عضو دائم
|
|
|
|
الدولة : مدينة الرسول الأعظم عليه السلام
|
|
|
|
المستوى :
|
|
|
|
المنتدى :
ميزان شعراء أهل البيت صلوات الله عليهم
الفرزدق" وما أدراك مالفرزدق"
بتاريخ : 20-Oct-2007 الساعة : 05:26 PM
![](http://www.mezan.net/forum/salam/6.gif)
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
الفرزدق وقصيدته في مدح الإمام زين العابدين (عليه السّلام)
![](http://site.jannatalhusain.net/media/pics/1187475856.jpg)
ما زال الأدب العربي يزهو ويفخر بنخبةٍ من الشعراء، اقترن ذكرهم بقصيدة من القصائد رائعة عصماء، نظَمَها قائلُها وأجاد في صياغتها، فتمثلت موقفاً مهماً في حياة ناظمها. من بين تلك القصائد بائية الكميت بن زيد الأسدي، وميمية الفرزدق، وتائية دعبل الخزاعي، ورائية التهامي، ودالية المعري وغيرها من القصائد التي انتشرت وذاعت على ألسنة الناس، وما زالت تنفح الأدب بعطر الفن والجمال.
هذه القصائد كُتِب لها الخلود، لأنها جاءت تعبيراً عن الروح الإنسانية، وما يتضمّن فيها من صدق العاطفة، وجمال الذوق، وسمو الخيال.. وهي في الوقت نفسه، صورة عن إبداع الشاعر فيما نسج من رؤى أو عبّر عن حقيقة يرسم أبعادَها الخيال، ويرفدها الوجدان، ويمد في لحمتها وسداها روعة التصوير، وجمال التعبير، وحرارة الموقف..
إن قصيدة عاشت أكثر من عشرة قرون ونيف، لهي حَرِيّة بالثناء والتقدير. ولم تكن ميمية الفرزدق إلاّ واحدة من عيون الشعر العربي والإسلامي، التي تضمّنت سجلاً لمكارم الأخلاق ومحامد الأفعال.
إنَّ ناظمها، همّام بن غالب التميمي، أبو فراس، الشهير بالفرزدق ( 19 هـ ـ 110 هـ )، شاعر من أهل البصرة، عظيم الأثر في اللّغة، كان يقال: لولا شعره لذهب ثلث لغة العرب، ونصف أخبار الناس. وكان شريفاً في قومه، عزيز الجانب.
وُلد في البصرة سنة 19 هـ، وأقام مع والده في البادية، وكانت البصرة حاضرة الأدب والعلم والبيان آنذاك، فروّاه والده الشعر حتّى ظهرت ملكته فيه وهو غلام، فجاء به في يفاعته إلى الإمام علي عليه السّلام في حدود سنة 36هـ، وأخبره أنه شاعر، فقال له الإمام عليه السّلام: « عِلّمْه القرآنَ فهو أنفع له »، فلم ينظم شعراً حتى حفظ القرآن. وقيل إنه قيّد نفسه وآلى على نفسه أن لا يفكّ القيد حتّى يحفظ كتاب الله، فيبرّ بقسمه.
وكان والد الفرزدق وأجداده رؤساءَ عشيرتهم، لهم مناقب مشهورة، ومحامد مأثورة في الكرم والمجد. منها أن جدّه صعصعة كان عظيم القدر في الجاهلية، حيث افتدى الموؤودات من تميم، وكان من عادات بعض قبائل العرب أن تئد بناتها اتقاء العار والفاقة، فلما ظهر الإسلام منع ذلك بشدة. يقول الفرزدق مفتخراً بجده:
وجدّي الذي منع الوائدات .,*,. وأحيا الوئيد فلـم يَوأدِ
نبوغه وشهرته
كان لكلام الإمام علي عليه السّلام وقع كبير في نفسه، فحفظ القرآن وروى بعض الحديث، كما أنه التقى في فترة شهرته بالإمام الحسين عليه السّلام، وجرى بينهما حديث مشهور تناقله الرواة. لقد نهل من معين البادية لغة، واكتسب شفافية في المشاعر، وقبس عن الأئمّة منهجاً وعقيدة أهّلته للنبوغ، « فخرج إذ ذاك إلى الميدان الرحيب، كامل العدة من الروح العظيمة البليغة، والذكاء البدوي الحضري. وما كادت تظهر بوادر نبوغه حتّى أحاطه المنافسون بالنقد والهجاء، فمشى معهم في هذه السبيل حتّى غلبهم وبزّهم جميعاً ».
مكانته الشعرية:
كان مقدماً على أقرانه ومعاصريه عند أكثر أهل العلم واللّغة والشعر. قال أبو الفرج الأصفهاني: « من كان يميل إلى جودة الشعر وفخامته، وشدة أسره، فليقدّم الفرزدق ».
وحين سأل الحجاجُ قتيبةَ بن مسلم عن أشعر شعراء الوقت، فقال: « الفرزدق أفخرهم ».
ومن الأدلة على نبوغه المبكّر في الشعر أنه دخل وهو غلام يافع على سعيد بن العاص وأنشده والحطيئةُ حاضر:
نرى الغرَّ الحجاحجَ من قريــشٍ .,*,. إذا ما الأمرُ في الحدثـانِ آلا
قياماً ينظـرون إلـى سعيـــــــــدٍ .,*,. كأنهـمُ يَـرَون بـه الهـــــلالا
فقال الحطيئة: « هذا واللهِ الشعر لا ما تعلل به نفسك منذ اليوم، يا غلام أدركتَ مَن قَبلك، وسبقتَ مَن بَعدك ».
وجاء في كتاب الحيوان للجاحظ: « إن أحببت أن تروي من قصار القصائد شعراً لم يُسمَع بمثله، فالتمس ذلك في قصار قصائد الفرزدق، فإنك لا ترى شاعراً قط يجمع التجويد في القصار والطوال غيره ». وله من بديع النظم:
والشيب ينهض في الشباب كأنه .,*,. ليلٌ يصيـح بجانبَيهِ نهـارُ
مواقفه الجريئة مع الحكّام:
كان الفرزدق يمتاز بقوة الشخصية والجرأة، إلى كونه شاعراً مطبوعاً على الثورة والتمرد، وهو معتز بنفسه يملأ كيانَه الفخر، ويهتز عزة وأريحية. فمِن ذلك أنه حضر يوماً عند سليمان بن عبدالملك الأموي، وهو يومئذٍ حاكم، فقال سليمان للفرزدق: أنشدني شيئاً. وإنما أراد سليمان أن ينشده مدحاً له،
فأنشده في مدح أبيه غالب، والد الفرزدق:
وركبٍ، كأن الريح تُطلّب عندهـم .,*,. لها ترةً من جذبها بالعصــــائبِ
سروا يخبطون الليل وهو يلفّهـم .,*,. إلى شُعَبِ الأكوار ذاتِ الحقائـبِ
إذا آنسـوا نـاراً يقولـون إنهــــــا .,*,. وقد خضرت أيديهمُ نارَ غــــالبِ
فغضب سليمان. ومن اعتداده بنفسه أنه كان لا ينشد الولاة والأمراء إلاّ جالساً، ولم يكن الفرزدق حينما مدح بعض الأمويين طلباً للجِدة أو اتقاءً للأذى، مُستلَبَ الإرادة خوّار الهمّة، بل كثيراً ما كان يوجِّه سهام شعره ويفوِّقها دونما خوف أو وجل إلى الحكّام أنفسهم، حينما يشعر بالضيم يلحقه.
ولاؤه وعقيدته:
كان الفرزدق موالياً لأهل البيت عليهم السّلام، مناصراً لعلي وأبنائه عليهم السّلام، مجاهراً بحبّه لهم، وإذا مدحهم تدفق شعره عاطفة وحماسة، فلا نرى فيه أثراً لتكلّف المادح المتكسّب، وخير دليل على صدق موالاته آل البيت عليهم السّلام، قصيدته في زين العابدين علي بن الحسين عليه السّلام، وهي من أبلغ الشعر وأخلصه عاطفة. يقول ابن خَلِّكان في أعيانه: « وتُنسَب إلى الفرزدق مكرمة يرجى له بها الجنّة ». وهي أنه لما حج هشام بن عبدالملك، فطاف وجَهِد أن يصل إلى الحجر ليستلمه، فلم يقدر عليه من كثرة الزحام، فنُصِب له منبر وجلس عليه، ينظر إلى الناس ومعه جماعة من أعيان أهل الشام. وفيما هو كذلك إذ أقبل زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام، وكان من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم أرجاً، فطاف بالبيت، فلما انتهى إلى الحجر، تنحّى له الناس، وانشقت له الصفوف، ومكّنته من استلام الحجر، فقال رجل من أهل الشام: منْ هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة ؟! فقال هشام: لا أعرفه ( مخافة أن يرغب فيه أهل الشام ). وكان الفرزدق الشاعر حاضراً، فقال: أنا أعرفُه! فقال الشاميّ: مَن هذا يا أبا فراس ؟ فقال الفرزدق وأطلق قصيدته الشهيرة العصماء.
قصيدة الفرزدق:
هـذا الـذي تـعرف البطحاءُ وطأتَه .,*,. والـبيتُ يَـعرِفه والـحلُّ والــــــــحرمُ
هـذا ابـنُ خـيرِ عـبادِ الله كـلِّـــــهمُ .,*,. هـذا الـتقيُّ الـنقيُّ الـطاهرُ العَـــــــلَمُ
هـذا آبـنُ فـاطمةٍ إن كنتَ جـــاهِلَهُ .,*,. بـجَـدِّه أنـبـياءُ الله قـد خُـتِمـــــــــوا
هــذا عـلـيٌّ رسـول الله والــــــدُه .,*,. أمـسَتْ بـنور هـداه تـهتدي الأمـــــمُ
إذا رأتــه قـريـشٌ قـال قـائلــــــها .,*,. إلـى مـكارمِ هـذا يـنتهي الـــــــــكرمُ
يـكـاد يُـمـسكه عـرفانَ راحــــــته .,*,. ركـنُ الـحطيم إذا ما جـــــــاء يستلمُ
الله شــرّفـه قِـدْمـاً وعـظّــــــــــمه .,*,. جـرى بـذاك لـه فـي لوحِـــــــه القلمُ
يُـنمى إلـى ذُروة العزّ التي قصُرَتْ .,*,. عـن نـيلها عـربُ الإسلامِ والعــــجمُ
مـشتقّةٌ مـن رسول الله نبعتُــــــــه .,*,. طـابت مغارسه والخيم والشــــــــيمُ
يـنشقّ ثـوبُ الدجى عن نور غُرّتـه .,*,. كـالشمس ينجاب عن إشراقها الظُّلمُ
يُـغضي حـياءً ويُغضى من مهابتــه .,*,. فـمـا يُـكــــلّمُ إلاّ حـــيـن يـبتــــــسمُ
مـا قـال لا قـــــــطُّ إلاّ فـي تـشهده .,*,. لـولا الـتشهد كـانـــــــــــت لاؤُه نَعمُ
عـمّ الـبريةَ بـالإحســـان فـانقشعت .,*,. عـنها الغياهبُ والإمـــــــلاقُ والألمُ
كـلـتا يـديه غـياثٌ عــــــمّ نـفعُهُما .,*,. يُـستوكَفانِ ولا يَـعْروهــــــــــما عَدَمُ
سـهل الـخليقة لا تُـخشــى بـوادره .,*,. يَـزينه اثـنانِ: حُسنُ الخُلْقِ والـــكرمُ
لا يُـخلف الـوعدَ مـيمــــونٌ نـقيبتُه ُ.,*,. رحب الفِناء، أريب حين يعــــــــتزمُ
حـمّـال أثـقالِ أقـوامٍ إذا فُـدِحــــوا .,*,. حُـلْوُ الـشمائل تـحلو عـنده نِــــــــعَمُ
هـم الـغيوث إذا مـا أزمـة أزمَتْ .,*,. والأُسـدُ أسـدُ الشَّرى والبأس مُحتدِمُ
لا يُـنقص الـعسرُ بـسطاً من أكفّهمُ .,*,. سـيانَ ذلـك إن أثْـرَوا وإن عَـــدِموا
أبـى لـهم أن يـحل الـذمُّ ساحتَــهم .,*,. خـيم كـريم وأيـدٍ بـالندى هــــــــضمُ
مِـنْ مـعشرٍ حـبُّهم دِيـنٌ وبغضُهـمُ .,*,. كـفرٌ، وقـربُهمُ مـنجى ومُـــــــعتصَمُ
مُـقـدَّم بـعـدَ ذِكْـر الله ذِكـرُهــــــمُ .,*,. فـي كـل بـدء ومـختومٌ بـه الكَــــــلِمُ
إن عُـدّ أهـلُ الـتقى كـانوا أئمتَهـم .,*,. أو قيل مَنْ خيرُ أهل الأرض قيل: هُمُ
لا يـسـتطيع جـوادٌ بـعد غـايتهـــم .,*,. ولا يُـدانـيهمُ قــوم وإن كـــــــرمـوا
مَـنْ يـعرفِ الله يـعرفْ أوّلـــيةَ ذا .,*,. فـالدينُ مِـن بـيت هـذا ناله الأمــــمُ
ولـيس قـولُك مَـنْ هذا ؟ بضائــره .,*,. الـعُرْبُ تـعرف مَنْ أنكرتَ والعـــجمُ
فلما سمع هشام هذه القصيدة، غضب وحبس الفرزدق، فأنفذ إليه الإمام علي بن الحسين عليه السّلام عشرين ألف درهم، فردّها وقال: مدحتُكم لله تعالى لا للعطاء، فقال الإمام عليه السّلام: إنّا أهل البيت، إذا وهبنا شيئاً لا نستعيده، فقَبِلها. وعندما حبس هشام الشاعرَ بين المدينة ومكة،
قال:
أتحبسُني بين المدينـة والتـي .,*,. إليها قلوب الناس يهوي مُنيبُها
تُقلّب رأساً لم يكن رأسَ سيـدٍ .,*,. وعينٌ له حولاءُ بادٍ عيوبُــهـا!
ولكن هشاماً أطلقه خوفاً من لسانه.
يقول السيّد الأمين في أعيانه: « هذه القصيدة قلّما يخلو منها ومن خبرها كتابُ أدب أو تاريخ، قديماً وحديثاً، وذلك لأن قصيدته تتعلق بفضل إمام من أئمّة أهل البيت عليهم السّلام، له مكانته بين المسلمين، وقد شهد له بالفضل محبّوه وخصومه، وقد حفظها التاريخ لطرافتها ودلالتها على جرأة عظيمة، وقوة جنان وإقدام من الفرزدق، فجابه هشاماً بما جابهه، مجاهراً بالحق أمام شخص يُخاف ويُرجى، وهو شاعر يأمل الجوائز من بني أميّة، فآثر دينه على دُنياه صدعاً بالحق ».
|