اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
أمواجا عاتية
مع نهاية الاختبارات الفصلية، بدأت إجازة نصف السنة. ولحصوله على درجات عالية، ومكافأة له على حسن أداءه، سمح له والده بالسفر إلى مدينة الرسول(ص).
لثقة ذوو زملائه فيه ـ لحسن أدبه وتربيته - ورجاحة عقله - وافقوا على مرافقة أبنائهم له.
فاتفقوا على السفر والسكن كمجموعة واحدة.
جميعهم مراهقون وقليلوا الخبرة، لم تتجاوز أعمارهم السادسة عشر. وجلهم في بداية حياتهم العلمية، لم ينهوا المرحلة المتوسطة. ولم يسبق لهم مغادرة بلادهم منفرين، بدون صحبة أهليهم.
في اليوم المحدد للسفر جلسوا على المقاعد مع بقية الزوار، وتوجهت بهم الحافلة إلى مدينة الرسول الأعظم(ص). مخترقة بهم الصحاري والهضاب، نازلة بهم الوديان والسهول. وقلوبهم مع كل صعدة لجبل، أو هوية لوادي تهفوا إلى الحبيب المصطفى.
بوصولهم ليلا ذهبوا من فورهم إلى غرفتهم بالفندق، ليستسلموا لنوم عميق. ينفضون به تراب التعب والإرهاق عنهم، بعد ذلك المشوار الطويل. وليستعدوا لقضاء عدة أياما ضيوفا، في رحاب الرسول الأكرم.
امضوا إجازتهم تنقلا بين الحرم النبوي الشريف، وجنة البقيع. وبين المساجد الأثرية، كالقبلتين والفتح، والمواقع التاريخية كجبلي احد وخيبر.
في احد الأيام خرجوا من الحرم الشريف، بعد زيارة الرسول(ص) والصلاة بجواره، قاصدين زيارة أئمة البقيع قبل إغلاقه. وإذا بهم وسط الصراخ والعويل، كأنما هي الطامة وسيق الناس إلي المحشر زمرا. والبعض يجري خوفا وفرقا، كأمواجا عاتية غادية وعائدة، لا تهدأ ولا تستقر.
لم يستطيعوا الرجوع إلى الحرم، ولا التوجه للبقيع. فأمرهم بالركض مع الراكضين، محاولا تجنيبهم الضرب والركل، حتى أوصلهم إلى مسكنهم سالمين. وهم خائفون وجلون مما قد يفعل بهم، ولا يعلمون كيف يتدبرون شئونهم. كأنهم انقطعوا عن الدنيا، وانتقلوا إلي عالم آخر لا علم لهم به.
أخذت المكالمات الهاتفية تتوالى من عوائلهم، للاطمئنان عليهم. فكانت مصدرا لإزعاجهم، وسبيلا لتقوقعهم. فأصبح همهم همين. فبقوا كامنين لا يجرؤن على الخروج، خوف الاعتداء عليهم. فأخذ في تهدئتهم وصرفهم عن ما جرى، حتى وصلوا إلى ديارهم وأهليهم بأمان.