اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
رحمة نبوية
اجتمعوا كبيرا وصغيرا، قريبا وبعيدا، أرحاما وأصدقاء، للاحتفال بالعيد السعيد في بيت العائلة. يتبادلون التهاني والتبريكات، ويستقبلون القبلات والأحضان الحارة.
بين انشغالهم بأنفسهم وابتهاجهم بالمناسبة السعيدة، فقدت ولم يعد لها ذلك الحضور المعتاد، حيث كانت لولبا لا يقف وزنبركا لا يفتر، تجلب أطباق الطعام وتزيل أخرى متسخة وفارغة، تقلب المجلس رأس على عقب لتنظفه عند خروج الضيوف وتعيده مرتبا لاستقبال آخرين.
كانوا بأمس الحاجة إلى خدمتها، مع ازدياد عدد الحضور، فبحثوا عنها في كل مكان يحتمل تواجدها فيه، يعمهم الخوف ويجتاحهم الوجل، الخوف من مكروه حدث لها، والوجل أن احد الموجودين تطاول عليها أو جرح مشاعرها، لطبيعتها الطفولية وقلة خبرتها في الحياة، فهذه أول مرة تبعد فيها عن أهلها وتخرج فيها من بلادها.
عيل صبرهم لتحمل سذاجتها، وركبهم العناء للتعب الذي لقيهم بين استقبال ضيوفهم خدمتهم. بخروجهم وجدوها مختبئة في زوايا احد الحجر المظلمة، تبكي بمرارة وحرقة وألم.
رغم غيظ العائلة وتذمرها من سوء تصرفها في مثل هذه الظرف الحرج، حاولوا تغطية الأمر وتهوينه للتقليل من تأثيره على فرحة العيد، كما عملوا على إسكاتها وتهدئتها.
لكن غضب رب البيت لم يسكن من فعلتها، وود لو باستطاعته تأدبها لان لا تعود إلى مثلها مرة أخرى، وأنى له ذلك وكيف يمد يده على امرأة أجنبية؟
أخذتها ربة البيت جانبا وبعيدا عنه حتى يهدأ، ومع خلو المكان إلا منهما سألتها عن سبب بكائها واختبائها في مثل ذلك الوقت؟ وهل رماها احد من أهل البيت أو الضيوف بكلمة جرحتها، أو قام بحركة خدشت مشاعرها؟
أجابت بالنفي ثم انطلقت تقول: رأيت بابا يقبل بناته وأبنائه بحرارة ويحضن أطفالهم بمودة ورحمة، فتحركت مشاعري ولم استطع تمالك نفسي عن الحزن وعيني عن البكاء. قالت سيدتها مستغربة: طبيعي قيامه بذلك فهو أب ورب أسرة!
فردت مع احمرار مؤقتيها كأنهما الجمر، وقاربت الانفجار باكية كأنها البركان: أبي لا يقوم بذلك، ولا أتذكر انه مد يده في جيبه وأعطاني قطعة نقدية، أو دخل علينا في يوم عيد أو غيره حامل معه شيء يفرحنا به. ولم اسمع من ذو أتيت إلى هذه الدنيا عن عمله أو تجارته، بل إن أمي التي لا أراه إلا لفترة قصيرة كل عدة شهور منذ طفولتي، تعمل خارج البلاد وتقوم على شؤون البيت!
نقلت ربة البيت كلام الخادمة إلى زوجها فقال: ما هذه أخلاق رسول الله(ص) فلقد رآه احدهم وهو يقبل الحسن والحسين(ع)، فقال إن لي عشرة من الأولاد ما قبلت احدهم قط، فقال له(ص): من لا يرحم لا يرُحم !. ولا هي من سنته وهو الوفي البار بعمه أبي طالب الذي كان فقيرا معيلا، وهو يتحمل سيادة بني هاشم ووفادة الحاج، فقرر تخفيف مسؤولية كفالته، فاشتغل برعي الأغنام كبقية أبناء مكة، ولما شب وبلغ مبلغ الرجال ولم تكن تلك المهنة تناسبه أخذ يمارس التجارة.
ثم التفت إلى زوجه ليقول لها متذمرا: لقد تعدت هذه سني المراهقة وأصبحت أم وزوج مسؤولة، لكنها لا تستطيع التحكم في مشاعرها، ولا يمكن الاعتماد عليها! ماذا يمكننا أن نفعل وقد تكلفنا كل تلك المصاريف الباهظة لإحضارها؟ بقلم: حسين نوح مشامع - القطيف، السعودية