اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
الأمن الاجتماعي -3
قال الإمام علي :
أَيُّهَا الناسُ، إِنَهُ لاَ يَسْتَغْنِي الرَّجُلُ ـ وَإِنْ كَانَ ذا مَال ـ عَنْ عَشِيرَتِهِ، وَدِفَاعِهِمْ عَنْهُ بِأَيْدِيهِمْ وَأَلسِنَتِهمْ، وَهُمْ أَعْظَمُ النَاسِ حَيْطَة مِنْ وَرَائِهِ وَأَلَمُّهُمْ لِشَعَثِهِ، وَأَعْطَفهُمْ عَلَيْهِ عِندَ نَازِلَة إنْ نزَلَتْ بِهِ.
كان أجدادنا وآبائنا يسكنون تحت سقف واحد في بيت العائلة، يضم جميع الأعمام وأبنائهم وبناتهم. فكان البيت يبنى بشكل مفتوح على بعضه، ليفي بحاجات ومتطلبات كل هذا الكم الهائل من البشر. وكان لكل واحد من الأعمام غرفته الخاصة، التي توفر له الخصوصية في بيات أهله وأولاده.
أما ماعدا ذلك، فوجود حمام عام مشترك، يستعمله الجميع لقضاء الحاجات الضرورية، بالإضافة إلى الاستحمام وغسيل الملابس. ومطبخ عام مشترك، يتعاون فيه جميع النساء بما فيهم الجدة الكبيرة، لتحضير الطعام لجميع أفراد العائلة.
كان كل مقتدر من الأعمام، يساهم بما يقدر عليه لتلبية الحاجات الضرورية لكل هذه العائلات. فما يقوم به أما شهامة من نفسه، أو حياء من والديه، وابتغاء مرضاتهما.
كان مما يدخل البهجة والسرور على الوالدين، وجود أولادهما وأحفادهما حولهما، خاصة أيام هرمهما وشيخوختهما وحاجتهما وضعفهما.
ومع توفر المادة وتوفر الإمكانيات، خرج كل مقتدر من الأعمام – رغما عن والديهما - من بيت العائلة، إلى بيت أو شقة منفردة بعيدة، بحجة الضيق وكثرة العيال، وعدم توفر الخصوصية. خرج وهو يحلف بكل الإيمان المغلظة، أن لا يغيب عن والديه ولا عن البيت العود. ولم يبقى في بيت العائلة إلا كل ضعيف مستضعف، ومن لا يقدر مما كسب على شيء.
وبطبيعة الوظائف الدارجة هذه الأيام، والتي تنفرد بها عن الأعمال الخدماتية والتجارية المحلية والخاصة، أصبح الغياب عن البيت والأهل والأولاد لساعات طويلة، أو لأيام كثيرة أمر طبيعي. وأصبح الابتعاد عن البيت العود، بما فيه من الوالدين والأخوان أمر طبيعي. لان الفرد يأتي منهكا متعبا من عمله، ومن الجيد إذا حصل على فرصة قصيرة ليضع رأسه على السرير، ليزيح عنه ما الم به من جهد وتعب. وبعد الاستيقاظ، عليه الإتيان بالمؤنة الناقصة لبيته. فليس لديه التركيز العقلي أو القوة البدنية لزيارة أب عجوز أو أم كبيرة أو أخ بعيد، فضلا عن الاعتناء أو التدخل في تربية أبنائه هو.
لذا يلجأ البعض للتهرب من لوم وتقريع الوالدين، إلى بعض الديوانيات التي تضم بين جنباتها ذات الشاكلة من الناس، الهاربة من تحمل المسؤولية، الهاربة من العلاقات الاجتماعية، ليروحوا عن أنفسهم، بل ليقتلوا أوقاتهم في لعب الورق أو السهر تحت التلفاز، أو التلذذ بدخان الشيشة.
وهي ذاتها أفكار المرجئة وثقافتهم، التي بثها الأمويون لتخدير أبناء الأمة الإسلامية، لكي يكونوا طاقة معطلة، متفرجة على ما يجري في شؤون الأمة، كما قال المفكر الأستاذ محمد المحفوظ، في محاضرته "عجبت لمن يفكر في مأكوله كيف لا يفكر في معقوله".
وأردف الأستاذ قائلا: أن الفكرة المميتة أو الميتة، هي كل فكرة أو ثقافة تدعو الإنسان لان تكون أولويته في مأكوله وليس في معقوله. تدعو الإنسان إلى أن يكون كائن مادي محض، لا يعتني بشؤون قيمه الإسلامية، ولا يعتني بنظام علاقاته الأسرية والاجتماعية.
وكل فكرة وكل ثقافة تعلي من شأن العناصر المادية على حساب العناصر المعنوية، هي ثقافة ميتة ومميتة. وكل ثقافة لا تؤكد على نظام صلة الرحم، هي ثقافة ميتة ومميتة. الثقافة التي تجعل الإنسان الشاب يعطي أولويته لزيارة بعض أصدقائه، على حاجات ومتطلبات أسرته، هي ثقافة ميتة ومميتة.
بمعنى كل ثقافة وكل فكرة تدعو الإنسان أن لا يكون مشغولا بشؤون الأمة، أن لا يكون مهموما بهموم المسلمين جميعا، هي ثقافة ميتة ومميتة. لأنها تدعو الإنسان إلى العيش لوحده.
وحركة التاريخ تثبت، أن التاريخ لا يرحم من يعيش وحده. كلنا نحتاج إل بعضنا البعض، كلنا نحتاج إلى كلمة طيبة من أخ عزيز، كلنا نحتاج إلى موعظة مع زحمة الحياة، لذلك جاء في الحديث عن الأمام الصادق ((الموعظة حياة القلوب)). كما أن الأبدان تصاب بالأمراض والعطالة، كذك القلوب أيضا تصاب بالأمراض والعطالة، ولكن هذه القلوب لا تحيا إلا بالموعظة.
فإذا أردنا أن تكون قلوبنا حية، وثقافتنا العامة تتجاوز أننا، وتتجاوز النزعة الأنانية لدينا، لذلك نحن بحاجة إلى التخلي عن كل أشكال الثقافة الميتة والمميتة. التي تجعلنا غير معنيين بشؤون امتنا وواقعنا، التي تجعلنا غير معنيين بشؤون جيراننا، الثقافة التي لا تجعلنا معنيين بشؤون أقربائنا وانسبانا. الثقافة التي تجعل اهتمامنا بأبنائنا، محصورا فقط في الأكل واللباس. لا يتجاوز هذا الاهتمام إلى أشياء أخرى متعلقة بمعقولهم، بجوانبهم التربوية وبأصدقائهم وبوضعهم التعليمي والدراسي.
لذا إذا أردنا أن يكونا لنا مكان تحت الشمس بين الأمم والشعوب جميعا، ينبغي علينا أن تخلى عن كل فكرة تدعونا إلى الانزواء والانطواء. نتخلى عن كل فكرة تدعونا إلى الانعزال، وعدم الاهتمام بشؤون مجتمعنا، لأنها ثقافة ميتة، تحولنا إلى آحاد لا نحرك ساكنا، اتجاه إي ظاهرة من ظواهر المجتمع.
بقلم: حسين نوح مشامع