اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدالله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين ..
أحبتنا هناك من يستشكل علينا لبس السواد لإظهار الحزن في ذكرى مناسبات وفيات الأئمة ...!ولنجيبهم على هذا الإشكال فلنقرأ هذه السطور القليلة ولنضع الحقائق والأدة .....
لمّا كان لبس السواد شعاراً للحزن والمُصاب والعزاء، فإنّ لبسه في عزاء سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السّلام وسائر الأئمّة المعصومين عليهم السّلام ـ بلا شكّ ـ أمر راجح، وتعظيماً من الإنسان المؤمن لشعائر الله تعالى، وإعلاناً منه لتولّيهم لهم وتبرّيه من قَتَلتهم وظالميهم وغاصبي حقوقهم.
وإنّ إحدى شعائر الشيعة في العراق خلال الأيام العشر الأُوَل من المحرّم هو نَصْبُ الأعلام السوداء على سُطوح المنازل. ويقيناً أنّ لبس السواد ونصب الأعلام والرايات السوداء في البيوت والحسينيّات والمجالس يتضمّن دروساً كبيرة تؤدّي إلى تعالي الأفكار وبلورة المشاعر الدينيّة والإنسانيّة، وهي بأجمعها أمرٌ راجح، وسببٌ في إحياء أمر أهل البيت عليهم السّلام وتحكيم العلائق معهم وتجديدِ الميثاق والبيعة لهم، وإعلان عن الانتماء إلى جانب الحقّ، والنفور والبراءة من أعداء الله الظلَمة.
ويُلاحظ أنّ مسألة كراهة لبس السواد قد استند القائلون بها على أمرين، أوّلهما الإجماع، ونلاحظ أن لا إجماع هنا.
والثاني: الأخبار؛ بينما يُشاهد أن هذه الأخبار مُرسَلَة وضعيفة، ولذلك فإنّها ليست بذات اعتبارٍ من جهة السند.
وعلى فرض جَبْرِ ضَعف أسانيد هذه الأحاديث، فإنّ دلالتها على الكراهة المطلقة أمر لا يمكن إثباتُه. فقد وردت هذه الأحاديث في النهي عن التشبّه ببني العبّاس الذين اتّخذوا من السواد شعاراً لهم، فكانت هذه الأحاديث ناظرة إلى النهي عن التشبّه بهم باعتبار أنّ لبس السواد كان من مصاديق التلبّس بلباس الظَّلَمة.
أمّا وقد ذهب بنو العبّاس وذهب معهم شعارُهم، فقد أضحى هذا العنوان بلا موضوع.
وقد نقل المحدّث المشهور أحمد بن محمد البَرقي ـ من الطبقة السابعة ـ في كتابه ( المحاسن ) بإسناده عن عمر بن علي بن الحسين، قال:
« لمّا قُتِل الحسينُ بن عليّ عليهما السّلام لَبس نساءُ بني هاشم السَّوادَ والمُسوحَ، وكُنَّ لا يَشتَكِينَ من حَرِّ ولا بَردٍ، وكان عليُّ بنُ الحسينِ عليهما السّلام يَعملُ لَهُنَّ الطَّعام للمأتم » (1).
ويُستنتج من هذا الحديث الشريف الذي رواه أعاظم علماء الشيعة جملة أمور:
1 ـ أنّ لبس السواد في المأتم والعزاء كان رائجاً في الصدر الأوّل، ولذلك لبست نساءُ بني هاشم السوادَ في عزاء الإمام الحسين عليه السّلام.
2 ـ أنّ حثّ الإمام السجاد عليه السّلام على هذا العمل دليل على رجحانه.
وإنّ المستفاد من هذا الحديث وأمثاله هو أنّ إظهار الحزن في مصاب الإمام الحسين عليه السّلام بكلّ نحوٍ مشروع ـ يدعوه العُرف حُزناً على المصاب ـ أمرٌ راجحٌ ومستحبّ يحصل فاعلُه على الأجر العظيم والثواب الجزيل.
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واللعن عدوهم .
إضافة أختي مواليه 5 لموضعك
كما قيل في إرشاد العباد في استحباب لبس السواد لسيد ميرزا جعفر الطبطبائي الحائري
(مسألة) كراهة لبس السواد خصوصا في الصلاة الثابتة نصا بالاتفاق وفتوى من الجميع قديما وحديثا الجابر لضعف...أسانيدها فرضا.
مضافا إلى قاعدة التسامح في أدلة الكراهة والسنن هل هي ذاتية من حيث كونه لبس سواد فلا تتغير وإن اعتراه عنوان مطلوب في حد ذاته شرعا من حيث هو كذلك كلبسه في مأتم مولانا الحسين صلوات الله عليه للتحزن به عليه في أيامه لتواتر الأخبار بشعار ذلك من شيعته ومواليه بأي نحو من أنحائه المتعارفة في العرب والعادة التي منها لبس السواد في أيام المأتم والعزاء المعهود صيرورته شعارا في العرف العام من قديم الزمان لكل مفقود عزيز أو جليل لهم: أولا بل يتغير الحكم الكراهي والمنع التنزيهي إذا اندرج تحت هذا العنوان ونحوه مما هو مطلوب شرعا لم أجد من تفطنه وتعرض لحكمه عدا خالنا العلامة أعلى الله مقامه في برهانه وقبله شيخنا المحدث البحراني قدس سره في حدايقه فمال إلى الأخير حيث صرح في هذا المقام بأنه لا يبعد استثناء لبس السواد في مأتم الحسين لاستفادة الأخبار بشعار الحزن عليه: : قال ويؤيده رواية المجلسي قدس سره عن البرقي في كتاب المحاسن عن عمر بن زين العابدين أنه قال لما قتل جدي الحسين لبسن نساء بني هاشم في مأتمه ثياب السواد ولم يغيرنها في حر ولا برد وكان أبي علي بن الحسين عليهما السلام يعمل لهم الطعام في المأتم انتهى.
ولعل وجه التأييد ما ذكره الخال العلامة أعلى الله في الدارين مقامه من بعد عدم اطلاع الإمام علي اتفاقهن على لبس السواد ولم يمنعهن فهو تقرير منه حينئذ.
(قلت) بل الممتنع عادة عدم اطلاعه على ذلك فهو متضمن لتقريره لا محالة إن صح الحديث وإن لم يكن المنع على تقديره منع تحريم لظهور الحديث على تقرير صحته في اتخاذهن ذلك من آداب العزاء وشعار الحزن عليه، عليه الصلاة والسلام فلو لم يكن ذلك من شعاره المطلوب شرعا ومن آدابه المندوبة المندرجة في عموم تعظيم شعائر الله لوجب عليه منعهن عن ذلك حذرا من الإغراء بالجهل المستلزم من عدمه بالنسبة إليهن بل وإلى غيرهن ممن اطلع على ذلك من مواليهم: واعترض عليه السيد الخال الأستاذ حشره الله مع أجداده الأمجاد: قائلا بعد نقله عبارة الحدائق كما وقفت عليها.
(وفيه) مع إمكان تنزيل الحزن والمأتم هنا على ما هو المقرر في آدابه في الشرع التي ليس منها لبس السواد أن معارضة ما دل على رجحان الحزن وكراهة السواد نظير معارضة دليل حرمة الغناء من المحرم ورجحان رثاء الحسين وكلما كان من هذا القبيل يفهم المتشرعة منهما تقييد الراجح بغير الممنوع في الشرع حرمة أو كراهة من غير فرق خصوصا وقد ورد أنه لا يطاع الله من حيث يعصى كما في الأخبار وليس ما نحن وما أشبه الأمثل رجحان قضاء إجابة المسؤول وحرمة فعل الزنا فيما إذا سئل من الإنسان الإقدام على الزنا فإن كان يتأمل هناك في عدم إرادة نحو الزنا واللوط وغيرها من المحرمات من إجابة المسؤول وقضاء الحوائج فيتأمل هنا.
وتفاوت الحرمة والكراهة غير فارق في فهم الشمول وعدمه مؤيدا في المقام بأنه لو رجح السواد للمأتم لنقل عنهم كما نقل سائر آداب مأتم الحسين والحزن في مصابه انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.
ولا يخفى أن تحقيق الحق في المقام على وجه يتضح به المرام يقتضي أولا التعرض لنقل ما ورد في الباب عن أئمة الأنام الأعلام عليهم من الله الملك العلام أفضل الصلاة والسلام ثم ملاحظة ما اشتمل عليه من المضامين والأحكام لينكشف به الحق ويسفر اسفرار الصبح دجايا الظلام.
فنقول: روى غير واحد عن ثقة الإسلام الكليني قدس سره في الكافي عن أحمد بن محمد رفعه عن أبي عبد الله : قال: يكره السواد إلا في ثلاثة الخف والعمامة والكساء: وعنه أيضا في كتاب الزي مرفوعا عن رسول الله وسلم قال: كان رسول الله وسلم يكره السواد إلا في ثلاثة الخف والكساء والعمامة.
وروى شيخنا الحر العاملي في وسائله عن الصدوق عن محمد بن سليمان مرسلا عن أبي عبد الله : قال - قلت له أصلي في القلنسوة السوداء قال: لا تصل فيها فإنها لباس أهل النار.
وروي أيضا عن الصدوق في الفقيه عن أمير المؤمنين مرسلا وفي العلل والخصال كما في الوسائل عنه (ع) مسندا أنه قال لأصحابه لا تلبسوا السواد فإنه لباس فرعون وروى أيضا بإسناده كما في الوسائل عن حذيفة بن منصور: قال: كنت عند أبي عبد الله صلى بالحيرة فأتاه رسول أبي العباس الخليفة يدعوه فدعي بمطر أحد وجهيه أسود والآخر أبيض فلبسه: ثم قال: أما إني ألبسه وأنا أعلم أنه لباس أهل النار أي ألبسه للتقية من الطاغي الخليفة العباسي لاتخاذ العباسيين لا نفسهم لبس السواد كما يفهم ذلك من السير والتواريخ وغيرها.
بل يفصح عنه بعض الأخبار المخبر بأن ذلك من زي بني العباس قبل أن يوجدوا.
مثل ما روي عن الصدوق في الفقيه مرسلا أنه قال روي أنه هبط جبرئيل على رسول الله وسلم وعليه قباء أسود ومنطقة فيها خنجر فقال وسلم يا جبرئيل ما هذا الزي فقال زي ولد عمك العباس فخرج النبي وسلم إلى العباس فقال يا عم ويل لولدي من ولدك: فقال: يا رسول الله أفأجب نفسي: قال وسلم جرى القلم بما فيه.
والظاهر أن المراد بأهل النار في بعض ما مر من الأخبار هم المعذبون بها المخلدون فيها يوم القيامة وهم فرعون ومن حذا حذوه واحتذى مثاله ونحوه من الفرق الطاغية الباغية من أشباه الخلفاء العباسية وغيرهم من كفرة هذه الأمة المرحومة والأمم السابقة الذين اتخذوا السواد ملابس لهم.
كما يرشد إليه ويفصح عنه ما روي أيضا عن الصدوق في الفقيه بأسناده عن إسماعيل بن مسلم عن الصادق أنه قال: أوحى الله إلى نبي من أنبيائه قل للمؤمنين لا تلبسوا ملابس أعدائي ولا تطعموا مطاعم أعدائي ولا تسلكوا مسالك أعدائي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي.
وقال: في كتاب عيون الأخبار على ما في الحدائق بعد نقل الخبر بسند آخر عن علي بن أبي طالب عن رسول الله وسلم نقلا عن المصنف رضي الله عنه: أن لباس الأعداء هو السواد ومطاعم الأعداء النبيذ والمسكر والفقاع والطين والجري من السمك والمارالماهي والزمير والطافي وكلما لم يكن له فلس من السمك والأرنب إلى أن قال: ومسالك الأعداء مواضع التهمة ومجالس شرب الخمر والمجالس التي فيها الملاهي والمجالس التي تعاب فيها الأئمة والمؤمنون ومجالس أهل المعاصي والظلم والفساد انتهى ملخصا: هذا ما وقفنا عليه من الأخبار التي استند إليها لإثبات كراهة لبس السواد مطلقا.
والذي يظهر من مجموعها بعد ضم بعضها إلى بعض والتأمل في مساقها وما اشتمل عليه من تعليل المنع فيها مرة بأنه لباس فرعون وتارة بأنه لباس أهل النار كما في أكثرها وأخرى بما يقرب منه من أنه زي بني العباس ومن منع التلبس بلباس الأعداء بقول مطلق كالأخير منها الذي هو عند التحقيق كالمتضمن لهبوط جبرئيل على النبي وسلم متلبسا بزي عجيب أخبر بأنه زي بني العباس ومن منع التلبس بلباس الأعداء بقول مطلق كالأخير منها الذي هو عند التحقيق كالمتضمن لهبوط جبرئيل على النبي وسلم متلبسا بزي عجيب أخير بأنه زي بني العباس بمنزلة المبين لعنوان الحكم الكراهي وموضوعه المعلق عليه أن كراهة لبس السواد ليست من حيث كونه لبس سواد تعبدا.
وإلا لما استثنى منه من نحو الخف والعمامة والكساء بل إنما هي من حيث كونه زي أعداء الله سبحانه الذين اتخذوه من بين سائر الألوان ملابس لهم فيكون الممنوع عنه حينئذ التزي بزيهم والتشبه بهم الذي منه التلبس بما اتخذوه ملبسا لا نفسهم الذي لبس منه الكساء والعمامة وغيرهما مما استثنى منه في النصوص المتقدم إليها الإشارة.
ومعلوم أن عنوان التشبه بهم ونحوه من التزي بزيهم لا يتأتى مع كون القصد من ذلك غيره بل الدخول في عنوان هو في نفسه مطلوب من حيث هو كذلك مندوب شرعا وهو التلبس بلباس المصاب المعهود في العرف والعادة قديما وحديثا للتحزن على مولانا الحسين صلوات الله عليه في أيام مأتمه كما يرشد إليه ما مر من حديث لبس نساء أهل البيت السواد بعد قتله في مأتمه المتضمن كما عرفت لتقرير الإمام لذلك إذ لولا كون لبس السواد من التلبس بلباس المصاب المعهود من قديم الزمان في العرف والعادة لما اخترن ذلك على غيره مع معلومية كون غرضهن من ذلك ليس إلا التحزن به عليه .
هذا مع أن في النساء مثل الصديقة الصغرى زينب بن علي صلوات الله عليها التي قال في حقها ابن أخيها الإمام السجاد في الحديث المعروف حينما كانت تخطب وتخاطب القوم الفجرة بعد أن أدخلوهم الكوفة بتلك الحالة الشنيعة مخاطبا لها اسكتي يا عمة فأنت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة وكفاها بذلك ونحوه مما لا يعد فخرا وعلما وقدرا.
فكيف يخفى على مثلها مع تلك الجلالة وعظم الشأن والقدر والبالة تلك الكراهة الشديدة المستفادة من الأدلة فإن هو إلا لعدم تحقق ذلك العنوان الغير المحبوب.
في نحو هذا التلبس المطلوب من حيث كون المقصود منه عنوانا آخر غير التشبه والتزي بزي الأعداء: بل التحقيق أنه لا يتأتى العنوان المكروه إلا مع غير عنوان التلبس بلباس الحزن في المأتم من سائر الأغراض المستحسنة الممدوحة عرفا وشرعا كما لو كان المقصود منه التجمل به مثلا لو كان مما يحصل به ذلك كلبس جبة خز دكناء كما ورد في الحديث المروي عن أبي جعفر بسند معتبر في الوسائل .
قال: قتل الحسين (ع) وعليه جبة خز دكناء : ولعل المقصود من لبسه إياها فإنه على تقديره أمر ممدوح مستحب شرعا كما ورد في الأخبار المستفيضة أو غيره مما.
يخفى علينا ولا يخفى عليه صلوات الله عليه.
ولعل منه لبسه للتقية عن المخالف فإنه أيضا من المغير لذلك العنوان المكروه لا أنه مخصص بعموم أدلة التقية وعموم الضرورات تبيح المحظورات ونحوهما إذا التخصيص فرع دخول المستثنى في المستثنى منه.
وعلى ما ذكرناه ليس ذلك مما يشمله عموم العنوان المكروه ليخصص بها ولعل في قوله أما أني ألبسه وأنا أعلم أنه لباس أهل النار: إشارة لطيفة إلى ذلك أي لا يتوهم المتوهم أني ألبسه ولا أعلم أنه من لباس أهل النار بل ألبسه لكن لا للتلبس بلباسهم بل لغرض آخر لا يتأتى معه ذلك فلا يكون من المكروه والله أعلم.
هذا: وفي الوسائل عن العلل بسنده المتصل إلى داود الرقي.
قال: كانت الشيعة تسئل أبا عبد الله عن لبس السواد قال: فوجدناه قاعدا وعليه جبة سوداء وقلنسوة سوداء وخف أسود مبطن ثم فتق ناحية منه وقال أما أن قطنه أسود وأخرج منه قطنا أسود: ثم قال: بيض قلبك وألبس ما شئت .
وفيه كما ترى إشارة لطيفة إلى ما أشرنا إليه فكأنه صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين أراد بقوله ببيض قلبك أنه بيضه بنور معرفتنا وولايتنا والتشبه بنا وبموالينا وألبس حينئذ ما شئت فلا بأس به ولو كان أسود: فهو بعد التأمل فيه والتحقيق بالنظر الدقيق مبين للمراد من كراهة لبس السواد التي تضمنتها النصوص السابقة على اختلاف مضامينها: وبالجملة الإنصاف يقتضي الاعتراف بعدم شمول أدلة كراهة لبس السواد بعد الإحاطة بما ذكرناه لو كان المقصود منه التحزن بذلك على مولانا الحسين في أيام مأتمه بعد ما عرفت من كونه هو المعهود في العرف والعادة من قديم الزمان لكل مفقود عزيز جليل لهم سيما بعد صيرورته من شعار الشيعة قديما وحديثا من علمائهم فضلا عن غيرهم بل ربما يشعر بذلك أشعارا بليغا الحديث الذي رواه خالنا العلامة المجلسي رحمة الله في زاد المعاد في فضل يوم التاسع من أول الربيعين وعظم شأنه وقدرة عند الأئمة عن الشيخ الجليل القدر العظيم المنزلة أحمد بن إسحاق القمي عن مولانا العسكري عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه وعليهم الصلاة والسلام أن لهذا اليوم من عظم قدرة عند الله وعند رسوله وخلفائه سبعين اسما وعدها واحدا بعد واحد وجعل من جملتها المناسب ذكره في هذا المقام أنه يوم نزع لباس السواد اظهارا للفرح والسرور المطلوب فيه للمؤمنين الذي لا يناسبه لبس السواد فيه .
ولا يخفى ما فيه من الإشعار بل الظهور في معهودية لبس السواد عند الخواص وهم الشيعة قبل هذا اليوم لعدم شمول الأمر بالنزع لغيرهم بالضرورة ومعلوم أن ذلك لا يكون إلا لمفقود عزيز وهل هو إلا للتحزن على ما جرى على مولانا الحسين وأهل بيته في الشهرين المعلومين الذين جرت عادت نوع الشيعة على لبس السواد فيهما من قديم الزمان لأجله وإن احتمل كون المراد منه مطلوبية إظهار الفرح والسرور في هذا اليوم للخواص الذي لا يناسبه لبس السواد ولو كان لغيره ممن فقد منهم إلا أن ما ذكرناه لعله أظهر إلى المراد.
وعلى كلا التقديرين يدل دلالة وافية على أنه لباس حزن متعارف لسه بين الناس لمن فقد منهم ممن ينبغي له ذلك فيشمله حينئذ عموم ما دل على مطلوبية شعار الحزن والتحزن عليه في مأتمه بما يصدق عليه ذلك في العرف والعادة بالأخبار المستفيضة البالغة حد الاستفاضة بل المتواترة معنى الدالة على ذلك على اختلاف مواردها ومضامينها من غير حاجة إلى ثبوت كل فرد ومصداق منه بالخصوص بدليل مخصوص بل يكفي مجرد كونه مما يصدق عليه ذلك في العرف والعادة سيما لو كان مما جرت عليه السيرة كما نحن فيه.
ومن هنا ينفتح باب واسع لتجويز مثل الطبول والشيپور ونحوها من الآلات التي تضرب حال الحرب لهيجان العسكر في عزاء ومأتم مولانا الحسين أرواحنا له الفداء المتعارف ذلك في أعصارنا سيما بين الأتراك من الشيعة الذي له تأثير غريب في هيجان الأحزان والإبكاء والصياح والنياح بحيث تراهم يخرجون بذلك عن الحالة الاختيارية وكذلك البوق المتداول بين نصف الدراويش ونحو ذلك مما تداولها عوام الشيعة في مأتم مولانا الحسين مما لا دليل على الحرمة سوى كونه من آلات اللهو المحرم بعمومه من حيث كونه لهوا لا لحرمته ذاتا كاللعب بالشطرنج ونحوه من آلات القمار وإن كان نوعا منه أيضا فإن ما كان تحريمه من حيث كونه لهوا لا غيره كما أشرنا إليه لا يصدق عليه عنوان اللهو بالضرورة في مثل المقام المقصود منه إقامة العزاء وهيجان الأحزان ونحوهما به في أيام مأتمه وحيث لا يصدق عليه ذلك العنوان المحرم من حيث اللهوية بالقصد المغير له بالضرورة جاز بل ندب واستحب لاندراجه حينئذ في عموم ما دل على مطلوبية شعار الحزن والتحزن عليه (ع) بما يصدق عليه ذلك في العرف والعادة وإن لم يرد عليه دليلا بالخصوص كاللطم والضرب بالراحتين على الصدور الذي جرت عليه السيرة من الخواص فضلا عن العوام من الشيعة في مأتمه سيما في أيام العشرة الأولى من المحرم ولياليها بالخصوص حتى بلغ ذلك إلى حد ينسب إليهم الأعداء فيها الجنون ونحوه مع أنه لم يرد به نص بالخصوص ولو من الطرق الغير المعتبرة ولم نر مع ذلك أحدا منا تأمل أو توقف في حسن هذا الفعل وهو إلا لكونه مأخوذا مدلولا عليه بالعموم المشار إليه.
وبالجملة لا ينبغي التأمل في عدم شمول أدلة كراهة لبس السواد لما نحن فيه كما لا ينبغي التأمل في رجحانه شرعا لهذا العنوان المندوب بعمومه كذلك بعد ارتفاع الكراهة عنه وهل هو إلا كشق الثوب المرجوح أو المحرم لكل ميت إلا من الولد لوالد فترتفع المرجوحية أو الحرمة فيه بالمرة بل ربما ينقلب راجحا محضا أو يغلب رجحانه على المرجوحية التي فيه لغيره ولعله لكونه نوعا من التعظيم والاجلال المطلوب شرعا من الولد لوالده حيا وميتا بل هو الظاهر فلا يكون كشقه لغيره مما فيه نوع من التجري عليه سبحانه وتعالى والانضجار ونحوه وكالبكاء والجزع والتأسف ونحوها المذمومة شرعا لكل أحد إلا من الولد للوالد فإنه مندوب وليس ذلك من القياس المحرم بل المنقح مناطه كما لا يخفى.
ومما ذكرنا يظهر أنه لا وجه لما ذكره شيخنا الخال العلامة أعلى الله في الدارين مقامه معترضا على كلام شيخنا المحدث البحراني رحمه الله المتقدم إليه الإشارة تارة بإمكان تنزيل الحزن في مأتمه على ما هو المقرر في آدابه في الشرع التي ليس منها لبس السواد: وأخرى بأن معارضة ما دل على رجحان الحزن وكراهة لبس السواد نظير معارضة دليل حرمة الغناء من المحرم ورجحان رثاء الحسين وكلما كان من هذا القبيل يفهم المتشرعة منهما تقييد الراجح بغير الممنوع في الشرع حرمة أو كراهة إلى آخر ما مرت الإشارة إليه: إذ لا داعي أولا إلى تنزيل الحزن والتحزن عليه في مأتمه (ع) المندوب بعمومه كما عرفت الشامل لكلما يصدق عليه ذلك في العرف والعادة الذي منه لبس السواد على غيره مع كونه من الفرد المتعارف من قديم الزمان كما عرفت: ثم لا داعي ثانيا إلى تخصيص رجحان الحزن والتحزن عليه (ع) بخصوص ما ورد من العناوين التي تضمنتها الأخبار الكثيرة إن كان هو المراد من الأدب المقررة في الشرع في ظاهر كلامه بعد القطع بعدم إرادة الاقتصار عليها بالخصوص بل من حيث كونها من آداب العزاء في العرف والعادة أو من أظهر أفرادها ونحوه.
وإلا لخرج ما ليس منها مما لا إشكال في رجحانه شرعا وعرفا كاللطم والضرب على الصدور ونحوهما مما جرت عليه سيرة المتشرعة من الخواص فضلا عن العوام ولولا كونه مدلولا عليه بما يعمه شرعا لما جرت عليه العادة والسيرة.
على أن ذلك إنما يتجه على تقدير شمول أدلة كراهة لبس السواد للبسه في هذا المقام بهذا العنوان وقد عرفت أنه في حيز المنع لظهورها في كراهته من حيث كونه لبس الأعداء وزيهم لا من حيث كونه لبس سواد فيكون الممنوع عنه لبسه بعنوان التلبس بلبسهم والتزيي بزيهم ولو باختياره للبس والملابس من بين سائر الألوان الغير المتحقق مع كون المقصود منه التلبس بلباس المصاب المعهود كما عرفت في العرف والعادة من قديم الزمان للتحزن به على مولانا الحسين (ع) كما يرشد إليه ما مر من حديث لبس نساء أهل البيت السواد في مأتمه بعد قتله بمرئي من مولانا زين العابدين صوات الله عليه ومسمعه بنحو ما مرت الإشارة إليه.
وحيث لا تشمله أدلة الكراهة بقي رجحانه من حيث دخوله في العنوان المندوب بعمومه بلا شرعا بلا معارض معتضدا بقاعدة التسامح في أدلة السنن التي لا مجال للتأمل في جريانها في مثل المقام الغير المشمول لأدلة الكراهة من وجه أصلا.
هذا مع أنه ورد في غير واحد من الأخبار أنه ما ادهنت هاشمية على ما نقل منا أهل البيت ولا اكتحلت ولا رؤي دخان من بيوتهم بعد قتله إلى خمس سنين حتى بعث المختار رضوان الله عليه برأس الكافر الفاجر عبيد الله بن زياد إلى زين العابدين فغيروا بأمره حينئذ ما كانوا عليه وهو كما ترى يدل على رجحان كل ما يدخل في عنوان شعار الحزن والتحزن عليه الصلاة والسلام وتعظيم مصيبته الذي منه ترك اللذائذ في أيام مأتمه ومصيبته لأن ذلك كله بمرأى ومسمع من سيدهم الإمام أبي الأئمة عليه و مع تضمنه لترك الاكتحال الذي هو من المستحبات سيما من النساء ذوات الأزواج ونحوه من التزين المطلوب منهن لأزواجهن بل لترك أكل اللحوم الظاهر من عدم رؤية الدخان من بيوتهن في هذه المدة مع شدة كراهة تركه أربعين صباحا كما في بعض الأخبار بل في بعضها أنه من دأب الرهبانية المنسوخ في هذه الشريعة وأعظم من ذلك ما روي من أن رباب زوجة مولانا الحسين لم تزل ما دامت حية بعد شهادته تجلس في حرارة الشمس إلى أن تقشر جلدها وذاب لحم بدنها حتى لحقت بسيدها فترق عليها الصديقة الصغرى أخت مولانا الحسين (ع) وتسألها الجلوس مع النسوة في المأتم تحت الظلال فتأبى ذلك وتقول لها إني آليت على نفسي ما دمت حية أن لا استظل عن حرارة الشمس منذ رأيت سيدي الحسين في حرارة الشمس.
أترى أن ذلك كان مما يخفى على الإمام أو أنه كان يمنعهن من ذلك ولم يمتثلن منعه لا سبيل إلى شئ منهما بل إنما هو لكونه داخلا في عنوان شعار الحزن والتحزن عليه ومن تعظيم المصيبة التي هي أعظم جميع المصائب: وكيف كان فقد بان من ذلك كله أنه لا وجه للحكم بكراهة لبس السواد في مصيبة سيد شباب أهل الجنة أرواحنا له الفداء بقصد التلبس بلباس الحزن المتعارف من قديم الزمان كما هو المفروض تمسكا بعموم أدلة كراهته ولا لجعل معارضتهما من قبيل معارضة دليل حرمة الغناء ودليل رجحان رثاء مولانا الحسين كما هو صريح خالي العلامة أعلى الله مقامه لسلامة رجحان لبسه في المقام عن معارضته بأدلة الكراهة من جوه شتى كما وقفت عليها وعمدتها عدم دخوله في موضوع أدلة الكراهة فلا يكون حينئذ من قبيل معارضة دليل حرمة الغناء المحرم ذاتا مطلقا من حيث كونه غناء ودليل رجحان رثائه بطريق الغناء ولو أشعر بعض الأخبار بتعليل تحريمه بكونه مورثا للفساد من حيث كونه مطربا إلا أنه ليس بحيث يدور الحكم معه وجودا وعدما إجماعا منا على الظاهر المصرح به كذلك في ألسنة الأصحاب قديما وحديثا: فما رجحه شيخنا المحدث البحراني قدس سره في حدايقه من رجحان لبسه في مآتم مولانا الحسين عليه الصلاة والسلام ومصيبته هو الأظهر لكن لا لتخصيصه أدلة الكراهة كما هو قضية قوله لا يبعد استثناء لبس السواد في مأتم الحسين معللا باستفاضة الأخبار بشعار الحزن عليه مؤيدا له بالحديث الذي رواه عن خالنا العلامة المجلسي رحمه الله المتضمن للبس نساء بني هاشم السواد بعد قتله إذ هو إنما يتجه على تقدير شمول عموم أدلة الكراهة لمثله ودخوله في موضوعها وقد عرفت عدمهما فال حاج معه إلى استثناء المذكور الذي لا يخلو على تقديره عن نوع تأمل وإشكال لأن التعارض بينهما حينئذ تعارض العامين من وجه.
والمطلوب فيه الرجوع إلى المرجحات السندية أو غيرها ثم الأخذ بأحدهما المخير مع فرض التعادل والتساوي بينهما لا التخصيص الذي هو فرع كون أحدهما أخص من الآخر مطلقا وبالجملة التأمل في مساق أدلة الكراهة بعد ضم بعضها إلى بعض يقضي بما اخترناه وكان والدي العلامة أعلى الله مقامه في أواخر أمره وعمره يرى حسن التلبس بهذا اللباس في أيام مأتم مولانا الحسين (ع) المعودة وندبيته فتوى وعملا إلى أن انتقل إلى رحمة الله بعكس ما كان عليه سابقا ويترتب على ذلك صحة النذر والعهد وانعقادهما على لبسه في مأتمه (ع) فضلا عن اليمين عليه بخلاف ما لو قلنا بمقالة شيخنا الخال العلامة أعلى الله تعالى في الدارين مقامه.
فلا ينعقد شئ منهما لاشتراط انعقادهما برجحان متعلقهما شرعا على ما يظهر من النص والفتوى وكذلك الأخير وإن كان أوسع دائرة منهما بناءا على اشتراط انعقاده بمجرد عدم مرجوحية متعلقة ولو لم يكن راجحا كالمباح والظاهر أنه لا فرق سيما على ما حققناه بين لبسه في مأتم مولانا الحسين أرواحنا له الفداء وغيره من النبي أو غيره من سائر الأئمة : بل النبي كمولانا الأمير صلوات الله عليهما أولى بذلك منه (ع) لأن لبسه في مأتم كل واحد منهم نوع من تعظيم شعائر الله سبحانه قطعا فيكون حينئذ راجحا بل قد يلحق بهم غيرهم أيضا من هذه الحيثية كالعلماء ونحوهم.
من يكون تعظيمه نوعا من تعظيم شعائر الله وشعائر الإسلام لو فرضنا كونه نوعا من تعظيمه عرفا سيما بعد ما ورد من أن حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا إلا أن ظاهر شيخنا المحدث البحراني رحمه الله ربما يعطي عدم استثناء حسن لبس السواد في غير مأتمه (ع) لاقتصاره في الاستثناء كما عرفت على لبسه في مأتمه (ع) دون غيره مؤيدا بما ذكره من التأييد المتقدم إليه الإشارة الخصوص به روحي فداء.
إلا أن يؤخذ بمقتضى تعليله الاستثناء باستفاضة الأخبار بشعار الحزن عليه (ع) فإنه عام يشمل غيره أيضا لاستفاضة الأخبار بنحو هذا الشعار في الجميع ولو بنحو العموم من نحو قوله (ع) (من ذكر مصابنا وحزن لحزننا أو لما أصابنا أو لما ارتكب منا كان معنا) إلى غير ذلك مما لا يكاد يعد ويحصى.
وإن كان بوارد في خصوص مولانا الحسين عليه الصلاة والسلام منهم وممن تقدم عليهم من الأنبياء والأوصياء المخبرين عن الله سبحانه وتعالى بلسان الوحي أو الرسول المنزل عليهم أكثر من غيره بمراتب شتى ولعل ذلك لعظم مصيبته التي تصغر عندها جميع المصائب كما أخبر به جبرئيل (ع) آدم على نبينا وآله و.