اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
مفكرة مبتعث -18- شقة سكنية
لا تخلو حياة المبتعثين خارج أوطانهم، من المواقف الصعبة والأحداث المربكة، التي تقلب حياتهم رأس على عقب، وتخرجها عن مسارها الطبيعي. فيحتاجون عندها لعناية إلهية خاصة، وللنصيحة والتوجيه.
تعرض مبتعثنا لواحد من تلك المواقف الصعبة، واحتاج فيه للكثير من الصبر وإعمال الفكر، وبعدها التوكل على الله. فلقد تركه زميل سكنه، ومن كان يشاركه شقته، ويقتسم معه مصاريفها، لينتقل لجامعة أخرى، وفي ولاية بعيدة. حيث لم يعد بمقدوره مواصلة دراسته، لصعوبة المناهج الدراسية، وقرب أفول فترة الإبتعاث.
صعب عليه الخبر بداية، وكاد الزمام أن يفلت من يده، خاصة وانه لم يتوقع حدوث مثل هذا معه شخصيا. وأغضبه كثيرا، عدم المصارحة المسبقة، ليتمكن من الاستعداد لهذا الموقف نفسيا.
فكلما تذكر تضاعف المصاريف، وألم القلق والوحدة، في شقة طويلة عريضة. وكذا الابتعاد عن الوطن والأهل، والحاجة الماسة للمشورة وتقليب وجه الرأي، شعر كأنه طير يغرد خارج سربه، وفرخ تائه عن أمه.
فبعد هدوئه النفسي، ورجوعه لوعيه، أخذه الفكر بعيدا. فكان بين إقدام وإحجام وخوف وتردد، من عدم حصوله على سكن آخر ملائم.
اخذ بإعلام أصحابه، ومن يرتادون معه فصول الدراسة. لكن واجهته مشكلة أخرى، فليس كل من لديه الرغبة في معايشته، لديه المقدرة المالية. وليس كل من لديه المقدرة المالية، سوف يتوافق معه في المزاج والطباع. كأنه يبحث عن زوجة بمواصفات قياسية خاصة، لا تزيد ولا تنقص.
قرر بعد التفكير وتقليب الرأي، البحث عن مسكن يلبي احتياجات شخص واحد، مجرد غرفة واحدة بمنافعها. فلم يترك مجمع سكني أو شقة منفردة، في منطقة سكناه إلا وزارها، على أمل الحصول على بغيته. فأخذ ينتقل من مكتب لآخر، ومن مجمع لآخر، كما تنتقل العصافير بين الأشجار، بحثا عن رزقها. ولم ينسى إعطاء مدير السكن الحالي، إنذارا مبكرا تحسبا لمغادرته.
انتظر في ترقب وصول الفرج، وانفراج الأزمة. كما ينتظر المزارعون هطول الأمطار بفارغ الصبر، بعد حرثهم الأرض ونثرهم البذور.
ليس الأمر بالهين ولا باليسير، فمسئولو التأجير لديهم نظام خاص وإجراءات طويلة. فهم لا يأوون أي كان، قبل الاتصال بأصحاب السكن القديم، ليضمنوا تحصيل أموالهم، وبالجهات الحكومية، ليستوثقوا من عدم وجود سجل امني. وهذا يأخذ من الوقت الكثير، خاصة بالنسبة لمبتعث جديد، في منطقة غريبة.
من غرائب الصدف، في ذات اليوم الذي استلم فيه اتصالا من السكن الجديد بالموافقة، اتصل به أحد أصحابه يطلب منه عدم تسليم شقته، ومبديا رغبته في مشاركته. فكان عليه إعمال الفكر، واخذ القرار المناسب.
بقلم: حسين نوح مشامع