اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
مفكرة مبتعث -29- مدينة أشباح
شاهد تعبه وجهد السنوات السابقة يتلاشى أمام ناظريه، كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف. فلقد تراجع تحصيله العلمي لصعوبة المنهج، وتراجعت درجاته للتشدد في التقييم. كأنما الجامعة تبحث عن طلاب بمواصفات خيالية، خارجة عن قدرة أهل الأرض.
وشاهد وقت بعثته يأخذ في الأفول، كالشمس تميل بعد رحلتها حول الأرض نحو المغيب. لذا قرر البحث عن جامعة أخرى، يتمكن من خلالها تعويض ما فات، واستدراك ما بقي من وقت.
لم يستطع البحث بعيدا وخارج والولاية التي يسكنها، لضيق الوقت ولحراجة متابعة الدراسة. فاخذ في البحث والتنقيب، واضعا يده على قلبه، مخافة مرور الوقت دون إدراك مراده. يسأل هذا ويستشير ذاك، عله يصل لما يريد.
وبعد البحث والتنقيب، والعمل بنصيحة هذا، والأخذ باستشارة ذاك، وجد جامعة في قرية قريبة من جامعته الحالية. قبلت به بعد اخذ ورد، وطول انتظار، وبعد زيارات متكررة، ووعود مددت لعدة مرات، وانقباض وانبساط، على أن يغير تخصصه من هندسة الميكانيكا العلمية، إلى هندسة الميكانيكا التكنولوجية.
قبل على مضض، متحسرا على المواد التي أنهاها في التخصص السابق، لكن خوفه من هبوط مستواه العلمي، وهبوط معدل درجاته جره للاذعان. كما اشترطت عليه تمديد فترة بعثته، ليتمكن من أتمام دراسته.
وهنا كان عليه الدخول في مضمار آخر، والجري فيه بشجاعة، والفوز بالسباق وإنهائه بنجاح. فتقدم بنفسه لملحقية سفارة لبلاده، رغم بعد الدار ونأي المزار، مع خوفه من الرفض. وهو يتمنى لو يجد من يقوم بهذا الدور عنه، ويكفيه بعد المسافة وضيق الوقت، وحراجة السؤال.
وبعد اخذ ورد، وطلبات ذاهبة وأخرى قادمة، وتدقيق وتمحيص، ومواعيد وانتظار مر، أنهت الملحقية طلبه، ومددت له بعثته ليتمكن من إنهاء دراسته.
أنهى أموره في الجامعة الحالية، وأخلى سكنه الحالي، وانتقل ليكمل دراسته في الجامعة الجديدة، والسكن بجوارها.
فاستعد لإكمال مشواره وإنهاء دراسته، بفرحة غامرة ونفس مفتوحة، كأب يتلقى طفله الأول بعد طول انتظار، وفقدان الأمل في الإنجاب.
لكن تبين له بعد وقوع الفأس في الرأس، أن المدينة الجديدة رغم وجود جامعة فيها، لا تعدوا كونها مدينة أشباح.
بقلم: حسين نوح مشامع