اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
خفافيش الليل
بعد سنوات من الجد والاجتهاد، في تحصيل العلوم والمعارف. كمزارع يكدح في حقله، يثير التربة وينثر البذور، يسقي الأرض وينتظر ريعها. حصل على شهادة البكالوريوس وسوف تفتح له أبواب الثروة على مصراعيها، وتمهد له الطريق للإقلاع إلى مستقبله الوظيفي، كرائد ينطلق ليكتشف الفضاء. هذا ما كان يعتقده ويردده بينه وبين نفسه.
باستلامه الوثيقة طرق مختلف الأبواب، حكومية وخاصة، وشركات ومؤسسات، ومنشئات كبيرة وصغيرة. كأنه عصفور ينتقل من شجرة إلى أخرى، ومن غصن إلى آخر يلتقط رزق يومه. الوظيفة الحكومية حبالها طويلة، تمتد إلى ما شيء لها أن تمتد. والشركات والمؤسسات اقصر اذرعا واقرب منالا، لكن تكتنفها بعض المعوقات، هكذا كان يفكر.
توجه إليها مع قلة الراتب، ومتطلبات الخبرة الواسعة، وضرورة الإلمام بلغة أجنبية, والإصرار على الخدمة لساعات طويلة. وانتظارا للتوظيف الحكومي، قبل براتب من يقبل به دون تحفظ، واضعا في ذهنه كسب الخبرة، والتأقلم مع الحياة العملية.
استلم أول مرتب وكان ثمن بخسا دراهم معدودة، ولم يكن فيه من الزاهدين. بل كان فرحا مستبشرا، فهو مقابل شهر من الجهد، والكثير من الوقت، والتعب المضني نفسيا وعضليا. كطفل يحصل على أول لعبة له، بعد العديد من الوعود، وطول من الانتظار. فطار إلى والدته على جناح السرعة، ناشرا أمامها نقوده، مبتهجا فرحا بما حققه.
حضنته مظهرة فرحتها له، وهي تقول: أرقيك وأعيذك بالله العلي العظيم، من شر الشيطان ومن شر أولاد الحرام. يا ولدي أنصحك بالتحفظ على مالك، وفتح عينيك على وسعهما، لان لا تنالك يد الغدر.
لعظيم سعادته أحب إخبار أصحابه، وإطلاعهم على جديده. فخرج إليهم ليلا، مرة يخرج نقوده يعدها، وأخرى يضعها في جيبه ويطبق عليها بكلتا يديه، كمن رزق بمولوده البكر، عير مصدق ما يحصل له.
مر به احد خفافيش الليل على دراجة نارية، ممن يعتاشون على امتصاص دماء الآخرين وسرقة جهودهم. شاهده وهو يتطلب فريسة، يفرع فيها حقده على المجتمع. وهو في تلك الحال المريبة، لاحظ النقود تتطلع على استحياء، كعروس خجول بكامل زينتها في ليلة زفافها. تابعه حتى انعطف إلى طريق فرعي مظلم، قد غابت نجومه، ونكدر قمره.
السلام عليكم. فرد عليه بطيب نفس وامتنان، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
هل لديك قداحة وجذوة نار؟ فاخذ يبحث في جيوبه عن طلبه.
استغل انشغاله بخدمته، فمد يده شادا إليه النقود، وفي لمح البصر اختفى كما بدى، جني ظهر وتلاشى دون ترك اثر.
بقي لفترة لا يعلم ما حصل له، وما يتوجب عليه فعله، كمن وقع تحت دش بارد فاقشعر بدنه، وانتشر شعره. وبعد أن استفاق من غشاوته، أخذه الفكر في طرق شتى، يخيره بين الرجوع إلى والدته، أو الذهاب إلى أصدقائه، أم الإبلاغ عن سرقته من قبل من لا يعرف وصفه.