اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
النبي الاكرم -4
كان رسولنا الكريم(ص) يتحلى بخلق عظيم، فوثق ذلك له رب العالمين في كتابه المجيد، وفي آية قرآنية كريمة تتلى اناء الليل وأطراف النهار، انك لعلى خلق عظيم.
وكانت رحمته تشمل حتى الوحوش في الفلوات، فأرسله مالك يوم الدين رحمة للعالمين، ليخرجهم من الظلمات الى النور.
وقال عز من قائل يبرئ ساحة نبيه(ص) عن الجفاء وقسوة القلب، (ولو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك).
وكان أفضل الانبياء والمرسلين، فأرسله قدوة للعالمين. وقرن ذكره بذكره في الأذان، وأوجب علينا تكرار الشهادة باسمه في صلواتنا الخمس اليومية.
افلا يتوجب علينا التعرف على تفاصيل حياته، لنعرف كيف وصل الى هذه المرتبة العالية من القرب من الله. ونعمل على تمثل فضائله وخصالة في حياتنا، حتى نصل الى حياة سعيدة، نحصل بها على رضا رب العالمين، التي غايتها دخول جنته بجوار نبيه الكريم(ص).
فمن تلك الصفات التي كان يتحلى بها(ص)
عن ابن بابويه في "عيون الأخبار" قال: قال الحسن بن علي بن أبي طالب(ع): سألت خالي هند بن أبي هالة أن يصف لي رسول الله(ص):
فقال: كان إذا التفت التفت جميعا، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يبدر من لقيه بالسلام.
فقلت له: صف لي منطقه؟
قال: كان متواصل الأحزان، دائم الفكر، ليست له راحة، ولا يتكلم في غير حاجة، يفتتح الكلام ويختمه بالثناء، يتكلم بجوامع الكلم فصلا لا فضول فيه ولا تقصير، رؤوفا ليس بالجافي ولا بالمهين، تعظم عنده النعمة وإن دقت، لا يذم منها شيئا، غير أنه لا يذم ذواقا ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا وما كان لها. فإذا تعوطى الحق لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شئ حتى ينتصر له. إذا أشار أشار بكفه وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها يضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جل ضحكه التبسم، يفتر عن مثل حب الغمام.
قال الحسين(ع): سألت أبي عن مدخل رسول الله(ص)؟
فقال: كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك، فإذا آوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزء لله تعالى، وجزء لأهله، وجزء لنفسه، ثم جزء جزءه بينه وبين الناس، فيرد ذلك بالخاصة على العامة، ولا يدخر عنهم منه شيئا.
سيرته في جزء الأمة:
إيثار أهل الفضل بإذنه، وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم، ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة من مسألته عنهم وإخبارهم بالذي ينبغي، ويقول: ليبلغ الشاهد منكم الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يقدر على إبلاغ حاجته، فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يقدر على إبلاغها ثبت الله قدميه يوم القيمة، لا يذكر عنده إلا ذلك، ولا يقيد من أحد عثرة، يدخلون روادا، ولا يفترقون إلا عن ذواق، ويخرجون أذلة.
مخرج رسول الله(ص) كيف كان يصنع فيه؟
كان رسول الله يخزن لسانه إلا عما يعنيه، ويؤلفهم ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم، ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم، من غير أن يطوى عن أحد بشره ولا خلقه. ويتفقد أصحابه، ويسأل عما في الناس، ويحسن الحسن ويقويه، ويقبح القبيح ويوهنه. معتدل الأمر، غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا، ولا يقصر عن الحق ولا يجوزه الذين يلونه من الناس. خيارهم أفضلهم عنده، وأعمهم نصيحة للمسلمين، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة وموازرة.
قال: فسألته عن مجلسه.
فقال: كان لا يجلس فلا يقوم إلا على ذكر، ولا يوطن الأماكن، وينهى عن إيطانها، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك، ويعطي كل جلسائه نصيبه، ولا يحسب أحد من جلسائه أن أحدا أكرم عليه منه. من جالسه صابره، حتى يكون هو المنص، لم يرجع إلا بها أو بميسور من القول. قد وسع الناس منه خلقه، وصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق سواء. وكان مجلسه مجلس حلم وحياء وصدق وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحرم، ولا يسئ جلسائه. متعادلون متواصون بالتقوى، متواضعين يوقرون الكبير، ويرحمون الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب.
سيرته في جلسائه:
كان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مداح. يتغافل عما لا يشتهي، فلا يؤيس منه ولا يخيب مؤمله.
قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والاكثار، وما لا يعنيه.
وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا، ولا يعيره، ولا يطلب عثراته ولا عوراته. ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، وإذا سكت تكلموا ولا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أولهم. يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه. ويصبر على الغريب على الجفوة في مسألته ومنطقه حتى أن كان أصحابه ليستجلبونهم، ويقول: إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فأرفدوه. ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ، ولا يقطع على أحد كلامه حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام.
سكوته سلم:
كان سكوته على أربع: على الحلم والحذر والتقدير والتفكر.
فأما التقدير: ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس.
وأما تفكره فيما يبقى ويفنى.
وجمع له الحلم في الصبر، فكان لا يغضبه شئ ولا ينفره.
وجمع له الحذر في أربع: أخذه الحسن ليقتدى به، وتركه القبيح لينتهى عنه، واجتهاده الوافي في إصلاح أمته، والقيام فيما جمع لهم خير الدنيا والآخرة، صلوات الله عليه وآله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما.(1)
(1)موسوعة النبي الأعظم(ص)، موقع الميزان.
بقلم: حسين نوح مشامع