اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
"بناء الشباب ضمانة المستقبل (٩) والأخيرة
نزار حيدر
النقاش من اجل النقاش، مرض آخر ابتلي به المجتمع العراقي، ولذلك فان اغلب حواراتنا ونقاشاتنا لا تصل الى نتيجة، لان كلا الطرفين المتحاورين قررا سلفا عدم السعي للتوصل الى نتائج وإنما لإخضاع الاخر او التحدي او لعرض العضلات فقط.
لقد شرع الله تعالى الحوار من اجل الحق، ولذلك أمرنا ان نجادل الاخر بالتي هي احسن من الحجة والمنطق والأسلوب والموضوع، وفي كل شيء، اما أعمى البصر والبصيرة فتراه مستنفِرا قواه العقلية للرد فقط من دون ان يستوعب شيئا، فيضيع عليه الحق ولا يستفيد من الحوار شيئا، ولقد جاء في حديث رسول الله (ص) ان {مماراة الأحمق، يقول وتقول، يميت القلب}.
ان على الشباب ان لا يضيعوا وقتهم الثمين بالجدال العقيم، المماراة، فاما ان يدخلوا في نقاش مفيد ينتهي الى نتائج إيجابية، او يدعوا المراء جانبا، لانه يميت القلب ويضيع الوقت ولا يفيد شيئا ابدا.
كما ان على الشباب ترك العداوات التي تكثر هذه الايام في المجتمع العراقي لأتفه الأسباب، خاصة تلك التي سببها الطائفية والعنصرية والمناطقية، فهي نتنة فاتركوها.
على الشباب ان لا يحمّلوا انفسهم وزر ما ليس لهم فيه دور او دخل في صناعته، فيقللوا من اندفاعهم العاطفي لصالح العقل والمنطق والمصلحة العامة.
عليهم بتقديم الانتماء للوطن على اي انتماء آخر، ففي بلد متعدد في كل شيء لا ينبغي التخندق بالدين او المذهب او الأثنية او اللون او اللغة او المناطقية او حتى الانتماء السياسي او المرجعي او ما أشبه، لان كل هذه الانتماءات سبب للتفرقة والتمزق والتشتت، اما الانتماء للوطن فيمكن ان يكون الخيمة الأوسع التي تحتضن تحت أجنحتها الجميع.
على الشباب ان يعملوا من اجل تجاوز كل ما من شانه تفرقة صفوفهم وتمزيقها، من خلال البحث عن المشتركات فيما بينهم.
عليهم بالتواصل والتشاور والتعاون ليساهموا في تغيير الواقع المريض الذي يعاني منه العراق.
كذلك، فان عليهم التحلي بصفة الانفتاح على الاخر من خلال تجاوز تراكمات الماضي، فالانغلاق لا يساعد على توسعة مدارك الشباب، كما انه يحصر اهتماماتهم في دوائر ضيقة.
عليهم بالبساطة والعملية في حياتهم اليومية والابتعاد عن العقد وكل ما يعقّد حياتهم من مأكل وملبس وطريقة تفكير وعلاقات وغير ذلك، ولقد أعجبتني جدا بساطة المجتمع الاميركي فهو مجتمع عملي لا يعقد الامور ويبسط السبل ولذلك فهو شعب منتج على مختلف الأصعدة.
حتى في الألقاب والأسماء والعناوين فهو بسيط، لا يضخّم الامور ولا يعقدها ابدا، فتراه يتعايش مع التطور بكل سهولة ويجد لكل مشكلة حلا بأسرع مما تتصور.
اما المرض الاخر الخطير الذي ابتلي به المجتمع العراقي فهو مرض السلبية، وعلى الشباب تجاوز هذا المرض من خلال التحلي بالروح الإيجابية، فيتعامل مع الحياة بإيجابية، حتى الخطا او الفشل والهزيمة والمرض فيتعامل معها بإيجابية ليتجاوزها بأقل الخسائر وأسهل الطرق.
ان الروح السلبية تضاعف من المشكلة ولا تقرب من الحل، كما انها تضاعف من ثمن الحلول المفترضة، فالمريض، مثلا، الذي يتشاءم ويعقد الامر على نفسه يدفع الثمن غاليا قد يكون حياته، ولقد عرفت هنا لماذا يتعايش مرضى السرطان مع مرضهم على الرغم من خطورته واسمه المرعب، لأنهم يتحلّون بروح إيجابية تمكّنهم من تقبل الامر الواقع بلا تكلف او تعقيد، اما عندنا فان اكثر المرضى يموتون بسبب الخوف والجزع وانعدام القابلية على التعايش مع المرض.
اخيراً: ليكن طلب العلم من اجل تغيير الذات وبنائها وليس للمماراة مثلا او لإلقاء المحاضرات على الآخرين، فالعلم للذات اولا، يعمل به المرء فيحسن عمله وإنجازه، ولقد ورد في الحديث عن رسول الله (ص) {من تعلم علما ليماري به السفهاء، او يجادل به العلماء، او ليدعو الناس الى نفسه، فهو من اهل النار}.
١٥ كانون الثاني ٢٠١٤"