اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
مفكرة مبتعث -16-
الصلاة جامعة
لم يتمكن مبتعثنا من العودة لدياره، خلال الإجازة الصيفية. لقصر المدة، ولخوف الحرارة الشديدة في بلاده.
كان أمامه خياران، لاستغلال تلك الفترة. أما مواصلة الدراسة، لاختصار مدة البعثة. أو الاتفاق مع زملاء الدراسة، للقيام برحلة استكشافية، يجوبون خلالها مدن وقرى الدولة المضيفة. فليس من عادته إضاعة الوقت، وفقد الفائدة.
كان الفصل الدراسي طويلا وقاسيا، قساوة الحرارة وطول فترتها في بلاده، وكان يشعر أن تلك الشهور لن تنقضي، إلا بخروج روحه، وقذف ما في أحشاءه.
بالكاد حصل على علامة كاملة، مع مواصلته ليله بنهاره، ولا ينام إلا نزرا يسيرا. كما ينام الجندي في ثكنته، بنصف عين استعدادا لتلقي الأوامر. دراسة جامعية بالنهار، وسهر بالليل لإكمال الواجبات، ومراجعة الدروس.
كثيرا ما يؤجل غسيل ملابسه، حتى تتراكم. وترك تنظيف غرفته، حتى يتجمع الغبار والأوساخ. ولا يتمكن من تجهيز وجبة غداء طازجة، لقلة الوقت. فكان أكثر أكله، وجبات المطاعم السريعة.
قرر الراحة والاستجمام، والتجوال بين الولايات والمدن والقرى، اكتشافا لمعالمها، واطلاعا على لما يشد الانتباه فيها.
كانت المجموعة كبيرة، والسيارات كثيرة، مع صعوبة التحكم، وتشعب الآراء، وكثرة الرؤساء. توجه الركب كقافلة جمال مترابطة. أو قطار سرك متنقل، يجر بعضه بعضا. يطوف بين المدن والقرى، ليؤدي عروضه.
في احد المنازل، ومع أول نسائم الفجر، وأول خيوط الشمس، وهي تخرج من تحت سواد لحاف الليل. وعند احد محطات التموين والتزود بالوقود، على الطرق السريعة، توقف الركب لأداء صلاة الفجر.
أحاطت قبيلة العربان بتلك المحطة، وكثر الدخول والخروج من والى مركز التموين، وكثر الدخول والخروج من والى بيت الخلاء. كخلية نحل منهمك سكانها في عملهم.
زاد الارتباك، وزادت الحركة، فاجتاح القائم على المحطة الخوف. أحس وهو وحيد في ذلك الكوخ، كأنه في صحراء قاحلة، قد أحاطت به. وثارت رياحها، وتحركت كثبانها، وأطاحت بكل ما يصادفها.
لم يستطع التنسيق، بين تلبية الطلبات أو مراقبة التحركات.
فهذا يصرخ من قمة رأسه: أريد وقودا لسيارتي.
وذلك يطلب: أنا أحتاج إلى فطيرة، وأريدها ساخنة.
وآخر يناوش عامل المحل: أعطني بقية نقودي.
لم يستجيبوا لكبيرهم وهو يناديهم، بعد إحساسه بالإحراج، وشعوره بوقوعهم في دوامة طينية، لا تزال تتحرك: يا شباب اعتقد أن الرجل قد اتصل بشرطة المحلة، لينقذوه مما هو فيه.
وقفوا للصلاة، وتوجهوا لرب العالمين. أداء للواجب، وطاعة لله.
جاء رجال الشرطة، لصد هجوما إرهابيا، وكبح جماح فاتكا متمردا. وصلوا بكامل عددهم، ووقفوا بكامل عدتهم. طالبين من المجموعة بكل شدة وقسوة: غادروا المكان حالا، وأوقفوا هذه المسرحية.
بقلم: حسين نوح مشامع