اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
بيت الأحزان الفاطمي
الإسلام دين المحبة والسلام، يأخذ بيد أتباعه إلى دروب السلم والمسالمة. ولا يشجعهم على اللجوء إلى العنف، حتى عند الدفاع عن حقوقهم المغتصبة. ويأمرهم باللجوء إلى الطرق السلمية، للتوصل إلى حل يرضي الأطراف المتنازعة. ويطبق منهجه هذا حتى على غير المسلمين، ممن نعيش معهم ويعيشون معنا على وجه البسيطة. ويقول للنبي وسلم، وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا، وتوكل على الله.
ومن وسائله السلمية التي يلجأ إليها المؤمنون والمتقون البكاء. الذي يعتبره البعض نقطة ضعف وهوان، وسلاح الضعيف، والمستهان. مع إنه سلاح الرسل - والأنبياء - والمصلحين، لفضح الظالمين. والغلبة على النفوس الأمارة بالسوء، لأنهم يتَوَلَّونْ وأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا، أَلاَّ يَجدُواْ مَا يُنفِقونَ.
استعمله كاحتجاج سلمي – واعتراض صامت، نبي الله يعقوب . حينما فقد ابنه نبي الله يوسف ، بعد أن غيبه عنه بغي اخوته وظلمهم له. فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَي عَلَى يُوسُفَ، وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ. مع علمه بعدم موته ووجوده حيا، عند قوله لأبنائه يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ، وَلاَ تَيْأسُواْ مِن رَّوْحِ الله.
ولم يرد في آيات القرآن الكريم، ولا على لسان رسولنا الأعظم عليه وعلى آله السلام، ذم لما قام به ذلك النبي الكريم. بل على العكس من ذلك، هناك الكثير من الآيات التي تمدح ذلك، وخاصة الذي يؤدي منه إلى الخوف من الله جل جلاله، والتقرب إليه. إِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقَ.
ومن بين الخمسة الذين استعملوا البكاء كسلاح فعال، سيدة نساء العالمين. السيدة فاطمة الزهراء ، خامسة أصحاب الكساء، وأم أبيها. أخذت في البكاء من وقت فراقها له وسلم، إلى حين موتها. ولم يرد من أي من الأئمة ، ولا من أحد من علماء المسلمين قاطبة ذم لما قامت به. وكيف تقوم بما يخالف أمر الله، وهي من الذين يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا.
استعملته وواظبت عليه، حتى ضج معارضوها، وإنفضح مناوؤها. كانت تخرج كل يوم إلى ضريح أبيها، وقبور أهلها في البقيع، وتبقى تبكي حتى تقع مغشي عليها. بكت حتى لم يستطع من خالفوها تحمل رؤية سوأتهم ماثلة أمامهم. واتخذت شجرة لتقعد تحتها، وتستظل بفيها. فلم يحتمل من حاد الله ورسوله، رؤيتها هناك فقطعوها. عندها اتخذ الإمام علي لها بيتاً سمي في ما بعد بيت الأحزان.
لذا ترى أثر البكاء، وآثاره العظيمة، على النفوس قبل العقول. إنه له قوته العظيمة التي تفضح المؤامرات، وتكشف الدسائس والخيانات. وهو وسيلة المؤمنين، وطريق من يتقي الله، ويخاف من إراقة دماء المسلمين. فسلام على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها.
بقلم: حسين نوح مشامع – القطيف - السعودية