|
عضو
|
|
|
|
|
|
|
|
المستوى :
|
|
|
|
المنتدى :
ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
المراتب الوجودية في القرآن
بتاريخ : 20-Jun-2010 الساعة : 05:02 AM
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واللعن عدوهم .
المراتب الوجوديّة للقرآن الكريم
قبل الولوج في هذا البحث ينبغي تقديم مقدّمة تساهم في إيضاح المطلوب، حاصلها: أنّه ثبت في الأبحاث الفلسفيّة أنّ الوجود الإمكاني له عوالم كلّية ثلاثة: عالم التجرّد العقلي، وعالم المثال المنفصل، وعالم المادّة والماديّات.
• فالعالم العقلي، مجرّد تامّ ذاتاً وفعلاً عن المادّة وآثارها.
• وعالم المثال، مجرّد عن المادّة دون آثارها من الأشكال والأبعاد والأوضاع وغيرها.
• وعالم المادّة، لا يخلو ما فيها من الموجودات من تعلّق ما بالمادّة، وتستوعبه الحركة والتغيّر.
وتمتاز هذه العوالم الوجوديّة بخصائص أهمّها:
• السبق واللُّحوق، بمعنى أنّ بعضها سابق على البعض الآخر، وفق ترتيب وجوديّ لا يتغيّر، فالأوّل عالم العقل ثمّ عالم المثال ثمّ عالم المادّة.
• الترتيب العلّي بينها، بمعنى أنّ المتقدّم واسطة الفيض لما تحته.
وقد لخّص الطباطبائي هذه الخصائص بما يلي:
«أوّلاً: إنّ العوالم الثلاثة مترتّبة وجوداً بالسبق واللُّحوق، فعالم العقل قبل عالم المثال، وعالم المثال قبل عالم المادّة وجوداً؛ وذلك لأنّ الفعليّة المحضة التي لا يشوبها قوّة ولا يخالطها استعداد، أقوى وأشدّ وجوداً ممّا هو بالقوّة محضاً كالهيولى الأولى، أو يشوبه القوّة ويخالطه الاستعداد كالطبائع المادّية، فعالما العقل والمثال يسبقان عالم المادّة.
وثانياً: إنّ الترتيب المذكور بين العوالم الثلاثة ترتيب علّي لمكان السبق والتوقّف الذي بينها، فعالم العقل علّة لعالم المثال، وعالم المثال علّة مفيضة لعالم المادّة.
وثالثاً: إنّ العوالم الثلاثة متطابقة متوافقة نظاماً بما يليق بكلّ منها وجوداً؛ وذلك لما تقدّم أنّ كلّ علّة مشتملة على كمال معلولها بنحو أعلى وأشرف. ففي عالم المثال نظام مثاليّ يضاهي نظام عالم المادّة وهو أشرف منه، وفي عالم العقل ما يطابق نظام المثال، لكنّه موجود بنحو أبسط وأشرف وأجمل.
ورابعاً: إنّه ما من موجود ممكن ـ مادّي أو مجرّد، علويّ أو سفليّ ـ إلاّ وهو آية للواجب تعالى من جميع الوجوه يحكي ما عنده من الكمال الوجودي كمال الواجب تعالى».
ولا نريد هنا الوقوف على عدد هذه العوالم وخصائصها ومميّزاتها، بل ما نتوخّاه من ذلك، هو بيان أنّ هناك عوالم أخرى وراء عالم المادّة.
القرآن وتعدّد عوالم الوجود الإمكاني لعلّ أوضح نصّ قرآنيّ يدلّ على وجود عوالم متعدّدة قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ)(الحجر: 21)، ومعنى الخزائن كما جاء في مجمع البحرين: «خزائن الله: غيوب الله، سُمّيت خزائن لغيوبها واستتارها. وخَزَن المال: غيّبه، يُقال: خزنت المال واختزنته من باب قتل: كتمته، وجعلته في المخزن، وكذا خزنت السرّ إذا كتمته».
ومن أهمّ ما يستفاد من هذه الآية التي تعدّ من غرر الآيات القرآنية أمور:
الأوّل: ما من شيء في عالمنا المشهود إلاّ وله وجود في تلك الخزائن. وهذا ظاهر قوله: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ) حيث يفيد العموم بسبب وقوعه في سياق النفي مع تأكيده بـ «من» فيشمل كلّ ما يصدق عليه أنّه شيء، من دون أن يخرج منه إلاّ ما يخرجه نفس السياق، وهو ما تدلّ عليه لفظة «نا» و «عند» و «خزائن» وما عدا ذلك ممّا يُرى ولا يُرى مشمول لعموم نصّ الآية.
لذا قال الرازي في ذيل هذه الآية، وهو يردّ على من فسّر مراد الآية بالمطر: «تخصيص قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ) بالمطر تحكّم، لأنّ قوله: : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ) يتناول جميع الأشياء إلاّ ما خصّه الدليل، وهو الموجود القديم الواجب لذاته».
الثاني: إنّ هذه الخزائن متعدّدة؛ لقوله: (إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ) حيث ذكرت الخزائن بصيغة الجمع، وأقلّ الجمع اثنان. وهذا يفيد أنّ ما من شيء في عالمنا إلاّ ويعبّر عن مرتبة من الوجود، له فوقها خزائن، فيكون للشيء مراتب ثلاث، هي مرتبة هذا العالم ومرتبتان في تلك الخزائن وفق قاعدة أنّ أقلّ الجمع اثنان. كما يمكن أن تتنزّل إلى مرتبتين هما: مرتبة الوجود الظاهري التي في نشأتنا، والمرتبة التي عبّر عنها القرآن «خزائن». هذا على تقدير أن تكون الخزائن جميعاً في مرتبة واحدة، على هذا الاحتمال يكون لكلّ شيء مرتبتان من الوجود على أقلّ تقدير.
أمّا عدد تلك الخزائن التي تحوي هذه الوجودات جميعاً، فهو أمرٌ ينأى عن تحديده العقل، ويحتاج القول فيه إلى دليل قطعيّ من القرآن أو الرواية، يبيّن عدد تلك الخزائن «العوالم».
وأهمّ خصوصيّة في هذه الخزائن أنّه جعل القدر متأخّراً عنها ملازماً للشيء عند نزوله منها: (وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) فالشيء وهو في الخزائن وإن لم يكن مقدّراً بهذا القدر الذي يلازم نزوله منها، لكن مع ذلك ذكرت الخزائن بصيغة الجمع، ومن الواضح أنّ العدد لا يلحق إلاّ الشيء المحدود، وهذا معناه أنّ هذه الخزائن لو لم تكن محدودة متميّزة بعضها عن بعض، كانت واحدة لا كثيرة.
من هنا يتبيّن أنّ هذه الخزائن بعضها فوق بعض، وكلّ ما هو عالٍ منها غير محدود بحدٍّ ما هو دان، غير مقدّر بقدره الذي يلازمه عند نزوله، ومجموعها غير محدود بالحدّ الذي يلحق الشيء وهو في هذه النشأة. وباللغة الفلسفيّة: تنتظم تلك المراتب حسب قاعدة العلّة والمعلول، بحيث تكون المرتبة الدانية مقيّدة بقيد عدميّ فاقدة لكمال ما، على حين ليست المرتبة العالية التي علّتها مقيّدة بالقيد نفسه، وإلاّ لما كانت علّة والمرتبة الدانية معلولاً.
الثالث: إنّ تلك الخزائن ليست هي في عالمنا المادّي المشهود، بل هي من عالم آخر فوق عالمنا؛ لقوله: (إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ) حيث أضافت الخزائن إلى الله سبحانه بقرينة «عندنا»، وعند العودة إلى القرآن نراه يميّز بين «ما عندكم» وبين «ما عند الله» ويُعطي حكماً للموجودات والأشياء التي تدخل في دائرة «ما عندكم» مختلفاً عن الحكم الذي يعطيه للموجودات التي تدخل في دائرة «ما عند الله» حيث يقول سبحانه: (مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ) (النحل: 96). وبربط هذه الآية مع الآية مورد البحث (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا) يتّضح أنّ تلك الخزائن أمور ثابتة غير زائلة ولا متغيّرة لأنّها عند الله، وما عند الله باق، إذن هي فوق عالمنا المشهود، لأنّ الأشياء في هذه النشأة المادّية وفي عالمنا المحسوس متغيّرة فانية لا تتّسم بالثبات ولا بالبقاء.
وبهذا يتّضح أنّ الخزائن الإلهيّة التي تذكرها الآية، هي جميعاً فوق عالمنا المشهود، بحكم انتسابها إلى ما عند الله، وما عند الله باق، ومن ثَمَّ فهي أمور ثابتة غير زائلة.
كتاب علم الإمام بحوث في حقيقة ومراتب الأئمة المعصومين
لسيد كمال الحيدري
|
|
|
|
|