اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
جون مولى أبي ذر ( رضوان الله عليه )
اسمه ونسبه :
جون بن حوي ، مولى أبي ذر الغفاري ، من أصحاب الإمام الحسين ( ) .
وعاصر من المعصومين : الإمام علي ، والإمام الحسن ، والإمام الحسين ( ) .
أخباره :
كان عبداً اشتراه أمير المؤمنين ( ) ، ووهبه لأبي ذر الغفاري ، فكان عنده .
وخرج معه عندما نُفي إلى ( الربذة ) ، فلما توفّي أبو ذر رجع إلى المدينة ، وانضمَّ إلى أمير المؤمنين ( ) ، ثم من بعده إلى الإمام الحسن ( ) ، ثم إلى الإمام الحسين ( ) .
شهادته :
لما خرج الإمام الحسين ( ) إلى ( كربلاء ) خرج جون معه ، ووقف يوم العاشر من محرم الحرام أمام الإمام ( ) يستأذنه للقتال .
فقال ( ) له : ( يا جون إنما تبعتنا طلباً للعافية ) .
فوقع على قدميه ( ) يقبلهما ويقول : أنا في الرخاء ألحس قصاعكم ، وفي الشدة أخذلكم ، حتى أذن له الإمام ( ) .
فخرج جون إلى القتال وقاتل ، فقتل جماعةً حتى استشهد مع الإمام الحسين ( ) في ( كربلاء ) ، في يوم العاشر من محرم الحرام عام ( 61 هـ ) .
وقد دعا له الإمام الحسين ( ) بعد مصرعه بهذا الدعاء : ( اللَّهُمَّ بَيِّض وجهه ، وطَيِّب رِيحه ، واحشره مع الأبرار ) .
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
اللهم صلى على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
اشتراه الإمام أمير المؤمنين () ووهبه لأبي ذر الغفاري.
* رجع إلى الحسن والحسين (عليهما السلام) بعد وفاة أبي ذر.
* أذن له الحسين () يوم عاشوراء بالانصراف فأبى.
* قاتل يوم عاشوراء قتالاً عظيماً فقتل خمس وعشرين رجلاً ثم استشهد.
* مشى لمصرعه الحسين () وابّنه ودعا له.
* استجاب الله دعاء الحسين () فيه فكان متميزاً عن بقية الشهداء بطيب الرائحة.
أبو ذر الغفاري
دخل الناس في دين الإسلام وحداناً وجماعات وكلهم عدا نفر من المنافقين ـ حسن إسلامهم، وربحت تجارتهم مع الله سبحانه، ولكن التاريخ الإسلامي سجل بأسطر من نور حياة نفر قليل من أصحاب الرسول الأعظم () وكان لهم الأثر الكبير في إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى. وعلى رأس هؤلاء أبو ذر الغفاري ـ ربع الإسلام ـ أي رابع داخل في الإسلام.
وليس شرفه في السابقة وحدها، فهناك جماعة من السابقين كانوا أسس النفاق والشقاق في الأمة الإسلامية.
إن أبا ذر من الذين عنتهم الآية الكريمة (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (فصلت: 30).
فهو من يوم إسلامه وحتى يوم لقي فيه ربه لم ينفك من العمل للإسلام والجهر في نصرة الدين.
ومن مميزات هذه الشخصية العملاقة هو التفاني في حب أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) معتقداً أن وجودهم وجود للإسلام.
فعن عبد الله بن عباس قال: رأيت أبا ذر متعلقاً بحلقة ببيت الله الحرام وهو يقول: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني أنبأته باسمي. أنا جندب الربذي أبو ذر الغفاري، إني رأيت رسول الله () في العام الماضي وهو آخذ بهذه الحلقة وهو يقول: أيها الناس لو صمتم حتى تكونوا كالأوتار، وصليتم حتى تكونوا كالحنايا، ودعوتم حتى تقطّعوا إرباً إرباً، ثم أبغضتم علي بن أبي طالب أكبكم الله في النار. قم يا أبا الحسن فضع خمسك في خمسي ـ يعني كفك في كفي ـ فإن الله اختارني وإياك من شجرة أنا أصلها وأنت فرعها، فمن قطع فرعها أكبه الله على وجهه في النار. علي سيد المسلمين، وإمام المتقين، يقتل الناكثين والمارقين والجاحدين. علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. (كنز الفوائد: 282).
وعن أبي رافع مولى أبي ذر قال: صعد أبو ذر (رضي الله عنه) على درجة الكعبة حتى أخذ بحلقة الباب ثم أسند ظهره إليه فقال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن أنكرني فأنا أبو ذر، سمعت رسول الله () يقول: إنما مثل أهل بيتي في هذه الأمة كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تركها هلك. وسمعت رسول الله () يقول: اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد، ومكان العينين من الرأس، فإن الجسد لا يهتدي إلا بالرأس، ولا يهتدي الرأس إلا بالعينين. (أمالي الشيخ الطوسي: 307).
إن الحديث طويل عن هذا المجاهد العظيم، وتفانيه في حب أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام).
وكيف ما كان فقد ورّث أبو ذر مولاه حب آل محمد ()، والنصرة لهم، والدفاع عنهم، فأكرم به من ميراث.
أنت في إذن مني
للحسين () إذنٌ عام لأصحابه بالانصراف، قد خطبهم ليلة عاشوراء قائلاً: أما بعد فإني لا أعلم أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني جميعاً خيراً. ألا وإني أظن أن يومنا من هؤلاء الأعداء غداً. ألا وإني قد رأيت لكم فانطلقوا جميعاً في حلٍّ، ليس عليكم مني ذمام. هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً. (تاريخ الطبري 6/ 238).
وأجابه أصحابه وأهل بيته جميعهم بالرفض، والإصرار على الشهادة بين يديه.
وله () إذن خاص لبعض أصحابه بالانصراف، فهو يقول لبشر بن عمرو الحضرمي وقد بلغه أن ابنه أسر في ثغر الري: رحمك الله أنت في حلٍّ من بيعتي، فاذهب واعمل في فكاك ابنك.
ويجيبه (رضوان الله عليه): أكلتني السباع حياً إن أنا فارقتك يا أبا عبد الله. (إبصار العين: 124).
وأذن () لجون بالانصراف قائلاً: أنت في إذن مني، فإنما تبعتنا طلباً للعافية فلا تبتل بطريقنا.
ويجيبه (رحمة الله عليه): يا بن رسول الله، أنا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم، والله إن ريحي لنتن، وإن حسبي للئيم، ولوني لأسود، فتنفس عليّ بالجنة فتطيب ريحي، ويشرف حسبي، ويبيض وجهي، لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم. (اللهوف: 46).
إن تاريخنا الطويل يندر فيه مثل هذا المشهد البطولي الرائع فهَبْهُ جاء ناصراً للحسين () معتقداً أن التخلف عنه ضلال فما باله يصرّ على الموت بين يديه وقد أذن له بالانصراف؟!
إن هذا التصميم على الشهادة لم يسطره التاريخ لأحد كما سطره لأصحاب الحسين (). (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) (الرعد: 29).
الشهادة
لقد منع الحسين () مسلم بن عوسجة أن يرمي شمر بن ذي الجوشن بعد أن تجاوز الأدب في رده على الحسين () فهو يقول له: أكره أن أبدأهم في القتال. (إبصار العين: 35).
ونفذ صبر ابن سعد من خطب الحسين () وأصحابه وخشي أن يهيمن على الجيش، فتقدم نحو عسكر الحسين ()، ورمى بسهم وقال: اشهدوا لي عند الأمير أني أول من رمى. ثم رمى الناس، فلم يبق من أصحاب الحسين () أحد إلا أصابه من سهامهم، فقال () لأصحابه: قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لابد منه، فإنّ هذه السهام رسل القوم إليكم.
فحمل أصحابه حملة واحدة، واقتتلوا ساعة فما انجلت الغبرة إلا عن خمسين صريعاً. (مقتل الحسين للمقرم: 293).
وبعد هذه المعركة الجماعية أخذ أصحاب الحسين () يبرزون وحداناً وثوانياً.
وخرج جون يستأذن الحسين () فأذن له فحمل وهو يقول:
بالمــــــــشرفي القاطـــــع المهنّد
أذب عنــــــهم باللســـــــان واليد
مـــــــن الإله الواحـــــــد الموحد
كيف ترى الفجار ضرب الأسود
أحمــــــي الخيار من بني محمد
أرجو بـــذاك الفوز عند المورد
فقتل خمساً وعشرين ثم تعطفوا عليه فقتلوه. (مقتل الحسين للخوارزمي 2/19).
وقف عليه الحسين () وهو يقول: (اللهم بيض وجهه، وطيب ريحه، واحشره مع محمد ، وعرّف بينه وبين آل محمد ). (يوم الحسين لمحمد علي دخيل: 53).
استجابة الدعاء
سجلت في سلسلة أئمتنا استجابة الدعاء لكل واحد من الأئمة (عليهم الصلاة والسلام)، وهي من مزاياهم الكثيرة التي وهبهم المولى جل شأنه إياها، وأتحفهم بها.
وللإمام الحسين () دعوات في يوم عاشوراء ذكرها أهل التاريخ والمقاتل كان منها دعاؤه عند مصرع جون: (اللهم بيض وجهه وطيب ريحه ...الخ).
وقالوا: فكان من يمر بالمعركة يشم منه رائحة أذكى من المسك وخليق برجل يجود بنفسه طاعة لله سبحانه، ورغبة بما عنده أن يكرمه جل شأنه بهذه الكرامة، ويتحفه بهذه وشبهها، مع ما أعد له من النعيم الدائم، والحياة الباقية. (مقتل الحسين للمقرم: 313).
إن التاريخ لينحني إجلالاً أمام هذا العملاق الجبار، المستشهد في سبيل إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى ونصرة الدين الحنيف، وجهاد الظالمين.
إن مما يزيد في رفعة هذا المجاهد العظيم إذن سيد الشهداء () له بالانصراف بعد أن عاين الموت، وشاهد إخوانه صرعى؛ ومثل هذا المشهد يزيغ الأبصار، ويبلغ بالقلوب لدى الحناجر ولكنه (رضوان الله عليه) يصر على نيل الشهادة، واللحوق بإخوانه الأبرار.
فهو بعد هذا وذاك خليق بالإكبار، جدير بالتعظيم، حري بالتبجيل.
وهذه الكلمات إشادة لموقفه المشرف في ذلك اليوم العصيب.
1ـ قال الإمام المهدي () في زيارة الناحية:
(السلام على جون بن حوي مولى أبي ذر الغفاري). (الإقبال: 47).
2ـ قال أبو القاسم النراقي:
جون مولى أبي ذر الغفاري: من حواري الحسين ()، قتل معه بكربلاء. (شعب المقال: 185).
3ـ قال الفتوني:
كان جون منضماً إلى أهل البيت () بعد أبي ذر (رضي الله عنه)، فكان مع الحسن بن علي () ثم انضم إلى الحسين () وصحبه في سفره إلى مكة ثم إلى العراق. (ذخيرة الدارين: 218 عن كتاب ضياء العالمين).
4ـ قال الشيخ عبد الله المامقاني بعد كلام طويل:
وأي عدل أعظم منه رتبة، وأعلى منه درجة. (تنقيح المقال 1/238).
5ـ قال الشيخ محمد علي الزهيري بعد ذكره لكلام جون مع الحسين ():
إن روح الإيمان إذا حلّ في النفس سواء كان شريفاً أو وضيعاً، عبداً أو حراً، ذكراً أو أنثى، عربياً أو أعجمياً، مسلماً أو نصرانياً، فإنه لا يبالي بما يلاقي من الأذى والمكروه في سبيل الدين. (المعارف الإسلامية 1/355).
6-قال باقر شريف القرشي:
وجون من أفذاذ الإسلام، وهو مولى لأبي ذر الغفاري، وكان شيخاً كبيراً قد أترعت نفسه الشريفة بالتقوى والإيمان. (حياة الإمام الحسين 3/229).