اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
ثورة اجتماعية(02) بداية المصيبة
قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات او قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين( 144 آل عمران.
ونقل عن الرسول(ص) قوله للصحابة: (لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: ومن غيرهم.
بعد انتهاء عشرة عاشوراء، ومع أول يوم دراسة وما بعده من الأيام، كان اجتماعي مع ابنتي في السيارة، خلال فترة انتقالنا من البيت للمدرسة والعودة منها. وبعد الاطلاع على بعض الكتب التي أوصاني بعض مشايخنا الكرام بقراءتها، والتي أعانتني في بحثي.
سألتني ابنتي ابتداء: ما الذي وجدته في الكتب التي قرأتها في الفترة الماضية يا أبي جوابا على سؤالي (الآثار الاجتماعية في ثورة الحسين(ع))؟ وقالت وهي تبتسم معبرة عن أسفها: أرجو يا أبي أن يكون جوابك مقتضبا ومباشرا، ومدعوما بما يؤيده. فأنت تعرف الشباب لم يعودوا مثلكم لهم نفس طويل ويعتقدون بما يقال لهم دون دليل قاطع.
توجهت إليها بكلامي كأني محاضر لامع في قاعة يلقي محاضرته على حشد من المستمعين. مصيبة الحسين يا ابنتي العزيزة بدأت مع أول انقلاب للمسلمين على أعقابهم، بعد وفاة الرسول(ص)، وذلك يوم السقيفة. وتحققت النبوءة السماوية فيهم، حين تنازعوا أمرهم بينهم، ففشلوا في تطبيق أوامر الله تعالى في تنصيب الإمام علي ابن أبي طالب خليفة لرسول الله(ص). وذهبت ريحهم وأنفك رباط الأخوة الذي عقده الرسول(ص) بينهم قبل وفاته.
فخرجت الروح القبلية الكامنة في قلوبهم إلى العلن. فتنازعت قبيلتي الأوس والخزرج الأنصاريتان فيما بينها، وتنازع الأنصار مع المهاجرين، كل يدعي أحقيته بخلافة رسول الله(ص)، وكل أخذ في هجاء الآخر وإظهار ما يعيبه. وخرجت تكتلات تتصارع في ما بينها للوصول إلى الحكم، فبايعت قبيلة الأوس أبا بكر نكاية في قبيلة الخزرج. وخرجت قريش من السقيفة وهي تعتقد أن الخلافة حقا لها، لكون محمد(ص) نبي الإسلام منها. قائلة: ((من ينازعنا سلطان محمد(ص) وميراثه ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل أو متاجنف لاثم أو متورط في هلكة)).
فزت ابنتي مستغربة متسائلة: وما علاقة ثورة الحسين(ع) التي وقعة سنة 61 هجرية بمشكلة السقيفة التي كانت بعد موت الرسول محمد(ص) مباشرة.
أجبتها مؤكدا: وهل تعتقدين أن الحسين قام بثورته تلك وهمه الوصول إلى الحكم والتربع على كرسي الخلافة، وهو قادر على ذلك لو أراد، لكونه ابن بنت رسول الله(ص) ولمنزلته العظيمة في قلوب المسلمين. لكن كان همه الأخذ بأيديهم وخراجهم من ظلمات التخلف والجهل، إلى نور العلم والتقدم. وهل تعتقدين إن ما حدث في كربلاء هو وليد تلك الفترة بعينها، بل هو تراكم أخطاء استفحلت وبعد عن الدين تمكن من القلوب مع مرور الزمن، حتى لم يستطع الأئمة رغم جهدهم في ذلك من حله بالطرق السلمية. وكيف يتقدم قوم وهم متفرقون متشتتون متنازعون؟! أو لم يقل الله في كتابه الكريم: (لا تنازعوا فتفشلوا فتذهب ريحكم(
سألت ابنتي بعدها: وهل هناك عوامل أخرى تسببت في انحراف المسلمين عن عقيدتهم؟
أجبت: نعم هناك عدة عوامل أخرى يعزى إليها انفراط عقد الألفة والمحبة والوحدة بين المسلمين، منها سياسة توزيع العطاء بينهم في خلافة عمر ابن الخطاب. وهذا ما سنناقشه في الحلقة التالي من بحثنا. فقد وصلنا إلى البيت، ويكفيك ما عرفت اليوم، ويتوجب عليك الترجل.
بقلم: حسين نوح مشامع