصابى، وتلعب بأصابعها، التي أنهكها الزمن على لوحة مفاتيح البيانو، كما يلاعب طفل صغير لعبته المفضلة.
ولا بسبب وجود جرو صغير، يتخذه أهل ذلك البلاد رفيق درب وصديق عمر. وقد تزيد قيمته على ابن الصلب، وفلذة الكبد. مما يصل الحال بالبعض لتوريثه، وتفضيله على الأبناء والآباء.
هذه المرة كان السبب شيء آخر، غير ما تعود عليه ومر به. فالمدينة التي يسكنها شديدة البرودة شتاء، مما يوصل بالحرارة لما دون الصفر بدرجات كثيرة. ومما يتسبب في تجمد بحيراتها الواسعة، وتحولها لساحات عظيمة للتزلج.
فتنقلب أيام الناس تلك، لساعات صخب وسعادة. فيخرجون مرتدين ملابسهم الثقيلة، مستعدين بأدوات التزلج ليخوضوا غمار تلك البحيرات المتجمدة. التي تكون أكثر صلابة من الحجر الصلد، الذي لا يلين مهما عملت فيه المعاول والفؤوس. فيتماهون يمنة ويسرة، كما تتماها الطيور في تحليقها، جماعات وأفرادا، في تشكيلات تبهر العقول، وتحير الألباب. فكان يذهب مع أصحابه، من سكان البيت، ليشاركهم فرحتهم، ويتلذذ بتجربة فريدة لم تخطر له على بال.
لكن المشكلة تكمن له على باب البيت، كجندي مأمور بالقبض عليه، وينتظر عودته. فيشتد عليه البرد، الذي لم يتعود عليه في بلاده، ويصعب عليه عندها حتى فرك وجنتيه، ليدخل عليهما الدفيء. عندها تتوقف أجهزة التدفئة، وتتعطل المياه الساخنة. كأنها مكافئة على شكل عقوبة استحقها، بعد تلك المتعة التي حصل عليها.
فيضطر السكان ممن لهم خبرة في السباكة والكهرباء، بعمل ما يستطيعون عليه لتأمين الدفئ. وعلى أمل مع خروج ضوء النهار مع اشراقة الصباح اليوم الثاني، محاولا بصعوبة نزع ذلك المعطف الثقيل من ثلوج اليوم السابق، أن يخبروا صاحب البيت، ليقوم بالإصلاحات المطلوبة.
لكنه لا يقوم بذلك، لما تتطلبه الإصلاحات من توفير وصرف تكاليف باهظة، ليس مستعدا لبذلها. وهذه مشكلة الاضطرار للسكن في بيوت خاصة، عندما لا تتوفر المجمعات السكنية. أو للأجور الباهظة التي تطلبها تلك المجمعات، مقابل الخدمات المميزة والممتازة التي تقدمها. فعندها قرر مبتعثنا البحث عن حل آخر يريحه، وينهي ما هو فيه من هم وغم.
بقلم: حسين نوح مشامع