أللهم صلي على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها
والسر المستودع فيها
ألسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعض الدلالات التي أشار إليها العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى
حول النموذج الإسلامي الأصيل في شخص علي بن أبي طالب
روى عن ابن سعيد الخدري :ان أحد الصحابة المعروفين
جاء إلى رسول الله
![صلى الله عليه وآله](images/smilies/sa.gif.pagespeed.ce.MvwxkUgsdv.gif)
فقال: يا رسول الله إني مررت بوادي كذا فإذا رجل متخشع ,
حسن الهيئة , يصلي
فقال له النبي
![صلى الله عليه وآله](images/smilies/sa.gif.pagespeed.ce.MvwxkUgsdv.gif)
: إذهب إليه فاقتله ,
قال فذهب فلما رآه على تلك الحالة كره أن يقتله ,
فرجع إلى النبي فقال النبي لرجل أخر من الصحابة إذهب فاقتله .
فذهب إليه فرآه على تلك الحالة التي رآه عليها الرجل الأول قال :
فكره أن يقتله , فرجع ,فقال : يا رسول الله إني رأيته يصلي متخشعاً
فكرهت أن أقتله .
قال
![صلى الله عليه وآله](images/smilies/sa.gif.pagespeed.ce.MvwxkUgsdv.gif)
: يا علي , إذهب فاقتله ,
قال : فذهب علي , فلم يره ,
فرجع إلى رسول الله فأخبره أنه لم يره ,
فقال النبي (ص) إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم , يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية , ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم في فوقه , فاقتلوهم , هم شر البرية . وذكر نص آخر رجوع الرجلين عن قتله , ثم قال : فقال علي : أفلا أقتله أنا يا رسول الله ؟
فقال النبي (ص) : بلى , أنت تقتله ( إن وجدته ) فانطلق علي فلم يجده .
لهذا الحديث العديد من الدلالات التي أشار إليها المحقق السيد جعفر دام ظله
نذكر بعضاً منها هنا : على سبيل الإختصار وهي التالية :
1- إن هذه الرواية قد ذكرت أن هذا الرجل يتخشع , حسن الهيئة ,
2- يصلي , وقد أمر النبي بقتل هذا الرجل بالذات فلم يمنعه ما كان يتظاهر به
من اصدار الأمر بقتله حين كان مستحقاً لذلك .
الأمر يدل على ان العبرة ليست بالمظهر , وإنما بالجوهر , وفي هذا السياق بالذات جاء الحديث الشريف في مورد آخر لينهي الناس عن أن كثرة صلاة الرجل وصومه وطنطنته بالليل ,
بل عليهم ان ينظروا إلى صدقه في الحديث , وأداء الأمانة ,
2- انه حين أمر الثلاثة بقتل هذا الرجل , لم يعط تفسيراً ولا تبريراً لإصدار هذا الأمر ,
رغم أنهم قالوا له : إنهم رأوه يصلي ويتخشع وأنه حسن الهيئة ,
الأمر الذي يعني : أن التعامل مع مقام النبوة والإمامة المعصومة
لا بد أن يكون من موقع الطاعة والإنقياد والتسليم ,
تماماً كما كان الحال بالنسبة لإبراهيم
![عليه السلام](images/smilies/xas.gif.pagespeed.ic.jkQpikQJDg.png)
حينما أمره الله بذبح ولده ,
حيث لم يكن منهما عليهما السلام سوى التسليم والإنقياد لأمر الله تعالى والرضا بقضائه ,
دون أي تردد , أو شك أو حيرة أو تساؤل ,
مهما كانت طبيعته ونوعه ومداه ,
وبذلك يكون الله سبحانه وتعالى قد جسد لنا في إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام
ميزة التزامهما جانب الصبر والثبات في مواجهة الغيب
المرتبط بالله تعالى .
ومن موقع الإيمان واليقين بهذا الغيب كما أراده الله تعالى
لكل مؤمن يتقي الله تعالى
3- تحدثت الرواية المتقدمة
ان الرجلين الأولين لم ينفذا أمر رسول الله (ص)
ولم يكن لديهما أي مبرر لذلك سوى أنهما
وجداه يصلي مع الملاحظات التالية :
أ - أنه لم تستجد أية حالة جديدة تستدعي أن
يرجعا رسول الله
![صلى الله عليه وآله](images/smilies/sa.gif.pagespeed.ce.MvwxkUgsdv.gif)
,
ب - بالنسبة لحالة صلاته وخشوعه فقد كان النبي على علم بها من خلال هذان الرجلين
بالذات وقد أصدر أمره لهما بقتله بناءً على نفس هذه الصفات والحالات التي أخبراه هما بها .
ج - إن عدم تنفيذ أمر الرسول (ص) الذي يعلم الجميع أنه لا ينطق عن الهوى ,
إنما يعني
أن ذينك الرجلين كانا في شك من كاشفية قول النبي (ص)
عن الواقع والحقيقة ,
أي
أنهما
قد رأيا
أن أمر النبي
(ص)
لم يكن مستكملاً لشروط الإنقياد ,
- إن النبي (ص) كما صرحت به الرواية قال : لعلي
بلى , أنت تقتله إن وجدته ,
وهذا يعني :انه (ص) كان يعرف علياً عليه سلام الله حق المعرفة , يعرف ميزاته وخصائصه , وبماذا يفكر وكيف وبأي روحية يتعامل مع القضايا , ولأجل ذلك نجده (ص) قد أخبر عن أمر غيبي رآه
![صلى الله عليه وآله](images/smilies/sa.gif.pagespeed.ce.MvwxkUgsdv.gif)
بعين اليقين متوافراً في علي عليه سلام الله من خلال معرفته بيقين علي (ع) بصحة وبواقعية كل ما يصدر عن النبي (ص) وبأنه لا ينطق عن الهوى , من موقع إيمانه الراسخ والعميق بنبوته
![صلى الله عليه وآله](images/smilies/sa.gif.pagespeed.ce.MvwxkUgsdv.gif)
.
_ إن هذه الحادثة تعطينا أن هذا النحو من الإختبار العملي من شأنه أن يُجسد النموذج الإسلامي الأصيل لكي يعرف الناس الفضل لذي الفضل , وسابقة ذي السابقة , ويصبح ذلك مقياساً ومعياراً
يسقط من خلاله الكثير مما يُثار من شبهات وترَّهات
, فيما يرتبط بفضل علي
وبالقياس إليه صلوات الله عليه ,
ولا يبقى مجال للكثير من الدعاوى المريضة , التي قد يسهل اطلاقها ولا يستطيع من لا خبرة
له ولا معرفة عنده أن يواجهها بالوسائل التي تكشف الزيف وتظهر ما فيها من إقتراءات
أو ما تحمله من مبالغات ,
_ إن قول النبي (ص) فاقتلوهم هم شر البرية
قد جاء على شكل ضابطة عامة قد نزعت من خلالها الحصانة عن كل أولئك الذين
يبطنون الكفر والجحود والطغيان ويتسترون خلف مظاهر الخداع فراراً من العقوبة
لهم على ما اقترفوه من جرائم ومآثم ,
أن أظهارهم للتوحيد وممارستهم للشعائر الدينية , لا يمنع
من انزال العقاب الصارم الذي يستحقونه بهم ,
وقد اعتبر هذا النوع من الناس الذين عرفوا فيما بعد بإسم الخوارج وهم (شر البرية ) ولعل ذلك لأجل أن خطر هؤلاء على الدين أعظم من خطر غيرهم ولأنهم إنما يحاربون الدين بإسم الدين ,
الأمر الذي يمكنهم من خداع ابنائه , ويجعلهم أدوات طيعة في خدمة أغراضهم ومآربهم , وتقع من ثم الكارثة الكبرى حيث يتولى ابناء الإسلام هدم الإسلام متقربين بذلك بالله راجين مثوبته , وتوفيقه ومعونته حتى لو كان ثمن ذلك هو تشويه تعاليمه ,
وإستئصال وإبادة أهله وعلمائه , وتلك هي المصيبة الآدهى والأمر الأخطر .
وحيث أن النبي (ص) أخبر عن أمور غيبية فيما يرتبط بالإشارة إلى أن علياً لن يجد ذلك الرجل وأنه لو وجده لقتله . ثم فيما يتعلق بظهور أولئك الذين يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ,
مع بيان بعض حالاتهم ,
مع بيان التكليف الإلهي الموجه للأمة تجاههم ,
ان هذه الحادثة تشبه في سياقها ما جرى على العبد الصالح مع موسى
![عليه السلام](images/smilies/xas.gif.pagespeed.ic.jkQpikQJDg.png)
,
حينما قتل العبد الصالح ذلك الغلام الذي عرف منه أنه يضطهد أبويه إلى درجة
أنه كان ثمة خشية من أن يرهقهما طغياناً وكفراً .
ومن الطبيعي أن يكون الأمر الصادر من النبي (ص) بقتل ذلك الرجل مما يدخل في هذا
السياق حيث يكون قد اطلع على واقع هذا الرجل الذي استحق أن يواجه هذه العقوبة .
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين