[بنت الهدى2]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بحث منقول بعنوان (مقومات الوعي والبصيرة )

ما هي البصيرة ؟

هي القدرة على الرؤية الصحيحة المتشكلة من عقل الانسان وثقافته وتربيته وتجربته ودينه وهي ما تصطلح عليها اليوم ب( الوعي ) فقد يكون الانسان ذا بصرٍ حاد لكنه ذو بصيرة كليلة ضعيفة وذلك في
قوله تعالى: ( فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور )

وكما اننا لا نستطيع ان نبصر في الظلمة حيث تتشابه الاشياء او انها تصبح اشباحاً لا يمكن تمييز بعضها عن بعض فكذلك اذا فقدنا البصيرة فاننا نتورط في التشخيص الخاطئ للاشخاص وللامور وهذا هو الفرق بين انسان صاحب وعي وبصيرة واخر عديم البصيرة فالاول لايقع ضحية الخداع والتغرير والتزوير والثانية عرضة لذلك كله .

اما النموذج الاخر فهو الانسان العاقل الذي يعي الواقع ويدركه ويعرف الناس من حوله اي ان لديه القدرة على التمييز بين ما هو مستقيم وما هو منحرف وما هو عدل وما هو ظلم وما هو حق وما هو باطل فالخير منه مأمون لانه مستقيم في فكره وفي عمله .

النموذج الاول اذن هو النموذج السالب الذي ياخذ من الحياة ويعطيها وقد صور القران المائز بين الاثنين في قوله تعالى : (( أفمن يهدي الى الحق أحق ان يتبع امن لا يهدي الا ان يهدى الا ان يهدى فما لكم كيف تحكمون )

ان الجواب على التساؤل القرآني واضح فالذي يمشي سوياً ببصر وبصيرته اهدى من المنكب على وجهه الذي لا ينتفع ببصره في المشي ولا ببصيرته لان السير على الطريق المستقيم لايحتاج فقط الى عينين مفتوحتين وانما الى عقل مفتوح ايضاً
وللبحث تكملة بعون الله .

[بنت الهدى2]

كيف تتكون البصيرة ؟

هناك عدة امور او عوامل تساهم جميعها في تكوين البصيرة :

١:- امتلاك ادوات المعرفة : يقول الله تبارك وتعالى ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والابصار والافئدة لعلكم تشكرون ) وهذه الاية تحدد لنا ادوات المعرفة الحسية وهي السمع والبصر واداة المعرفة العقلية وهي الفؤاد فما لم يدرك بالحس يدرك بالعقل اي ما لا يمكن رؤيته بالبصر يمكن رؤيته بالبصيرة وذلك هو طريقنا لمعرفة الله سبحانه وتعالى فنحن لم نره بالابصار ولكننا رايناه بالبصائر وعليه لابد من ان تنمي ادوات المعرفة التي اودعها الله فيك

٢:- الاهتداء بهدي دين معين : ادوات المعرفة السابقة لا تكفي حتى تتشكل لدنيا الرؤية الصائبة والواضحة اذ لابد من منهج او خط سير او منظومة فكرية شاملة نرجع اليها في تشخيص المبهم والملتبس لذا كانت الرسالات السماوية بمثابة عقل خارجي يضاف الى ما لدينا من عقل داخلي ولما كانت عملية الايمان هي عملية اخراج من الظلمات الى النور فان نور العقل بحاجة الى نور الايكان لتبديد الظلمات الى نور .

٣:- التجارب الحياتية مثلما يتعظ الطفل بمرور الايام اذا اكتوت يده بالنار وعرف بالتجربة الحسية ان النار محرقة فلا يعود يضعها على اية نار وليس فقط النار الاولى التي احرقت يده فكذلك الحال في واقع الكبار وبدرجة اكبر من الوعي والاستبصار لكون مداركهم اوسع لذا جاء في الحديث
(( المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين )) اي ان التجربة علمته ان الجحر الذي لدغ منه يجب ان يحاذره مستقبلاً فلا يضع يدع فيه .

٤:- توطيد العلاقة مع الله سبحانه وتعالى : لا شك ان أدوات المعرفة من سمع وبصر وعقل والمنهج الفكري والعملي الذي تمثله العقيدة والشريعة والتجارب الانسانية التي تمثل حركة الانسان في الحياة كلها تسهم في صناعة الوعي وترشيده وتوطيد اركانه لكن العلاقة الوطيدة مع الله عز وجل سواء من خلال معرفته وحبه وطاعته او من خلال اتباع ما جاء به انبياؤه .

وللبحث تكملة بعون الله .

[سليلة حيدرة الكرار]

السلام على جوهرة العصمة وفريدة الرحمة سيدتنا ومولاتنا الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بظهور قائمهم والعن أعدائهم لعنة دائمة إلى يوم الدين

بحث جميل أختي بنت الهدى2
يسعدنا أن نتابع معك ماتبقى منه للاستفادة

نسألكم الدعاء لنا ولوالدينا

[بنت الهدى2]

اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سليلة حيدرة الكرار السلام على جوهرة العصمة وفريدة الرحمة سيدتنا ومولاتنا الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بظهور قائمهم والعن أعدائهم لعنة دائمة إلى يوم الدين بحث جميل أختي بنت الهدى2 يسعدنا أن نتابع معك ماتبقى منه للاستفادة نسألكم الدعاء لنا ولوالدينا

يسعدني ويشرفني متابعتك لموضوعي
نسأل الله حسن العاقبة لكي ولوالديك ولاهلك جميعا بحق محمد وال محمد

[بنت الهدى2]

مقومات الوعي :

١:- المعرفة بطبيعة العصر : ففي الحديث (( العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس )) واللوابس هي المبهمات او الملتبسات من الامور التي تحصل نتيجة عدم وضوح الرؤية وغياب القدرة على التشخيص وكان يقال لفاقد البصيرة انك ملبوس عليك اي ان الالتباس قد غطى عقلك فلم يعد يبصر او يميز جيداً وهذا ما قاله علي للحارث الهمداني الذي اضاع الطريق لمعرفة الحق وتمييزه عن الباطل: (( انك امرؤ ملبوس عليك إن دين الله لايعرف بالرجال بل باية الحق فاعرف الحق تعرف اهله )) فاذا استقامت بطبيعة العصر وايقاعه ولغته اتضحت الرؤية وزال الضباب .

٢:- وقد تلتبس الامور والاشخاص والعناوين على بعضها لان قدرته على الفرز والتشخيص بين من صادق ومن هو كاذب او من هو على حق ومن هو على باطل ضعيفة لذلك تراه يقع فريسة الخداع والتضليل وخير تعبير عن امتلاك الوعي الكامل والبصيرة النافذة التي لا تهتز امام الالتباسات ما قاله امير المومنين علي
(( وان معي لبصيرتي لا لبست ولا التبس علي )) اي ان من كان تلميذاً لمدرسة الاسلام والقران والنبوة لابد ان يكون واعياً للدرجة التي لاينطلي عليه شيء ولا يداخله شك مما هو فيه من فناعات .

٣:- التوافر على الادلة والبينات : هل تريد ان تكون منهم ؟
اصحاب البصائر حجج وبراهين وشواهد مقنعة فهم لاينطلقون الا من وعي ولا يتحركون الا بوعي ولا يحكمون الا بدليل ولايسهدون الا على ما رأوه بام أعينهم حتى ان رجلاً جاء الى رسول الله
وقال له كيف لي يارسول الله ان أشهد على شيء انه الحق ؟ وكانت الشمس ساطعة في رايعة النهار فقال له رسول الله
(( على مثل هذا فاشهد او فدع )) اي اما ام تشهد بالحقيقية كما هي وكما رايتها عياناً او اذا كنت شاكاً او متردداً فلا تشهد لانك قد تقع في الظلم .
وجاء رجل الى الامام جعفر الصادق وساله كيف يمكن ان يرى الحقيقية فقال له كما ترى كفك اي ان يكون الشيء ماثلاً امام عينيك فلا يتطرق اليك ادنى شك .

وللبحث تكملة بعون الله

[بنت الهدى2]

٤:- الرابط بين المقدمات والنتائج :

حتى تكون بصيراً واعياً لا تختلط عليك الامور لابد من ان تدرس المقدمات جيداً لاي قضية او حدث او خبر او غير ذلك اي ان تكون كالمحامي او القاضي الذي لايتظر للنتائج بمعزل عن المقدمات وانما يتواصل الى بعض استنتاجاته من خلال قراءة دقيقة للمقدمات والاولويات المتوافرة بين يديه . خذ مثلاً التسامح الاخلاقي في الضوابط التي يتعين على الرجال والنساء الالتزام بها كمتدينين وملتزمين بالخط العام للاسلام فاذا رأيت انفلاتاً في هذا الجانب وعدت الى تتبع الامر جيداً لرايت ان ثمة تسامحاً اخلاقياً اسرياً او ان اصدقاء السوء او قل قرناء السوء يلعبون دوراً خطيراً في ذلك وان المناخ السائد متساهل بغض الطرف عن كل مايصدر من هذا الجنس او ذاك واذا بك تخلص الى نتيجة ان هذا الانفلات الصغير هو جزء من انفلات كبير . فالبصائر لا تصنع مع العجلة وانما تاتي مع الاناة والتريث والتدقيق والتحقيق .

٥:- التمييز بين السماع والرؤية : في الحديث ( بين الحق والباطل اربعة اصابع الباطل ان تقول سمعت والحق ان تقول رايت) فيعض الشبان والفتيات يصدقون كل ما يسمعون ويسلمون بكل ما يصل الى اسماعهم ويثقون بكل قول دون تمحيص ولا فحص دقيق لا للقائل ولا للقول .
هل تريد ان تكون من اصحاب البصيرة ؟ عليك ان تطرح أسئلة تقودهم الى معرفة الحقيقة :
من هو القائل ؟
وماذا قال ؟
ولماذا قال ؟
واين قاله ؟
ومتى ؟
وماذا عن اقواله السابقة ؟
ومن كان شاهداً على ما قال ؟
وكيف قاله ؟
اي في اي سياق جاء ؟ ... إلخ ذلك لان الاجابة عن هذه الاسئلة توفد البصيرة بزخم من الوعي كبير ولذا قيل (( من رأى ليس كمن سمع )) لان الرؤية العينية شهادة حضور وليست شهادة غيابية .

٦:- معرفة المعيار :
اذا غاب المعيار او المقياس او الميزان واذا تعددت المقاييس واصبحت خاضعة للأمزجة والاذواق والاجتهادات الشخصية غابت البصيرة او تلاشت .
(( انما يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال )) اي ان الحق هو المعيار وليس الاشخاص مهما انتصرو للحق او انتصر الحق بهم،
اللهم باستثناء الانبياء والاوصياء فهم اهل الحق الذي لا ريب فيه

للبحث تكملة بعون الله .

[بنت الهدى2]

٧:- الحرية والاستقلال :

لا يمكن ان تكون بصيراً واعياً وانت مكبل تعيش الانقياد والتبعية لغيرك فالوعي يتطلب الهواء ليتنفس فيه لان كلام الناس وعاداتهم وتقاليدهم واعرافهم تشكل ضغوطاً وشروطاً قاهرة تحد من حرية التفكير واستقلاله واذا حددت الحرية او قيدت البصيرة فانها تكون بين احد خيارين : اما ان تطفئ انوارها لتغط في الظلام واما ان تكون إمعة تساير الناس والمسايرة انقياد اعمى وليس بصيرة .

٨:- الاختبار والتمحيص: لا يستند البصير الواعي ذو النظرة البعيدة على المشاهدات الخارجية فقط فقد تلتقي بشخص يمتدح نفسه وكفاءته كثيراً فاذا اعتبرت قوله شهادة مقبولة وغير مجروحة فربما غرّر بك وخدعك ، أما اذا اختبرته او سالت عنه وعرفت ماضيه وخلفيته وشهادات الاخرين بحقه فسوف يقل احتمال الواقع في ما يسمى ب ( الثقة العمياء ) ذلك ان البصيرة او الوعي ضد كل الوان العمى فهي والطاعة العمياءاو الثقة العمياء على طرفي نقيض . ورد في الحديث (( لا يغرنكم من الرجل كثرة صلاته وصيامه فقد تكون عادة اعتادها حتى اذا تركها استوحش ولكن اختبروهم بصدق الحديث واداء
الامانة )) اي بالقول والفعل فاذا نجحوا في الاختبار فيمكن ان يكون ذلك سبباً لان تزرع الثقة بهم .

٩:- قراءة ما بين السطور : هذا التعبير هو كناية عن البحث عما وراء الكلمات والشعارات المطروحة لان البصير الواعي لايكتفي بالانطباعات الاولى او العاطفية الساذجة او السطحية العابرة وانما يتعمق ويغوص في دراسة كل شعار:
من الذي اطلقه ؟
لماذا اطلقه ؟
ولماذا في هذا الوقت؟
وماذا يريد به ؟
من هم الذين يروجون له ؟
وما هي مساحة الذي ينطلي عليهم ؟
ما هي اثاره ومخاطره ؟ .... الخ
ومرة اخرى نقول ان الوعي يطرح اسئلة كثيرة ولا يطمئن قلبه حتى يعثر على الاجابات الصحيحة فاذا عثر عليها عرف كيف يتعامل مع الاشخاص ولاحداث
والمستحدات والشعارات والاشاعات

وللبحث تكملة بعون الله .

[بنت الهدى2]

فوائد الوعي :

-----------------
١:- الغوص في الاعماق وعدم الوقوف عند السطح فقد يكون السطح لامعاً براقاً لكن ما تحته خواء او جيفة او خطر محدق او معدن مزيف .

٢:- الوعي يفيدنا في الربط بين الاشياء فماقد يبدوا في الظاهر منفصلاً عن بعضه هو ذو علاقة بنحو أو باخر بغيره من الاشياء .

٣:- ان التدين والايمان يستلزم بالضرورة الوعي والبصيرة اما اذا كان تديننا بلا وعي وايماننا بلا بصيرة فانه سيكون تديناً ساذجاً .

٤:- الوعي ذو أثر اكبر من دائرة الشخص الواعي نفسه فهو بوعيه يمكن أن ينير الدرب للاخرين الذين تنطلي عليهم الالاعيب والخدع والشعارات والتصريحات والاعلانات اي انه يفتح عيونهم للابصار اكثر .

٥:- الوعي يفتح الابواب المقفلة بالكثير من الاستيضاحات والاسئلة من ؟ ولماذا؟ ومتى ؟ واين؟ وكيف؟ اي ان كل شيء بالنسبة للوعي مادة للدرس ياخذ منها درساً وعبرة ويحللها ويقرأها بعيون ثانية فيزداد معرفة بالاشياء والاشخاص والافكار والعلاقات .

واخر دعوانا ان الحمد الله رب العالمين نهاية البحث.